في الماديّة الديالكتيكيّة ..2


فواز فرحان
2010 / 3 / 25 - 18:12     

في الماديّة الديالكتيكيّة ..

الماديّة ..

ــ المادة هي التي تنتج الذهن ..
ــ المادة موجودة خارج كل ذهن ..
ــ العلم يُتيح لنا معرفة الأشياء بواسطة التجربة ..

لماذا يجب علينا دراسة الماديّة ؟

من أجل الإجابة على السؤال الأساسي في الفلسفة ، وماهيّة العلاقة بين الوجود والفكر ، ولا يمكن أن يوجد إلاّ جوابان متعارضان ، درسنا المثالية في السابق وهنا ندرس المادية ، إنهُ من الضروري معرفة الماديّة معرفة جيدة ، وهناك ضرورة لدارسي الماركسيّة أن يعرفوا أساسها أي ( الماديّة ) ..

من أين تأتي الماديّة ؟

نعلم أن تعريف الفلسفة هو .. الجهد المبذول لتفسير العالم والكون ، لكننا نعلم أن هذهِ التغييرات تتغيّر تبعاً لحالة المعارف الإنسانيّة ، وان موقفين إثنين تبنّاهما الفلاسفة عبر التاريخ لتفسير العالم ..
ــ الأول .. لا علمي .. يستعين بروح أو عدة أرواح
ــ الثاني .. علمي .. يرتكز على الوقائع والتجارب

كيف تطوّرت الماديّة ولماذا ؟

يُظهر تاريخ الفلسفة الماديّة لنا شيئاً حيّاً ودائم الحركة فيها ، على عكس ما يدّعيهِ مناهضوها ، والذين يزعمون أن هذا المذهب لم يتطوّر أبداً ..
لقد تقدّمت المعارف الإنسانية العلمية عبر القرون ، وأدخلت العلوم في تفسيرها لظواهر العالم تدقيقاً أزعج الفلسفة المثالية وناقضها وتولّد نزاع بين الفلسفة والعلوم ..
ولأن العلوم كانت متناقضة مع الفلسفة الرسمية في تلك الحقبة أصبح من الضروري أن تنفصل عنها ..
لكن الفلسفات ولدت مع العلوم ، وإرتبطت بها وخضعت لها ، وتقدّمت وتطوّرت معها ، لتتوصل مع المادية الحديثة ( مادية ماركس وانجلز ) الى أن تجمع من جديد العلم والفلسفة في الماديّة الديالكتيكيّة ..

(( من المهم جداً أن نفهم أن الماديّة والعلوم مرتبطان إحداهما بالأخرى ، وإن الماديّة تخضع بصورة مطلقة للعلم ))

ما هي مبادئ الماديّة وحججها ؟

للإجابة على هذا السؤال لا بدّ من العودة الى المسألة الأساسية في الفلسفة ، مسألة العلاقة بين الوجود والفكر ، أيّهما هو الرئيسي ؟
يؤكد الماديّون ..
ــ أنَّ ثمّة صلة مُحددة بين الوجود والفكر ، بين المادة والذهن ..
ــ الوجود والمادة هما الحقيقة الأولى .. والذهن هو الحقيقة الثانية التالية الخاضعة للمادة ..
ــ بالنسبة لهم أنَّ الذهن أو الله ليس خالق العالم والمادة ، لكن العالم والمادّة والطبيعة هي التي تخلق الذهن ..
(( الذهن ليس سوى أعلى نتاج للمادة )) ..
فإذا عُدنا للسؤال المطروح كيف يحدث أن الإنسان يُفكر ؟
تكون الإجابة ..
الإنسان يُفكر لأنه يمتلك دماغاً ، وأن الفكر هو نتاج الدماغ ، فلا فكر عندهم بدون مادّة ، بدون جسد ..
أن وعينا وفكرنا مهما يبدوان مفارقين ، فإنهما ليس سوى نتاج جهاز مادّي حسمي هو الدماغ وبالتالي فإن الوجود والمادّة هما أشياء واقعيّة بالنسبة للماديّين ، أشياء موجودة خارج فكرنا ، وليست بحاجة للذهن حتى توجد ، كذلك الذهن لايمكن أن يوجد دون المادة ، فليس هناك نفس خالدة منفصلة عن الجسد ...

إن أفكارنا ليست سوى إنعكاس الأشياء في دماغنا ..
لذلك نحن أمام الوجه الآخر للسؤال عن العلاقة بين الوجود والفكر ..
ــ ما هي علاقة أفكارنا عن العالم المُحيط بنا ؟ والعالم نفسهُ ؟
ــ هل يستطيع فكرنا أن يعرف العالم الواقعي ؟
ــ هل يمكننا في تصوّراتنا أن نُكوّن إنعكاساً صادقاً لواقعنا ؟
تُسمّى هذه المسألة في الفلسفة مسألة مطابقة الفكر والكائن .
وأجوبة هذهِ الأسئلة عند الماديّون هي كالتالي ..
ــ نعم نستطيع معرفة العالم ، والأفكار التي نكوّنها عن العالم تزداد صحةً لأننا نستطيع دراستها بواسطة العلوم ، وهذه العلوم تبرهن لنا دائماً بالتجربة أن الأشياء التي تحيط بنا فعلاً تتمتع بواقعيّة خاصة بها ، مستقلة عنّا ، يستطيع الناس إعادة إنتاج هذهِ الأشياء جزئيّاً وخلقها إصطناعيّاً ..

والماديّون يؤكدون أمام المشكلة الأساسيّة في الفلسفة ..
1 _ أن المادة هي التي تنتج الذهن ، وإننا علميّاً لم نصادف ذهناً بدون مادة ..
2 _ إن المادة موجودة خارج كل ذهن ، وليست بحاجة للذهن حتى توجد ، لأنها تمتلك وجوداً خاصّاً ، أي أن الأشياء هي التي تُعطينا أفكارنا ..
3 _ إننا نستطيع معرفة العالم ، ويمكننا بواسطة العلوم تحديد ما نعرفهُ سابقاً ، وإكتشاف ما نجهلهُ ..
فالوعي ليس إفراز لعضو من الأعضاء ، إنما هو وظيفة الدماغ ، إنهُ نشاط ، إن النشاط الإنساني هو نشاط واعٍ في بعض الظروف العضويّة المُعقدة ..

من هو على حق المادّي ؟ أم المثالي ؟

كيف يجب أن نطرح المشكلة ؟
بعد أن عرفنا إطروحات الماديّين والمثاليّين سنحاول معرفة من هو على حق ..
المثاليون يؤكدون ..
ــ أن الروح تخلق المادة ..
ــ أن المادة لا توجد خارج ذهننا وهي بالنسبة لهم وهم ..
ــ أن أفكارنا هي التي تخلق الأشياء ..

بينما يؤكد الماديّون عكس ذلك تماماً ..
ــ أن المادة هي التي تنتج الذهن ..
ــ المادة موجودة خارج كل ذهن ، والأشياء هي التي تُعطينا أفكارنا ..
ــ نستطيع معرفة العالم بواسطة العلوم ..
ولتسهيل عملنا يجب أولاً أن ندرس ما يقع تحت الحسّ المُشترك ..
ــ هل صحيح أن العالم لا يوجد إلاّ في فكرنا ؟
ــ هل صحيح أن أفكارنا هي التي تخلق الأشياء ؟
هاتان الحجّتان تافع عنهما المثالية اللاماديّة لباركلي ..
وتؤدي نتائجهما كما هو في جميع اللاهوتيّات الى السؤال الثالث
ــ هل صحيح أن الروح تخلق المادة ؟
إن هذهِ الأسئلة مهمّة جداً لأنها تتعلق بالمشكلة الأساسيّة في الفلسفة ..
وعند مناقشتها سنرى من هو على حق ؟ لأنها هامة جداً بالنسبة للماديّين ، بمعنى أن الأسئلة مشتركة بين جميع الماديّات الفلسفية ، وبالتالي في الماديّة الديالكتيكيّة ...

هل صحيح أن العالم لا يوجد إلاّ في فكرنا ؟

قبل الإجابة على هذا السؤال يجب علينا أن نُحدّد وضع لفظين فلسفيَّين نحن مدعوّون لإستعمالهما .. هما
ــ الواقع الذاتي .. هو الواقع القائم في فكرنا فقط ..
ــ الواقع الموضوعي .. هو الواقع القائم خارج فكرنا

فالمثاليون يقولون أن العالم ليس واقعاً موضوعيّاً بل واقعاً ذاتيّاً ..
ولإظهار أن العالم والأفكار لا يوجدان إلاّ في ذهننا جزّأ الأسقف باركلي الأشياء بحسب خصائصها ( لون ، مقدار ، كثافة ، الخ ) وبيّنَ لنا أن هذهِ الخصائص التي تتغيّر تبعاً للأشخاص ، ليست في الأشياء نفسها ولكن في ذهننا ، ويَستنتج أن المادة هي مجموعة خصائص غير موضوعيّة وإنما ذاتيّة ، وهي بالتالي غير موجودة ..
بينما يؤكد الماديّون أن العلم يُتيح لنا بالفعل تصحيح الأخطاء التي تدفعنا حواسنا لإرتكابها ..
نحن لا نناقش خصائص الأشياء ... بل وجودها
لنرى كيفَ تُطرح مسألة الماديّة والمثالية من هو على حق ؟
الله ، أم العلم ؟؟
إن العلم بيّن لنا بالممارسة والتجربة أن العالم هو واقع موضوعي ..

هل صحيح أن أفكارنا هي التي تخلق الأشياء ..
مثال ..
أوتوبيس يمر في اللحظة التي نجتاز بها الشارع بصحبة مثالي يُناقش لمعرفة الأشياء هل هي واقع ذاتي أم واقع موضوعي ، وهل صحيح أن الأشياء تخلقها أفكارنا ؟ ..
من المؤكد أنهُ إذا أردنا أن لا ندهس علينا أن ننتبه جيداً ، إذ أن المثالي مضطر في الممارسة أن يعترف بوجود الأوتوبيس ، عملياً بالنسبة له لا فرق بين أوتوبيس ذاتي أو أوتوبيس موضوعي ، وهذا أمر بالغ الصحّة ، حتى أن الممارسة تقدم البرهان على أن المثاليون هم ماديّون في الحياة ( لأنه لو كان يثق بأن الأوتوبيس غير موجود سوى في خيالنا لإجتاز الشارع دون أن يخاف من الدهس ) ..

يقول لينين ...
(( إن معيار الممارسة هو الذي يُتيح لنا أن نفحم المثاليين ))

هل صحيح أن الروح تخلق المادة ؟

الجواب المثالي النهائي على هذهِ المسألة تجد شكلها الأسمى في الله ..
وعلى عكس ذلك ..
يستخدم الماديّون العلم لدعم نظريّتهم ، هذا العلم الذي طوّرهُ الناس بمقدار ما جعلوا ( حدود جهلهم ) تتراجع ..

الماديون على حق والعلم يثبت تأكيداتهم ..

الماديّون على حق من خلال ..

ــ ضد مثالية باركلي ، وضد الفلاسفة الذين يختبؤون وراء لا ماديّتهِ ..
ــ ضد جميع الفلاسفة المثاليين ، لأن تأكيداتهم وإستنتاجاتهم تؤدّي الى تأكيد خلق المادة بواسطة الروح ..
ــ العالم والأشياء توجد فعلاً خارج فكرنا ، وليست بحاجة الى فكرنا حتى توجد ، ومن جهة أخرى ليست أفكارنا هي التي تخلق الأشياء ، بل الأشياء هي التي تعطينا أفكارنا ...
وبالإستناد الى العلوم يُثبت الماديّون أن ..
( المادة هي التي تخلق الروح وانهم لا يحتاجون الى فرضيّة الله لتفسير خلق المادة ) ..

هل هناك فلسفة ثالثة ؟
اللا أدرية
لا يتمتع المثاليون المُحدّثون بصراحة الأسقف باركلي ، فهُم يقدّمون آرائهم بمزيد من التصنّع في صورة أكثر غموضاً من جرّاء إستعمال مصطلحات جديدة ، الغرض منها جعلها مقبولة من الناس البسطاء على إعتبار أنها الفلسفة الأحدث ..
حجاج الفلسفة الثالثة ..
بالنسبة للاأدريين لا نستطيع أن نعرف هل العالم في أساسهِ روح أم مادة ، فمن الممكن معرفة مظهر الأشياء لكننا لكننا لا نستطيع معرفة واقعها ...
يعني أنهم يقولوا ..
أننا نستطيع معرفة المظهر جيّداً ، لكننا لن نعرف الواقع أبداً ..
ويضيفوا ...
إن حواسنا تُتيح لنا رؤية الأشياء والإحساس بها ومعرفة الأوجه الخارجيّة ( أي المظاهر ) وهذهِ المظاهر موجودة بالنسبة لنا ، وتؤلف باللغة الفلسفيّة ( الشئ لنا ) لكننا لا نستطيع معرفة هذا الشئ في ذاته ..

مما تتأتى هذهِ الفلسفة ؟

إن مؤسّسي هذهِ الفلسفة هما ( هيوم 1711 ـ 1776 ) وهو إسكتلندي ، وكانط 1724 ـ 1804 وهو ألماني وحاول الإثنان التوفيق بين الماديّة والمثالية ..

يقول لينين في محاكمة هيوم في ( الماديّة والنقد التجريبي )

(( يمكن أن يُعتبر أمراً مفروغاً منه كون الناس ميّالين بغريزتهم الطبيعيّة الى أن يثقوا بحواسهم ، وكوننا نفترض دائماً دون أدنى محاكمة أو حتى نلجأ الى المحاكمة وجود كون خارجي لا يتوقف على إدراكنا وهو سيظل موجوداً حتى لو إختفينا وزلنا من الوجود نحن وجميع الكائنات الأخرى التي تملك الحساسيّة )) ..

مثال ..

إن الطاولة التي تراها تبدو أصغر عندما تبتعد عنها ، لكن الطاولة الفعلية التي توجد بصورة مستقلة عنّا ، لا تتعرّض لأي تغيير ، فعقلنا لم يدرك سوى نسخة الطاولة ..

نرى أن هيوم يقبل أولاً كل ما يقع تحت الحسّ المشترك ، وجود الكون الخارجي غير مرتبط بنا ، لكنهُ يرفض في الحال قبولهِ كواقع موضوعي ..

نتائج هذهِ النظرية ...
لقد رأينا أن اللأدرية تُميّز ( الأشياء لنا ) و ( الأشياء في ذاتها ) ودراسة الأشياء لنا ممكنه إذ أن هذا هو العلم ، ولكن دراسة الأشياء في ذاتها أمر مُحال لأننا لا نستطيع معرفة الأشياء خارجاً عنّا ..
إن نتيجة هذهِ المحاكمات هي ..
ــ اللا أدري يقبل العلم ، وبما أنه لا يستطيع العمل بالعلم دون أن يطرد من الطبيعة كل قوة تفوق الطبيعة ، فإنهُ أمام العلم يكون ماديّاً ..
ــ إن العلم حسب وجهة نظرهم لا يعطينا سوى المظاهر ، وعدا ذلك لا يوجد شئ يثبت عدم إحتواء الواقع أشياءاً أخرى غير المادة ..
ــ فاللا أدري إذاً هو مادي لا يجرؤ على تأكيد ماديّتهِ ، ويُفتش قبل كل شئ على أن لا يخلق له المشكلة مع المثاليين ..

كيف ندحض هذهِ الفلسفة ..
يقول اللا أدريون أنهُ من المستحيل تأكيد وجود العالم الخارجي أو عدم وجودهِ ..
لكننا .. بالممارسة نعلم أن الأشياء والعلم موجودان ، ونعلم أن الأفكار التي نكوّنها لأنفسنا عن الأشياء هي أفكار أساسيّة ، وأن الصلات التي نقيمها بين الأشياء وبيننا هي صلات واقعية ..
ونرى الآن أن النظريّات التي تتدعي ربط الفلسفتين لا تستطيع فعلياً إلاّ مساندة المثالية ، وإنها لا تقدم بالتالي جواباً على السؤال الأساسي في الفلسفة وأنهُ بالتالي ليس هناك فلسفة ثالثة ..

ملخصات ماركسية ..
ــ مبادئ أولية في الفلسفة ... جورج بوليتزر
ــ المادية والنقد التجريبي .. لينين