الماركسية اللينينية الماوية: تقاتل، تصمد و تنتصر


خالد المهدي
2010 / 3 / 22 - 00:07     

تقديم

تشكل الماركسية اللينينية الماوية اليوم مركز الاهتمام الفكري و الإيديولوجي وسط جل الشيوعيات و الشيوعيين بالمغرب، و قد برزت، في صراع مرير خاضته العديد من الشيوعيات و الشيوعيين ضد الجمود العقائدي و القوالب الجامدة و ضد الانتظارية الانتهازية و نمت و تطورت بالمغرب في صراع فكري و سياسي قاس ضد الرجعية و ضد التحريفية و التروتسكية و الفاشية و كل مظاهر الانحلال الفكري و السياسي الذي سيطر على جيل بأكمله داخل الحركة الشيوعية ببلادنا.
إن بروز الماركسية اللينينية الماوية بالمغرب (بغض النظر عن من يدافع عنها و من يهاجمها) جاء كإجابة عن معضلات الصراع الطبقي ببلادنا و كإجابة عن واقع التفسخ النظري و السياسي الذي ساد على طول مرحلة طويلة من صيرورة تطور الحركة الشيوعية بالمغرب (الحشم)، و جاء أيضا كانعكاس للنمو المتزايد الذي شهده صراع الطبقات ببلادنا و للنمو المتزايد لنضال الشعوب ضد الاستعمار الجديد تحت قيادة الشيوعيات و الشيوعيين المخلصين لقضايا الثورة في بلدانهم و قضايا الثورة العالمية.
و اليوم إذ يبرز الماركسيون اللينينيون الماويون في طليعة النضال ضد التحريفية و الانتهازية و إلى جانب الجماهيرية الشعبية في نضالها ضد القهر و الاستغلال مقدمين حياتهم و حرياتهم فداءا للشعب المغربي سائرين في الاتجاه الصحيح مخلصين لقضايا الثورة و مؤمنين بقدرة الشعب المغربي على دك الرجعية تحث قيادة البروليتاريا و مسلحين بأعلى ما وصله التفكير الثوري من تقدم: الماركسية اللينينية الماوية.
لهذا السبب و لهذا السبب بالضبط، تشن اليوم على الماركسية اللينينية الماوية و على الماركسيين اللينينيين الماويين هجمات شرسة من أناس فقدوا إيمانهم بالثورة و فقدوا بوصلة إنجازها و لم يعد هناك ما يشغل بالهم في حقل الصراع الطبقي سوى مهاجمة الماركسية اللينينية الماوية.
لكننا في المقابل نستقبل كل تلك التهجمات (رغم أن جلها غير شريف) بجدية و بوعي لنبرز من خلالها حقيقة الأوضاع و القضايا و المهام المطروحة في جدول أعمال الثوريات و الثوريين و نبرز معها حقيقة من يتبنى الثورة و يعيش من أجلها و من يتمسح بها مرددا جملة من الشعارات الراديكالية و الديماغوجية التي تخفي من ورائها الانتهازية و الخنوع.
إننا مقتنعون، أننا وسط هذا الصراع نتعلم و نتجاوز أخطائنا و نواقصنا و نتقدم إلى الأمام فكرا و ممارسة.
لقد فتح النقاش العلني حول الماركسية اللينينية الماوية بالمغرب منذ أزيد من خمس سنوات و قد حاولنا قدر المستطاع إبراز المسائل الفكرية و السياسية التي تحيط بهذا النقاش و الرقي بالصراع الفكري و السياسي وسط الحشم، و قد اتضح بالملموس و سط هذا الصراع من يمتلك أفكارا جدية و من تحركه الأحقاد و الدسائس.
واليوم نحن أكثر إصرارا من البارحة ليس لأجل الدفاع عن الماركسية اللينينية الماوية و فقط بل من أجل تعرية الانتهازية أمام المناضلين و أمام الجماهير، شعارنا في ذلك وصية معلمنا الكبير الرفيق ماو:" طبقوا الماركسية و ليس التحريفية، اسعوا إلى الوحدة و ليس إلى الإنشقاق، كونوا صرحاء و صادقين، لا تحبكوا المؤامرات و الدسائس".
إن المقال الذي نقدمه للقراء يشكل الجزء الأول من دراسة حول الإضافات النوعية للرفيق ماو تسي تونغ للأقسام الثلاث المكونة لنظرية البروليتاريا أي الفلسفة و الاشتراكية العلمية و الاقتصاد السياسي.
و كما سوف يلاحظ القارئ في هذه الدراسة أننا تعمدنا قبل طرح إضافات الرفيق ماو ، طرح ما قدمه ماركس و إنجلز و إبراز الشروط المادية التي رافقت إنتاج هذه أو تلك من الموضوعات النظرية و كيف أن الشروط المادية نفسها فرضت تطوير، أو في بعض الحالات تجاوز، هذه الموضوعة أو تلك من طرف لينين و ماذا قال عنها ستالين و ماو بعدذلك.
إن ذلك بكل تأكيد جعل من هذه الدراسة طويلة نسبيا، لكننا و الحق يقال لم نجد سبيلا أخر غير ذلك لأن الكثير (ليس الكل طبعا) ممن يدعون الانتماء للماركسية اللينينية و يهاجمون الماوية هم على جهل تام حتى بما قالته الماركسية اللينينية.
خالد المهدي شتنبر 2009


الجزء الأول: الفلسفة


لقد شكلت الفلسفة بالنسبة لماو و قبله ماركس و انجلز و لينين و ستالين أحد أهم و "أخطر" الجبهات التي خيض فيها الصراع ضد البرجوازية و ضد كل الانحرافات الفكرية داخل الحركة الشيوعية . فالفلسفة كانت مرافقة لهم في كل مراحل الصراع السياسي ، كانت حاضرة بكل ثقل خصوصا في لحظات الانعطافات الكبرى للصراع الطبقي محليا و أمميا و قد تطورت الفلسفة الماركسية و تجذرت اكثر فأكثر عبر هذا الصراع الذي قاده هؤلاء المعلمون الكبار .
إن الفلسفة بالنسبة للماركسيين ليست شيئا في السماء بل إنها في الأرض في قلب الممارسة العملية حيث أن المشكلات و القضايا الفلسفية التي أثيرت قد برزت و انبثقت خلال الصراع حول قضايا سياسية مباشرة جابهت الشيوعيين و الثورة .
لكن بالرغم من اختلاف شروط الصراع السياسي بين كل مرحلة و أخرى و بين كل لحظة و أخرى ، فإن القضايا الفلسفية أو على الأقل أهمها كانت واحدة إلى حد كبير :
- الديالكتيك : مضمونه ، قوانينه ...
- المادية : مفهومها ، أبعادها ...
- المعرفة : نشوؤها ، تطورها ...
لقد تمكن ماو في سياق هذه الصيرورة من إغناء الفلسفة الماركسية و إعطائها بعدا اكثر جذرية ، و سوف نتناول في هذا المقال اضافاته الفلسفية في تطوير الديالكتيك و نظرية المعرفة .


1 – الديالكتيك :


ما هو الديالكتيك ؟ ما أهميته ؟ هل هناك قوانين خاصة بالديالكتيك ؟ كم عددها ؟ ما هي ؟
من ماركس حتى ماو كانت دائما تطرح الأسئلة و إن اختلفت الشروط الموضوعية التي أفرزتها . و حتى نبرز مكانة ماو في تعميق الديالكتيك الماركسي نرى من المفيد اولا التذكير بمختلف الإجابات التي قدمها قادة البروليتاريا العالمية حول الموضوع .


ماركس / انجلز .


لقد استطاع ماركس في مؤلفه رأس المال من وضع و صياغة الديالكتيك بشكل ملموس إبان تحليله للمجتمع الرأسمالي و كشف قوانينه ، لكن يرجع الفضل أساسا الى رفيقه انجلز في تناول الديالكتيك و قوانينه ، ففي مؤلفاته ضد دوهرينغ ، ديالكتيك الطبيعة و لودفيغ فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، تمكن انجلز من عرض الموضوع بشكل مفصل الى حد بعيد .
فبالنسبة له ليس الديالكتيك سوى " علم القوانين العامة للحركة و تطور الطبيعة و المجتمع الإنساني و الفكر " ( ضد دوهرينغ ص 69 ) و قد حدد هدفه هو و ماركس في اكتشاف هذه القوانين الموضوعية التي تتحكم في التطور والحركة . و هنا تبرز بجلاء اهمية المسالة ، فالكشف عن هذه القوانين الموضوعية هو ما يمكن الانسان من الوعي بواقعه و تغييره . فعبر الكشف عن هذه القوانين التي تتحكم في تطور المجتمع الرأسمالي و تحويل هذه المعرفة الى قوة مادية عبر امتلاك الجماهير لها وتوجيهها نحو الثورة و التغيير .
لقد كانت المهمة الأولى لدى ماركس و انجلز هي تبيان الطابع الموضوعي لقوانين الديالكتيك و لذلك أطلق عليه المادية الجدلية . ولكي نفهم هذا التأكيد على البعد المادي و الموضوعي في أطروحاتها يجب أن نستحضر الشروط الملموسة التي انبثقت فيها هذه الموضوعات و استحضار الأفكار و التصورات التي كانت موضوع نقد و صراع بالنسبة لماركس و انجلز... " فكر ثوري يتحدد نسبيا من خلال ضد ماذا يصارع " فعبر هذا الصراع يتحدد اتجاه تطور هذا الفكر . و هكذا فعندما يكون الصراع ضد الهيغلية و ضد الاشتراكية الطوباوية و ضد الفوضوية هو مركز الاهتمام فمن الطبيعي أن تكون المادية هي مركز الحجج ، فالهدف كان هو تبيان موضوعية الديالكتيك و قوانينه لذا نجد انجلز في مقابل " الاشتراكية الطوباوية " يضع " الاشتراكية العلمية " و يضع "ديالكتيك الطبيعة "و يأخذ من العلوم الطبيعية الحقل الأهم لعرض موضوعية قوانين الديالكتيك .
لكن ما هي قوانين الديالكتيك ؟
بالنسبة لماركس و انجلز يمكن حصرها في ثلاثة قوانين :
1 – قانون التحول من الكمية الى الكيفية و العكس .
2 – قانون تداخل المتناقضات .
3 –قانون نفي النفي .( ديالكتيك الطبيعة ص 69 ) .

إن أول ما يلفت الانتباه في هذه الصياغة لقوانين الديالكتيك هو غياب أولوية قانون وحدة و صراع الأضداد . فالماركسية الى ذلك الحين لم تكن تعتبر هذا القانون هو القانون الجوهري للديالكتيك بل كانت ترى في هذه القوانين ككل متساو أي ان لها نفس درجة الاهمية . في حين اذا ما اخذنا مثلا قانون التحول من الكمية الى النوعية فهو ليس شيئا آخر سوى خاصية من خصائص قانون التناقض بين الكمية و النوعية كما لاحظ ذلك لينين و ماو . فالتحول من الكمية ( الطرف الاول للتناقض ) الى النوعية (الطرف الثاني للتناقض ) و العكس ، ليس سوى " انتقال طرف التناقض الى نقيضه و العكس ".
إن أهم ما يحمله هذا القانون ليس هو انتقال الكمية الى النوعية و العكس بل إنه اساسا مفهوم القفزة أي حدوث قفزة نوعية ناتجة عن التراكم الكمي . أما فيما يخص قانون نفي النفي فبدوره ليس سوى تحديدا للاتجاه التاريخي لصراع المتناقضين أي انه يحدد احدى خصائص قانون التناقض .
"... إن ماركس ليثبت بكل بساطة بالاستناد الى التاريخ ، و يلخص هنا باقتضاب الحقائق التالية : مثلما خلق الانتاج الصغير بالضرورة فيما مضى ، من جراء تطوره بالذات ، شروط زواله ، يعني شروط نزع ملكية العقارين الصغار ، كذلك فان الاسلوب الراسمالي في الانتاج قد خلق لنفسه حاليا الشروط التاريخية التي تحكم عليه بالفناء بصورة لا مفر منها .( ضد دوهرينغ ص 160 ) و هو ما يعني ان التناقض بين التراكم الراسمالي و الملكية الخاصة الصغيرة يتحول و يفسح المجال امام تناقض آخر : التناقض بين البروليتاريا و الملكية الراسمالية ذاتها .
و هكذا يتضح ان القوانين الثلاث التي وضعها انجلز لا تحظى بنفس الاهمية ، فقانون " تداخل المتناقضات " يشكل بالفعل جوهر الديالكتيك بالرغم من أن صياغته آنذاك لم تكن دقيقة كما نجدها عند لينين و ستالين و ماو ، و هي على كل حال صياغة أملتها شروط تطور الديالكتيك نفسه في تلك المرحلة خصوصا خلال النضال ضد الميتافيزياء .فماركس و انجلز ، كما سبق و ان اشرنا الى ذلك ، قد ناضلا بحزم و قوة ضد هذه النزعة و قد أعطيا الاولوية للجوانب المادية في التطور و كان همهما الاساسي يكمن في تقديم الدليل على موضوعية هذه القوانين و على موضوعية التطور و الحركة وفقا لهذه القوانين و هو ما خلق لدى بعض المفكرين " الماركسيين " آنذاك نوع من الدغمائية في فهم هذه القوانين الثلاث و ولد ، إن صح التعبير ، الوهم بالتحول الموضوعي للمجتمع الراسمالي الى المجتمع الاشتراكي لدى العديد من المفكرين " الشيوعيين "آنذاك ( أمثال برنشتاين) حتى تطور هذا الوهم الى اتجاه انتهازي داخل الحركة الشيوعية ليسود داخل الاممية الثانية و يحولها الى ذيل للبرجوازية .
لكن الصراع الطبقي سوف يستمر و موضوعات انجلز لم تعد كافية لتفسير العديد من الظواهر خصوصا تلك المرتبطة بالحركة الشيوعية و هو ما فرض الحاجة الى تطويرها ، هنا سوف تظهر قوة و عنفوان أطروحات لينين الفلسفية و اساسا موضوعاته المطورة للديالكتيك الماركسي .


لينين


تترافق أعمال لينين الفلسفية تاريخيا مع اكبر الهزات و الانعطافات التي شهدتها الثورة الروسية و الثورة العالمية ( 1907 /1916 ) بعد هزيمة الثورة الروسية الاولى 1905 / 1907 و مع اندلاع الحرب العالمية الاولى 1914/1918 . في تلك اللحظات كان لينين على خلاف انجلز و ماركس يجابه النزعة الموضوعية والنزعة التجريبية .
في ملاحظاته حول " علم المنطق لدى هيغل " ( انظر الدفاتر الفلسفية ) يحدد لينين ما أسماه "عناصر الديالكتيك " مقدرا إياها ب 16 عنصرا ، لكن حسب لينين دائما فانها لا تحظى بنفس الأهمية ، و هو هنا ينتقد ضمنيا انجلز ، ملاحظا مثلا ان العنصر 16 ( الانتقال من الكم الى الكيف ) ليس سوى حالة خاصة من العنصر 9 ( انتقال كل طرف الى نقيضه ) .
و باستحضار ملاحظاته تلك يمكن القول ان لينين وضع اربعة مبادئ للديالكتيك :
" 1- التداخل ( مبدأ الكلية ).
2- كل واقع هو حركة ، صيرورة .
3 – التناقض هو جوهر الصيرورات .
4 – التطور الحلزوني. "( حول نظرية التناقض : آلان باديو ).
إن هذه المبادئ ليست كما يمكن أن نلاحظ هي نفسها تلك التي وضعها انجلز بل ان لينين يذهب الى ابعد من ذلك بكثير حيث يعلن انه " يمكن ان نعرف اختصارا الديالكتيك انه نظرية وحدة و صراع الاضداد . لهذا نكون قد حددنا جوهر الديالكتيك . لكن ذلك يتطلب و يحتاج العديد من الشروحات و التطوير " (الدفاتر الفلسفية) .
و هكذا فنظرية وحدة و صراع الاضداد تشكل بالنسبة للينين جوهر الديالكتيك غير أنه لم يتمكن من عرض جميع جوانب المسألة و ترك الباب مفتوحا للقيام بذلك للماركسيين من بعده .
إن لينين لم ينتقد و يتجاوز محدودية صياغة انجلز للديالكتيك و فقط و لم يضع التناقض في مركز كل تطور و فقط بل إنه رفع كثيرا أولوية التناقض على الوحدة : " وحدة ( ... الهوية ، التكافؤ ) المتناقضات مشروطة ، مؤقتة ، انتقالية و نسبية ، الصراع بين المتناقضات مطلق ، كما هو الشأن بالنسبة للتطور و الحركة " (لينين ).
إن هذه الموضوعة اللينينية حول الوحدة و الصراع بين الأضداد تكتسي أهمية خاصة خصوصا عند استحضارها في قلب الصراع الطبقي و في قلب الممارسة السياسية ، فوحدة الطبقة العاملة مع باقي الطبقات التي يكون لها مصلحة في التغير في مراحل تاريخية محددة مثل الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و حتى البرجوازية الوطنية في الدول الشبه مستعمرة و الدول المستعمرة هي وحدة " مشروطة مؤقتة انتقالية و نسبية " و في حال انتفاء شروط هذه الوحدة يجب إنهائها ، كذلك كان الحال بعد ثورة فبراير 1917 حيث انتفت شروط وحدة الطبقة العاملة مع البرجوازية الصغيرة التي كان يمثلها الاشتراكيون الثوريون و المناشفة بعدما ارتمى هؤلاء في نزعة الدفاع عن الوطن التي شكلت تهديدا حقيقيا لمسار الثورة و كما كان الحال خلال الثورة الصينية ، فالجبهة التي شكلها الحزب الشيوعي الصيني مع الكيومنتانغ انتفت شروط استمرارها . و هو ما جعل ماوتسي تونغ يطالب بحل تلك الوحدة رغم معارضة ستالين آنذاك .
إن لينين الذي كان ديالكتيكيا عظيما و ماديا كبيرا كان في كل لحظة و مع كل انعطاف في مسار الثورة الروسية و الثورة العالمية يعني النظرية الثورية و يعني الديالكتيك المادي و هكذا ففي مقاله " حول الديالكتيك " ( سنة 1915 ) سوف يطور لينين موضوعاته حول الديالكتيك و يصيغها لكن ليس من خلال وحدة و صراع الأضداد بل بشكل أكثر جذرية من خلال : انقسام الوحدة .
" ان ازدواج ما هو واحد و معرفة جزئية المتناقضين يشكلان جوهر الديالكتيك ( أحد جواهره ، إحدى خصائصه أو ميزاته الرئيسية ، إن لم تكن خاصيته الرئيسية) " ( حول الديالكتيك ) و في نفس المرجع يصف لينين التطور " بوصفه وحدة الاضداد ازدواج ما هو واحد الى ضدين ينفي أحدهما الآخر و علاقات بين الضدين " .
لفهم هذا العمق و التطور الجديد الذي أعطاه لينين للديالكتيك يجب ان نستحضر الشروط التاريخية التي كتب فيها هذا النص . لقد كتب في عز الحرب العالمية الاولى حيث وصل الصراع داخل الحركة الشيوعية العالمية الى اوجه بين الخط الثوري والخط الانتهازي الذي نجد أساسه في انقسام الطبقة العاملة ايضا مع نمو الارستقراطية العمالية و افلاس الاممية الثانية بشكل كلي و نهائي . في هاته الشروط يصيغ لينين و لأول مرة المبدأ الاساسي للديالكتيك الماركسي مبدأ " الواحد ينقسم الى اثنان " . لقد كان هذا العمل كتهييء فلسفي لوضع حد لوحدة الحركة العمالية و لضرورة القطع مع الاممية الثانية . إن هذا النمو الفكري العظيم الذي عبر عنه لينين يجد أساسه المادي في قلب الصراع الطبقي : الحرب العالمية و احتداد الصراع بين الخطين داخل الحركة الشيوعية العالمية .إن الإشكال الذي خلفه لينين للماركسيين هو البرهان على صحة فرضيته حيث صاغ وصيته تلك في مقال حول الديالكتيك على الشكل التالي :
" ينبغي اثبات صحة هذا الجانب من مضمون الديالكتيك بواسطة تاريخ العلم " . إتمام هذه المهمة و البرهان على ذلك أي تقديم " الشروحات " و " تطويرها "هي التي تمكن – حسب لينين – من فهم جوهر الديالكتيك . ان هذه الوصية سوف تجد طريقها للتحقق على يد الرفيق ماوتسي تونغ بعدما راكمت الانسانية خبرات تاريخية عظيمة و يمكن القول ان ما عبر عنه لينين بخصوص الديالكتيك كان يوضح بجلاء ان الامور تتجه نحو هذا المنحى التاريخي .
لكن قبل الانتقال الى ماوتسي تونغ لا بد من الوقوف عند ستالين حتى نوضح خطورة الديالكتيك و اهميته .


ستالين


يرجع تناول ستالين للديالكتيك في مؤلفه " المادية الجدلية والمادية التاريخية " الى سنة 1938 عشية تنقية الحزب من الانتهازيين و تصفية المخربين و بداية بروز مؤشرات قوية على قرب اندلاع حرب عالمية ثانية . إن عمل ستالين و مؤلفه كان عبارة عن تقديم الاطار النظري و الفلسفي لعمل الحزب . لقد كان بمثابة التهييء الفلسفي للخطوات السياسية التي سوف يتخذها الحزب مستقبلا . و هنا ايضا لعبت الشروط العامة لتلك الفترة و خصوصا طبيعة الأعداء والخصوم التي كان يصارعها ستالين دورا بارزا و محوريا في تحديده للديالكتيك الذي حدده في 4 عناصر اعتبرها بمثابة : " الخطوط الاساسية للطريقة الديالكتيكية الماركسية "
1 – ان الديالكتيك ... يعتبر الطبيعة كلا واحدا و متماسكا ، ترتبط فيه الاشياء والحوادث فيما بينها ارتباطا عضويا و يتعلق أحدهما بالآخر ، و يكون بعضهما شرطا لبعض بصورة متقابلة " ؛
2 – ان الديالكتيك ... يعتبر الطبيعة في حالة حركة و تغير دائمين ، حالة تجدد و تطور لا ينقطعان . ففيهما دائما شيء يولد و يتطور و شيء ينحل و يضمحل ؛
3 – ان الديالكتيك ... يعتبر حركة التطور تطورا ينتقل من تغيرات كمية ضئيلة و خفية الى تغيرات ظاهرة و اساسية ، أي الى تغيرات كيفية ، و هذه التغيرات الكيفية ليست تدريجية ، بل هي سريعة ، فجائية و تحدث بقفزات من حالة الى أخرى و ليست هذه التغيرات جائزة الوقوع ، بل هي ضرورية ، و هي نتيجة تراكم تغيرات كمية غير محسوسة و تدريجية ؛
4 – إن نقطة الابتداء في الديالكتيك ... هي القائلة ان كل اشياء الطبيعة و حوادثها تحتوي على تناقضات داخلية ،لأن لها جميعا جانبا سلبيا و جانبا إيجابيا ، ماضيا و حاضرا ، و فيها جميعا عناصر تضمحل أو تتطور. فنضال هذه المتضادات ، أي النضال بين القديم و الجديد ، بين ما يموت و ما يولد ، بين ما يفنى و ما يتطور هو المحتوى الداخلي لحركة التطور ..؛
فالاهمية التي أولاها ستالين للتراكم الصناعي تفضل الكمية باعتبارها حاملة التغير النوعي . ستالين كان واثقا الى درجة كبيرة ان التراكم الصناعي الذي يحققه الاتحاد السوفياتي سوف يؤدي لا محالة الى قفزة نوعية توطد ديكتاتورية البروليتاريا اكثر و اكثر .
المبدأ الثاني :" ان الديالكتيك ... يعتبر حركة التطور تطورا ينتقل من تغيرات كمية ضئيلة و خفية الى تغيرات ظاهرة و اساسية أي الى تغيرات نوعية ... و ليست هذه التغيرات جائزة الوقوع بل هي ضرورية و هي نتيجة تغيرات كمية غير محسوسة و تدريجية " .
الحصار الامبريالي الذي كانت تعيشه الدولة الاشتراكية و محاولة خنقها و إجهاضها و المحاولات الحثيثة التي كان يقوم بها التروتسكيون و الانتهازيون لتخريب الاقتصاد السوفياتي و تحطيم سلطة البروليتاريا كان بالنسبة لستالين شيئان مترابطان احدهما بالآخر .فما يقوم به المخربون يخدم مصالح الامبريالية و ما كانت تقوم به الامبريالية كان يصب في مصلحة هؤلاء المخربين أعداء ديكتاتورية البروليتاريا . إن هذا التحديد ايضا نجد تفسيره الفلسفي لدى ستالين في المبدأ الأول للديالكتيك : " ان الديالكتيك ... يعتبر الطبيعة كلا واحدا و متماسكا ، ترتبط فيه الاشياء و الحوادث فيما بينها ارتباطا عفويا و يتعلق احدهما بالآخر و يكون بعضها شرطا لبعض بصورة متقابلة " .
ان المبادئ الاربع التي وضعها ستالين للديالكتيك هي بكل تأكيد تطوير خلاق لما قام به انجلز . فقانون الانتقال من الكمية الى النوعية قد تمت صياغته بطريقة أدق و بتبيان القفزة الفجائية ، قانون نفي النفي تم تجاوزه و قانون التناقض تم اعتباره بمثابة القانون المحرك الداخلي لكل حركة و صيرورة . لكن و مع ذلك فموضوعات ستالين ترث ايضا من انجلز النواقص التي سبق للينين ان اشار اليها ، خصوصا تلك المتعلقة بجوهر الديالكتيك و علاقة الوحدة بالصراع أي نسبية الوحدة و اطلاقية الصراع . و هذا بالضبط ما شكل اكبر قصور لدى القيادة السوفياتية في مرحلة ستالين في فهم جوهر المجتمع الاشتراكي بما هو الصراع و ليس الوحدة ، الصراع بين الخطين ، الخط البروليتاري و خط اعادة الراسمالية . إن الصراع الطبقي يستمر و يشتد في ظل ديكتاتورية البروليتاريا و يأخذ أشكالا جديدة تتركز خصوصا داخل حزب الطبقة العاملة نفسه .
إن عدم فهم ذلك هو ما شكل النقص الاخطر في نظرية ستالين و باقي القادة الفكريين للحركة الشيوعية بالاتحاد السوفياتي إبان تلك المرحلة و هو ما كانت له عواقب وخيمة على مستقبل أول بناء لديكتاتورية البروليتاريا يشهدها التاريخ . و على ضوء هذه التجربة ، دراستها و استخلاص دروسها بارتباط مع ما كان يعرفه الصراع الطبقي بالصين سوف يعمق ماوتسي تونغ لينين و يطور الديالكتيك المادي .


ماوتسي تونغ


ان تبلور افكار ماوتسي تونغ الفلسفية و اسهاماته العظيمة في إغناء الديالكتيك المادي قد حددتها بكل تأكيد مختلف الشروط المادية و التاريخية للصراع الطبقي بالصين و على النطاق العالمي و خصوصا الصراع الذي قاده ماو ضد الدغمائية و ضد التحريفية . يجب ان لا يغيب عن بالنا ان اتجاه تطور فكر ما يحدده بشكل خاص الفكر النقيض الذي يصارعه . ففي قلب هذا الصراع ، الذي هو في آخر المطاف انعكاس للواقع المادي ، ينمو الفكر الثوري و يتطور .
فما هي إذن الشروط التي افرزت ضرورة تطور الديالكتيك و رسمت اتجاهات تطوره ؟
لقد عرفت الثورة الصينية العديد من الانعطافات الكبرى ربما كان ابرزها الى حدود سنة 1937 تاريخ كتابة المؤلفات الفلسفية الاولى لماوتسي تونغ ، الهزيمة التي تلقتها الثورة سنة 1925 / 1927 و المذبحة التي تعرض لها الشيوعيون و المسيرة الكبرى سنوات 1934 / 1935 . لقد كانت هذه الهزائم بمثابة الدروس الاساسية التي سوف تحدد المنحى السياسي العام للثورة الصينية فيما بعد .
لقد كانت احدى الاسئلة الاساسية التي واجهت الثورة الصينية هي كيفية الاستيلاء على السلطة . هل الانتفاضة المسلحة بالمدن ام الحرب الشعبية الطويلة الامد ؟ من المعلوم ان ستالين قد حاول إضفاء طابع الكونية على الانتفاضة المسلحة بالمدن التي تقوم على مبدأ الهجوم دون توقف ، حيث تطرح المهمة الاساسية امام الحزب في مراكمة سريعة و مركزة للقوى يتبعها هجوم شامل حتى تحطيم السلطة القائمة . الكمونة لم تجسد هذا المنحى الى نهايته و فشلت . ثورة 1917 وصلت بهذه الرؤية الى النجاح و الاستيلاء على السلطة . و هكذا برز داخل الحزب الشيوعي اتجاه يدعو الى تطبيق هذا الخط بالصين و هو ما كانت له عواقب وخيمة على الحزب الشيوعي و على الجيش الشعبي و على كل الشعب الصيني . ففي مؤلفه " قضايا الاستراتيجية في الحرب الثورية الصينية " كتب ماو : "و هناك فريق آخر من الناس ينادون برأي خاطئ آخر قد دحضناه كذلك منذ زمان . انهم يقولون يكفي ان نتبع القوانين التي كانت موجهة للحرب الاهلية في الاتحاد السوفياتي و ما أصدرته الاجهزة العسكرية هناك من قواعد عسكرية . انهم لا يدركون ان هذه القوانين و القواعد الخاصة بالاتحاد السوفياتي تتضمن الخصائص التي تتميز بها الحرب و الجيش الأحمر في الاتحاد السوفياتي ، فإذا نقلناها حرفيا و طبقناها كما هي دون ان نسمح باي تغيير لها فاننا سنكون ايضا اشبه بمن يبري قدميه لتلائما الحذاء ، و ننتهي الى الهزيمة . ان حجة هؤلاء الناس هي :" طالما كانت حرب الاتحاد السوفياتي حربا ثورية ، و حربنا هي الاخرى ثورية ، و فضلا عن ذلك قد كسب الاتحاد السوفياتي النصر في حربه ، فهل من بديل آخر سوى ان نقتدي بالاتحاد السوفياتي ؟ انهم لا يدركون : مع انه يجب ان نقدر بصورة خاصة تجارب الحرب السوفياتية لانها تجارب احدث حرب ثورية و تجارب تم اكتسابها بتوجيه لينين و ستالين ، لكن يجب علينا أيضا ان نقدر تجارب الحرب الثورية الصينية، لأن هناك ظروفا كثيرة تتميز بها الثورة الصينية والجيش الاحمر الصيني " ( ص 266) .
لقد كان للاشكالات العسكرية الدور الاساسي و المحوري في ابراز و تعميق الاشكالات الفلسفية ، فالحزب الشيوعي الصيني تحت قيادة ماو لم يتمكن من تحديد الاتجاهات السليمة للثورة الصينية الا في خضم صراع ايديولوجي مركز ضد الانتهازية اليمينية و " اليسراوية " ، ضد تسان ديسكيو و ضد لي لي سان و ضد وانغ جيينغ . ان انقسام الحزب الشيوعي الصيني نفسه ( الانقسام و ليس الانشقاق ) الى خطين قد أكد ان المحرك الاساسي لنمو الحزب و تطوره انما هو صراع الخطين . من كل ذلك برزت اهمية و ضرورة تعميق و اعادة تركيب الديالكتيك الماركسي . وهذا ما سوف ينجزه ماو بشكل خلاق ، ففي كراسه " في التناقض " ينطلق ماو من الموضوعة اللينينية حول الديالكتيك : " ان قانون التناقض في الاشياء ، أي قانون وحدة و صراع الضدين هو القانون الاساسي الاول في الديالكتيك المادي " هنا نجد استعادة قوية للينين ، لاطروحاته و وصاياه حول ضرورة تبيان " هذا الجانب من الديالكتيك " و سوف ينطلق ماو في دراسة التناقض من خلال تبيان الرؤيتان المتعارضتان للتطور،الرؤية التي لا ترى فيه سوى نقصانا و زيادة و النظرة التي ترى انه نمو و تلاشي ، حياة و موت . و سوف يعرض بعد ذلك خاصية عمومية التناقض باعتباره قانون كوني يوجد في كل الاشياء منذ البداية حتى النهاية ، لينتقل بعد ذلك الى دراسة و تحليل حركة الصراع بين الضدين في كل تناقض محدد ( خاصية التناقض ) موضحا خصائص طرفي التناقض و كيف يعتمد كل طرف على ضده و يصارعه في نفس الوقت . ماو يشدد على أن " كل عملية حقيقة لا وهمية من عمليات تطور جميع اشكال الحركة تختلف جوهريا عن العمليات الاخرى ، و ينبغي لنا في دراستنا ان نشدد على هذه النقطة و ننطلق منها " ص 468 .
" ان معرفة البشر للمادة هي معرفتهم باشكال حركة المادة ، لانه ليس في العالم شيء سوى المادة في حالة حركة ، و حركة المادة لابد ان تتخذ شكلا من الاشكال المعينة . و ينبغي ان نأخذ بعين الاعتبار ، عندما نتفحص كل شكل من اشكال المادة ، السمات التي يشترك فيها هذا الشكل مع الاشكال الاخرى للحركة . لكن ما له اهمية اعظم هو وجوب ملاحظة هذه السمة الخاصة للشكل المعين من اشكال حركة المادة ، و ملاحظة هذه السمة الخاصة هي التي تشكل اساس معرفتنا بالاشياء ، أي ملاحظة الاختلاف الجوهري الذي بينه و بين الاشكال الاخرى . و بهذا وحده نستطيع ان نميز بين الاشياء المختلفة .إن كل شكل من اشكال الحركة يحتوي في ذاته على تناقضه الخاص . و هذا التناقض الخاص يشكل الجوهر الخاص الذي يميز الشيء عن الاشياء الاخرى " ص 465 .
ان هذا التدقيق الذي قدمه لنا ماوتسي تونغ حول نظرية التناقض قد شكل مفتاحا لحل العديد من القضايا السياسية و العسكرية نذكر هنا مسالة الحزب . ان الحزب بوصفه صيرورة من التطور، بوصفه شكل من اشكال حركة البروليتاريا وسط صراع الطبقات " يحتوي في ذاته على تناقضه الخاص " و هذا التناقض الخاص انما هو صراع الخطين ، باعتباره محرك التطور الداخلي للحزب ، فالحزب يتطور و ينمو في صراع بين الخطين . لينين قد اشار الى هذه السمة لكن اشارته كانت عابرة لكنها رغم ذلك تبقى عميقة ، ففي تقيمه للمؤتمر الثاني للحزب د ا ش ر إبان انقسام الحزب الى خطين بلاشفة و مناشفة كتب لينين قائلا : " ان انقسام المؤتمر ( و الحزب ) الى جناح يساري و جناح يميني ، الى جناح ثوري و جناح انتهازي لم يكن فيه اطلاقا ، بحد نفسه ، أي شيء رهيب و حرج ، و حتى غير طبيعي . بل بالعكس ، فان كل هذه السنوات العشر الاخيرة من تاريخ الاش – الد الروسية ( و لا الروسية و حسب ) قد قادت بالضرورة ، الى هذا الانقسام " (خطوة الى الامام خطوتان الى الوراء ص 525) .
ماو يعلمنا انه من اجل ان نوضح جوهر تطور شيء معين مجتمع ، حزب ، حرب... الخ " ينبغي لنا ان نكشف اللثام عن خاصية طرفي كل تناقض من التناقضات في هذه العملية ، و الا يصبح من المستحيل الكشف عن جوهر العملية " ( ص 469) .
ان دراسة طرفي كل تناقض ما تعني بالنسبة لماوتسي تونغ : " ... فهم المركز الخاص الذي يحتله كل طرف ، و الشكل المحدد الذي به يعتمد كل طرف على الآخر في البقاء و يتناقض معه في آن واحد ، و الوسائل المحددة التي يناضل بها ضد نقيضه عندما يكون كل منهما معتمدا على الآخر في البقاء و يكون متناقض معه في الوقت ذاته او عندما ينفصم هذا الاعتماد المتبادل " ص 470 .
ان احد المسائل الاساسية التي أوضحها ماوتسي تونغ في دراسته لنظرية التناقض هي التناقض الرئيسي . ان كل صيرورة هي في نهاية التحليل نظام من التناقضات المختلفة لكن وسط كل هذه التناقضات يعلمنا ماو انه " لا بد ان يكون احدهما هو التناقض الرئيسي الذي يقرر وجوده وجود وتطور التناقضات الاخرى أو يؤثر في وجودها و تطورها " ، " و اذا ما امسكنا بزمام هذا التناقض الرئيسي استطعنا حل سائر التناقضات بسرعة " .
إذا ، في كل عملية من عمليات التطور يوجد هناك تناقض رئيسي و تناقضات أخرى ثانوية أو تابعة. ان هذه الاخيرة أي التناقضات الثانوية ، لا تعني ان ليس لها اهمية بل ان عدم الاهتمام بها قد يكون سببا في الاخفاق ، انها ثانوية او لنقل من الافضل تابعة بمعنى تابعة للتناقض الرئيسي أي أنه " يؤثر في وجودها و تطورها " و كل هاته التناقضات هي في حالة حركة وتطور . فما هو رئيسي في هذه الحالة او المرحلة قد يصبح تابعا في مرحلة اخرى من التطور و العكس بالعكس .
ان هذا التحديد يقودنا الى نقد بعض اطروحات " حزب النهج الديمقراطي "و بعض مفكريه الذين يلوموننا على كوننا لا نفرق بين التناقض الرئيسي و التناقضات الثانوية . فالبنسبة لهم يشكل التناقض بين الشعب و التحالف الطبقي المسيطر التناقض الرئيسي و كافة التناقضات الاخرى هي تناقضات ثانوية و بالتالي لا يجب تغليبها على التناقض الرئيسي .
إن هذا التحديد و ان كان يحمل جزءا من الصحة ، الا انه لا يستطيع تحديد التناقضات في كل صيرورة على حدة . و تصبح تبعا لذلك عند أصحاب مثل هذا التحليل صيرورة واحدة و وحيدة في حين ان واقع الصراع الطبقي تتقاطبه صيرورات مختلفة و متنوعة . لنأخذ مثالا لنوضح الامر. فمثلا صيرورة تشكل و تطور تنسيقيات مناهضة الغلاء ،لقد حددت شروط الصراع الطبقي ببلادنا الارضية المادية التي ادت الى انبثاق هذه التنسيقيات . فمع اشتداد الهجوم الذي تشنه الطبقات المستغلة على الجماهير الشعبية من خلال الارتفاع المهول لأسعار المواد الاساسية و تجميد الاجور الى الاجهاز على ما تبقى من مكتسبات الجماهير الشعبية من الخدمات العمومية (صحة ، سكن ، شغل ، تعليم ...) ، بدات تتبلور الشروط المادية لانبثاق تنسيقيات مناهضة الغلاء ، بعدما فقدت الجماهير ثقتها بشكل شبه كلي في كافة الاحزاب و المنظمات النقابية بعدما برهنت هذه الاخيرة على عجزها في قيادة نضال الجماهير للدفاع على قوتها اليومي ، تزامن كذلك مع ارتفاع المزاج النضالي في صفوف الكادحين حيث بدأنا نشهد تحركات الجماهير في كل بقعة من البلاد .
تلك كانت بعض الشروط الموضوعية لانبثاق التنسيقيات التي تشكلت " تنظيميا" بدعوة من بعض المناضلين و الاطارات في كل من ايفني و ازمور و بعدها بشكل جلي بعد دعوة الجمعية المغربية لحقوق الانسان .
في بداية تشكل التنسيقيات اذا أخذناها كصيرورة داخل الصراع الطبقي يمكن القول ان التناقض الرئيسي الذي حكم تطورها كان بين الطبقات المستغلة و الجماهير الكادحة و هذا التناقض بالضبط هو الذي ساهم في تطويرها فيما بعد . لكن هذا التناقض لم يكن التناقض الوحيد بل كانت هناك تناقضات اخرى لكنها كانت ذات طبيعة ثانوية و تابعة منها التناقض بين مختلف التوجهات السياسية العاملة داخل التنسيقيات .
لكن مع مرور الوقت و احتداد الصراع و نمو اداء التنسيقيات على اكثر من صعيد بدأت العديد من القوى السياسية ، تلك المشكلة لما يسمى بتجمع اليسار الديمقراطي ( تيد ) بمحاولات حثيثة لاحكام سيطرتها على التنسيقيات و محاولة توجيهها سياسيا لما يخدم مصالحها الحزبية و السياسية و قد كانت انتفاضة صفرو و ما كان لها من تأثير نقطة انعطاف حقيقية في مضمون عمل أحزاب تجمع اليسار الديمقراطي وسط التنسيقيات ، فبعد الحوارات التي باشرتها الداخلية مع كل من حزب اليسار الموحد و حزب الطليعة و حزب النهج الديمقراطي بدأنا نشهد اتجاها تدميريا داخل التنسيقيات سواء على المستويات المحلية أو الوطنية ، ليصل هذا المسار الى ما وصل اليه ابان انعقاد الملتقى الوطني الرابع للتنسيقيات بالدارالبيضاء حيث سعت هذه الاحزاب الى الاستحواذ على التنسيقيات مهما كلف الامر . في هذه الصيرورة قد تحول التناقض الثانوي الى تناقض رئيسي و اصبح معه النضال ضد توجهات تلك الاحزاب الانتهازية هو ما يحدد مسار تطور التنسيقيات و اتجاه نموها او إقبارها .
ان هذا المثال يوضح لنا كيف ينتقل التناقض الثانوي الى تناقض رئيسي و هو الشيء الذي لم يستطع استيعابه حتى بعض المناضلين و المناضلات المرتبطين بمصالح الجماهير .
اننا هنا لا نريد تقييم صيرورة تشكل و تطور التنسيقيات لذلك سوف نعود الى صلب موضوعنا .
بالنسبة لماو تسي تونغ ،كما لا يجب ان تعامل جميع التناقضات الموجودة في عملية ما على قدم المساواة و ان نميز بين ما هو رئيسي و ما هو تابع ، فلا يجب ان نعامل الطرفين المتناقضين على قدم المساواة فهناك دائما طرف رئيسي و آخر ثانوي ، و الطرف الرئيسي هو الذي يلعب الدور الريادي في التناقض ، " ان طبيعة الشيء يقررها في الدرجة الاولى الطرف الرئيسي للتناقض الذي يحتل مركز السيطرة "، غير أن وضع طرفا التناقض هو الآخر ليس ثابتا فما هو رئيسي يصبح تابعا و ما هو تابع قد يصبح رئيسيا .
ماو سوف يعمق ايضا في دراسته للتناقض أطروحات لينين حول الوحدة و الصراع بين طرفي التناقض منطلقا و مؤكدا على اطروحة لينين الوحدة نسبية ، مشروطة مؤقتة بينما الصراع مطلق .
ان الصراع مطلق غير أن طرق حل التناقضات ، أي اشكال الصراع ليست كذلك أي انها تختلف تبعا لاختلاف طبيعة التناقضات . هنا يميز ماو بين التناقضات العدائية و التناقضات غير العدائية ، لكن طبيعة هذه التناقضات قد تتحول أي ما هو عدائي يصبح غير عدائي و العكس بالعكس .
يمكن تلخيص ما قاله ماو حتى الآن في دراسته للتناقض باعتباره القانون الاساسي و الجوهري للديالكتيك المادي فيما يلي :
1 – ان التناقض يوجد في جميع عمليات الاشياء الموضوعية و التفكير الذاتي يوجد في جميع العمليات من البداية حتى النهاية " ان كل صيرورة من التطور هي مجموعة او نظام من التناقضات " .
2 – في كل عملية من عمليات التطور ، في كل صيرورة يوجد دائما تناقض رئيسي و هو الذي يقرر منحى تطور الصيرورة .
3 – التفاوت في مستوى التطور بين طرفا كل تناقض هو الحالة الاساسية بينما التوازن بين طرفا التناقض ليست سوى حالة مؤقتة ، و هو ما يعني ان في كل تناقض طرف رئيسي و مهيمن على حركة التناقض الكلي .
4 – الوحدة بين طرفي التناقض نسبية بينما الصراع بينهما مطلق .
5 – توجد اشكال مختلفة من التناقضات و تبعا لذلك طرق حلها مختلفة و المهم هو التميز بين التناقضات ذات الصفة العدائية و الاخرى ذات الصفة غير العدائية .
لقد امد ماو الشيوعيين والشيوعيات بتحليله لقانون التناقض سلاحا جبارا يمكنهم من قيادة كل صيرورة ، قيادة الثورة ، قيادة بناء و تطوير الحزب ، قيادة بناء الوحدة بين الشيوعيين ...الخ .
لكن ماو لن يقف عند هذه الحدود في تعميقه و تطويره للديالكتيك المادي بل سوف يحقق وصية لينين حول مبدأ " الواحد ينقسم الى اثنان " . ان اكتشاف هذا القانون و دراسته و تطبيقه يعد من المآثر الكبرى للرفيق ماوتسي تونغ . فماذا كان يعني هذا القانون ؟ و ما هي الشروط التي سمحت باكتشافه؟ و ما هي أهميته بالنسبة للشيوعيين اليوم ؟
لقد سبق و ان اوضحنا ان كل واقع و كل صيرورة ( أي كل حركة و تطور ) هي محكومة بقوانين الديالكتيك ، و اوضحنا ايضا كيف يعتبر قانون التناقض هو القانون الجوهري للديالكتيك المادي . ان لينين يتحدث عن التطور " بوصفه وحدة الاضداد ( ازدواج ما هو واحد الى ضدين ينفي احدهما الآخر و علاقات بين الضدين )" . ان التطور يحدده نضال المتناقضات و هذا النضال و الصراع بين طرفي التناقض هو الذي يعطي الحياة للشيء و هو الذي يشكل مضمون و جوهر حركة الواقع . الصراع بين طرفي التناقض له عدة خصائص احداها هو انتقال كل طرف الى نقيضه و العكس بالعكس و خلال هذا الصراع تأتي لحظة يتم فيها الانتقال الفجائي او ما نسميه بالقفزة النوعية و هي ما تعني الانتقال الى شيء جديد ، الى نوع جديد ، ان ما يحدد هذا الجديد انما هو التناقض الجديد الذي يولد او لنقل الشكل الخاص الجديد للتناقض الذي يولد بعد القفزة . كيف اذن تتم هذه العملية ؟ من اين يأتي هذا التناقض الجديد ؟ ما هما طرفاه المتصارعان ؟
ان الماركسية لم تجب على هذا السؤال إلا مع ماوتسي تونغ ، بعدما راكمت البشرية من الخبرات و التجارب ما يسمح بالاجابة على هذا السؤال .
ان الصراع بين طرفا التناقض يؤدي في صيرورة تطوره الى انتصار طرف على آخر . ان هذا الانتصار الذي يحققه أحد الطرفان هو ما يحدد القفزة النوعية و الانتقال الى الجديد ، لكننا نعلم ان التناقض له صفة العمومية أي انه موجود و قائم في كل الاشياء منذ ولادتها حتى نهايتها ، فعند انتصار طرف على آخر لا يبقى هناك سوى طرف واحد انه الطرف المنتصر . فكيف اذن يبرز و يولد التناقض الجديد ؟
انه انقسام الطرف المنتصر الى اثنان و تشكل وحدة جديدة بين طرفين جديدين و هذا التناقض الجديد هو الذي يحدد مضمون النوع الجديد الذي يولد ابان القفزة النوعية .
ان ماو هو من اكتشف هذا القانون و صاغه على النحو التالي " انقسام الواحد الى اثنان ". ان القيمة الفكرية و السياسية لهذا القانون عظيمة جدا بعظمة الديالكتيك المادي . فما هي اذن الشروط التي سمحت باكتشافه ؟
ان اكتشاف ماو و صياغته لهذا القانون باعتباره جوهر الديالكتيك لم تأتي دفعة واحدة بل عبر صيرورة طويلة من التجارب و الخبرات التي راكمتها الحركة الشيوعية بشكل خاص و مختلف تطورات الصراع الطبقي و كذا تطور العلم .
ففي قلب الصراع داخل الحركة الشيوعية العالمية خصوصا عندما طرح على جدول اعمالها الكشف عن اسباب اخفاق ديكتاتورية البروليتاريا في بلد لينين و ستالين ؛ في قلب هذا الصراع الذي برزت فيه الخروتشوفية باعتبارها تعبر عن خط اعادة الراسمالية و بروز نسختها الصينية بقيادة ليوتشاوتشي التي ادعت نهاية الصراع الطبقي بالصين و تبنت مجمل الأطروحات التحريفية السوفياتية و في قلب الصراع حول تقييم المسالة اليوغسلافية . في قلب هذه المعارك الفكرية و السياسية برزت ضرورة اكتشاف هذا القانون و لم يكن ماو سوى صدفة تحقق هذه الضرورة التاريخية بعدما راكمت البشرية بشكل عام و الحركة الشيوعية بشكل خاص ما يكفي من التجارب و الخبرات ، ففي عهد لينين لم يكن بروز صراع الخطين على النطاق العالمي الا في بداياته الاولى و هو ما أشار اليه بحس سياسي رفيع .
ففي تقييمه لواقع الحركة الشيوعية العالمية في بداية القرن 20 أشار لينين الى هذه الظاهرة بقوله : "و في الحقيقة لا يخفى على احد ان اتجاهين قد نشئا في الاشتراكية الديمقراطية العالمية الراهنة ، اتجاهين يحتدم بينهما النضال و يضطرم أواره حينا ، و يهدأ حينا آخر و يخمد تحت رماد قرارات عن هدنة ضخمة مهيبة " ( ما العمل ؟ ص 159 ) .
لقد كانت بداية القرن 20 هي بداية تشكل صراع الخطين على النطاق العالمي و هو ما أشار اليه لينين في نفس مؤلفه " ما العمل ؟" ، حيث كتب معلقا على هذه الظاهرة : " و بالمناسبة ، ان هذا الواقع يكاد يكون وحيدا في تاريخ الاشتراكية الحديثة و هو معز فائق التعزية في بابه . فلأول مرة نرى الجدال بين مختلف التيارات في داخل الاشتراكية يتعدى النطاق الوطني الى النطاق العالمي .
ففيما مضى كان الجدال بين اللاساليين و الازناخيين ، بين الغيديين و الامكانيين ، بين الفابيين و الاشتراكيين – الديمقراطيين ، بين النارودوفليين و الاشتراكيين – الديمقراطيين يظل جدالا في النطاق الوطني الصرف ، يعرب عن خصائص وطنية صرفة . لقد كان الجدال يجري ، إن أمكن القول على مسارح مختلفة ، و في الوقت الحاضر ( و يبدو هذا الامر اليوم اكثر وضوحا ) يؤلف الفابيون الانجليز و المستوزرون الفرنسيون و البرنشتينيون الألمان و النقاد الروس عائلة واحدة ، يكيل بعضهم لبعض المديح و يتعلمون بعضهم من بعض و ينقضون معا على الماركسية " الجامدة " و في هذه المعركة الاولى العالمية حقا ضد الانتهازية الاشتراكية ، عسى ان تبلغ الاشتراكية الثورية العالمية من القوة ما يكفي لوضع حد للرجعية السياسية السائدة في اوروبا منذ أمد بعيد " ص 159/160 .
و في تقييمه ايضا للصراع الذي شهده الحزب الاشتراكي الديمقراطي بروسيا ابان مؤتمره الثاني اشار لينين بحسه السياسي المعهود و بعمقه الفكري الى هذا القانون لكن دون ان يتمكن من وضعه كقانون حيث كتب قائلا :
" ان كون جملة من الاخطاء الطفيفة جدا ارتكبها الجناح اليميني و كون جملة من الخلافات القليلة الاهمية ( نسبيا ) قد تسببت بالانقسام ، ان هذا الظرف ( الذي يبدو جارحا بالنسبة لمراقب سطحي و مفكر تافه ضيق الافق ) قد كان خطوة كبيرة الى الامام بالنسبة لكل حزبنا " (خطوة الى الامام خطوتان الى الوراء ص 525)
و في نفس المؤلف يطرح لينين السؤال حول " ما هي الاهمية السياسية للانقسام الذي حصل في حزبنا الى "اكثرية " و "اقلية "اثناء المؤتمر الثاني و الذي حل محل جميع الانقسامات السابقة و ما هو تفسيره ؟ "
لينين طرح هذا السؤال و اعتبره أحد الاسئلة الجوهرية لتقييم المؤتمر ككل . و في محاولة الاجابة عنه كتب ما يلي:
" في كل من هذه المراحل( يقصد لينين مراحل الصراع داخل المؤتمر ) ، اختلفت ظروف النضال و الهدف المباشر من الهجوم اختلافا جوهريا ، فكل مرحلة إذا جاز القول ، معركة خاصة في حملة عسكرية عامة ، و إننا لا نستطيع ان نفهم شيئا من نضالنا اذا لم ندرس الاوضاع الملموسة التي مرت بها كل هذه المعارك . و بعد هذه الدراسة ، سنرى جيدا جدا ان التطور يتبع ، بالحقيقة السبيل الديالكتيكي سبيل التناقضات : فالاقلية تغدو اغلبية و الاغلبية تغدو اقلية و كل معسكر ينتقل من الدفاع الى الهجوم و من الهجوم الى الدفاع و "ينفون " نقطة انطلاق النضال الفكري ( الفقرة الاولى ) ، و يستعيضون عنها بالمماحكات السافلة الشاملة ، ثم يبدأ " نفي النفي" ، و بعدها إيجاد وسيلة " لوفاق الزوج "بين بين مع المرأة التي أعطاها اياه الله ، في مختلف هيئات الحزب المركزية ، نعود الى نقطة انطلاق الصراع الفكري الصرف ، و مذ ذاك تغدو هذه " الموضوعة "التي اغتنت بجميع نتائج "الموضوعة المعاكسة " أعلى تركيب فكري يتسع فيه خطأ منعزل ، عرضي ، حول الفقرة الاولى ، حتى يبلغ ما يشبه نهجا مزعوما من الآراء الانتهازية في حقل التنظيم . و تبدو فيه الصلة بين هذه الظاهرة و الانقسام الأساسي في حزبنا الى جناح ثوري و جناح انتهازي بوضوح متزايد امام الجميع . و بكلمة ليس الشوفان وحده هو الذي ينبت حسب طريقة هيغل ، بل ان الاشتراكيين الديمقراطيين الروس يتقاتلون حسب طريقة هيغل " ( ص600/601) .
إن هذه النصوص التي اوردناها من مؤلفات لينين توضح عمق تفكيره الجدلي و توضح ايضا ان الشروط المادية التي فرضت ضرورة اكتشاف قانون " انقسام الواحد الى اثنان " و كذا قانون صراع الخطين باعتباره الشكل الخاص لقانون التناقض مطبقا عن تطور الحزب ، بدأت تنمو و تبرز شيئا فشيئا ، و منذ ذلك التاريخ الى الخمسينات تاريخ اكتشاف ماو و صياغته لقانون " الواحد ينقسم الى اثنان " راكمت البشرية خبرات عظيمة ، الحرب العالمية الاولى و ما فرضته من صراع و انقسام وسط الحركة الشيوعية العالمية ، الصراع داخل الاممية الثالثة بعد موت لينين ، المسار الطويل للصراع بين الخطين وسط الحزب الشيوعي الصيني و صولا الى الانتكاسات الكبيرة لديكتاتورية البروليتاريا في كل من يوغسلافيا و الاتحاد السوفياتي .
و هكذا ففي سنة 1956 إبان انعقاد مؤتمر ممثلي الاحزاب الشيوعية العالمية في موسكو اشار الرفيق ماو الى هذا القانون عندما برز الصراع ضد الخط التحريفي وسط الحركة الشيوعية العالمية ، ففي المداخلة التي ألقاها ماو في المؤتمر صرح قائلا :
" انظروا الى داخل الذرة انها ملأى بوحدة المتناقضات ، تشكل نواة الذرة و الالكترونات وحدة لمتناقضين ،داخل النواة تكون البروتونات و النيترونات وحدة للمتناقضات . فيما يتعلق بالبروتونات هناك بروتونات و اللابروتونات ؛ نفس الشيء بالنسبة للنيترونات و اللانيترونات .باختصار وحدة المتناقضات هي حاضرة بشكل مطلق . من الآن من الضروري الدخول في حملة دعائية واسعة النطاق حول مفهوم وحدة المتناقضات و حول الجدل .
برأيي يجب ان يستبعد الجدل عن حلقة الفلاسفة ليتجه نحو اوسع الجماهير الشعبية .
... الكتاب العامون في الخلية يعرفون الديالكتيك داخلها :
عندما يحضرون تقريرا من اجل تقديمه في اجتماع للخلية غالبا ما يحضرهم ان يشيروا في أجندتهم الى النقطتين التاليتين : أولا النجاحات ، ثانيا النواقص .
الواحد ينقسم الى اثنان انها ظاهرة كونية و هذا هو الديالكتيك " ( المنهج الجدلي لتثبيت وحدة الحزب).
و في تقييم الحزب الشيوعي الصيني للمسالة اليوغسلافية لخص الحزب دروس هذه التجربة على النحو التالي :
" اعادة الراسمالية في يوغوسلافيا تشكل للحركة الشيوعية درسا تاريخيا جديدا ، إذ تعلمنا انه بعد الاستيلاء على السلطة من طرف الطبقة العاملة ، يستمر وجود الصراع الطبقي بين البرجوازية و البروليتاريا ، صراع بين الخطين ، الراسمالية و الاشتراكية ، و ان خطر اعادة الراسمالية مستمر " (هل يوغسلافيا بلد اشتراكي ).
و في سنة 1964 كتبت هيئة تحرير ريمين ريباو تقييم الحزب الشيوعي لصيرورة تطور الحركة الشيوعية :
" ماذا يبين تاريخ تطور الحركة الشيوعية العالمية ؟
أولا يبين ان الحركة العمالية ، مثلها مثل أي شيء في العالم ، تميل الى الانقسام الى اثنين ، الصراع الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازية يتمظهر بشكل لا مفر منه داخل صفوف الحركة الشيوعية العالمية ( قادة الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي اكبر الانقساميين ) " وحدة ، صراع بل انقسام للوصول الى وحدة جديدة على أسس جديدة ، هذا هو ديالكتيك تطور الحركة العمالية العالمية " ( نفس المرجع ).
و في مداخلة ماو في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول عمل الدعاية أكد ماو هذا المضمون :على ان "كل الاشياء ، كل الظواهر تستجيب لمبدأ الواحد ينقسم الى اثنان " ، " في المجتمع البشري كما في الطبيعة ، الكل ينقسم دائما الى أجزاء ، فقط المضمون و الشكل يتغير حسب الظروف " .
إن تطور العلوم و الاكتشافات العلمية حول مكونات الذرة و تطور الصراع الطبقي قد شكلا الاساس المادي لاكتشاف هذا القانون العام ، لكن من المهم جدا معرفة كيفية استحضاره في كل مجال على حدة ، أي معرفة الشكل الخاص الذي يظهر به في هذا المجال أو ذاك و إذا أخذنا مثلا مسالة الحزب فماو قد تمكن من صياغة القانون الاساسي لتطور الحزب قانون " صراع الخطين " باعتباره يشكل الشكل الخاص للتناقض في صيرورة نشأة و تطور الحزب ، انقسام الحزب الى خطين ( و هنا نتحدث عن الانقسام و ليس الانشقاق ) و صراعهما هو حتمية تاريخية في صيرورة تطور الحزب ، انه الشكل الخاص الذي يظهر به قانون " الواحد ينقسم الى اثنان " في هذا المجال . وفي كل لحظة يجب معرفة خصائص كلا الخطين و دراستهما و قيادة هذا الصراع من اجل بلوغ وحدة ارفع يتم خلالها " ثني " الخط الخاطئ او لنقل " نفي "مختلف الافكار والمواقف التي عبر عنها الخط الخاطئ ، و في هذا النفي ينمو الحزب اكثر فكريا و سياسيا و تنظيميا و يظهر صراع الخطين من جديد على ارضية قضايا جديدة و يستمر التطور دائما تبعا لهذا القانون .
و هكذا فالانقسام لا يعني التشتت و انما النمو و الرقي . انه يمثل قانون تطور الطبيعة والمجتمع و الفكر ايضا .
ان التناقض الذي يحكم تطور المجتمع الراسمالي هو التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية و في اطار صيرورة الصراع بين هذين الطرفين حل هذا التناقض ابان الثورة الاشتراكية التي تحققت بانتصار الطرف الاول للتناقض ( البروليتاريا) على الطرف الثاني للتناقض ( البرجوازية ) و مع انتصار الطرف الاول ظهر الجديد ، المجتمع الاشتراكي و انقسم الطرف المنتصر بعد ذلك الى خط بروليتاري و خط برجوازي ، خط اعادة الراسمالية .
في الطبيعة يولد الانسان عن طريق سلسلة من الانقسامات التي تتعرض لها بويضة المرأة ، البويضة تنقسم الى اثنان و كل جزء يشكل وحدة للمتناقضات و ينقسم و تستمر هذه العملية حتى تشكل الجنين و ولادته و يستمر النمو على قاعدة نفس القانون حتى موته و تحوله ...الخ.
إن القيمة الفكرية و السياسية لهذا القانون تشمل كل مناحي الحياة ، و منها الحياة السياسية . فاليوم تطرح على جدول اعمال الشيوعيين (ات) مسألة وحدة الحركة الشيوعية سواء على النطاق الوطني او الاممي ، ويمكن لكل متتبع لشان الحركة الشيوعية ببلادنا او بباقي البلدان حيث لا يوجد بعد حزب ثوري أن يلاحظ ثقل هذا السؤال و مركزيته في صفوف الشيوعيين (ات) . في العراق يطرح السؤال بحدة خصوصا مع انطلاق الكفاح المسلح ضد الامبريالية الامريكية ، في سوريا نشاهد تصاعد و نمو الجدال و الصراع حول وحدة الماركسيين ، في الاردن الشباب الثوري ينعش هذا النقاش وسط الشيوعيين و في المغرب أصبح ذات السؤال يشكل مركز اهتمام كل من يعمل بجدية و صدق من اجل مصلحة الثورة المغربية . في هذه الظروف لابد للشيوعيين من اجل قيادة صيرورة الوحدة من امتلاك وعي سليم بالقوانين التي تتحكم فيها . ان الماركسية اللينينية الماوية تقدم لنا الاجابة عن هذا السؤال المركزي بشكل خلاق.
ان الماركسيين اللينينيين الماويين ينطلقون من الوحدة ، الوحدة على ارضية خط فكري و سياسي يخدم مصالح البروليتاريا ، و يهدفون الى تطوير و تصليب هذه الوحدة ، عملية بناء و تصليب وحدة الشيوعيين ( ات) تتم من خلال الوعي بقوانين الديالكتيك باعتبارها القوانين التي تتحكم في هذه الصيرورة كما في باقي الصيرورات الواقعية ، و خصوصا القانون الجوهري للديالكتيك المادي " الواحد ينقسم الى اثنان ". ان استحضار هذا القانون وسط صيرورة بناء الوحدة هو امر بالغ الاهمية من اجل قيادة هذه الصيرورة ، فتطوير الوحدة بالنسبة لنا نحن الماركسيين اللينينيين الماويين يتم من خلال الصراع الإيديولوجي و الفكري على مختلف قضايا الصراع الطبقي و في مقدمتها قضايا الخط الفكري و السياسي للثورة.
وحدة – صراع – وحدة ، هكذا صاغ الرفيق ماو موضوعته حول بناء الوحدة ، الانطلاق من الوحدة و خوض الصراع الإيديولوجي و السياسي من اجل الوصول الى وحدة ارفع و هكذا دواليك .
ان الانطلاق من الوحدة بالنسبة للماركسيين اللينينيين الماويين يعني في ذات الوقت موضوعية الصراع داخل هذه الوحدة حيث لا توجد وحدة بدون صراع ، إن وحدة و صراع المتناقضات هي جوهر الديالكتيك ، ففي قلب هذه الوحدة يوجد طرفين متناقضين خط صحيح و خط خاطئ ، خط يميني و آخر يساري و عندما نتحدث عن خط صحيح و آخر خاطئ او خط ثوري و آخر انتهازي لا يعني أفرادا انتهازيين و آخرين ثوريين كما يفهم ذلك كل سطحي ضيق الافق و انما يعني وجود افكار و مواقف صحيحة و أخرى خاطئة . موضوعية وجود صراع الخطين تستمد مشروعيتها من موضوعية الصراع الطبقي ذاته ، فصراع الخطين لا يعدو ان يكون انعكاسا لنضال الطبقات في صفوف الشيوعيين (ات )، لكن موضوعية وجود صراع الافكار الصحيحة و الخاطئة لا يعني بتاتا القبول بوجود مواقف غير صحيحة و انما هو ما يفرض ضرورة خوض الصراع ضدها ، فعلى ارضية مسالة من المسائل السياسية او الفكرية او التنظيمية التي يطرحها الصراع الطبقي تبرز الخلافات و تتعدد الاجابات حو لهذه المسالة او تلك ، و ينمو الصراع و يبرز الانقسام داخل الوحدة و يحتد الصراع او يخفت حسب الظروف و في خضم هذا الصراع يتصلب الخط الثوري و ينمو .
و على ارضية الممارسة العملية يبرز الخط الصحيح من الخط الخاطئ و على ارضية النقد و النقد الذاتي يتم تجاوز كل ما هو خاطئ من افكار و مواقف و ممارسات و في هذا التجاوز يتحقق نفي الطرف الصحيح للطرف الخاطئ و ينمو الخط الفكري و السياسي و يتم الانتقال الى وحدة ارفع على ارضية الخط الفكري و السياسي الذي تطور عبر هذا الصراع . إن تجاوز ما بدا خاطئ عبر هذه الصيرورة لا يعني التخلي عن الرفاق و الرفيقات الذين أخطئوا وعبروا عن تلك الافكار الخاطئة (باستثناء طبعا من تشبثوا بأخطائهم ) بل على العكس من ذلك تماما فالنمو و تصليب هذه الوحدة يكون مع أولئك الرفاق و الرفيقات شرط قناعتهم و ممارستهم للنقد و النقد الذاتي ، و بما أن الصراع بين الطبقات لا يتوقف فانه يطرح في جدول اعمال الشيوعيين قضايا أخرى و تبرز العلاقات "وينقسم الواحد الى اثنان " و هكذا دواليك الى ما لا نهاية .
ان المعضلة الكبرى التي تواجه الشيوعيين ( ات) بالمغرب و بجميع البلدان التي لم يولد فيها بعد حزب ثوري ، بعد الوعي كما قلنا بقوانين تطور بناء الوحدة / بناء الحزب تكمن في غياب الادوات التنظيمية اللازمة لقيادة هذه الصيرورة ، فمن الوهم الاعتقاد انه بالامكان قيادة صيرورة الوحدة بدون ابداع الادوات التنظيمية الملائمة للشروط الملموسة في كل بلد على حدة . ان ممارسة النقد و النقد الذاتي باعتباره شكل حل التناقض داخل الشيوعيين لا يتم الا من خلال التنظيم . ان جدلية النظرية و الممارسة تتحقق في التنظيم .
ان هذا الفهم الذي طوره الشيوعيين (ات) استنادا الى الماركسية اللينينية الماوية هو على النقيض تماما من ذاك الفهم الذي ينادي ببناء الوحدة على ارضية ايجاد النقاط المشتركة ، الوحدة على ارضية توافقات معينة تراعي مصالح هذا و ذاك .
ان الخلفية الايديولوجية التي تحكم مثل هذا الفهم انما هي " اندماج الاثنان في واحد " التي نادى بها الخط الانتهازي داخل الحزب الشيوعي الصيني في بداية الستينات .
لقد اثبت التاريخ ، تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و تاريخ الحركة الشيوعية ببلادنا إفلاس هذه الرؤية لانها تناقض القوانين الموضوعية التي تحكم صيرورة بناء الوحدة ، هكذا كان الحال بالنسبة لمسلسل التجميع الذي انطلق في بداية التسعينات بين مختلف التيارات السياسية التي كانت تنتمي لما سمي " باليسار الجديد " التي وضعت في جدول اعمالها مهمة إيجاد النقاط المشتركة بينها من اجل " التجميع " . او بالنسبة ايضا لوجهة نظر " الكلمة الممانعة "التي نادت بموضوعة وحدة – نقد – وحدة ( التي صاغها حتى الجبهويون في السبعينات ) لكن بخلفية إيجاد النقاط المشتركة بين مختلف الفصائل و مراعاة مصالح الكل.

المراجع

إنجلز : ضد دوهرينغ
إنجلز: ديالكتيك الطبيعة
ماركس: رأس المال
آلان باديو : حول نظرية التناقض
لينين : " علم المنطق لدى هيغل " (الدفاتر الفلسفية )
لينين : حول الديالكتيك
لينين : ما العمل ؟
لينين : خطوة الى الامام خطوتان الى الوراء
ستالين: المادية الجدلية والمادية التاريخية
ماو: مختارات في أربع مجلدات، المجلد الأول و الثاني
ماو: المنهج الجدلي لتثبيت وحدة الحزب
الحزب الشيوعي الصيني: هل يوغسلافيا بلد اشتراكي؟