جامعة الصداقة بين الشعوب احد اعظم منجزات الحركة الشيوعية في الذكرى الخمسين لتأسيسها


سعاد خيري
2010 / 2 / 5 - 17:51     


نشأت الحركة الشيوعية العالمية كضرورة موضوعية لقيادة البشرية في نضالها من اجل التحرر من الاستغلال والاستعباد وجميع اشكال التمييز بين البشر وبناء المجتمع الانساني الحقيقي . بعد ان اطلقت الثورة الصناعية الاولى طاقات البشر الجسدية والفكرية .وكشف ماركس وانجلس استنادا الى منجزات عصرهما في جميع المجالات العلمية والفلسفية الاساس المادي لتطور الانظمة الاجتماعية . وعلى ضوء ذلك اكدا على امكانية تحررها واقامة النظام الاشتراكي الخالي من جميع اشكال الاستغلال والاستعباد والتمييز .. وطور لينين افكار ماركس وانجلس وقاد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى وعمل بكل طاقاته من اجل بناء المجتمع الاشتراكي رغم عدم بلوغ القوى المنتجة المستوى الملائم لبنا الاشتراكية الذي يحقق من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله. ولم يدرك ذلك الا بعد الاضطرابات الفلاحية والعمالية الكبرى الناجمة عن ذلك الخلل فتراجع عن اجراءات تطبيق الاشتراكية الى سياسة النيب لتطوير القوى المنتجة في حين راح معارضوه يطوعون النظرية والمجتمع لبناء الاشتراكية . فقدم الحزب الشيوعي السوفيتي وبدعم الحركة الشيوعية العالمية خلال سبعين عاما انجازات جبارة على الصعيد الداخلي والعالمي كالنصر على الفاشية ودعم حركات التحرر الوطني العالمية واقامة المنظمات الدولية وصياغة مواثيقها واقامة الالاف من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلدان المتحررة . الى جانب اخطاء جسيمة ادت الى انهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة الاشتراكية لتحرير البشرية وتآخيها. وفي حين اصاب انهيار التجربة الاشتراكية العظمى الملايين بخيبة الامل وحتى اليأس فانه دفع ملايين المفكرين الى تطوير الماركسية لتلائم عصرنا، عصر الثورة العلمية التكنولوجية، التي طورت القوى المنتجة ووفرت القاعدة المادية لبناء الاشتراكية على النطاق العالمي .
وفي غمرة الصراع بادر الحزب الشيوعي السوفيتي من اجل المساهمة في تحرير البشرية واعداد الكوادر العلمية والسياسية للبلدان المتحررة من نير الاستعمار والتي حرمت من التطور العلمي والحضاري لقرون من الاستعباد وتقديم النموذج لتاخي البشر، الى تاسيس جامعة الصداقة بين الشعوب عام 1960. وعلى اثر اغتيال الادارة الامريكية لباتريس لومومبا رئيس الكونغو الديموقراطية وتنصيب حكومة موالية لها، اضيف الى اسمها اسم باتريس لمومبا. ومنذ ذلك الحين ورغم كل التحولات الجبارة التي تعرضت لها البشرية عموما والاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعي خصوصا استمرت جامعة الصداقة تستقبل الالاف من طلبة البلدان التي عادت تابعة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستئثار القطب الاكبر للراسمالية الولايات المتهدة بالهيمنة على العالم بل وايغالها في اعادة البشرية قرون الى الوراء لاحكام استعبادها بمختلف الوسائل والاساليب وفي مقدمتها محاربة العلم والتآخي بين الشعوب . واستمرت جامعة الصداقة تمد بلدان العالم سنويا بالالاف من خريجيها من اطباء ومهندسين اقتصاديين ومفكرين صحفيين وكتاب وفنانين وعلماء ومبتكرين
وجاء تأسيس جامعة الصداقة مرافقا للعام الثالث من ثورة 14/تموز وانطلاق المئات من الطلاب العراقيين للالتحاق بالجامعات السوفيتية ولاسيما في جامعة موسكو. ولم يلتحق بجامعة الصداقة الا العشرات ممن يعانون من ضغوط سياسية بعد الانعطاف السلبي لقيادة الثورة او بسبب عدم حصولهم على الوثائق المؤهلة لدخول الجامعات الاخرى . وتشرفت بالتحاقي بجامعة الصداقة في السنة الثانية من تأسيسها عام 1961. فقد اضطر الحزب الشيوعي العراقي لارسالي الى جامعة الصداقة بعد ان اصدرت حكومة الثورة قرار القاء القبض علي لاسباب عائلية. و كان علي ان اخفي هويتي العراقية واسمي وادعي وفقا للجواز بانني فلسطينية واسمي خضرة محمد سلمان. والتزمت بذلك حتى 8/شباط 1963 حيث زار الجامعة وزير التعليم فتقدمت اليه بالسؤال كيف يمكن لحكومة الاتحاد السوفيتي ان تعترف بحكومة تبيح قتل الشيوعيين !! فاجاب وكيف ذلك ؟؟ قلت الم تسمع بالبيان رقم 13 الذي اصدره الانقلابيون والذي يبيح قتل الشيوعيين؟؟ . فالتفت الى مرافقيه مستفسرا واجابني بعد ذلك، سنحتج . ولم ينجح احتجاج خروتشوف الا في الغاء اعدام ثلاث رفيقات.
وصلت الى الجامعة مساء يوم 18/اب/1961 وبعد اجراءات الاستقبال البسيطة ، وجدت في غرفة اقامتي فتاة صومالية في الثامنة عشر من العمر وفي لحظة تذكرت انني في الثانية والثلاثين من العمر ومع ذلك فانا احب الدراسة وطالما حلمت باكمال دراستي الجامعية طوال سنوات السجن العشرة . وأفقت على تحية الرفيقة الثانية وكانت ملدافية أي من احدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي . وما اسرع ما انغمرنا بالاحاديث مستعينين بالاشارات وبعض الكلمات الروسية والانكليزية والعربية وفي الغرفة المقابلة فتاة سورية وفي اخرى لبنانية تعيش مع زوجها ورضيعتهما. توطدت اواصر الصداقة بيننا. وما اسرع ما انغمرنا بالاجواء التي تهيئها ادارة الجامعة وجمعيات الطلبة من اجواء طلابية رائعة. فالى جانب برامج الدراسة المشوقة واساليب التعليم المفجرة للطاقات، كانت البرامج التثقيفية والترفيهية المنظمة من سفرات الى المرافق الثقافية والفنية وزيارات المتاحف والمعارض الفنية. والتاقلم على اجواء موسكو والتمتع بالتزلج على الجليد شتاء وبالاصطياف على ضفاف البحر صيفا وتعلم السباحة . وما ابهج المساهمات بالمناسبات الاممية من عيد العمال العالمي ويوم المرأة العالمي وعيد ثورة اكتوبر وكان للفريق العراقي من جميع الجامعات ما يتميز به دائما باغانيه واهازيجه التي تجذب المارة بل والمحتفلين . ولا بد لكل عصر مناسباته واحتفالاته المفجرة لطاقات الشبيبة وابداعاتها.
نعم ستبقى جامعة الصداقة من اعظم منجزات الحركة الشيوعية في اعداد وتدريب الاف الكوادر للبلدان التابعة والمفقرة، القادرة على تحرير شعوبها والمساهمة في تحرير البشرية وتآخيها .