النظام الفدرالي وبناء صرح الديموقراطية


محمد بودواهي
2010 / 1 / 28 - 04:16     

تزامنا مع طرح المغرب لخيار الحكم الذاتي لحل مشكل الصحراء ، وتزامنا أيضا مع طرح ما سمي بالجهوية الموسعة والتعديلات على التقسيم الإداري ، احتد النقاش واختلفت الآراء بين من يرى في ذلك خيار ديموقراطي يجب أن يتم التعامل معه بالقدر الكافي من الجدية باعتباره يهدف إلى تجاوز مجموعة من المشاكل التي أنتجتها سياسة التمركز التي ورثها المغرب عن سياسة فرنسا الاستعمارية ، وبين من يرى أن هذا الخيار ليس إلا تكتيكا سياسيا يراد منه إظهار صورة المغرب للعالم الخارجي على أنه منسجم مع داته في طرح مبدأ اللامركزية .
أمام هذا الاختلاف في الآراء كان لزاما أن نساهم في إغناء النقاش ، حيث نرى أن غياب الديموقراطية مع شيوع سيادة ثقافة المخزن قد فتح الباب على مصراعيه أمام استبداد عرف المناورة والتحايلات وكذا التملص من الالتزامات . ( فالجهوية الموسعة ) إن كانت تعني شكل تدبير المجال الترابي المغربي ، فإنها في الواقع تحويل لاهتمام زائد بمقترح الحكم الداتي للصحراء ، والذي أصبح بعض السياسيين المغاربة من أحزاب متعددة يطالب بتنزيله والشروع في تطبيقه . في هذا الباب ، أليس من الضروري الإشارة إلى مسألة مفصلية ، بدون طرحها كأولوية لا يمكن الحديث عن جدية أو عدم جدية المبادرة .
إن التعديلات الدستورية ومنح صلاحيات أكبر للمناطق هي جوهر هذه الأولوية ، وهي التي قد تسمح بتجاوز الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المغاربة ، ولربما قد تتيح للمغرب فرصة الانتقال إلى مرحلة الازدهار والإسهام في خروجه من ازمته المستفحلة . كما أن هناك مطالب عديدة يطمح السكان للحصول عليها ، وهي مطالب تتعلق بحقوقهم المدنية والثقافية والسياسية ، حيث يطالب الأمازيغ مثلا باعتبار اللغة الأمازيغية لغة حكومية رسمية خاصة أن أكثر من 70 في المائة من المغاربة يتكلمون بها ، وحيث يطالب الكثيرون بفصل الدين عن الدولة ، وبالتقليص من صلاحيات المؤسسة الملكية أو باعتماد النظام البرلماني ، وبمحاكمة ناهبي المال العام ووووو
إن طرح العديد من الهيئات السياسية والحقوقية والثقافية والجمعوية لمبدأ الفدرالية يمكن أن يكون بمثابة حل وسط بين سياسة الدولة المركزية ، ومبدأ الحرية الكاملة للشعب . فهي مختلفة عن ( الاستقلال ) بكونها تطبيق لا مركزي داخلي في الدولة ، ولها علاقات محددة دستوريا بمركز الدولة القائمة ، وتخضع هيئاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية لرقابة من قبل السلطة المركزية ، يحدد شروطها وأساليبها وصلاحياتها دستور البلاد . ويتطلب أن تكون لسكان الإقليم إدارة مستقلة ، وأن يكونوا قادرين على صون سلطتهم وحماية إقليمهم ، وأن تتوفر لديهم الأموال الكافية لإدارة أنفسهم ، وبناء مشاريعهم وتطوير مؤسساتهم الثقافية والتعليمية والصحية .....فالفيدرالية نقيض للمركزية حيث تحتاج الدول التي تتبناها إلى أن تتخلى السلطة المركزية عن أجزاء مهمة من صلاحيات تدبير الأقاليم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لتتم ممارسته على المستوى المحلي .
ومعلوم أن الفدرالية تساعد على تأمين الديموقراطية وحقوق الإنسان لأنها تقوم بتعزيز الديموقراطية النيابية عبر توفير مواطنة مزدوجة ، وتوفر نظاما دستوريا قويا تستند عليه التعددية الديموقراطية ، وهذا ما يجعلها أكثر إكمالا وإتقانا . فهي بإمكانها الحد من قدرة الدولة على انتهاك الحقوق طالما أنها تضمن بأن البرلمان الراغب في تقييد الحريات فاقد للصلاحيات الدستورية ، وبأن الحكومة القادرة على ذلك فاقدة للرغبة فيه .
إن نماذج الأنظمة الفيدرالية في العالم كثيرة ومتنوعة ، وحجم الصلاحيات التي تتمتع بها الأقاليم أو الولايات تختلف من حالة لأخرى وتخضع للتطور . ويمكن القول أن لكل تجربة فدرالية استثناءاتها وخصوصياتها المحلية مما يجعل من الصعب نقل أو استنساخ أي تجربة من أي مكان آخر . إلا أنه مع ذلك يمكن للمرء أن يلاحظ بعض التقارب في بعض التجارب والاختلاف التام في تجارب أخرى . فالتجربة الإسبانية مثلا قد تختلف عن التجربة الروسية ، وتجربة الإمارات العربية المتحدة تختلف عن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية ، بينما نجد التجربة الألمانية تتشابه وتقترب من التجربة السويسرية و....لذلك فإن الفيدرالية نتاج تاريخي على أشكال مختلفة وتطبيقات متنوعة نابعة من خصوصيات البلدان التي تتبناها ومن الأوضاع القائمة فيها ، فلا يمكن أن يكون هناك نموذج جاهز محدد المعالم يمكن استنساخه ، بل هناك نماذج متعددة تنسجم مع الخصوصيات الثقافية الاقتصادية الاجتماعية المحلية .
وفي هذا الإطار يمكن إبداع تجربة فيدرالية مغربية يكون التقسيم الفيدرالي فيها مبنيا على أسس جغرافية واقتصادية وسياسية مع استبعاد أي اعتبار ثقافي أو لغوي أوديني أوعرقي ، وقد يكون بالإمكان اعتماد ما راكمته الحركة الأمازيغية في هذا الشأن ، حيث أن هناك مجموعة من الوثائق التي تتطرق لهذا الموضوع نخص منها بالذكر ( ميثاق المطالب الأمازيغية بشأن التعديلات الدستورية ) وهي وثيقة أصدرتها مجموعة من الفعاليات الأمازيغية ومفتوحة للتوقيعات الإطاراتية والشخصية ، والثانية هي وثيقة ( ميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف من اجل دسترة الأمازيغية ) وهي من إنجاز جمعيات الريف الأمازيغية ، وهي مساهمة من جانبها في إطار الحوار الأمازيغي حول الدسترة من أجل بلورة وثيقة أمازيغية موحدة على المستوى الوطني . بالإضافة إلى الندوات المتعددة التي أقيمت لهذا الغرض ومنها الندوة الدولية التي انعقدت بمدينة الناظور في وقت سابق حول الدول الفيدرالية والحكم الذاتي .لكن هذا الجهد يحتاج بالتأكيد إلى جهود أخرى على مستوى إطارات وهياكل ومؤسسات الدولة.
إن طرح الفيدرالية في المغرب هو طرح لبناء الدولة الديموقراطية وليس لشيء آخر . ولذلك فإن الحركة الأمازيغية تسعى لبناء تصور حول الموضوع وذلك بالإطلاع على تجارب الدول الديموقراطية التي تمارس الحكم الذاتي ، وبناء على التجربة الأمازيغية لكونفدراليات القبائل التي أبادها الاستعمار الفرنسي والمخزن المغربي من بعده .