السببية والمصادقة والطارئ واللامنظور.. كَلِمُ لا يَنفَد لبليخانوف


فاطمة الفلاحي
2010 / 1 / 18 - 13:07     

«إن الناس يصنعون تاريخهم الخاص ضمن شروط يجدونها سابقة لهم ومعطاة وموروثة من الماضي»..بليخانوف

من أشد فواجع تاريخنا المعاصر إيلاماً هي الفواجع التي كان يرافقها، بجانب «الأحلام السعيدة»، الصراخ بكلمة «مستحيل»


«مثل بومة منيرفا لا تبدأ طيرانها إلا بعد أن تكون ظلال الغسق قد خيمت على الكون»..راي هيجل بالنظرية الميتافيزيقية القائلة بوحدانية الكون وبكونه جوهراً واحداً.


«من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام وهو داء دوي شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة، وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال وكما يكون ذلك في الأشخاص والأزمان والإعصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار».. ابن خلدون


«قبل القرن التاسع عشر لم يكتب لأحد أن يفوق «توسيديد» سوى ابن خلدون فالأول قد اختراع التاريخ وعلى يد الثاني اكتسى هذا التاريخ صيغته العلمية».. ايف لاكوست


«تستحيل الضرورة على حرية لا ،لأنها تتوارى بل للسبب الأوحد وهو أن «تماثلهما» الداخلي الكامن قد تجلى أخيراً»...هيجل


«أن هؤلاء البرجوازيين الصغار والذاتيين ليسوا رجالاً وإنما هم ظلال . ». بيلينسكي



"دور الفرد في التاريخ"

بليخانوف

ترجمه وتقديم
إحسان سركيس


"التقدمة"

• ما هو مبلغ الحدود التي يظل فيها الإنسان صانع نفسه؟.

• «إن العالم يملك منذ عهد بعيد الحلم بشيء يكفيه وعيه حتى يمتلكه في الواقع».

• الحرية ليست الهدف فحسب وإنما الوسيلة والسلاح في النضال.

• الرجال العظام لا يصنعون التاريخ ويكيفونه إذ تستدعيهم «الأزمنة العظيمة»،

• إن مفهوم «الضرورة» المجرد يؤول إلى الجبرية والجبرية الاجتماعية تفترض وقوع الأحداث حتماً وإلزاماً والمستحيل يصبح شيئاً لم «يئن أوانه»....

• الوحدة في التناقض (وبخاصة التناقض الموضوعي ـ الذاتي أو الشروط الموضوعية والممارسة الثورية)

• الإنسان، ابناً للماضي بأسره وثمرة هذا الماضي برمته وهو يصنع التاريخ والتاريخ بدوره يصنعه في جدلية حياتية لا تنتهي.

• التاريخ ، هو وعي التطور والاضطلاع به والإنسان هو الكائن الذي بفضله ينقلب التطور الشامل لكل الطبيعة تاريخاً بالمعنى الإصطلاحي.

• إن الشخص البارز يدخل نفسه في حلبة الحادث التاريخي يحكم ما له من سلطة فهو آمر ومشارك والعلاقة بين الآمر والمأمور هي ما تمكن تسميته بالسلطة المعبر عنها بالدولة بكل ما تحتمله هذه الكلمة من مضامين ومعان.

• الأبطال في الدولة الديمقراطية يجب أن يكونوا رجال الرأي والتبصر الاجتماعي والإنجازات العلمية والطاقات الفنية والأدبية

• إن الكلية لا يمكن إبرازها أو عرضها إلا إذا كانت الذات التي تعرضها كلية أيضاً وحتى وتعي الذات نفسها ينبغي لها أن تعي الموضوع ككلية.




«جيورجي فالنتينوفتش بليخانوف»
ولد عام 1856 وتوفي عام 1918. ويصح اعتباره واحداً من مؤسسي الماركسية الروس ووجهاً من أبرز الوجوه البعيدة الأثر في الأممية الثانية. وكان لا يزال طالباً ناشئاً عندما انضم إلى الحركة الثورية لجماعة «الناردونيك» أي «الشعبيين» ولكنه بت في حبل صلته بأفكارهم وأسس عام 1883، وهو في المهجر، مع «اكسلرود» و«فيرازاسوليتش» أو منظمة اشتراكية ديمقراطية في روسيا وهي «جماعة تحرير العمل»، ولم يكن بليخانوف شارحاً ممتازاً للماركسية فحسب بل كان تلميذاً موهوباً لماركس ولأنجلز. أتم وزاد في عمق نظريتهما و نافح عنها بطريقة بارعة أصيلة. وعندما شرعت، حوالي عام 1890، النزعة الموصوفة «بالتحريفية» بقيادة «بيرنشتين» في الانتشار وأصبح لزاماً أن يذاد عن أسس الماركسية ضد جميع المقرزمين الذين يدعون «تكميل» الماركسية، كان بليخانوف واحداً من ألمع المتصدين لهذا الاتجاه واضعاً نفسه في خدمة المادية الديالكتيكية.
وفي غمرة النضال ضد الانتهازية الأممية وضد أشكالها الروسية كالنزعة «الاقتصادية» و«الستروفية» كان بليخانوف في الصف الأول، وكان واحداً من القلائل البارزين في الحركة الاشتراكية الأممية الذين توفروا بانتظام على الاهتمام بالفلسفة الماركسية. ولم يكن عبثاً أن يوصي لينين بدراسة كتبه الفلسفية بوصفها «كتباً مبدئية لفهم الشيوعية».
وحتى المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي وفي المؤتمر نفسه عمل بليخانوف يداً بيد مع لينين، هذا القائد المنبثق عن الجيل الماركسي الفتي وساهم كلاهما، في بداية هذا القرن، في :
تحرير الصحيفة الاشتراكية ـ الديمقراطية «الايسكرا»
(الشرارة)
و«زاريا»
(الفجر) التي جعلت أولى مهامها مكافحة اتجاه «الاقتصاديين» وخلق حزب ثوري متماسك موحد.
وبعد الانشقاق الذي دب في هذا المؤتمر ـ والذي شهد ميلاد المنشفيك ـ انضم بليخانوف، بعدد تردد كبير، إلى جماعة المنشفيك. واعتباراً من هذا التاريخ اختلف طريق لينين عن طريق بليخانوف. وفي الأعوام الممتدة بين 1908 و1912 تقرب بليخانوف، أحياناً، من البلاشفة وقاد النضال مع لينين ضد النزعة «التجريبية» وجماعة «المصفين». وفي أثناء الحرب الاستعمارية الأولى أعلن بليخانوف، خلافاً لموقف لينين تأييده لفكرة «الدفاع الوطني» هذا الموقف الذي حافظ عليه حتى بعد ثورة شباط 1917. وظل حتى تاريخ وفاته خصماً للنظام السوفييتي ولكنه رفض أثر ثروة أكتوبر أن يتدخل بصورة مكشوفة ضد البلاشفة والنظام السوفييتي.
وقد ترك بليخانوف مؤلفات عديدة والكتاب الذي نقدمه للقارئ العربي هو واحد من هذه المؤلفات التي لا تزال تحافظ على تمام جدتها وأصالتها.




"دور الفرد في التاريخ"

بليخانوف

قرابة عام 1878 كتب الراحل كابليتز مقالاً عنوانه «الذكاء والعاطفة بوصفهما عاملين من عوامل التقدم» استهدف فيه، بالرجوع إلى سبنسر، إقامة الدليل على أن العاطفة تلعب، في تقدم الإنسانية، دوراً رئيسياً بينما لا يعدو دور الذكاء أن يكون ثانوياً وتابعاً لهما تماماً. ورد عليه «باحث اجتماعي مرموق » وتلقى بدهشة هازئة هذه النظرية التي تطوح بالذكاء إلى «مقعد الفارس في السباق».ومع ذلك فقد كان على حق في دفاعه عن الذكاء ولكان أحسن صنعاً لو أنه، عوضاً عن الغوص في هذه المسألة التي أثارها كابليتز، أبان أن أطرحها بهذا الشكل ليس مقبولاً ولا ممكناً.
والحقيقة أن نظرية «العوامل» لا سند لها، في حد ذاتها، لأنها تفصل، بطريقة كيفية، مختلف أشكال الحياة الاجتماعية، بعضها عن بعض، وتقننها على شكل قوى خاصة تشد، من جهات مختلفة وبدرجات متفاوتة من النجاح، الإنسان الاجتماعي إلى طريق التقدم. وهذه النظرية، بالشكل الذي أوردها به كابليتز تفتقر أكثر إلى الأساس لأنها تحول إلى أقاليم اجتماعية خاصة، لا هذا المظهر أو ذاك من مظاهر فاعلية الإنسان الاجتماعي وإنما مختلف نواحي الوعي الاجتماعي. وتلكم هي، في الحقيقة، الغاية في التجريد، ويكفي أن نتجاوزها حتى نلج عندئذ عالم المجرد الصارح الهازل.
وكان حقاً على هذا «الباحث الاجتماعي المرموق»أن يسترعي انتباه كابليتز وقراءه إلى ذلك. ولو أنه أبان في أي تيه من التجريد ضل كابليتز في سعيه لإيجاد «عامل» يسير التاريخ لكان أسهم في نقد نظرية «العوامل» نفسها، وهو أمر يبدو لنا حالياً على جانب كبير من الفائدة. ولكنه لم يكن ليرقى إلى هذه المهمة لأنه، نفسه، يقر هذه النظرية ولا يمتاز عن كابليتز إلا بانعطافه نحو الانتقائية التي تبدو، بموجبها، جميع العوامل على مستوى واحد من الأهمية. ولا تلبث انتقائيته هذه أن تتجلى بوضوح تام في هجومه على المادية الديالكتيكية، هذه النظرية التي تضحي، على حد قوله، بجميع العوامل في سبيل العامل الاقتصادي محيلة دور الفرد في التاريخ إلى العدم. ولم يدو بخلد هذا «البحث الاجتماعي المرموق» أن المادية الديالكتيكية غريبة في نظرية العوامل هذه وأن من قصور التفكير المنطقي أن يذهب الاعتقاد بالمرء إلى حد اعتبارها بمثابة اليقينية. ولنلاحظ أن خطله هذا ليس نسيج وحده بل قام به الكثيرون ومازالوا يقومون به وسيقومون به حتماً حتى زمن طويل..



"استشهد باقوال لــ..."


لانسون:
«جميع التعاليم التي اقتضت المزيد من الإرادة البشرية افترضت، مبدئياًن عدم أهلية هذه الإرادة فاستبعدت بذلك الاختيار الحر وألقت بالعالم في أحضان الجبرية.»


سيمل:
« أن الحرية لا يمكن فهمها إلا بمعارضتها بعائق ما. »


لامبرخت:
«ليس بوسعنا صنع الحوادث الجسام بل علينا التوافق مع السياق الطبيعي للأشياء مستهدفين الاستثبات مما هو تام النضج».


لاسال:
«إن خدام الرجعية ليسوا محدثين بارعين فحسب، ومن نعم الله كون التقدم يعتمد قليلاً على أمثال هؤلاء الخدام».


مونود:
أحد المؤرخين العلميين البارزين والمعاصرين في فرنسا:
«لقد تعودنا أن نتعلق، في التاريخ، بالمظاهر البراقة المدوية والقصيرة الأجل، التي تلازم الفعالية الإنسانية، من حوادث عظيمة أو رجال عظام عوضاً عن أن نصر على الحركات العظيمة الوئيدة التي تنتاب المؤسسات، وعلى الشروط الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل القسم الهام والدائم في التطور الإنساني، الذي يمكن تحليله بالتأكيد، وبطريقة تقربه من القانون. إن الحوادث والشخصيات البارزة لهي شارات ورموز لمختلف فترات هذا التطور. ولكن معظم الظاهرات، التي توصف بالتاريخية، هي بالنسبة إلى التاريخ الحقيقي كنسبة الأمواج التي تطفو على سطح البحر إلى الحركة العميقة الدائمة للمد والجزر، فهي، أي الأمواج، تتلون لفترة من الزمن، بجميع ألوان الضوء، ثم تتناثر على الشاطئ دون أن تخلف منها شيئاً».


ليكورغ :
الذي «دخل أفئدة المواطنين وخنق فيها جرثومة حب الثروة ».


شاتوبريان :
يصف المدرسة التاريخية الجديدة بالجبرية ويعدد في الموضوعات التي يثيرها ما يلي:
«على المؤرخ الآخذ بهذه الطريقة أن يروي الفواجع دون حقد أو غضب وأن يتكلم على الفضائل دون ميل أو هوى، وأن يرمق بعين الحيدة المجتمع وكأنه خاضع لبعض القوانين التي لا تقاوم والتي معها كل شيء وفقاً لما يجب أن يحدث».


غيزو:
يقول في كراس جدلي له: «إن الأقوى يمتص الأضعف وله الحق في ذلك».


رسالة مدام بومبادورالى سوبيز:
«لا تخش شيئاً سأرعى مصالحك وسأحاول أن أعيد الصفاء بينك وبين الملك»


هيجل:
«كل ما هو قام ينطوي على عنصر من عناصر المصادفة».


تين :
«عندما تدفع حضارة جديدة فناً جديداً في طريق التطور. يتوافر عشر من الموهوبين الذين يعبرون نصف تعبر عن الفكرة العامة ويحتويها إثنان أو ثلاثة من العباقرة الذين يعبرون عنها بتمامها».


ولرب:
«مادامت جميع الأحداث الاجتماعية محددة بالضرورة فليس لعملنا أي اعتبار».




كَلِمُ لا يَنفَد لبليخانوف

• إن فكرة وجود حزب يساهم في كسوفات القمر لا يمكن أن تعيش إلا في مأوى للمجانين.

• عندما أشعر أن إرادتي ليست حرة وأجد نفسي، في عجز تام، ذاتي وموضوعي، عن العمل خلاف ما فعلت تبدو لي عندئذ أعمالي كأحب عمل ممكن لدي إذ تتماثل عندئذ في ضميري الضرورة والحرية وكذلك الحرية والضرورة.

• الرياضيات علم مفيد جليل القدر يحسن إلا تغرب قواعده عن البال وبخاصة عن بال السادة الفلاسفة.

• مصادفات الحياة الخاصة: مواهب الفرد ومعارفه وروح التصميم وعدم التردد والشجاعة أو الجبن لديه

• إن السياق التاريخي سيظل ماضياً في نهجه، ويجوز أن يشغل مكان لويس الخامس عشر ملك آخر لا يؤثر النساء إيثاره لهن.

• لم يعد بوسعنا اليوم أن نعتبر الطبيعة البشرية السبب النهائية والأعم في مجال الصيرورة التاريخية.


دور الفرد في التأريخ... بليخانوف

للتحميل :
http://librarycommunism.googlepages.com/doralfardfialtaryk.doc


ــــــــــــــــــ
من كَلِمُ لا يَنفَد

التقدمة ... بتصرف