اليسار العربى .. تفكك أم إعادة تشكل


محمود حافظ
2010 / 1 / 9 - 08:57     

عندما نتحدث عن اليسار وجب التنويه ماذا تعنى كلمة اليسار؟
فعودة إلى الخلف لمعرفةأصل تسمية اليسار والتى أطلقت فى الجمعية الوطنية الفرنسية أوالبرلمان الفرنسى والتى جرى العرف الفرنسى أن كل كتلة برلمانية تجلس فى مكان خاص بها وقدقسمت الأماكن إلى ثلاثة أقسام يمين ووسط ويسار فأما كتلةاليمين فهم الأعضاء المتمسكين بالماضى الإجتماعى بفلسفتهم الرجعية ( ليس فى الإمكان أحسن مما كان ) أما دعاة الوسط فطرحهم الحاضر الحالى هوالأفضل أما دعاةاليسار فهم أصحاب فكر الغد دعاة التغيير إلى الأفضل هم دعاة أن المجتمع تحركه آلية وكل يوم يكتشف الإنسان الإجتماعى الجديد سواء فى الطبيعة أوفى الفكر ولابد للإنسان أن يساير الجديد ويرقى معه .
هذا هوالمعنى اللفظى لليسار فاليسار يعنى الغد ويعنى الرقى والتمدن وإذا كانت هذه التسمية وليدة عصر التحولات الإجتماعية والتى شهدته أوربا منذ القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر عصر التحول الإجتماعى والتغيير من عصر النظام الإقطاعى إلى عصر النظام الرأسمالى هذا العصر الذى إنتقلت فيه أوربا نقلة نوعية شهدت تغيرات جذرية أنتجتها إكتشافات علماء الطبيعة والكيمياء والعلوم البيولوجية كما أنتجتها أيضا علماء الفكرالإنسانى أوفلاسفة عصر التنوير فكما تم إكتشاف علوم الفلك بما يعرف بالثورة الكوبرنكية تم إكتشاف علوم الوراثة فى النبات والحيوان وقدصاحب هذا إكتشاف الطاقةالبخارية وأصول المعادن وإستخدماتها هذه الإكتشافات فى العلوم الطبيعية واكبها إكتشافات فى العلوم الإنسانية وكان أهم هذه الإكتشافات تحرير العقل وفصله عن الميتافيزيقا وتحرره من سلطة الكنيسة البابوية وإطلاق الحريات الإجتماعية وقد تركزت هذه الحريات فى مقولة دعه يعمل دعه يمر وكانت الشرارةالكبرى لهذه الحريات فيما أطلقه فولتير فى مقولة إننى مستعد أن أضحى بحياتى فى سبيل إبدائك لرأيك حتى لو كنت ضد هذا الرأى هذه هى العناصر الرئيسية على المستوى الفلسفى الذى تم تدشينها لإقامة مجتمع جديد وحضارة جديدة أنهت عصر الظلمات فى أوربا ودعت إلى عصر التنوير فتحرير العقل وحرية المرور وحرية العمل وحرية الفكر هى التى ساهمت فى بناء الحضارة الرأسمالية والتى أتاحت حريةالتملك هذه الحرية التى أصبحت فيما بعد هى الوجه الأوحد للرأسمالية خاصة ظهرت ملامح النظام الرأسمالى الوليد والتى تبلورت فى طبقة تملك التراكمات المالية وبهذه التراكمات قامت بإستيراد أوتوفير المادة الخام وقامت ببناء وتجهيز المعامل والمصانع وقامت هذه الطبقة بشراء قوة عمل العامل هذه القوةالتى تقوم بالتعامل مع المادة الخام وأمام الآلة لتنتج فى النهاية سلعة تعرض فى السوق لتكون القوة الشرائية الكبرى لهذه السلع هم جموع العمال التى أنتجوها وقد دفعوا الثمن من ثمن بيعهم لقوة عملهم .
إذاً فإن النظام الرأسمالى الجديد والذى أطلق لمجاله كافةالحريات قدتبلور فى طبقة تملك الرأسمال التى به تمكنت من تأسيس القوى المنتجة هذه الطبقة الرأسمالية تداخلت مع طبقةأخرى فى علاقة إنتاجية وهى الطبقةالعاملة وهى الطبقة التى لعبت الدور الحيوى فى الإنتاج حيث باعت سلعة قوة عملها لصاحب وسائل الإنتاج لينتج العامل بواسطة قوةعمله سلعةتعرض فى السوق هذه السلعة المنتجة هى التى بينت فيما بعد مدى إستغلال الرأسمالى للعامل فلكى يجنى الرأسمالى ربحا وفيرا لابدله من إستغلال قوة عمل العامل بأن يقوم بدفع عدد ساعات معينة للعامل فى مقابل إنتاج السلعة ويقوم بتشغيل العامل عدد ساعات أخرى دون مقابل يكون أجر هذه الساعات هى التى تحدد ربحية أومكسب الرأسمالى ولزيادة جشع وطمع هذا الرأسمالى وفى حالة إعتراض العمال عليه كان هذا الرأسمالى يقوم بطردالعمال المعترضين وتهديدهم وتشغيل صبية من الجنسيين يحتاجون للعمل دون إعتراض من هنا تولد الصراع الطبقى بين الطبقةالرأسمالية والطبقة العاملة وقدأوضح علماء الإقتصاد والإجتماع طبيعةالإستغلال ومداه الواقع على العامل من ناحية الرأسمالى وكان لماركس وأنجلز الفضل فى إكتشاف هذه العلاقة وتوضيحها بآليتها الإجتماعية والإقتصادية من خلال صياغتهما لنظريتهما فى الإقتصادالسياسى من خلال عرض التاريخ فى المادية التاريخية وعرض العلاقات الإنسانية وتراكماتها الكمية والتى بمرور الوقت تنقلب إلى تغيرات نوعية تظهر مولودا جديدا من باطن أم قديمة ومدى تأثير وتأثر هذه العلاقات بعضها ببعض , هذه النظرية التى أفسحت المجال أمام الإشتراكية العالمية داعية فى الأساس إلى قيمةإنسانية كبرى وهى منع الإنسان من إستغلاله لأخيه الإنسان من خلال الحد من جشع الرأسمالى الذى بلا حدود ووضع آليه تحد من هذا الجشع وهى أن تؤول ملكية وسائل الإنتاج إلى المجتمع الإنسانى
ولما كانت هذه النظرية فى الأساس قد أوضحت مفاعيل التطور الرأسمالى وإنتهت بأن هذا التطور فى مراحله المختلفة لابد له أن ينتهى ويزول بعلاقاته الإنتاجية المتصارعة لتحل مكانها علاقات إجتماعية أكثر رقيا وتمدنا تحفظ للجنس البشرى كرامته وقوته وتعمل على عدم المساس بمكتسباته المادية ومنع إستغلاله ولما كانت قوى اليسار هى القوى التى ترنو إلى الرقى والتمدن وصالح الإنسان فما كان من هذه القوى إلا تبنيها لهذه النظرية للإشتراكية العلمية وقددخلت هذه القوى اليسارية فى صراع مرير مع القوى الرأسمالية والتى تطورت حتى وصلت للمرحلة الإمبريالية والتى هى أعلى مراحل تطورها هذا الصراع التى تحاول فيه الرأسمالية العالمية تأبيد وجودها فى مقابل تشتيت قوى اليسار العالمى ولكن بفضل إيمان هذه القوى وبفضل تحريك هذه القوى لطبقتها العاملة وإيصال هذه الطبقة لقمة وعيها السياسى بمصالحها الإقتصادية والإجتماعية قامت قوى اليسار العالمى بإنجاز ثورتها الكبرى فى الإمبراطورية الروسية بفضل زعامة لينين ورفاقه وتأسيس الدولةالإشتراكيةالأولى فى العالم وقد تأسس الإتحادالسوفيتى كأول دولة إشتراكية بسلطة تقودها الطبقة العاملة بواسطة طليعتها العضوية هذه الدولة التى تأسست فيها الإشتراكية وهى لم تنجز بعد كامل ثورتها البرجوازية فقد تأسست الدولة الإشتراكية فى وجود علاقات تعود للعصر الإقطاعى الأوربى فمازال لهذا الحين يوجدالإقطاعيون ملاك الأراضى الكبار ومازال يوجدالفلاح قن الأرض ولما كان الفضاء السوفيتى شاسعا كانت العلاقات الإجتماعية قائمة على سرعة تطور الطبقةالفلاحية مع الدفع السريع بتزويد وتيرة الإنتاج الصناعى خاصة بعد دخول الإتحاد السوفيتى فى صراع مع الإمبريالية الأوربية وخوض الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور ( ألمانيا –إيطاليا – اليابان ) ولأن الفضاء السوفيتى كان فى تماس مباشر مع الدولتين الأكبر اليابان من الشرق وألمانيا من الغرب ولما كان الإتحاد السوفيتى مازال يعتبر دولة وليدةالعهد وتمثل إتجاها أحدث وأرقى فى ظل تأبد إتجاه مسيطر فما كان من هذا الوليد وبفضل طبقته العمالية صاحبةالمصلحة الحقيقية أن قامت هذه الطبقة نسائها قبل رجالها الذين ذهب العدد الأكبر منهم يدافع عن وجوده فى الحياة هذه الطبقة العمالية قامت بإنجاز أكبر معجزة علمية وعالمية حيث أنجزت القدرة والقوة لآلتها العسكرية والتى بها حققت النصر على أعتى قوةغاشمة آنذاك .
إذاً كان ظهور الإتحاد السوفيتى كقوة وليدة تنتهج النهج الإشتراكى العلمى معلنةعن نفسها وبرنامجها محاربة الإستغلال الواقع على عمال العالم وتحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص وتحقيق رفعةالفلاح من خلال حركة تعاونية كبرى مادا يده لكل المطالبين بحريتهم فى هذا العالم وتحررهم من ربقةالإستعمار هذه كانت الشرارة التى تلقفها جموع اليساريين فى العالم لتحديد أولويات صراعهم وكانت هذه الأولوية لصالح الصراع مع الإمبريالية العالمية لتحقيق التحرر الوطنى هذه الأولوية قد طغت على الأولويةالأولى والمتمثلة فى الصراع الطبقى الرئيسى بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة هذا الصراع الذى وصل بمقتضاه الإتحاد السوفيتى والذى حقق له النصر الكاسح وقام بفضل طبقته العاملة المنتصرةفى الصراع ببناء بنية إجتماعية عملاقة على قاعدةمادية صناعية حققت له النصر ووصلت به بإنجازاتها العلمية والإنسانية لتكون القوة الثانية فى العالم والتى بنت ثورتها وثروتها بجهودها الذاتية دون أن تقوم بإستغلال وإستلاب شعوب الآخرين .
ولأن اليسار العربى أحد روافد اليسار العالمى فقد تبنى هذا اليسار أولوية الصراع التحررى وربما أدت القراءةالموضوعية للواقع العربى إلى تبنى هذا الخيار خاصة نتيجة الضعف والهزال الذى أصاب القوة الإستعمارية الأوربية نتيجة خوضها الحرب العالمية الثانية .
وفى عودةإلى الوراء إلى زمن الحرب العالمية الأولى والتى إنتصرت فيها القوى الإستعمارية الأوربية على على ألمانيا وحليفتها هذه المرة تركيا رأس الخلافة العثمانية الإسلامية فبعد هزيمة دولة الخلافة فرضت دولتى الإستعمار الأوربى المنتصرتين إنجلترا وفرنسا وصايتهما على تركة الرجل العجوز رأس الخلافة العثمانية هذه التركة التى تضم العالم العربى وقامت هاتين الدولتين الإستعماريتين بتقسيم هذه التركة فيما بينهما بواسطة معاهدة سايكس – بيكو ومن هنا دخلت إنجلترا وفرنسا الفضاء العثمانى الأسيوى وقامت بإحتلال الفضاء العربى الأسيوى والوصايةعليه وقد كان من نصيب فرنسا الشام ( سوريا ولبنان ) ومن نصيب إنجلترا فلسطين والعراق والدول الواقعة على الخليج العربى والبحر الأحمر وهذا يجعلنا نتذكر كيف أخذت إنجلترا فلسطين ضمن تركة الرجل العجوز وهى أساسا جزءا من الشام وأن هذا يذكرنا بالوعد المشئوم وعد بلفور للكيان الصهيونى .
أيضا فى هذه الفترة وهذا المجال نرصد إنهيار دولة الخلافة العثمانية وهى الدولة التى نشأت بسلطة دينية ثيوقراطية وقيام كمال أتاتورك بثورته على هذه الدولة وتأثيث تركيا الحديثة المتحالفة مع الغرب الأوربى والمتبنية طبقا لمبادئ الرأسمالية النهج العلمانى والتى قامت فيه تركيا بتنحية سلطةالدولة الثيوقراطية وإستبدالها بسلطة الدولة المدنية فى عملية فصل الدين عن الدولة لتحديث تركيا وإلحاقها بركب الحضارةالأوربية .
إن هذين العاملين كان لهما الأثر الأكبر فى تشكيل ثقافة المنطقةالعربية وإختيارات اليسار العربى الذى أصبح رهينة هذين المحبسين .
فقد شكل هاجس قيام تركيا الحديثة العلمانية لدى البرجوازية العربية الشامية خطر طغيان الفكر التحديثى الأتاتوركى على المنطقةالعربية ففى المقابل ظهر فكر علمانى عربى ينادى بالقومية العربية محددا العالم العربى من الخليج العربى إلى المحيط الأطلنطى وهذه مجموعة الدول التى ترتبط بلسان عربى ودين واحد هوالدين الإسلامى مع وجود أقلية مسيحية تتركز فى مصر ولبنان والعراق وسوريا وفلسطين والبعض فى دول المغرب العربى وسرعان ما إنتشر هذا الفكر والذى أصبح فكر المثقفين العرب والذين أصبحوا القوميون العرب وكانت أحزاب البعث فى لبنان وسوريا والعراق هى المنارة كما تأثربهذا الفكر جمال عبد الناصر وأصبح الفكر الناصرى فى إفريقيا تكميليا لفكر القوميين العرب فى بلادالشام .
كما شكل هذا الهاجس أيضا هاجس تركيا العلمانية وإنتهاء دولة الخلافة عند أصحاب المنهج السلفى فكرةإحياء الخلافة الإسلامية وقد حمل هذه الفكرة فى مصر حسن البنا وروج لها وأسس جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وقدتم الترويج لإختيار الملك فاروق ملك مصر خليفة للمسلمين وقد ساعد فى هذا الترويج نسيبه آنذاك شاه إيران .
أما العامل الآخر وهو وعد بلفور بقيام وطن قومى لليهود فى فلسطين وإنشاء الكيان الصهيونى فى فلسطين وجعله رأس حربة للإمبريالية العالمية كقاعدةعسكرية فى قلب منطقة النفط العالمية وحارسة لها بالقوة المسلحة وجعلها عصا غليظة لمن لايرغب فى الجزرة الرأسمالية هذا الأمر قد جعل اليسار العربى يحسم أمره بخيار خوض صراع حركة التحرر الوطنى ضدالإمبرالية العالمية وكان لابد لهذا اليسار أن يقرأ قراءة موضوعية لواقع المنطقةالعربية بعد حربين عالميتين عصفا بالمنطقةالعربية وفى أثنائهما وعلى إثرهما أصبحت هذه المنطقة ( ومن قبل ذلك أيضا ) محط إهتمام الإمبريالية العالمية لما تحتويه هذه المنطقة فى بطنها من نفط أصبح هو المصدر الحيوى للطاقة فى العالم بعد قدم الطاقة البخارية والتقليل من طاقة الفحم .
فأمام اليسار العربى قوى إقليمية عربية رصدنا منها :-
- القوميون العرب وهوفصيل برجوازى عربى يعتمدالعلمانية وينتمى فى معظمه إلى البرجوازية الصغرى ويعتمد فى بعده الإقتصادى منهج رأسمالية الدولة ويتبنى بعض الأفكار الإشتراكية .
- الإخوان المسلمون وهى الجماعة التى أسسها حسن البنا وهى تنادى بالخلافة الإسلامية وهى جماعة سلفية تنتهج منهج الإقتصاد الأسرى مستفيدة من المناخ التى تقدمه الإمبريالية من ليبرالية وهى تصب فى إتجاه الرأسمالية المحافظة ببعض الشعارات الوطنية ذات الرداء الإسلامى وقد تمددت هذه الجماعة بأفكارها فى المحيط العربى فأصبحت قوة فى سوريا والسودان والعراق وفلسطين وباقى الدول العربية .
- الحركة الوهابية وهى حركة أصولية أنشأها الإنجليز فى منتصف القرن الثامن عشر بتحالف بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب وقدقضى عليها محمدعلى باشا لرغبة الباب العالى العثمانى بعدم وجود حركات أصولية سنية تهدد عرش الخلافة وذلك فى بداية القرن التاسع عشر بقيادة إبن محمد على إبراهيم باشا إلا أن هذه الحركة قد تم إحيائها أيضا بواسطة الإنجليز وذلك بزعامة حفيد محمد بن سعود عبد العزيز آل سعود رغبة من بريطانيا على جعل السعودية سلفية أصولية بعلاقات إنتاج متخلفة تعود إلى العصر العبودى الرعوى وذلك لتسهيل السيطرة على منابع النفط .
- بعض القوى المحافظة والمرتبطة بعلاقة تبعية مع الإستعمار وتتمثل فى كبار ملاك الأراضى وأصحاب شركات التصدير والإستيراد .
- قوى الرأسمالية الوطنية الناهضة والتى تدخل فى صراع مع الإمبريالية العالمية المسيطرةعلى الأسواق وقد وجدت هذه القوى فرصتها أثناء قيام الحروب العالمية لتوقف حركةالتجارةالعالمية ومن أمثال رجالها طلعت حرب فى مصر .
هذه هى الساحة العربية التى قرأها اليسار العربى حتى هذا اليسار نفسه لم يكن فصيلا واحدا فعماد اليسار هو فى الأحزاب الشيوعية العربية والحركات التى تنتهج النهج الماركسى اللينينى وهناك فصائل أخرى تنتهج نهج أحزاب الإشتراكية الديموقراطية الأوربية مرتبطة ببرنامج الإشتراكية الدولية ولأن هذه الأحزاب قد شكلت العديد من الحكومات فى المناخ الديموقراطى الأوربى فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال إضافة إلى حزب العمال البريطانى وكذا الأحزاب الإشتراكية القوية الحاكمة فى الدول الإسكندنافية فإن أطروحات هذه الأحزاب الإشتراكية الديموقراطية قد شكلت فصيلا فى اليسار العربى ينتمى إلى اليسار فكريا ولكنه توجد مسافة بينه وبين اليسار الحقيقى من ناحية الإنتماء الطبقى وربما كانت هذه الإزدواجية هى التى جعلت هذا الفصيل مترددا فى خياراته كما حسب على اليسار العربى بعض القوى الشوفينية إضافة إلى قوى راديكالية
حتى أن فصائل القوميون العرب قد تم إعتمادها داخل القوى اليسارية هذه هى قراءة للواقع العربى فى فترة التحرر الوطنى وصراع حركات التحرر الوطنى العربية مع الإمبريالية وحصول هذه الحركات على إستقلالها بقيادة أحزاب البعث فى الشق الأسيوى من الوطن العربى وعندما نقول بقيادة أحزاب البعث العربية نعنى هنا أن مشاركة اليسار العربى الحقيقى كتابع تحت ظل هذه القيادة كانت أحد الإخفاقات الكبرى لليسار العربى وعندما قامت ثورة 23يوليو1952 م فى مصر وتولى جمال عبد الناصر زمام القيادة والزعامة والذى تنحى من اليساريون المشاركون فى الثورة والذين لعبوا دورا رئيسيا فى إنجاح هذه الثورة أمثال يوسف صديق وخالد محى الدين أصبح مجلس قيادة الثورة يدار بأغلبية راديكالية الأمر الذى جعل بعد ذلك ناصر أن يقوم بالأعباء الجسام وحده مثل خطوة تأميم قناةالسويس وقد شكل تلا قى هذا الزعيم مع زعماء أمثال تيتو ونهرو من خلال حركة عدم الإنحياز وعيه السياسى والعروبى فقد قام على المستوى الإقتصادى بعدالإستقلال بمتابعة أعمال تأميم الإقتصاد المصرى وأصبح الإقتصاد المصرى تحت مسمى القطاع العام تابعا للدولة أو بمعنى أصبحت الدولة مالكة للإقتصاد بما يعرف برأسمالية الدولة
وهنا تحالف اليسار المصرى مع ناصر وقام هذا اليسار بالدور المساعد فى إدارة شئون الدولة والتخطيط .
وعلى البعدالقومى قام ناصر بالخطوات العملية التى ينادى بها القوميين العرب وقام بطرح الوحدة مع سوريا كما قام بالمساعدةالفعالة للحركات العربية التحررية فقام بمداليد للثورة الجزائرية وكذلك اليمنية .
هنا بقيت المعضلةالكبرى أمام هذه الأمة بكل أطيافها وهى المشكلةالفلسطينية والتى تتمثل فى معضلةالصراع العربى – الإسرائيلى هذا الصراع الذى تحمل من أجله اليسار العربى عبء دخوله فى تحالفات مع قوى مسيطرة تختلف معه طبقيا ومع تحمل الإخفاقات العربية فى هذا الصراع إلا أن هذا الصراع قد تم حسمه فى حرب عام 1973 م وإنتصار الجيوش العربية فيها لأول مرة وقهر الجيش الإسرائيلى المدعم من الإمبريالية وقد ساعد الجيوش العربية حجم المساعدات التقنية التى قدمها الإتحاد السوفيتى للجيوش العربية فى مصر وسوريا ووقفة الأمة العربية من منطلق القومية العربية وتحرير القدس إحدى المقدسات الإسلامية ولكن سرعان ما إنقلب هذا النصر العسكرى إلى هزيمة سياسية تجرعتها الشعوب العربية بما فيها الشعب المصرى كما تجرع كأس هذا الإنكسار الكبير اليسارالعربى والذى ضحى بكل توجهاته فى سبيل المشاركة فى حركة التحرر الوطنى العربية والتى هى أحدأوجه الصراع مع الإمبريالية العالمية هذا الإنكسار الذى قام به السادات من نقل البندقية من كتف الصراع مع الإمبرياليةالعالمية إلى كتف التوافق مع هذه الإمبريالية والإرتماء فى أحضانها وتسليمها كافةالأوراق السياسية المصرية لتصبح أمريكا هى المتصرف الوحيد لأنها تملك كل الأوراق وكما قال السادات نفسه 99% من الأوراق وكان التحرك السريع للسادات على المستويين العربى والمحلى تحركا عصف بكل مكتسبات الحقبه الناصرية والذى دفع اليسار فيها ثمنا باهظا وهنا الحديث ليس على اليسار المصرى وحده بل على اليسار العربى
فقدقام السادات منفردا وبواسطة الإمبريالية العالمية بالصلح المنفرد مع إسرائيل وبتوقيع إتفاقية كامب ديفيد وعلى المستوى عصف بكل المكتسبات الإشتراكية ببيع وخصخصةالقطاع العام وضرب الحركة التعاونية وإنشاء الجماعات الأصولية لمواجهة المد اليسارى العربى
إذاً فإن التشتت اليسارى العربى كان سابقا عن تفكك الإتحادالسوفيتى
والتى تم الزعم بسببه من إحياء الفكر الأصولى كأحد أوجه الصراع التى تمارسه الإمبريالية ضدالقوى اليسارية حتى حشدت الشباب العربى بعد تلقينه الأصولية لمحاربة الشيوعية فى أفغانستان وقد تكون اللوبى المصرى السعودى بتكليف من أمريكا بالقيام بهذه المهمة والتى أنتجت فى النهاية حركة طالبان بعدما تخلى عنها المنشئين .
بعد هذه المواقف التى جابهت اليسارالعربى يتعرض الإتحاد السوفيتى للتفكك ليحبط اليسار العربى إحباطا فوق إحباط ولكن يبقى الأمل فى دينامكية اليسار فهودوما الأرقى وهو دوما مالك القدرة على قراءة الواقع العالمى وهويعى تماما أن المستقبل له فكما نجح اليسار فى أمريكا اللاتينية من تحقيق مكاسبه المحقة وتوليه الحكم ديموقراطيا فإ ن على اليسارالعربى إعادة ترتيب بيته طبقا للمعطيات القديمة والجديدة ومنها :-
-إن فعاليات حركة التحرر الوطنى العربية مازالت قائمة وما زالت المقاومة ضده قائمة ومنتصرة حتى ولوكانت برداء إسلامى
-إن اليسار العربى فى مجابهة مع العديد من الحركات الأصولية والسلفية
-إن الإمبريالية العالمية تحشد كافة قواها العسكرية والتى إحتلت أفغانستان والعراق وقواها الإعلامية بالشحن الغرائزى والتغذية المستمرة للفتن الطائفية والمذهبية والإثنية وقد أصبح العالم العربى كله معرضا لها فمن لبنان والعراق وفلسطين ودول الخليج واليمن ومصر حتى بلاد المغرب العربى والسودان والصومال .
-قدساعدت الرجعية العربية وخاصةالسعودية فى إذكاء وتمويل هذه الفتن وقد لعب البترودولار دورا فعالا فى هذا المجال .
- لن يصح إلا الصحيح والصحيح هنا أن يدار الصراع طبقيا بقيادةاليسار وليس بمشاركته .
- إن هذه المرحلةهى مرحلةاليسار بإمتياز حيث أن الإمبريالية العالمية فى مرحلة تأزمها الكبرى التى تسبق إنهيارها الكامل
كل هذه العوامل يستطيع بها اليسار وهو قادر على إعادة تشكيل قواه وخوض صراعاته حيث هدفه النهائى هو سعادةالإنسان ومنع والتصدى للقوة التى تقوم بإستغلاله .
محمود حافظ
كاتب مصرى
تعنى كلمة اليسار ؟
فعودة إلى الخلف لمعرفةأصل تسمية اليسار والتى أطلقت فى الجمعية الوطنية الفرنسية أوالبرلمان الفرنسى والتى جرى العرف الفرنسى أن كل كتلة برلمانية تجلس فى مكان خاص بها وقدقسمت الأماكن إلى ثلاثة أقسام يمين ووسط ويسار فأما كتلةاليمين فهم الأعضاء المتمسكين بالماضى الإجتماعى بفلسفتهم الرجعية ( ليس فى الإمكان أحسن مما كان ) أما دعاة الوسط فطرحهم الحاضر الحالى هوالأفضل أما دعاةاليسار فهم أصحاب فكر الغد دعاة التغيير إلى الأفضل هم دعاة أن المجتمع تحركه آلية وكل يوم يكتشف الإنسان الإجتماعى الجديد سواء فى الطبيعة أوفى الفكر ولابد للإنسان أن يساير الجديد ويرقى معه .
هذا هوالمعنى اللفظى لليسار فاليسار يعنى الغد ويعنى الرقى والتمدن وإذا كانت هذه التسمية وليدة عصر التحولات الإجتماعية والتى شهدته أوربا منذ القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر عصر التحول الإجتماعى والتغيير من عصر النظام الإقطاعى إلى عصر النظام الرأسمالى هذا العصر الذى إنتقلت فيه أوربا نقلة نوعية شهدت تغيرات جذرية أنتجتها إكتشافات علماء الطبيعة والكيمياء والعلوم البيولوجية كما أنتجتها أيضا علماء الفكرالإنسانى أوفلاسفة عصر التنوير فكما تم إكتشاف علوم الفلك بما يعرف بالثورة الكوبرنكية تم إكتشاف علوم الوراثة فى النبات والحيوان وقدصاحب هذا إكتشاف الطاقةالبخارية وأصول المعادن وإستخدماتها هذه الإكتشافات فى العلوم الطبيعية واكبها إكتشافات فى العلوم الإنسانية وكان أهم هذه الإكتشافات تحرير العقل وفصله عن الميتافيزيقا وتحرره من سلطة الكنيسة البابوية وإطلاق الحريات الإجتماعية وقد تركزت هذه الحريات فى مقولة دعه يعمل دعه يمر وكانت الشرارةالكبرى لهذه الحريات فيما أطلقه فولتير فى مقولة إننى مستعد أن أضحى بحياتى فى سبيل إبدائك لرأيك حتى لو كنت ضد هذا الرأى هذه هى العناصر الرئيسية على المستوى الفلسفى الذى تم تدشينها لإقامة مجتمع جديد وحضارة جديدة أنهت عصر الظلمات فى أوربا ودعت إلى عصر التنوير فتحرير العقل وحرية المرور وحرية العمل وحرية الفكر هى التى ساهمت فى بناء الحضارة الرأسمالية والتى أتاحت حريةالتملك هذه الحرية التى أصبحت فيما بعد هى الوجه الأوحد للرأسمالية خاصة ظهرت ملامح النظام الرأسمالى الوليد والتى تبلورت فى طبقة تملك التراكمات المالية وبهذه التراكمات قامت بإستيراد أوتوفير المادة الخام وقامت ببناء وتجهيز المعامل والمصانع وقامت هذه الطبقة بشراء قوة عمل العامل هذه القوةالتى تقوم بالتعامل مع المادة الخام وأمام الآلة لتنتج فى النهاية سلعة تعرض فى السوق لتكون القوة الشرائية الكبرى لهذه السلع هم جموع العمال التى أنتجوها وقد دفعوا الثمن من ثمن بيعهم لقوة عملهم .
إذاً فإن النظام الرأسمالى الجديد والذى أطلق لمجاله كافةالحريات قدتبلور فى طبقة تملك الرأسمال التى به تمكنت من تأسيس القوى المنتجة هذه الطبقة الرأسمالية تداخلت مع طبقةأخرى فى علاقة إنتاجية وهى الطبقةالعاملة وهى الطبقة التى لعبت الدور الحيوى فى الإنتاج حيث باعت سلعة قوة عملها لصاحب وسائل الإنتاج لينتج العامل بواسطة قوةعمله سلعةتعرض فى السوق هذه السلعة المنتجة هى التى بينت فيما بعد مدى إستغلال الرأسمالى للعامل فلكى يجنى الرأسمالى ربحا وفيرا لابدله من إستغلال قوة عمل العامل بأن يقوم بدفع عدد ساعات معينة للعامل فى مقابل إنتاج السلعة ويقوم بتشغيل العامل عدد ساعات أخرى دون مقابل يكون أجر هذه الساعات هى التى تحدد ربحية أومكسب الرأسمالى ولزيادة جشع وطمع هذا الرأسمالى وفى حالة إعتراض العمال عليه كان هذا الرأسمالى يقوم بطردالعمال المعترضين وتهديدهم وتشغيل صبية من الجنسيين يحتاجون للعمل دون إعتراض من هنا تولد الصراع الطبقى بين الطبقةالرأسمالية والطبقة العاملة وقدأوضح علماء الإقتصاد والإجتماع طبيعةالإستغلال ومداه الواقع على العامل من ناحية الرأسمالى وكان لماركس وأنجلز الفضل فى إكتشاف هذه العلاقة وتوضيحها بآليتها الإجتماعية والإقتصادية من خلال صياغتهما لنظريتهما فى الإقتصادالسياسى من خلال عرض التاريخ فى المادية التاريخية وعرض العلاقات الإنسانية وتراكماتها الكمية والتى بمرور الوقت تنقلب إلى تغيرات نوعية تظهر مولودا جديدا من باطن أم قديمة ومدى تأثير وتأثر هذه العلاقات بعضها ببعض , هذه النظرية التى أفسحت المجال أمام الإشتراكية العالمية داعية فى الأساس إلى قيمةإنسانية كبرى وهى منع الإنسان من إستغلاله لأخيه الإنسان من خلال الحد من جشع الرأسمالى الذى بلا حدود ووضع آليه تحد من هذا الجشع وهى أن تؤول ملكية وسائل الإنتاج إلى المجتمع الإنسانى
ولما كانت هذه النظرية فى الأساس قد أوضحت مفاعيل التطور الرأسمالى وإنتهت بأن هذا التطور فى مراحله المختلفة لابد له أن ينتهى ويزول بعلاقاته الإنتاجية المتصارعة لتحل مكانها علاقات إجتماعية أكثر رقيا وتمدنا تحفظ للجنس البشرى كرامته وقوته وتعمل على عدم المساس بمكتسباته المادية ومنع إستغلاله ولما كانت قوى اليسار هى القوى التى ترنو إلى الرقى والتمدن وصالح الإنسان فما كان من هذه القوى إلا تبنيها لهذه النظرية للإشتراكية العلمية وقددخلت هذه القوى اليسارية فى صراع مرير مع القوى الرأسمالية والتى تطورت حتى وصلت للمرحلة الإمبريالية والتى هى أعلى مراحل تطورها هذا الصراع التى تحاول فيه الرأسمالية العالمية تأبيد وجودها فى مقابل تشتيت قوى اليسار العالمى ولكن بفضل إيمان هذه القوى وبفضل تحريك هذه القوى لطبقتها العاملة وإيصال هذه الطبقة لقمة وعيها السياسى بمصالحها الإقتصادية والإجتماعية قامت قوى اليسار العالمى بإنجاز ثورتها الكبرى فى الإمبراطورية الروسية بفضل زعامة لينين ورفاقه وتأسيس الدولةالإشتراكيةالأولى فى العالم وقد تأسس الإتحادالسوفيتى كأول دولة إشتراكية بسلطة تقودها الطبقة العاملة بواسطة طليعتها العضوية هذه الدولة التى تأسست فيها الإشتراكية وهى لم تنجز بعد كامل ثورتها البرجوازية فقد تأسست الدولة الإشتراكية فى وجود علاقات تعود للعصر الإقطاعى الأوربى فمازال لهذا الحين يوجدالإقطاعيون ملاك الأراضى الكبار ومازال يوجدالفلاح قن الأرض ولما كان الفضاء السوفيتى شاسعا كانت العلاقات الإجتماعية قائمة على سرعة تطور الطبقةالفلاحية مع الدفع السريع بتزويد وتيرة الإنتاج الصناعى خاصة بعد دخول الإتحاد السوفيتى فى صراع مع الإمبريالية الأوربية وخوض الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور ( ألمانيا –إيطاليا – اليابان ) ولأن الفضاء السوفيتى كان فى تماس مباشر مع الدولتين الأكبر اليابان من الشرق وألمانيا من الغرب ولما كان الإتحاد السوفيتى مازال يعتبر دولة وليدةالعهد وتمثل إتجاها أحدث وأرقى فى ظل تأبد إتجاه مسيطر فما كان من هذا الوليد وبفضل طبقته العمالية صاحبةالمصلحة الحقيقية أن قامت هذه الطبقة نسائها قبل رجالها الذين ذهب العدد الأكبر منهم يدافع عن وجوده فى الحياة هذه الطبقة العمالية قامت بإنجاز أكبر معجزة علمية وعالمية حيث أنجزت القدرة والقوة لآلتها العسكرية والتى بها حققت النصر على أعتى قوةغاشمة آنذاك .
إذاً كان ظهور الإتحاد السوفيتى كقوة وليدة تنتهج النهج الإشتراكى العلمى معلنةعن نفسها وبرنامجها محاربة الإستغلال الواقع على عمال العالم وتحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص وتحقيق رفعةالفلاح من خلال حركة تعاونية كبرى مادا يده لكل المطالبين بحريتهم فى هذا العالم وتحررهم من ربقةالإستعمار هذه كانت الشرارة التى تلقفها جموع اليساريين فى العالم لتحديد أولويات صراعهم وكانت هذه الأولوية لصالح الصراع مع الإمبريالية العالمية لتحقيق التحرر الوطنى هذه الأولوية قد طغت على الأولويةالأولى والمتمثلة فى الصراع الطبقى الرئيسى بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة هذا الصراع الذى وصل بمقتضاه الإتحاد السوفيتى والذى حقق له النصر الكاسح وقام بفضل طبقته العاملة المنتصرةفى الصراع ببناء بنية إجتماعية عملاقة على قاعدةمادية صناعية حققت له النصر ووصلت به بإنجازاتها العلمية والإنسانية لتكون القوة الثانية فى العالم والتى بنت ثورتها وثروتها بجهودها الذاتية دون أن تقوم بإستغلال وإستلاب شعوب الآخرين .
ولأن اليسار العربى أحد روافد اليسار العالمى فقد تبنى هذا اليسار أولوية الصراع التحررى وربما أدت القراءةالموضوعية للواقع العربى إلى تبنى هذا الخيار خاصة نتيجة الضعف والهزال الذى أصاب القوة الإستعمارية الأوربية نتيجة خوضها الحرب العالمية الثانية .
وفى عودةإلى الوراء إلى زمن الحرب العالمية الأولى والتى إنتصرت فيها القوى الإستعمارية الأوربية على على ألمانيا وحليفتها هذه المرة تركيا رأس الخلافة العثمانية الإسلامية فبعد هزيمة دولة الخلافة فرضت دولتى الإستعمار الأوربى المنتصرتين إنجلترا وفرنسا وصايتهما على تركة الرجل العجوز رأس الخلافة العثمانية هذه التركة التى تضم العالم العربى وقامت هاتين الدولتين الإستعماريتين بتقسيم هذه التركة فيما بينهما بواسطة معاهدة سايكس – بيكو ومن هنا دخلت إنجلترا وفرنسا الفضاء العثمانى الأسيوى وقامت بإحتلال الفضاء العربى الأسيوى والوصايةعليه وقد كان من نصيب فرنسا الشام ( سوريا ولبنان ) ومن نصيب إنجلترا فلسطين والعراق والدول الواقعة على الخليج العربى والبحر الأحمر وهذا يجعلنا نتذكر كيف أخذت إنجلترا فلسطين ضمن تركة الرجل العجوز وهى أساسا جزءا من الشام وأن هذا يذكرنا بالوعد المشئوم وعد بلفور للكيان الصهيونى .
أيضا فى هذه الفترة وهذا المجال نرصد إنهيار دولة الخلافة العثمانية وهى الدولة التى نشأت بسلطة دينية ثيوقراطية وقيام كمال أتاتورك بثورته على هذه الدولة وتأثيث تركيا الحديثة المتحالفة مع الغرب الأوربى والمتبنية طبقا لمبادئ الرأسمالية النهج العلمانى والتى قامت فيه تركيا بتنحية سلطةالدولة الثيوقراطية وإستبدالها بسلطة الدولة المدنية فى عملية فصل الدين عن الدولة لتحديث تركيا وإلحاقها بركب الحضارةالأوربية .
إن هذين العاملين كان لهما الأثر الأكبر فى تشكيل ثقافة المنطقةالعربية وإختيارات اليسار العربى الذى أصبح رهينة هذين المحبسين .
فقد شكل هاجس قيام تركيا الحديثة العلمانية لدى البرجوازية العربية الشامية خطر طغيان الفكر التحديثى الأتاتوركى على المنطقةالعربية ففى المقابل ظهر فكر علمانى عربى ينادى بالقومية العربية محددا العالم العربى من الخليج العربى إلى المحيط الأطلنطى وهذه مجموعة الدول التى ترتبط بلسان عربى ودين واحد هوالدين الإسلامى مع وجود أقلية مسيحية تتركز فى مصر ولبنان والعراق وسوريا وفلسطين والبعض فى دول المغرب العربى وسرعان ما إنتشر هذا الفكر والذى أصبح فكر المثقفين العرب والذين أصبحوا القوميون العرب وكانت أحزاب البعث فى لبنان وسوريا والعراق هى المنارة كما تأثربهذا الفكر جمال عبد الناصر وأصبح الفكر الناصرى فى إفريقيا تكميليا لفكر القوميين العرب فى بلادالشام .
كما شكل هذا الهاجس أيضا هاجس تركيا العلمانية وإنتهاء دولة الخلافة عند أصحاب المنهج السلفى فكرةإحياء الخلافة الإسلامية وقد حمل هذه الفكرة فى مصر حسن البنا وروج لها وأسس جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وقدتم الترويج لإختيار الملك فاروق ملك مصر خليفة للمسلمين وقد ساعد فى هذا الترويج نسيبه آنذاك شاه إيران .
أما العامل الآخر وهو وعد بلفور بقيام وطن قومى لليهود فى فلسطين وإنشاء الكيان الصهيونى فى فلسطين وجعله رأس حربة للإمبريالية العالمية كقاعدةعسكرية فى قلب منطقة النفط العالمية وحارسة لها بالقوة المسلحة وجعلها عصا غليظة لمن لايرغب فى الجزرة الرأسمالية هذا الأمر قد جعل اليسار العربى يحسم أمره بخيار خوض صراع حركة التحرر الوطنى ضدالإمبرالية العالمية وكان لابد لهذا اليسار أن يقرأ قراءة موضوعية لواقع المنطقةالعربية بعد حربين عالميتين عصفا بالمنطقةالعربية وفى أثنائهما وعلى إثرهما أصبحت هذه المنطقة ( ومن قبل ذلك أيضا ) محط إهتمام الإمبريالية العالمية لما تحتويه هذه المنطقة فى بطنها من نفط أصبح هو المصدر الحيوى للطاقة فى العالم بعد قدم الطاقة البخارية والتقليل من طاقة الفحم .
فأمام اليسار العربى قوى إقليمية عربية رصدنا منها :-
- القوميون العرب وهوفصيل برجوازى عربى يعتمدالعلمانية وينتمى فى معظمه إلى البرجوازية الصغرى ويعتمد فى بعده الإقتصادى منهج رأسمالية الدولة ويتبنى بعض الأفكار الإشتراكية .
- الإخوان المسلمون وهى الجماعة التى أسسها حسن البنا وهى تنادى بالخلافة الإسلامية وهى جماعة سلفية تنتهج منهج الإقتصاد الأسرى مستفيدة من المناخ التى تقدمه الإمبريالية من ليبرالية وهى تصب فى إتجاه الرأسمالية المحافظة ببعض الشعارات الوطنية ذات الرداء الإسلامى وقد تمددت هذه الجماعة بأفكارها فى المحيط العربى فأصبحت قوة فى سوريا والسودان والعراق وفلسطين وباقى الدول العربية .
- الحركة الوهابية وهى حركة أصولية أنشأها الإنجليز فى منتصف القرن الثامن عشر بتحالف بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب وقدقضى عليها محمدعلى باشا لرغبة الباب العالى العثمانى بعدم وجود حركات أصولية سنية تهدد عرش الخلافة وذلك فى بداية القرن التاسع عشر بقيادة إبن محمد على إبراهيم باشا إلا أن هذه الحركة قد تم إحيائها أيضا بواسطة الإنجليز وذلك بزعامة حفيد محمد بن سعود عبد العزيز آل سعود رغبة من بريطانيا على جعل السعودية سلفية أصولية بعلاقات إنتاج متخلفة تعود إلى العصر العبودى الرعوى وذلك لتسهيل السيطرة على منابع النفط .
- بعض القوى المحافظة والمرتبطة بعلاقة تبعية مع الإستعمار وتتمثل فى كبار ملاك الأراضى وأصحاب شركات التصدير والإستيراد .
- قوى الرأسمالية الوطنية الناهضة والتى تدخل فى صراع مع الإمبريالية العالمية المسيطرةعلى الأسواق وقد وجدت هذه القوى فرصتها أثناء قيام الحروب العالمية لتوقف حركةالتجارةالعالمية ومن أمثال رجالها طلعت حرب فى مصر .
هذه هى الساحة العربية التى قرأها اليسار العربى حتى هذا اليسار نفسه لم يكن فصيلا واحدا فعماد اليسار هو فى الأحزاب الشيوعية العربية والحركات التى تنتهج النهج الماركسى اللينينى وهناك فصائل أخرى تنتهج نهج أحزاب الإشتراكية الديموقراطية الأوربية مرتبطة ببرنامج الإشتراكية الدولية ولأن هذه الأحزاب قد شكلت العديد من الحكومات فى المناخ الديموقراطى الأوربى فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال إضافة إلى حزب العمال البريطانى وكذا الأحزاب الإشتراكية القوية الحاكمة فى الدول الإسكندنافية فإن أطروحات هذه الأحزاب الإشتراكية الديموقراطية قد شكلت فصيلا فى اليسار العربى ينتمى إلى اليسار فكريا ولكنه توجد مسافة بينه وبين اليسار الحقيقى من ناحية الإنتماء الطبقى وربما كانت هذه الإزدواجية هى التى جعلت هذا الفصيل مترددا فى خياراته كما حسب على اليسار العربى بعض القوى الشوفينية إضافة إلى قوى راديكالية
حتى أن فصائل القوميون العرب قد تم إعتمادها داخل القوى اليسارية هذه هى قراءة للواقع العربى فى فترة التحرر الوطنى وصراع حركات التحرر الوطنى العربية مع الإمبريالية وحصول هذه الحركات على إستقلالها بقيادة أحزاب البعث فى الشق الأسيوى من الوطن العربى وعندما نقول بقيادة أحزاب البعث العربية نعنى هنا أن مشاركة اليسار العربى الحقيقى كتابع تحت ظل هذه القيادة كانت أحد الإخفاقات الكبرى لليسار العربى وعندما قامت ثورة 23يوليو1952 م فى مصر وتولى جمال عبد الناصر زمام القيادة والزعامة والذى تنحى من اليساريون المشاركون فى الثورة والذين لعبوا دورا رئيسيا فى إنجاح هذه الثورة أمثال يوسف صديق وخالد محى الدين أصبح مجلس قيادة الثورة يدار بأغلبية راديكالية الأمر الذى جعل بعد ذلك ناصر أن يقوم بالأعباء الجسام وحده مثل خطوة تأميم قناةالسويس وقد شكل تلا قى هذا الزعيم مع زعماء أمثال تيتو ونهرو من خلال حركة عدم الإنحياز وعيه السياسى والعروبى فقد قام على المستوى الإقتصادى بعدالإستقلال بمتابعة أعمال تأميم الإقتصاد المصرى وأصبح الإقتصاد المصرى تحت مسمى القطاع العام تابعا للدولة أو بمعنى أصبحت الدولة مالكة للإقتصاد بما يعرف برأسمالية الدولة
وهنا تحالف اليسار المصرى مع ناصر وقام هذا اليسار بالدور المساعد فى إدارة شئون الدولة والتخطيط .
وعلى البعدالقومى قام ناصر بالخطوات العملية التى ينادى بها القوميين العرب وقام بطرح الوحدة مع سوريا كما قام بالمساعدةالفعالة للحركات العربية التحررية فقام بمداليد للثورة الجزائرية وكذلك اليمنية .
هنا بقيت المعضلةالكبرى أمام هذه الأمة بكل أطيافها وهى المشكلةالفلسطينية والتى تتمثل فى معضلةالصراع العربى – الإسرائيلى هذا الصراع الذى تحمل من أجله اليسار العربى عبء دخوله فى تحالفات مع قوى مسيطرة تختلف معه طبقيا ومع تحمل الإخفاقات العربية فى هذا الصراع إلا أن هذا الصراع قد تم حسمه فى حرب عام 1973 م وإنتصار الجيوش العربية فيها لأول مرة وقهر الجيش الإسرائيلى المدعم من الإمبريالية وقد ساعد الجيوش العربية حجم المساعدات التقنية التى قدمها الإتحاد السوفيتى للجيوش العربية فى مصر وسوريا ووقفة الأمة العربية من منطلق القومية العربية وتحرير القدس إحدى المقدسات الإسلامية ولكن سرعان ما إنقلب هذا النصر العسكرى إلى هزيمة سياسية تجرعتها الشعوب العربية بما فيها الشعب المصرى كما تجرع كأس هذا الإنكسار الكبير اليسارالعربى والذى ضحى بكل توجهاته فى سبيل المشاركة فى حركة التحرر الوطنى العربية والتى هى أحدأوجه الصراع مع الإمبريالية العالمية هذا الإنكسار الذى قام به السادات من نقل البندقية من كتف الصراع مع الإمبرياليةالعالمية إلى كتف التوافق مع هذه الإمبريالية والإرتماء فى أحضانها وتسليمها كافةالأوراق السياسية المصرية لتصبح أمريكا هى المتصرف الوحيد لأنها تملك كل الأوراق وكما قال السادات نفسه 99% من الأوراق وكان التحرك السريع للسادات على المستويين العربى والمحلى تحركا عصف بكل مكتسبات الحقبه الناصرية والذى دفع اليسار فيها ثمنا باهظا وهنا الحديث ليس على اليسار المصرى وحده بل على اليسار العربى
فقدقام السادات منفردا وبواسطة الإمبريالية العالمية بالصلح المنفرد مع إسرائيل وبتوقيع إتفاقية كامب ديفيد وعلى المستوى عصف بكل المكتسبات الإشتراكية ببيع وخصخصةالقطاع العام وضرب الحركة التعاونية وإنشاء الجماعات الأصولية لمواجهة المد اليسارى العربى
إذاً فإن التشتت اليسارى العربى كان سابقا عن تفكك الإتحادالسوفيتى
والتى تم الزعم بسببه من إحياء الفكر الأصولى كأحد أوجه الصراع التى تمارسه الإمبريالية ضدالقوى اليسارية حتى حشدت الشباب العربى بعد تلقينه الأصولية لمحاربة الشيوعية فى أفغانستان وقد تكون اللوبى المصرى السعودى بتكليف من أمريكا بالقيام بهذه المهمة والتى أنتجت فى النهاية حركة طالبان بعدما تخلى عنها المنشئين .
بعد هذه المواقف التى جابهت اليسارالعربى يتعرض الإتحاد السوفيتى للتفكك ليحبط اليسار العربى إحباطا فوق إحباط ولكن يبقى الأمل فى دينامكية اليسار فهودوما الأرقى وهو دوما مالك القدرة على قراءة الواقع العالمى وهويعى تماما أن المستقبل له فكما نجح اليسار فى أمريكا اللاتينية من تحقيق مكاسبه المحقة وتوليه الحكم ديموقراطيا فإ ن على اليسارالعربى إعادة ترتيب بيته طبقا للمعطيات القديمة والجديدة ومنها :-
-إن فعاليات حركة التحرر الوطنى العربية مازالت قائمة وما زالت المقاومة ضده قائمة ومنتصرة حتى ولوكانت برداء إسلامى
-إن اليسار العربى فى مجابهة مع العديد من الحركات الأصولية والسلفية
-إن الإمبريالية العالمية تحشد كافة قواها العسكرية والتى إحتلت أفغانستان والعراق وقواها الإعلامية بالشحن الغرائزى والتغذية المستمرة للفتن الطائفية والمذهبية والإثنية وقد أصبح العالم العربى كله معرضا لها فمن لبنان والعراق وفلسطين ودول الخليج واليمن ومصر حتى بلاد المغرب العربى والسودان والصومال .
-قدساعدت الرجعية العربية وخاصةالسعودية فى إذكاء وتمويل هذه الفتن وقد لعب البترودولار دورا فعالا فى هذا المجال .
- لن يصح إلا الصحيح والصحيح هنا أن يدار الصراع طبقيا بقيادةاليسار وليس بمشاركته .
- إن هذه المرحلةهى مرحلةاليسار بإمتياز حيث أن الإمبريالية العالمية فى مرحلة تأزمها الكبرى التى تسبق إنهيارها الكامل
كل هذه العوامل يستطيع بها اليسار وهو قادر على إعادة تشكيل قواه وخوض صراعاته حيث هدفه النهائى هو سعادةالإنسان ومنع والتصدى للقوة التى تقوم بإستغلاله ..