الفرح والحزن والشيوعية


سهيل قبلان
2004 / 6 / 20 - 06:30     

التاريخ ليس شريطا مُسجلا يمكن تقطيعه ومحو مواده أو قصاصة ورق تمزق وتلقى في سلة المهملات، التاريخ هو مسيرة انسانية بدأت منذ الزمن الأول في حياة البشرية حتى اليوم. وفي التاريخ محطات هامة سطرتها البشرية بنضالها لكي تحيا حياة انسانية بكل ما في الكلمة من معنى، ومن أهم المحطات في مسيرة التاريخ، كانت محطة الثورة الاشتراكية الشيوعية في الاتحاد السوفييتي في عام (1917)، تلك الثورة التي غيرت وجه التاريخ، بمبادئها وأهدافها، وانهيار الأنظمة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي ومجموعة دول الكتلة الاشتراكية، لا يعني ان الايديولوجيات انهارت وانتهت، والحقيقة المتجسدة في وجود الواقع الصارخ والقائل ان الايديولوجيا الأكثر تضليلا وظلامية وقمعا لحركة الفكر وتسفيها للنضالات الاجتماعية وأهدافها، هي الآن في قمة سعادتها وفرحها بسبب انتشارها وصعودها على مسرح الأحداث، لا يعني أن الصراعات الاجتماعية والحركات الهادفة الى التغيير الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وتعميق وصقل انسانية الانسان قد انتهت أو تتلاشى، وأن "الميدان خلي لحميدان"، ليسرح ويمرح فيه؟ وهل النظام الرأسمالي هو الذي سيحمل ويوفر للشعوب الازدهار والبحبوحة والمستقبل الوضاء والرفاه والسعادة والعدالة الاجتماعية وراحة البال والعمل للجميع ويقضي على الفقر والجوع والاستغلال؟ وهل انهيار النظام الاشتراكي في الدول الاشتراكية، وضع حدا لحركة التاريخ وضمن سيادة الرأسمالية المتوحشة الى أبد الآبدين؟
ان انهيار الأنظمة الاشتراكية هو حقيقة لا ننكرها، لكن الأمانة التاريخية تفرض وتتطلب قول الحقيقة التي تتجسد في الدور الكبير والهام للدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي، في تحرير الانسان من الاستغلال والعبودية والارق على المستقبل ومكان العمل وفي دعم الشعوب المستضعفة والفقيرة، فكم من طالب ومن جميع دول العالم تخرج وفي المجالات كافة من جامعات الدول الاشتراكية وعلى مدى عشرات السنين؟ والسد العالي لم تبنه الولايات المتحدة الامريكية والكم الهائل من المصانع والمدارس والمؤسسات التربوية والثقافية والصحية في عشرات الدول لم تقمها الولايات المتحدة الامريكية، انما أقيمت بمساعدات من الدول الاشتراكية.
الانسان كائن حي، يعيش في مجتمعات، له حياته ومميزاتها، ومن مميزات تلك الحياة، الفرح الانساني، ونقيضه الألم الانساني، وفي حالات كثيرة وفي كل مكان، يغيب الفرح الانساني، وغيابه ليس قضاء وقدرا وليس حتميًا، ويحل محله الحزن والأسى والألم والمعاناة والقلق والوجع، ونقولها بكل قوة واعتزاز ودون تلكؤ او تردد وبمباهاة وافتخار، ان النظام الاشتراكي الشيوعي هو الوحيد الكفيل بضمان الفرح الانساني والسعادة الانسانية والكرامة الانسانية والحياة الانسانية لأنه وبكل بساطة يقضي على استغلال الانسان للانسان وعلى العداوات بين الناس ويسعى ويضمن العدالة الاجتماعية وحق الانسان في العيش باحترام وكرامة واطمئنان ويستثمر كل الطاقات والموارد وما تدره الأرض من ثروات وخيرات في صالح الانسان وحقه في العيش الانساني الكريم والأصيل.
الفرح والحزن، مفهومان انسانيان متناقضان، ولكنهما من صنع الانسان، ولو حاولنا رسم صورة عن الحياة في اسرائيل، وبناء على الواقع الملموس لوجدنا انها صورة قاتمة مأساوية لأنها انعكاس واضح لسياسة حكام اسرائيل وفي المجالات كافة ويغيب منها الفرح الحقيقي، ومن ملامح تلك الصورة البارزة والعابسة، وجود مئات الوف العاطلين عن العمل واذا كان الذي يعمل ويتلقى راتب الحد الأدنى، لا يستطيع توفير كل متطلبات الحياة الأساسية، فما بالك بالذي لا يعمل؟ وكيف سيشعران بالفرح الحقيقي؟ وهناك مئات الالوف الذين يعيشون تحت خط الفقر والذين يفتشون عن الطعام في براميل القمامة، فكيف سيشعرون بالفرح خاصة اذا طالبهم اولادهم بامور اولية ولم يتمكنوا من تلبيتها؟ وهناك أعمال السطو والسرقات والاغتصاب والعنف، التي تعتبر مقبرة للفرح، وهل سياسة اغناء الاغنياء وافقار الفقراء تبعث على الفرح؟
ان الفرح الانساني الحقيقي والدائم، يكمن فقط في الشيوعية، فيما يكمن الحزن والأسى والإحباط والمعاناة في الرأسمالية وبقاء الأنظمة الرأسمالية على اختلاف أشكالها في الحكم في دول العالم لا يعني انها انسانية فعلا وانها البديل للاشتراكية، وعدم ضمانها للفرح الانساني للجميع بسبب طبيعتها الوحشية واستغلاليتها، هو بمثابة شخص يحفر قبره بيده، ولا بد وان يصل الانسان الى القناعة التامة بأن ضمان الفرح الحقيقي هو في انتصار الشيوعية وستنتصر.