يساريون لا يزالون يعيشون في الماضي


نضال الصالح
2009 / 12 / 13 - 19:56     

قبل ايام نشر لي على هذا الموقع مقال بعنوان " كيف رفع الشيوعيون القدماء في الدول الإشتراكية شعار العداء للإشتراكية"، أشرت في المقال إلى ظاهرة تحول كثير من رفاق الماضي من قادة الحزب الشيوعي السلوفاكي ومن مسؤولي الدولة الإشتراكية إلى المعسكر المضاد، حيث إنخرطوا في صفوف النظام "الديموقراطي" الجديد المتأمرك ورفعوا شعار العداء لكل ما هو إشتراكي وشيوعي. بينت في المقال أمثلة من هذه الشريحة، أمثلة واقعية من بلد عشت فيه أكثر من أربعين عاما ومن أناس لا يزالون يعيشون ويعملون في الحقل السياسي أعرفهم حق المعرفة ويعرفهم كل مختص.
كتبت المقال لإعتباري أن هذه الظاهرة التي لا تخص سلوفاكيا أو تشيكيا وحدهما وإنما هي ظاهرة شبه عامة في الدول الإشتراكية السابقة، تستحق الإشارة إليها، بل تستحق الدراسة المعمقة لمعرفة أسبابها وأخذ العبرة من دروسها، خاصة من قبل جميع اليساريين العقلانيين ذوي العقول المتفتحة، في عملهم التنظيمي والسياسي وحتى تكون لهم درسا في تجربتهم الجديدة.
لم أكن أتوقع أبدا أن المقال سيثير حفيظة بعض اليساريين فيصبوا جام غضبهم على رأسي ويملأوا بريدي الألكتروني بالشتائم والتهم التي تعدت كل عرف وذوق ولياقة. كلماتهم الغاضبة وتهمهم الخارجة عن المعقول أكدت لي أن كثيرا من مدعي اليسار والعلمانية والديموقراطية ينطلقون مثلهم مثل ممثلي الخطاب الديني الأصولي من قاعدة رفض الغير وإلغائه ورفض الحوار والتمترس خلف دوغمات مر عليها الزمن. إنهم يعيشون في الماضي ولم يتعلموا من دروسه المريرة أي درس.
السؤال الذي يحيرني هو أن مقالي يتحدث أو ينتقد ظاهرة في بلد أوروبية هي سلوفاكيا فما علاقة الشيوعي العربي أو الكردي، العراقي أو الأردني أو السوري حتى يشعر أنه المقصود بهذا النقد ويعتبره مذمة له فيرد علي بقوله" إذا جاءت مذمتي من ناقص" أو أن الكاتب "لا يستحي" أو " أنني عميل للقوى الراسمالية" أو " أنني مخرب ومندس" إلى آخره من التهم؟؟ ما علاقة زورندا وفلديك وليشكو وغيرهم من الشيوعيين السابقين السلوفاك بك أنت أيها الشيوعي العربي أو الكردي أو غيره، ولماذا تريد أن تحمل وزر غيرك؟ أم أن حبل الصرة الذي كان يربط الأحزاب الشيوعية في العالم العربي بالحزب الأم في موسكو وفي عواصم الدول الإشتراكية لا يزال موصولا حتى وبعد موت الأم ودفنها وتعفن عظامها، وأن الرفاق القدماء لم يستطيعوا لحد الآن التحرر من هذا الإرتباط؟ وأن أي نقد يوجه حتى للأبناء والأحفاد العاقين للأم الميتة يعتبر نقدا موجها لهم؟ الأممية يا سادة والتضامن الأممي لا يعني ابدا التبعية، لا للأحياء ولا للأموات.
لا يختلف إثنان عاقلان بأن اليسار العربي بمختلف أطيافه، يعيش أزمة حادة كادت أن تخرجه من الساحة السياسية في الوطن العربي وأضعفت تأثيره، من ما فتح الباب على مصراعيه لسيطرة القوى الدينية الأصولية وقوى الإسلام السياسي. اليسار في عالمنا العربي ممزق، تائه فقد بوصلته. كثير من أحزاب ومنظمات اليسار بما فيهم الشيوعيون فقدت صلتها بالجماهير الكادحة التي من المفروض أن تجد فيها ممثلها والناطق بإسمها وتحولت إلى أحزاب صالونات بل في بعض البلدان العربية إلى أحزاب عائلية همها دخول المعترك السياسي والكسب الوظيفي.
إذا أرادت قوى اليسار العربي أن تعود إلى موقعها القيادي وأن تكون ممثلا حقيقيا للجماهير الكادحة فإن عليها قبل كل شيئ أن تفتح الحوار المفتوح والبناء مع نفسها وأن تعيد بعقلانية تقييم تجربتها الذاتية وأن تأخذ العبرة من تجربة الصعود والهبوط الكلي للأحزاب الإشتراكية والشيوعية في الإتحاد السوفيتي السابق والدول الإشتراكية السابقة.
الأنظمة الإشتراكية سواء في الإتحاد السوفيتي السابق أو في المعسكر الإشتراكي ككل تداعت وسقطت كعلب الكبريت ولقد كان لكثير من أعضاء الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان اليد الطولى، مباشرة أو غير مباشرة، في سقوط وإنهيار هذه الأنظمة. التعامي عن هذه الحقائق لن يفيد في عملية إعادة بناء الذات.