كيف رفع الشيوعيون القدماء في الدول الإشتراكية شعار العداء للإشتراكية


نضال الصالح
2009 / 12 / 10 - 19:05     

قبل أيام إحتفل الديموقراطيون الجدد في الجمهوريتين التشيكية والسلوفاكية بمرور عشرين عاما على سقوط النظام الشيوعي في البلدين. وقف الخطباء على المنصة في ساحة العاصمة السلوفاكية براتسلافا ينشرون الغسيل القذر للنظام الإشتراكي ويكشفون عن عورات النظام وقيادي الحزب الشيوعي الذي حكم البلاد. بالوا في حليب الأم التي أرضعتهم وتسابقوا لكشف عورات النظام الذي كانوا جزءا منه والحزب الذي كانوا من جملة قيادته.
نظرت إلى الواقفين على المنصة وهم يتسابقون في أخذ دورهم في هذه المسرحية الهابطة وهالني ما رأيت. رأيت أعضاءا كبارا سابقين في الحزب الشيوعي المخلوع، نسبة كبيرة منهم كانوا أعضاء في اللجنة المركزية، أحدهم كان رئيسا للوزراء في الحكومة السلوفاكية الإشتراكية، يتسابقون لإثبات حسن سلوكهم.إثبات حسن السلوك يترجم بقدر القذارة التي ينشرها عن النظام السابق وبقدر كشف العورات عن قادة الحزب الشيوعي المخلوع الذي كانوا أعضاء قياديين فيه.
أكثرهم عنفا في إنتقاده للنظام السابق وقيادته، اليهودي ميروسلاف كوسي الذي كان عضوا قياديا في الحزب ومسؤولا عن الدائرة الأيدولوجية في الحزب الشيوعي. أمامي دراساته ومقالاته التي كانت تهاجم الإمبريالية العالمية وتبالغ في مدح الإشتراكية والحزب الشيوعي والإتحاد السوفيتي الممثل الأوحد لقوى اليسار والإشتراكية. إنه اليوم الناطق الرسمي بإسم الديموقراطيين الجدد والذين همهم الوحيد هو الهجوم على كل مكتسبات الإشتراكية وكشف عورات القيادة الشيوعية.
جميع رؤساء الجمهورية السلوفاكية في العهد " الديموقراطي" الجديد كانوا أعضاء قياديين في الحزب الشيوعي السلوفاكي، إنضموا إلى القافلة وحملوا راية العداء للإشتراكية والشيوعية وأصبحوا حماة الديموقراطية الجديدة بقيادة أمريكا.
رئيس الوزراء السابق زورندا الذي استلم رئاسة الوزارة في العهد الجديد لمرتين متتالتين، قائد اليمين المتأمرك والمتصهين كان في شبابه عضوا في الشبيبة الشيوعية ومن ثم إنضم إلى صفوف الحزب الشيوعي السلوفاكي، وأمامي قصائده التي كانت تمدح الثورة البلشفية وقائدها لينين ومقالاته التي تمجد الإنتصارات الإشتراكية في كل من تشيكوسلوفاكيا والإتحاد السوفيتي وهو اليوم من أعتى الأعداء للإشتراكية والإشتراكيين والشيوعية والشيوعيين، وأثناء رئاسته للدولة انتشر الفساد وهبط الإنتاج وزادت مديونية الدولة وزادت نسبة البطالة وانتشرت ظاهرة الشحادة في الشوارع. وفي زمنه أرسلت سلوفاكيا جيوشها ألى العراق وأفغانستان.
من أكثر المتجندين للهجوم على الإشتراكية والشيوعية ومن حملة راية المديح للديموقراطية الأمريكية الكاتب والشاعر اليهودي الصهيوني لوبمير فلديك العضو السابق في اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي وهو مشهور بقصائدة التي تمدح لينين وتمجد رسالته الإشتراكية. له قصائد معروفة في مدح الأمين العام للحزب الشيوعي بريجينيف. لقد بقي إلى آخر لحظة شيوعيا مخلصا إلى أن تاكد من سقوط النظام الإشتراكي فأسرع إلى الإنضمام إلى القافلة المعادية وهومشهور بإتهام رفاقه السابقين بالفاشية والنازية.
إدوارد كوكان كان عضوا قياديا في الحزب الشيوعي وكان وزيرا للخارجية للجمهورية التشيكوسلوفاكية الفدرالية الإشتراكية وبعد سقوط النظام إنضم إلى حزب إتحاد الديموقراطيين المسيحين واستلم بإسمهم وزارة الخارجية للجموهرية السلوفاكية "الديموقراطية" وهوالآن عضو في البرلمان الأوروبي عن نفس المجموعة، وكان له يد طولى في إرسال الجنود السلوفاك إلى الحرب على العراق.
من أكثر الشخصيات المثيرة للحيرة الصحفي مريان ليشكو الذي درس الماركسية واللينينية وقام بعد ذلك بتدرسها لطلاب الماركسية لعدة أعوام. كان صحفيا مسؤولا في الجريدة المركزية الناطقة بإسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السلوفاكي، واليوم هو الناطق الرئيسي بإسم المعادين لكل ما هو إشتراكي وشيوعي. ولقد أصبح صحفيا ومعلقا للجريدة اليومية "يسمي، التي كانت ناطقة باسم الشبيبة الشيوعية تحت إسم سمينا سابقا" وهي اليوم جريدة يومية ناطقة بكل ماهو معادي لليسار والإشتراكية ومؤيد للصهيونية وركيزتها إسرائيل والناطق الرسمي بإسم السياسة الأمريكية في المنطقة.
هذه فقط بعض العينات التي تعطي صورة واضحة عن قيادة الإنقلاب وممثلي الديموقراطية الجديدة والمعادية للإشتراكية والقوى اليسارية، ولا مجال لذكرهم جميعا فهذا يحتاج إلى كتاب بمئات الصفحات. وهذه العينة تمثل، على حسب معلوماتي المتوفرة، المسرح السياسي في معظم الدول الإشتراكية السابقة.
السؤال المحير والذي لم يستطع أحد لحد الآن إعطاء إجابة صريحة عليه هو، هل كان كل هؤلاء جواسيس مزروعين في صفوف الحزب الشيوعي وعندما سقط النظام كشفوا عن وجوههم الحقيقية. أم أن الحزب الشيوعي والنظام الإشتراكي قام، بعد أن جرت تصفية الرفاق المناضلين المخلصين تحت تهم مختلفة، على أكتاف المنافقين الذين ساعدوا من الداخل في زعزعة النظام وتفكيكه وسقوطة؟ لا يعني هذا طبعا عن عدم وجود الأخطاء، فلقد إرتكبت قيادة الحزب والدولة أخطاءا مميتة وكان معدل عمر المكتب السياسي للحزب يزيد عن سبعين سنة.
هناك مصادر موثوقة تثبت أن الإنقلاب المعادي قام على أكتاف جزء من المخابرات الشيوعية بالتعاون مع جزء من قيادة الحزب الشيوعي وقائد البروسترويكا في الإتحاد السوفيتي خوربتشيف. هناك وثائق تثبت أن القيادة السوفيتية بواسطة سفيرها في براغ أمرت الشيوعيين في البرلمان الفيدرالي التشيكوسلوفاكي بالتصويت لإنتخاب عراب الإنطفاضة المعادية "فاسلاف هافل" كرئيسا للجمهورية الفدرالية التي كانت ما تزال إشتراكية، وهكذا جرى. ولولى أصوات الشيوعيين لما نجح.
كثير من قادة الحزب الشيوعي تحولوا إلى قادة في النظام الجديد وحملوا راية العداء للنظام السابق وإستلموا مناصب حساسة في النظام الجديد. كثير من الشيوعيين الذين كانوا على رأس المؤسسات التجارية الإشتراكية، إستغلوا علاقاتهم التجارية مع الخارج وحولوا تلك المؤسسات إلى شركات تجارية خاصة درت عليهم ملايين الدولارات وأصبحوا ممثلي الطبقة الراسمالية الجديدة في العهد الديموقراطي الجديد و المأمرك.
في رأيي المتواضع أنه على جميع قادة المنظمات اليسارية في البلدان العربية أن تدرس دراسة وافية ودقيقة لعملية إنهيار المعسكر الإشتراكي والتحولات التي جرت في تلك البلاد لأنها أثرت تأثيرا كبيرا على جميع أحزاب ومنظمات اليسار في كافة الأقطار العربية.

د. نضال الصالح/فلسطين