أزمة دبي: نهاية عصر «المعلقات» الاستثمارية (2-2)


مصباح قطب
2009 / 12 / 5 - 22:22     

لفت النظر في أزمة مديونية دبي أنه لم تتم مناقشتها في مجلس الوزراء الاتحادي، الذي يرأسه الشيخ محمد بن راشد نفسه، أو المجلس الوطني ــ يقوم بدور مجلس شورى ــ في الوقت الذي يطالب فيه الشيخ محمد العاصمة (أبو ظبي) بتحمل مسؤوليات تجاه المديونية، مشدداً على أن دبي جزء لا يتجزأ من الاتحاد، ولائماً من يتحدثون عنهما كإمارتين مستقلتين،

ويكاد لسان حال من يسمعه يقول: (في الهم مدعية وفى الفرح منسية) فقد كانت المنافسة بين الطرفين قد بلغت حد إطلاق اسم الناقل الوطني على طيران دبي وكأنها بديل طيران الإمارات. أيضا فإن الشيخ الذي قام بعملية تغيير واسعة في قيادات الشركات القابضة والتابعة المملوكة للحكومة لم يعلن نتائج أي تحقيقات أجريت مع من كان قد تم اتهامهم رسميا بالفساد في الأشهر الماضية بعد اندلاع الأزمة المالية، كما لم يعلن الأسس الجديدة التي تم بناءً عليها استبعاد قيادات واختيار أخرى، والمعايير التي ستقوم عليها الاختيارات مستقبلا، وهل ستنتهي بالفعل سياسة أهل الثقة قبل الخبرة.

ومن المفارقات أن الشيخ محمد كان قد قال منذ أيام في اجتماع منتدى دافوس للأعمال بدبي، إن الصمت والفراغ المعلوماتي سمحا للشائعات حول اقتصاد دبي بأن تنتشر، ووعد بالوضوح والاتصال المفتوح، وعليه في هذه اللحظة أن يفي بوعده وأن يقدم على الأقل كشف حساب عن مديونية دبي العالمية وكيف تفاقمت إلى هذا الحد، وأين كان مراجعو حسابات الشركة وموقف التدفقات النقدية للمشاريع المختلفة، وموقف شركات التأمين التي تولت التأمين على القروض.. الخ. لقد دأب الدكتور سلطان أبوعلي، وزير الاقتصاد المصري الأسبق، على القول إن مصر ستبدأ في التأثر بالأزمة العالمية من أول يناير وفبراير المقبلين ولم يقدم تفسيرا كافيا..

وبعد أن ظهرت مديونية مجموعتي الصانع والقصيبي في السعودية (٢٢ مليار دولار) فجأة في الشهر قبل الماضي، وبعد أن ظهرت مديونية دبي العالمية وأخواتها فجأة الأسبوع الماضي، فإن كثيرين يخشون أن تكون هناك مخفيات كثيرة في البنوك والشركات الكبرى بالذات العاملة فيما يسمى بجزر النعيم الضريبي، ودبي ــ تقريبا ــ واحدة منها، وأن تلك المخفيات ستظهر لاحقا مما يهدد اقتصادات كثيرة، منها المصري وغير المصري، وبالتالي فإن الدكتور أبوعلي لديه بعض الحق.

وكان من دروس الأزمة أيضا أنه لا يصح إلا الصحيح.. إذ ليس مصادفة أن موانئ دبي ــ إحدى وحدات دبي القابضة ــ لا تزال محتفظة بقوتها، وهى من كبرى شركات تشغيل الموانئ في العالم ذلك لأن الميزة الظاهرة في دبي هي الموقع الفريد في طريق تجارة الشرق مع الغرب والعكس، وقد كانت عملية توظيف الميزة في بناء موانئ عملاقة ومحطات ترانزيت قرارا رائدا وسباقا،

أما ماعدا ذلك من مشاريع الأعلى والأوسع والأقوى.. فكلها تحتاج إلى مراجعة. ويبقى القول إن الخطوة الجبارة التي اتخذها حكيم العرب الشيخ زايد بإقامة الوحدة الفيدرالية بين الإمارات السبع بحاجة إلى خطوة أخرى لا تقل شجاعة حتى تستطيع الإمارات أن تواصل سيرها بأمان، فلا يمكن أن يستمر البزنس في النمو دون إطار سياسي حديث ومساند، ولعل تلك اللحظة تلهم قادة الإمارات الكرام إلى تلك الخطوة فيقومون مثلا بتوسيع وتفعيل مجلس الشورى أو ما يشبه، فأهل مكة أدرى بشعابها،

كما أن مشروع التنمية هناك لابد أن تكون له جماهير تسانده بالداخل وتشارك فيه وتذود عنه وتتحمل من أجله التضحية إذا تطلب التضحية في لحظة كتلك التي نعيشها. المضاربون ووسطاء أسواق المال أكثر من يصرخ عند الأزمات وأول من يفر، ومثلهم المدراء الخواجات وتابعوهم. تجربة دبي ملك لكل العرب، ومن واجبنا جميعا أن نعمل على استمرار توهجها.
- نشرت في المصري اليوم – مصرية يومية مستقلة، 3 ديسمبر2009