1989 : جدار برلين يقبر الستالينية

جان ماليفسكي
2009 / 11 / 15 - 17:42     

يوم 9 نوفمبر 1989، أقدمت جمهورية ألمانيا الديمقراطية، بوجه هروب مواطنيها الكثيف منذ الصيف، وبوجه مظاهرات مستمرة منذ خمسة أسابيع تحت صيحات "نحن الشعب"، أن على فتح حدودها وفتحت ثغرات في حائط برلين. كانت بيروقراطية ألمانيا الشرقية، بعد تضحيتها بهونيكر الأمين العام للحزب الثابت في منصبه دون أن يستتب النظام، في وضع ميئوس منه. استفاد من ذلك 2 مليون ألماني شرقي منذ أول نهاية أسبوع للذهاب إلى الغرب. كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية تعيش، بعد أربعين سنة من تأسيسها، احتضارها.


"نحن الشعب" صارت منذئذ شعارا مرددا في المظاهرات. وسيجري في بضعة أشهر توحيد ألمانيا تحت لواء نفي كل ما يمكن أن يعيد إلى الأذهان دولة الشرق العابرة. فيما لم يكن سقوط الجدار بأي وجه أول ثغرة في السيطرة البيروقراطية بالشرق، حيث كانت حكومة ذات توجه نيوليبرالي تقود بولونيا منذ سبتمبر، و كانت للمجر دستور تعددي وكان غورباتشوف بدأ تفكيك ّ"الأحدور"[*]، كان حدث سقوط الجدار يرمز بعد عشر بعد حدوثه إلى انهيار تلك المجتمعات المسماة "شيوعية".

أفضى ميزان القوى العسكري بأوربا، الناتج عن نهاية الحرب العالمية الثانية وبدايات الحرب الباردة، إلى تقسيم ألمانيا إلى دولتين. وفي 1961 قررت جمهورية ألمانيا الديمقراطية، إزاء الهجرة الكثيفة لسكانها نحو الغرب عبر برلين، بناء الجدار. كان المقصود، بفعل التأخر الاقتصادي الذي راكمته " الاشتراكية القائمة فعلا" ، الحؤول دون أي هروب لليد العاملة المنجذبة إلى مستوى المعيشة بألمانيا الغربية. لقد برهن كاريكاتور الاشتراكية عن فشله.

بعد زهاء 30 سنة، كانت ألمانيا الديمقراطية قد تخلفت عن الثورة المعلوماتية، وخسرت صناعتها معركة الإنتاجية، أي معركة اقتصاد وقت العمل. ومذاك تماثل ما كان يسميه التقدميون الألمان في 1949 " أفضل جزء من ألمانيا" مع ديكتاتورية عتيقة.

كتب تروتسكي عام 1936 في كتابه "الثورة المغدورة":" إذا أعدنا التاريخ إلى قاعدته الأساسية وجدنا أنه تتابع لعمليات توفير وقت العمل. ولا تبرر الاشتراكية نفسها بإلغاء الاستغلال فقط، إن عليها أن توفر وقت المجتمع أكثر مما يفعل النظام الرأسمالي. فإن لم يتوفر هذا الشرط أصبح إلغاء الاستغلال مجرد حلقة درامية لا مستقبل لها. [...]. وإلى الآن لم يعط استيراد التقنية التي تعد الوسيلة الرئيسية لتوفير الوقت، لم يعط في الاتحاد السوفيتي النتائج التي تعطيها التقنية هذه في البلاد الرأسمالية."

أدركت الفرق الحاكمة بالشرق في عهد غورباتشوف التأخر التاريخي المراكم بوجه الرأسمالية، المأزومة مع ذلك. و لم يكن التطلع المتنامي آنذاك مقتصرا على مجتمع الاستهلاك بل كان، على نحو أعمق، طموحا إلى تفادي السقوط إلى وضع البلدان المتخلفة الذي يلوح في الأفق. تنبأ الكسندر ياكوفليف، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي واحد كبار مهندسي الإصلاحات بالاتحاد السوفييتي هذا الخطر الحامل لتعبئات جماهيرية، مثلما شهدت بولونيا في 1980، فقال لهونيكر:" بدون بريسترويكا سنكون في الختام بوجه ثورة قد تضاهي عنفا ثورة أكتوبر " [أورده اوفيسك ، 1989 في كتابه نهاية إمبراطورية ص.110]. بقصد تفادي ذلك، و من أجل تثبيت مستقبلها، سعت بيروقراطية الشرق إلى إيجاد" سند في علاقات الملكية" (تروتسكي المرجع ذاته )، و إلى الانفتاح على الديمقراطية الشكلية من اجل إضفاء شرعية على هذا التحول. لم يكن انهيار الأنظمة البيروقراطية بالشرق واستبدالها بسلطات مرتبطة بإعادة الملكية الخاصة، ويا للمفارقة، انتصارا للديمقراطية. فقد تلاشت أوهام المتظاهرين الألمان الشرقيين الذين كانوا يصيحون بوجه البيروقراطيين "نحن الشعب"، وكذا أوهام عمال بولونيا الذين كانوا يحاولون وضع مصانعهم بين أيديهم، مواجهين البطالة والخصخصة ومجتمعا حيث كل شيء بثمن وحيث الملايين المستعملة في الحملات الانتخابية أهم من الحجج.

و وجد البيروقراطيون من جهتهم مخرجا أفضل. فالبرجوازية الجديدة و الطبقات الوسطى الجديدة تتشكل أساسا من صفوفهم ( ما عدا بألمانيا الشرقية، حيث منافسة البرجوازية الغربية و سطوة الدولة الغربية لم يتركا سوى مساحة ضئيلة للنخب المتحدرة من النظام القديم). وثمة مفارقة أخرى: ليست الأحزاب الرسمية التي كانت أشد حفزا للإصلاحات هي الأكثر تعبيرا عن المصالح الشعبية حاليا. فقد انصهرت في الليبرالية وأدخلت بلدانها إلى حلف شمال الأطلسي ( بولونيا، المجر). لا إن الأكثر ستالينية ( والحزب الألماني الشرقي كان كذلك بلا شك) ، بفعل عدم اندماجه في دولة برجوازية شائخة ومستقرة، هو الذي اضطلع بالدفاع عن السكان ويحصد الأرباح الانتخابية لجذريته.

يركز سقوط جدار برلين الأسباب السياسية و الاقتصادية لانهيار الأنظمة البيروقراطية، لكنه أيضا أصل الاستثناء الألماني: دفع استيعاب عنيف لمجتمع عاش 40 سنة بعيدا عن الرأسمالية (ولو انه كان تحت حماية ستالينية بوليسية) إلى موقع المعارضة النخب الألمانية الشرقية، فيما استعادت هذه وضعها الامتيازي في بلدان شرق أخرى . إن تجدد نزعة إصلاحية جذرية لليسار الألماني، الذي يلوح حتى في الغرب، ناتج عن التوحيد المتسرع.

جان ماليفسكي

محرر بمجلة انبركور

تعريب: جريدة المناضل

[*]: الاحدور معناه ارض مكشوفة ذات انحدار طفيف تسبق موقعا محصنا، والمقصود هنا بالأحدور بلدان أوربا الشرقية المتحلقة آنذاك حول الاتحاد السوفييتي السابق.


===================

معالم

1968: التدخل السوفيتي ضد ربيع براغ. وتطهير الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي

1970-1976:إضرابات عمالية جماهيرية في بولونيا. روابط بين معارضة المثقفين والمعارضين العماليين.

1980: إضراب مسير ذاتيا يتعمم ويفضي إلى تأسيس نقابة التضامن ذات 10 مليون عضو، والترخيص لها في بولونيا.

1981: الجيش البولوني يفرض القانون العرفي ويحاول تطبيق إصلاحات سوق اقتصادية. فيصطدم بالمقاومة العمالية و بمقاومة قاعدته البيروقراطية 1985:ميخائيل غورباتشوف يصعد إلى قيادة الاتحاد السوفيتي.

1988: إضرابات جديدة مع احتلال أماكن العمل في بولونيا. غورباتشوف يعلن السحب الجزئي لجيشه من جمهورية ألمانيا الديمقراطية وتشيكوسلوفاكيا والمجر.

1989: مفاوضات مع المعارضة في بولونيا و المجر. انتخابات جزئية حرة في بولونيا وفوز المعارضة. فتح الحدود بين المجر والنمسا واستعمالها من طرف آلاف الألمان الشرقيين. حكومة معارضة في بولونيا. مظاهرات جماهيرية في تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية.

9 نوفمبر 1989: فتح جدار برلين.

1990: سقوط تشاوسيسكو في رومانيا، و"العلاج بالصدمة" النيوليبرالي في بولونيا. انتخابات حرة في تشيكوسلوفاكيا و والمجر تكنس الأحزاب الشيوعية القديمة.

1991: فشل محاولة انقلاب بيروقراطية في موسكو يشجع صعود ايلتسين إلى السلطة في فيدرالية روسيا. المصادقة على مرسوم حل الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي. يوم 17 ديسمبر ايلتسين وغورباتشوف يوقعان اتفاقا ينهي وجود الاتحاد السوفيتي. غورباتشوف يستقيل. وتأسيس مجموعة الدول المستقلة.