وضع النساء بعد ثورة أكتوبر


آلان وودز
2016 / 10 / 26 - 09:49     

آنا مينوز وآلان وودز
كانت نساء روسيا القيصرية، من وجهة نظر القانون، مجرد إماء لأزواجهن. وحسب القانون القيصري: « يجب على المرأة أن تطيع زوجها، باعتباره رأس العائلة، وأن تعامله بحب واحترام وطاعة مطلقة، وأن تقدم له كل الخدمات، وتعبر له عن كل امتنان، باعتبارها زوجة.» وقد أكد برنامج الحزب الشيوعي، سنة 1919، أن: « مهمة الحزب في الوقت الحالي هي في المقام الأول العمل في حقل الأفكار والتعليم من أجل أن ندمر، بكل ما في الكلمة من معنى، جميع مخلفات اللامساواة والإجحاف، خاصة بين صفوف الشريحة المتخلفة من البروليتاريا والفلاحين. ودون أن يحصر نفسه في مجرد المساواة الشكلية للنساء، يكافح الحزب من أجل تحررهن من الأعباء المادية للعمل البيتي القديم عبر تعويضه بالمساكن الشعبية والمطاعم العمومية ومؤسسات غسل الملابس ودور الحضانة، الخ.»
لكن القدرة على تطبيق هذا البرنامج كانت رهينة بالمستوى العام للمعيشة والثقافة في المجتمع، كما سبق لتروتسكي أن شرح في مقاله: "من العائلة القديمة إلى العائلة الجديدة"، الذي صدر في جريدة البرافدا، يوم 13 يوليوز 1923، حيث قال: « مرة أخرى لا يمكن الفصل من حيث الجوهر بين التحضير المادي لشروط حياة جديدة وعائلة جديدة، وبين العمل العام من أجل البناء الاشتراكي. يجب على الدولة العمالية أن تصبح أغنى لكي يصير من الممكن بشكل جدي معالجة مسألة التعليم العمومي للأطفال وتخليص الأسرة من أعباء المطبخ والغسيل. من المستحيل تشريك العمل البيتي الأسري وتعميم التعليم العمومي على الأطفال دون تحسن واضح لاقتصادنا ككل. نحن في حاجة إلى المزيد من الإجراءات الاقتصادية الاشتراكية. لن يمكننا، إلا في ظل تلك الشروط، أن نحرر الأسرة من الأعمال والاهتمامات التي تسحقها الآن وتفككها. يجب أن تنجز مهمة غسل الملابس في مؤسسات غسل ملابس عمومية، وأن تنجز مهمة تحضير الطعام من طرف مطاعم عمومية وأن تنجز مهمة الخياطة من طرف ورشات عمومية. يجب أن يتعلم الأطفال على يد معلمين عموميين جيدين يتمتعون بالكفاءة للقيام بهذا العمل. عندها ستصبح العلاقة بين الزوج والزوجة متحررة من كل العوامل الخارجية والعرضية، وسيتوقف أحدهما عن امتصاص حياة الآخر.
عندها أخيرا سيتم تشييد صرح المساواة الحقيقية. ستكون العلاقة مبنية على قاعدة الحب المتبادل. وستكسب، لهذا السبب خصوصا، استقرارا داخليا، لن يكون نفسه لدى الجميع، بطبيعة الحال، بل غير إلزامي لأي كان.»
وضعت الثورة البلشفية الأساس من أجل التحرر الاجتماعي للنساء، وبالرغم من أن السياسة الستالينية الرجعية شكلت تراجعا جزئيا، فإنه لا يمكن إنكار حقيقة أن النساء في الاتحاد السوفييتي حققن خطوات جبارة إلى الأمام في النضال من أجل المساواة. لم تبقى النساء مجبرات على العيش مع أزواجهن أو مرافقتهم إذا ما أدى تغيير العمل إلى تغيير البيت. لقد أعطين حقوقا متساوية ليكن ربات البيت وحصلن على أجر متساو. لقد أعطي اهتمام كبير للدور الإنجابي الذي تقوم به النساء وتم إصدار قوانين حضانة خاصة تمنع ساعات العمل الطويلة والعمل الليلي وسنت إجازة ولادة مدفوعة الأجر ومراكز العناية بالأسرة ورعاية الأطفال. تم الاعتراف قانونا بالحق في الإجهاض سنة 1920، وتم تسهيل إجراءات الطلاق وتشريع الزواج المدني. وقد تم أيضا إلغاء مفهوم الأطفال الغير شرعيين. وبتعبير لينين: « إننا لم نبقي، بالمعنى الحرفي للكلمة، أي حجر على حجر من القوانين الحقيرة التي وضعت النساء في حالة أدنى بالمقارنة مع الرجل.»
تم تحقيق تقدم مادي في طريق تسهيل الانخراط الكلي للنساء في جميع مجالات المجتمع، والحياة الاقتصادية والسياسية: توفير وجبات غذائية مجانية في المدارس، الحليب للأطفال ومعونات خاصة في ما يتعلق بالطعام والملبس للأطفال المحتاجين، ومراكز الاستشارة الطبية أثناء الحمل ومستشفيات الولادة ودور الحضانة وغيرها من الخدمات.
كتب تروتسكي في الثورة المغدورة ما يلي: « لقد برت ثورة أكتوبر بوعودها المتعلقة بالمرأة. لم تكتف السلطة الجديدة بمنح المرأة جميع الحقوق السياسية والقانونية على قدم المساواة مع الرجل، بل الشيء الأكثر أهمية هو أنها قامت بكل ما بوسعها، وفي جميع الحالات، أكثر بما لا يقاس مما قام به أي نظام آخر على الإطلاق، من أجل أن تضمن لها الدخول إلى كل أشكال العمل الاقتصادي والثقافي. لكن حتى أقوى الثورات عاجزة، مثلها مثل البرلمان البريطاني الـ "كلي القدرة"، عن جعل المرأة كائنا مشابها للرجل. أو بمعنى آخر عاجزة عن أن توزع بينها وبين رفيقها متاعب الحمل والولادة والرضاعة وتربية الأطفال. لقد بذلت الثورة جهدا بطوليا من أجل تدمير ما يسمى بـ "البيت العائلي" اﻵمن. تلك المؤسسة القديمة الفاسدة والراكدة التي حكم فيها على نساء الطبقات الكادحة بالأشغال الشاقة منذ الطفولة حتى الموت. كان من المفترض استبدال الأسرة، من حيث هي مؤسسة صغيرة مغلقة، بنظام مكتمل للخدمات والتجهيزات الاجتماعية: مراكز أمومة، حضانات، حدائق للأطفال، مطاعم، مؤسسات تنظيف الثياب، مستوصفات، مستشفيات، مراكز للنقاهة، منظمات رياضية، دور سينما ومسارح، الخ. إن الامتصاص الكامل لمهام تدبير الشؤون المنزلية التي تقوم به الأسرة من طرف مؤسسات المجتمع الاشتراكي، بغية توحيد كل الأجيال برابطة التضامن والتعاون المتبادل، كان سيحقق للمرأة، وبالتالي للزوجين المتحابين، تحررا حقيقيا من القيود الأبدية.» (تروتسكي، الثورة المغدورة [فصل: الأسرة، الشبيبة، الثقافة، الترميدور في الأسرة])