الماركسية وتهمة الأباحية الجنسية ..


عماد البابلي
2009 / 11 / 5 - 18:49     

لا أحد يخالفني بأن كارل ماركس يمثل عقلية اقتصادية عملاقة رسمت لنا مجتمع مثالي رائع بعيدا عن اليوتوبيات الحالمة التي لا تمس الواقع بشيء .. ماركس يعتبر في حســـاباتي الخاصة نبي .. نبي من طراز خاص يختلف عن كل الأنبياء الذين سبقوه بكونه كتب شريعته من دخان المصانع والأنفاق المظلمة حيث الظلم والاستغلال وقطعة الخبز المسروقة التي يحلم بها طفل مشرد في فم خنزير يدير المافيات وشوارع الدعارة والقتل !!! ، طفل يراقب أمه الثكلى وهي تبيع جسدها لأقرب رجل شهواني يخرج للتو من جامع أو من بورصة !!! قطعة الخبز وهموم ذاك الطفل كانت هي المحور الذي قامت عليه الاشتراكية العلمية ، اشتراكية الخبز المكفول للجميع .. هنا أود التركيز على الجانب الأخر من القمر ، الجانب الذي لا نراه في ماركس هو الجانب الرومانسي والعاطفي الذي يخفيه أي شخص يتعرض لنصف ما تعرض له ماركس من تعذيب ومن ظروف صعبة .. يكتب ماركس إلى زوجته الوفية ( JENY ) حين تركته في إنكلترا وسافرت إلى ألمانيا لتزور أهلها ، وطال المدة التي مكثت فيها زوجته وأرسل لها الرسالة الآتية شوقا وحبا :
مقتطفات ..
(( يا حبيبة قلبي .. ها انذا اكتب أليك ثانية لأنني وحيد ولأنني يخجلني أن أحاورك دائما في الخيال، دون أن تعرفي أو تسمعي شيئا ما أحاورك به، ولا تستطيعين الرد عليّ. إنني أراك أمامي، أحملك فوق يدي وأقبلك من الرأس حتى القدمين، وأركع أمامك، وأتنهد .. مدام إنني احبك... إنني في الحقيقة احبك أكثر من حب مغربي البندقية ( يقصد هنا عطيل ) ، الشخص الخبيث والفاسد يعتبر كل الصفات خبيثة وفاسدة، من من مشوهي سمعتي وأعدائي ذوي لسان الثعابين قد اتهمني مرة باني مؤهل لان أؤدي دور العاشق الأول في مسرح من الدرجة الثانية ؟ ولكن هذا هو الواقع، ولو كان عند الأوغاد ذرة من النكتة لرسموا "علاقات الإنتاج والتبادل" في جانب، وفي الجانب الآخر رسموني وأنا عند قدميك، وكتبوا في قصاصة: انظروا إلى هذه الصورة، ثم إلى الصورة الأخرى، غير أنهم أوغاد أغبياء ، وسيظلون أغبياء ابد الآبدين. الفراق الآني جيد للتمييز بين الأشياء التي تتشابه أثناء الحضور، حتى الأبراج تبدو قميئة على القرب، بينما الزهيد واليومي يأخذ بالتنامي لدى مراقبته عن كثب . وهكذا الأمر مع العواطف. فالعواطف الكبيرة التي تأخذ عند قربها شكل عادات صغيرة تنمو وتأخذ حجمها الطبيعي ثانية بتأثير سحر الفراق، وهكذا هو حال حبي، يكفي أن تبتعدي فقط في المكان فأعلم أن الزمن قد خدمه مثلما تخدم الشمس والمطر النبات، أي للنمو .. أن حبي أليك يبدو، حالما تبعدين، على حقيقته، عملاقا تركزت فيه كل طاقات فكري، وكل خواص قلبي، واني لاحس ثانية بأنني رجل، لأنني أحس بالعواطف الكبيرة. ستبتسمين يا قلبي الحلو، وتتساءلين من أين لي فجأة كل هذه الفصاحة؟ ولكني لو استطعت أن أضم قلبك الناصع الحلو إلى قلبي لصمت وما تفوهت بكلمة، ولما كنت لا أستطيع أن أقبلك... وجب عليّ الكلام. في الواقع يوجد عدد كبير من بنات الهوى في الدنيا والبعض منهن جميلات، ولكن أين ألقى وجها حيث كل قسمة، وكل طية فيه تبعث في نفسي أحلى وأروع ذكريات حياتي؟ حتى أوجاعي التي لا حد لها وخسارتي التي لا تعوض اقرأها في محياك الحلو وأبعد الألم عني بالقبل، عندما اقبل وجهك الحلو. . وداعا يا قلبي ألف قبلة لك وللأطفال .. ))
كارل ماركس .. 21 حزيران 1856

يتهمنا أعدائنا من الفئران والجرذان دائما بتهمة رئيسية وهي الكفر والإلحاد وهذا الموضوع شائك جدا ولا أريد البحث فيه هنا لأنه مكرر جدا ، مكرر لدرجة القرف !!!! والتهمة الأخرى هي الإباحية الجنسية ، نحن في نظر المجتمع الديني اباحيون في سلوكياتنا وكل عائلاتنا مفككة وتبيح الجنس كأي بيت للدعارة .. نعم .. العمائم تتصور بأن الماركسية هي بيت للدعارة !!! العمائم تريد من الشعب أن يكون قطيع غنم ، ولا تتفانى في الوصول لغايتها .. وسأثبت بطلان مزاعمهم هذه من خلال هذا العرض ..
فلتسمحوا لي به ؟؟؟
رســـالة ماركس لزوجته تعبر مقدار الإخلاص ومقدار حب من النوع الفردوسي النادر الذي يملأ قلب هذا الفيلسوف .. ماركس هو كبير الشيوعية وأليه نرجع يوم الحشر !!! وعلمنا كيف نفكر وكيف نحول أرض الغاب إلى أرض رائعة يعيش فيها الثعلب بجوار بيت الأرانب .. الرسالة تفند بشكل غير مباشر أي تهمة له بالإباحية أو التفسخ الأخلاقي .. ويا ليت أولاد عفونة الأكليروس الديني أن يعطوننا نصوصا تعكس رومانسية وعمق ذاتي !! كما يفعل ماركس في رسالته لزوجته .. لكن الذاتية مفقودة جدا في كل كتبهم وهنا نصفها في خانة الكتب التي تصدرها مطبعة الشيطان !!!! .. ينتقد ماركس بشدة الإباحية في مقولته :
(( أن مشاعية النساء علاقة لا يعرفها إلا المجتمع البرجوازي وهي تتمثل حاليا بالبغاء .. غير ان البغاء يرتكز إلى الملكية الفردية ، ويزول بزوالها . هذا يعني أن التنظيم الشيوعي للمجتمع سوف يقضي على مشاعية النساء بدلا من أن يغذيه )) من كتاب تعاليم الماركسية ، ترجمة فواز طرابلسي ، ص 40

السيد ماو توسي تونغ في الصين يحمل رومانسية لا تقل عن رومانسية السيد ماركس فديوان أشعاره الرائع يعكس لنا حزمة من طيف ملون بألف لون .. نأخذ مثلا من ديوانه المقطع الشعري :
آه ، انتظروا السماء الصافية !
وانظروا كم هي الأرض ساحرة
مثل صبية حمراء الوجه مدثرة بالبياض !
هكذا هو سحر هذه الجبال والأنهار
ينادي على أبطال لا يحصون لكي يتنافسوا على تعقبها

المقطع رائع وجميل جدا ، يحمل نفسا شعريا لشاعر حقيقي .. ومن كتاب : ك . س . كارول ( صين ماو والشيوعية الأخرى ) ترجمة ذوقان قرقوط ، دار الآداب ، بيروت ، صفحة 146 نختار لكم المقولة على لسان ماو توسي تونغ : (( الخطيئة لا تقود في الصين إلى الجحيم ولكنها تسهل المهمة لشيطان سياسي : شيطان البرجوازية والإقطاعية التي تهدد بصفة دائمة الجماعة والتي يجب أن يحترز منها كل فرد ))
لسنا أباحيون يا ناس يا بشر ، لكننا نعشق نعيش في القرن الواحد العشرين بكل تطوراته وبكل أحاسيـــسه الجديدة ، ليس مثل المتدينون نعيش في خيمة بالية تعود لديكورات القرن السابع للميلاد ، المتدينون يتهموننا لأننا نحترم رغبات المرأة ونعتبر كل تفاصيلها رمز حضاري ولمجتمع مدني حديث .. هل أتهم بالتفسخ لأنني أسمح لأبنتي نور أن تلبس البنطلون ولا ترتدي الحجاب ؟؟؟؟؟ والكل يعلم كم جريمة دعارة يخفي النقاب وكم من فساد مالي وأخلاقي تخفيه العمامة في البرلمان أو حين تتربع على كرسي مسؤلية ؟؟؟؟ الكل يعلم لكن الذباب يصفق والجرذان تهلهل والبقر تسمن والماركسيون الأن مهجرون داخل مدنهم وداخل بيوتهم !! نحن ماركسيون نعشق الشعر ونعشق الموسيقى ونعشق أن نعيش في الحب .. الحب الذي يحمل سر السعادة ، ( نحب ونتحب ) على حد لسان مطرب مصري في أغنية شعبية جميلة ارددها دائما .. هذا شعارنا كشيوعيين .. مع محبتي للكل ..
ملاحظة : الماركســـية اللينينية ترفض وتحارب بشدة أي نزعات ذاتية أو احترام للخصوصية للبشرية ، فأحرقت كل الكتب وكل الدواوين التي أصدراها شعراء الرومانسية الروس بتوقيع شخصي من لينين !! ، الماركسية اللينينية اتجاه يحمل في معطفه أخطاء قاتلة مثل نظرية الحزب الواحد ونظرية ديكتاتورية البروليتاريا التي حقنت المجتمع السوفياتي بحقنة مورفين خاطئة !!!! تراكمت كل تلك الأخطاء فيما بعد حتى أجهضت التجربة الاشتراكية لاحقا في روسيا .

الأهداء : إلى روح الرفيق علي حسين ( أبو حسام ) الذي دفعني إلى كتابة هذه المقالة قبل وفاته بأيام .. أهدي له باقة ورد ونقش في أعماقي لن ينمحي