المرحلة والمتطلبات والمهام الراهنه


جورج حزبون
2009 / 11 / 5 - 17:26     

في سنوات الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفيتي قطب للحركة الشيوعية العالمية وأحزابها المختلفة، إلى جانب الحركات الماوية، والتروتسكية، ودور الصين وكوبا، وبالمجمل كانت هناك الحركات الشيوعية،وقوى اليسار العالمي بروحها الاممي،وظلت أمريكا تواجه ذلك بالتحالف مع الدول الموالية، أو المصطنعة،لتستخدمها لقمع التحرر والتقدم اليسار، ووصلت الأمور إلى تحديد أقطاب الصراع بان الأول معسكر الشعوب والثاني المعسكر الامبريالي.
لكن أمريكا أدركت،إن هذا الشكل لا يصمد في الصراع، ويحرض قوى ديمقراطية داخل بلدانها على هذه السياسة،لتمادي القمع ومنع حرية الرأي والاعتقاد،فأخذت تبلور قاعدة عمل جديدة مع حلفائها، ومصطلحات جديدة، فبدل الجماهير أصبح المجتمع المدني وبدل القوى الوطنية أصبح(N G O S ) المنظمات الغير حكومية، وبدأت تمول هذه الأطر، من جهة تدفع نحو مفهوم فضفاض لقضية المقرظة، ومن جهة أخرى تحصل على معلومات حية مباشرة وحية وحتى دراسات، وتنشئ طبقة اجتماعية بفعل الرواتب الدولارية والمكاتب والسيارات، ولبناء هذا النظام تم اختيار شخصيات أكاديمية وحتى حزبية وعناصر شبابية واعدة ، ومعروف إن البعض جهز تنظيماته لصالح اللحاق بهذا النهج الجديد، ومعروف أن بعضهم وصل حد الوزارة.
بالتأكيد كان لخروج الاتحاد السوفيتي دور سريع لنجاح هذه الخطة، ولحقت أوروبا وغيرها حتى دول النفط العربي هذا السبيل، والتهبت مشاعر كثيرة بهذا الثراء وأخذت مقولات الديمقراطية ( طبعا بالمفهوم الأمريكي ) تظهر بالصحف الجديدة وأحيانا بالشوارع وتحمل أسماء (مخملية) وتعقد ورشات عمل، وعصف فكري، وتحولت الثورة بكل تاريخها وجبروتها، إلى حالة(ترف فكري).
إن تراجع قوى اليسار بالعالم العربي متأثرة ومنكفئة بفعل ما واجهته من قمع الأنظمة، وغياب محور الاتحاد السوفيتي، والخلافات الداخلية والتمزق، هذا إلى جانبه قوى الإسلام السياسي التي مثلث قوى الرفض والتحدي،فكانت لها قاعدة واسعة بين الجماهير، مما أزم وضع اليسار الذي اخذ دور المفكر المعلب، وتمادى الاسلاموين واتجهوا بفعل الفكر المتكلس إلى السلفية ومعاداة التقدم، ورؤية الحضارة خصما، تكون مواجهته بالمزيد من الإيغال في الماضي.
وهكذا لا ترى أمريكا ومن في ركابها إن الحركات الإسلامية خصما بل حليفا يحتاج إلى العصا والجزرة، ويمكن توظيفه في صراعاتها مع اليسار وقوى التقدم وأيضا لمواصلة فرض إحكام وحكام وأنظمة قمعية تحت عنوان مكافحة الإرهاب، فهو لا يطرح برنامج ولا يستطيع أن يكون بديلا في الصراع أمام هذه القوى بفعل استناده إلى غيبيات، ولا يملك برنامجا سياسيا واقتصاديا موحدا، ولا رؤية عالمية موحدة، بل العكس ساعد على نشوء اليمين في دول الشمال والتحامها مع حكوماته وعدوانياتها.وتكونت عصابات في أوروبا معادية للمهاجرين وأيضا لقوى التقدم في بلدانها .
من هذا جميعه يتبين أن المطلوب هو حالة نهوض لقوى اليسار والتقدم والعودة إلى استئناف دورها كطليعة للطبقة العاملة وحلفائها والنهج ألأممي، الذي يطرح بديلا منفتحا للحياة، والمستقبل، وضرورة إحداث ثورة في الحركات النقابية الصفراء، ومواجهة منظمات الأنجرة، لنفض الغبار من تخلف ويأس الجماهير، في هذه اللحظة التي تعاني منها أمريكا وحلفائها أزمات صعبة، يجب أن يتحرك اليسار، ويوقف المد الإسلامي المتحالف مع الامبريالية وأعوانها وان لم يكن بشكل مباشر، إلا أن عملهم الذي يخدم ويساعد قوى العدوان هو الذي وضعهم في خندق واحد وهو ( الرجعية ) .
إن خريطة العالم التي تشوهت، ومحاولات رسم خريطة جيوسياسية جديدة، خاصة في الشرق الأوسط لن توقفها حركة الإسلام السياسي التي تقود إلى المزيد من الانقسامات الوطنية والدولية، ولا شك فان المهمة ليست ميكانيكية، حيث أن اليسار يعيش حالة تفاوت وأحيانا اغتراب، ويملك خطابا سياسيا نخبويا، مما لا يؤهل لهذه المهمة في الزمن الراهن،ولكن الآمال منعقدة على الجماهير الفقيرة وقوى الطبقة العاملة وحلفائها من الفلاحين والطلبة وأوساط الاكاديمين فهي وحدها القادرة على المواجهة التاريخية،وإجبار اليمين بشقيه الامبريالي والاسلاموي والكهنوتي على وقف عربدته، ليتم تصويب مسيرة التاريخ صعودا حتى يندحر الظلم والاستغلال والتعصب التي أصبحت سمة العصر.كما ونه ليس صحيحا الاركان الى التنظيمات السابقة ، ومحاولة بث الروح عبثا بها ، انما تكوين اشكال جديدة للنضال وحسب مقتضيات العصر والزمان والمكان ، حتى يستفاد من التجربة وعدم السقوط في التكرار الممل ....