تنسيقيات النضال ضد الغلاء و تدهور الخدمات العمومية سيرورة النضال و اهدافه


ميمون المغربي
2009 / 11 / 5 - 01:12     

لم تكن الزيادات الأخيرة في أسعار المواد الأساسية و الخدمات العمومية، و التي بدأت بوادرها الأولى مع مطلع سنة 2006، الأولى من نوعها، فمند الاستقلال الشكلي و حتى الان قام النظام القائم بانتهاج سياسة التجويع و التفقير في حق الجماهير الشعبية انسجاما مع طبيعته الاوطنية الاديمقراطية الاشعبية، فنتيجة للازمة الخانقة سنة 1977، ومن أجل تصريف أزمته على كاهل الجماهير الشعبية، شرع في تطبيق برنامج التقويم الهيكلي المملى عليه من طرف أسياده الامبرياليين (صندوق النقد الدولي) بتبنيه لسياسة "التقشف" ومن أهم بنوده، الخوصصة، تخفيض الميزانية المخصصة للقطاعات الاجتماعية وضرب الخدامات التي تقدمها في أفق تسهيل تفويتها للقطاع الخاص كالصحة، السكن، التعليم... بالإضافة إلى إلغاءه لصندوق المقاصة الذي كان مخصصا لدعم المواد الاستهلاكية الأساسية. و مباشرة بعد الشروع في تطبيق هدا البرنامج، بدأت موجة الزيادة في أسعار المواد الأساسية عام 1981، التي اكتوت بها الجماهير الكادحة و التي كان رد الجماهير الشعبية عليها، عبر الانتفاضتين المجيدتين، في 20 يونيو81، و يناير84، والتي سقط فبها ألاف الشهداء و الجرحى والمعتقلين.
و في سنة 89 عمد النظام مرة اخرى، الى اعلان زيادات في المواد الاساسية (السكر، الزيت، الدقيق، الحليب...) و مرة اخرى لم تتأخر الجماهير الشعبية في الرد، لتعبر عن رفضها، و عن سخطها على هده الزيادات. عبرت عنها انتفاضة 24 ديسمبر 1990، خاصة بفاس و طنجة، و التي قام النظام، و كعادته بقمعها بالحديد و النار.
و طيلة سنوات التسعينات وبداية الألفية الثالثة، سيعمد النظام الى استكمال مسلسل الاجهاز على مجموعة من المكاسب التي انتزعتها الجماهير الشعبية عبر نضالاتها المريرة مند الاستقلال الشكلي. فقام بتمرير مجموعة من المخططات الطبقية التي ترمي الى تصفية الخدمات العمومية (ميثاق التربية و التكوين، المخطط الاستعجالي، قانون الارهاب، قانون الصحافة، مدونة الشغل، مراسيم الاداء في المستشفيات العمومية، مشروع القانون التنظيمي للاضراب، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية...) كما استمر النظام في مسلسل بيع و تفويت ما تبقى من المؤسسات و الخدمات العمومية (اتصالات المغرب، تفويت الماء و الكهرباء في مدن البيضاء، الرباط- سلا- تمارة، طنجة، تطوان...)
و امام هدا الزحف على ما تبقى من مكتسبات الجماهير الشعبية، لم تقف الجماهير مكتوفة الايدي، بل انتفضت في عدة مناطق - وبشكل عفوي في اغلب الاحيان- تماسينت، بوعرفة، ايمني، ايفني، خنيفرة، بني تجيت، تالسينت... للتعبير عن سخطها ورفضها لسياسة النظام القائم، كما ان الجماهير قامت بابداع و خلق اشكال تنظيمية بسيطة للدفاع عن مكتسباتها، ولمواجهة ارتفاع الأسعار(كلجان الحوار ولجان التعبئة و المداومة و التنظيم...)، هاته الاشكال التي ابدعتها الجماهير، انطلاقا من نضالاتها ضد الغلاء، الماء، الكهرباء، التهميش، الصحة، السكن... تطورت سنة 2005 خاصة في مدن طاطا، ايفني، زاكورة، واد زم... بعدما راكم المناضلون بمعية الجماهير من تجربة نضالية، خولت لهم الانتقال إلى أشكال تنظيمية أرقى كتنسيقيات مناهضة ارتفاع الاسعار والتي اصبحت الشكل الأساسي للنضال، و خاضت هده التنسيقيات نضالات و معارك و وقفات و مسيرات، و مقاطعة لاداء فواتير الماء والكهرباء... ، ومع بداية سنة 2006 ستعمم هاته التجربة لتشمل مجموعة من المدن و القرى (طنجة، الرباط- سلا- تمارة، كرسيف، فاس، بن سليمان...) لتصل الى اكثر من 60 تنسيقية محلية على المستوى الوطني.
و بمبادرة من تنسيقية الرباط- سلا –تمارة، تمت الدعوة الى عقد ملتقى و طني بالرباط يوم 29 اكتوبر 2006، من اجل تدارس سبل تنسيق العمل بين التنسيقيات على المستوى الوطني، تحت شعار "جميعا ضد ضرب القدرة الشرائية للمواطن"، و اسفر الملتقى عن اعتماد 3 اوراق هي "اعلان الرباط" (و برنامج نضالي و طني تضمن 3 محطات، هي الندوة الوطنية لـ3 دجنبر 2006، و وقفة احتجاجية وطنية موحدة في الزمان متفرقة في المكان يوم 14 دجنبر 2006، و مسيرة وطنية بالرباط يوم 24 دجنبر 2006، كما اسفر الملتقى الوطني الاول عن فرز لجنة المتابعة الوطنية.
لكن اقتصار التنسيقيات في مرحلةها الأولى على مناضلي و مناضلات مكونات سياسية و نقابية وحقوقية، وعدم إنغراسها في صفوف الجماهير الشعبية، جعل التنسيقيات تنحوا منحى النضال "الرمزي"، و هدا ما عكسته طبيعة القرارات المتخدة (وقفات امام البرلمان، مراسلات للمؤسسات الرسمية...) بدل النضال مع و الى جانب الجماهير الكادحة، في اماكن البؤس و الشقاء، في الاحياء الشعبية حيث الاكتواء الحقيقي بنار الغلاء.
و مع مرور الوقت، و التحاق المناضلين و المناضلات، وأبناء الجماهير الشعبية، وتراكم الخبرات، انطلاقا من كون الغلاء يمس بشكل مباشر الطبقات الكادحة ، اتجه عمل التنسيقيات على الانفتاح على الجماهير الشعبية، فتم نقل الوقفات و الاشكال النضالية المختلفة الى الاحياء الشعبية و الاسواق، و حث الجماهير و حفزها على النضال ضد الغلاء و تدهور الخدمات العمومية، وابداع الصيغ الكفيلة بتحقيق هاته الأهداف، وبدالك تم الشروع في تاسيس عدد من لجان الاحياء. كما تم تجسيد المسيرة الوطنية الثانية بالبيضاء يوم 25 مارس 2007، رغم المنع و الحصار الدي طال المسيرة.
وقد شكلت المقررات التنظيمية للملتقى الوطني الثالث، المنعقد في 3 يونيو 2007، دفعة قوية في هدا الاتجاه، و شكلت قفزة نوعية، خاصة في تثبيتها لمبدأ جماهيرية التنسيقيات، حيث فتح المجال امام «المواطنين و المواطنات» للانخراط في التنسيقيات، و إشراكها في التقرير و التسيير و التنفيد، وتنصيصها على تاسيس «لجان الاحياء«، التي تشكل مجالا خصبا امام المناضلين و المناضلات، من اجل لف اكبر عدد من أبناء الجماهير الشعبية في النضال ضد الغلاء و تدهور الخدمات العمومية.
كما تم الانتقال من المفهوم الضيق حول النضال ضد ارتفاع الاسعار، الى مفهوم اوسع، من خلال التاكيد على النضال ضد الغلاء بشكل عام، و ربطه باسباب موضوعية قائمة، و كدا ادماج الدفاع عن كافة الخدمات العمومية (الصحة، التعليم، السكن...)، و مواجهة الخوصصة، ضمن اهداف الحركة. و في هده الصيرورة النضالية، و ماحققته من تراكمات نوعية مهمة، تحولت التنسيقيات من تنسيقيات مناهضة ارتفاع الاسعار، الى تنسيقيات النضال ضد الغلاء و تدهور الخدمات العمومية. وتمت الدعوة الى المسيرة الوطنية الثالثة بالرباط يوم 2 شتنبر 2007، و الى الندوة الوطنية بالرباط في 11 نونبر 2007، تحت شعار "لا لضرب القدرة الشرائية للمواطنين"، بحضور مجموعة من التنسيقيات المحلية. وانتقل عدد التنسيقيات من70 تنسيقية في نونبر 2007 الى اكثر من 95 تنسيقية محلية على المستوى الوطني. لكن ما يميز هاته المرحلة، هو تأرجح حركية و نضالية التنسيقيات، و ارتباطها بردات الفعل على موجة الزيادات في الاسعار.
و جائت انتفاضة صفرو في 24 شتنبر 2007، كمحطة بارزة في حركة النضال ضد الغلاء. حيث خرجت الجماهير في انتفاضة عارمة، عرت الوجه الحقيقي للنظام، و اسقطت اخر اوراق التوت عن القوى الاصلاحية و الانتهازية، و افتضحت ثقافة التضليل "الحقوقي" التي مافتئت تروج لها هاته القوى وسط الحركة الجماهيرية، و التي عبر عنها قيدوم "الحقوقيين" عبد الحميد امين، في عدم قدرة التنسيقيات على «تاطير الجماهير»، اي في كبحها و لجمها و حصر النضال ضد الغلاء، و النضال بشكل عام، في النضال «السلمي» و »الحضاري»، و المقبول بالطبع من طرف النظام، و الدي لا يساهم سوى في اظهار النظام ، بوجه ديموقراطي. و ما تخريجة »شبكات التضامن «الا لضرب الخط الكفاحي الجماهيري الدي اتجهته التنسيقيات خاصة بعد الملتقى الو طني الثالث.
و هنا افتح قوسا، حول مسالة التعامل مع بعض «التيارات و الاطارات البرجوازية» و خاصة الجمعية المغربية لحقوق الانسان، داخل التنسيقيات، و التي كانت احدى مداخل الهجوم على المناضلين و المناضلات المشتغلين في التنسيقيات، و في مختلف واجهات النضال (لجان دعم المعتقلين السياسيين، لجان الدعم المختلفة، المعطلين، النقابات...) من الناحية الاديولوجية، كمناضلين مرتبطين بمصالح الشعب المغربي، نناضل داخل التنسيقيات ضد الغلاء و ضد تدهور الخدمات العمومية، نعتبر العمل الحقوقي برجوازي في مضمونه و شكله، و يجب معارضته كليا، و من الناحية السياسية العملية، يجب استحضار ضرورة التمييز بين ما هو استراتيجي و ماهو تكتيكي، استراتيجيا نعتبر النضال الحقوقي، نضالا يعرقل الثورة، و يعرقل تربية الجماهير تربية ثورية وسط معمعان الصراع الطبقي، عبر ترويجه لثقافة التضليل »الاطبقية «ودعوته للنضال "السلمي و الحضاري"، و نبدهم المبدئي للعنف، مع العلم انه لا يمكن القضاء على الاستغلال الا بالعنف الثوري. اما تكتيكيا فيجب التمييز في كل حالة على حدة، فعندما تناضل هاته المنضمات على قضايا النضال ضد الغلاء، تدهور الخدمات العمومية، الدفاع عن المعتقلين السياسيين، الدفاع عن حرية الصحافة، السكن، الصحة....التي هي ملفات من صلب اهتمام المناضلين و المناضلات المرتبطين بمصالح الشعب المغربي. فيجب التعامل و التعاون معها، دون اغفال ضرورة الصراع الفكري و الميداني معها، خاصة ضد نزعة النضال "السلمي"، و الحد من الاوهام "الحقوقية" التي تبث سمومها وسط المناضليين والمناضلات و وسط الجماهير على حد سواء. اما عندما تعمل هاته المنظمات على كبح نضالات الجماهير و لجمها، كما عبرت عن دالك في مجموعة من المحطات، فيجب معارضتها و فضحها بحزم، و كشف خلفياتها البرجوازية الصغيرة، امام الجماهير.
و جاءت محطة 3 مارس 2008 بالبيضاء، لتتم مسلسل ضرب هاته الحركة الفتية، التي لم ينجح النظام في تقويض اركانها، سواء عبر قمعه الوحشي و منعه لأغلبية الإشكال النضالية (وقفات، مسيرات، مهرجانات...)، او عبر الاعتقالات و الاعتداءات المتكررة على مناضلي و مناضلات التنسيقيات المحلية (طنجة...). و هنا سيوكل هدا الدور للقوى الاصلاحية و الانتهازية من اجل القيام به، ليتضح دورها الخياني الدي تقوم به في لجم نضالات الجماهير الشعبية عبر الهجوم على المناضلين المرتبطين بهموم الشعب الكادح، - وهدا على ما يبدو هو خلاصة استدعاء هؤلاء الاطراف من طرف وزارة الداخلية عقب انتفاضة صفرو المجيدة- فعملت على اغراق قاعة الملتقى بعناصر لا علاقة لها بالتنسيقيات و لا بالنضال بشكل عام، في محاولة منها من اجل الهيمنة و لجم نضالات التنسيقيات، و اقصاء مجموعة من التيارات المناضلة، عبر خلق اليات تنظيمية بيروقراطية (للمزيد من الاطلاع على محطة3 مارس يرجى الرجوع الى الوثائق الصادرة بعد و اثناء الملتقى).
بعد محطة 3 مارس عرفت التنسيقيات المحلية تراجعا على المستوى الوطني تداخلت فيه اسباب داتية و موضوعية (سنعود الى هده النقطة في مقال اخر). الا ان مع بداية هدا الموسم 2009/2010، عرفت هاته الاخيرة حركية جديدة في عدد من التنسيقيات المحلية، بفضل مبادرة مجموعة من المناضلين و المناضلات، هده الصيرورة النضالية التي ابتدأت ببت الحياة من جديد في جسد التنسيقيات، تطرح في الوقت الراهن المزيد من توضيح الرؤية الفكرية للعمل داخل التنسيقيات، و بناء تصور فكري يحدد موقع هده الحركة في الصراع الطبقي، ودور المناضليين و المناضلات داخل هده الحركة، الشيء الدي طرحه مجموعة من الرفاق بخطوطه العريضة في مجموعة من المقالات السابقة، و الدي لا يزال يطرح المزيد و المزيد من فتح النقاش الجدي حوله.
و سنطرح باختصار الاهداف السياسية، من عمل المناضلين و المناضلات داخل التنسيقيات:
1- المساهمة في التصدي للسياسات الاقتصادية للنظام، و العمل على الحد من الزيادات في الاسعار، وعلى فرض تراجعات عنها، و النضال ضد الخوصصة، قصد الحد منها في مرحلة اولى، و تحسين جودة المرافق العمومية.
2- المساهمة في انتزاع بعض المطالب الديموقراطية العامة، كالحق في التظاهر و الاحتجاج، و تنظيم الوقفات و المسيرات، دون الرجوع الى طلب الترخيص من الداخلية. و هدا ما تحقق في بعض المناطق، لكن النضال من اجل تحقيق و تحصين هاته المكاسب، يبقى رهينا باكتساب الحرية السياسية، التي لا يمكن الوصول اليها، الا بعد الانخراط الواسع للجماهير الشعبية في معمعان الصراع الطبقي بوعي طبقي موجه بشكل علمي.
3- المساهمة في رفع وعي الجماهير الشعبية، و حفزها على النضال الحقيقي من اجل تحصين مكتسباتها، في ارتباط وثيق مع تعرية الانتهازية و فضحها و عزلها عن الجماهير، و سد الطريق على القوى الظلامية و الشوفينية.
4- المساهمة في توحيد نضالات كل مناهضي سياسة النظام، في اطار مقولة وحدة- نقد- وحدة.
كما ان عملنا داخل التنسيقيات يجب ان يتمسك بالمبادئ الاربعة (الديموقراطية، التقدمية، الجماهيرية و الاستقلالية) التي يجمع عليها جل التيارات المناضلة داخل التنسيقيات، مما يضع الحركة في صف معارضة النظام و الاحزاب الحكومية و القوى الضلامية و الشوفينية، و يعطي للحركة طابعها التقدمي و المستقل.
عاشت نضالات الشعب المغربي
عاشت حركة النضال ضد الغلاء
عاشت تنسيقيات النضال ضد الغلاء و تدهور الخدمات العمومية
مناضلة و مكافحة – ديموقراطية، تقدمية، جماهيرية و مستقلة-


ميمون المغربي في 26/10/2009