التعايش السلمي من ستالين الى خروشوف

الحركة الماوية العالمية
2004 / 6 / 3 - 05:33     

[1]
لشد ما سمعنا من كلام مضلل عن التعايش السلمي خلال العقود الاربعة المنصرمة بحيث ان الكتابة عن هذا الموضوع يتحتم ان تبدأ بتعريف هذا المصطلح تعريفا علميا دقيقا. أجري هذا الارتباك بالخلط بين ثلاثة مفاهيم مختلفة بعضها عن بعض اختلافا تاما هي التعايش والسلام والتعايش السلمي.
أولا، التعايش: التعايش هو وجود عنصرين مختلفين جنبا الى جنب، وفي موضوعنا وجود نظامين اجتماعيين، النظام الاشتراكي والنظام الامبريالي او المعسكر الاشتراكي والمعسكر الامبريالي معا جنبا الى جنب. بدأ الوجود المشترك او التعايش بين النظام الاشتراكي والنظام الامبريالي في اليوم الذي انتصرت فيه ثورة اكتوبر الاشتراكية وتأسست دكتاتورية البروليتاريا في روسيا. لقد فرض هذا التعايش على كلا الجانبين فرضا. كان عليهما ان يعيشا معا في هذا العالم شاءا ام أبيا. كان كل من النظامين يبغي القضاء على النظام الاخر ولكنهما مع ذلك تعايشا وبقي احدهما الى جانب الاخر. الا ان هذا التعايش لم يكن تعايشا سلميا بالضرورة. فحين هاجمت دول العالم الامبريالية كلها الدولة البروليتارية الحديثة التكوين كان النظامان رغم ذلك متعايشين ولكن تعايشهما كان تعايشا حربيا.
ثانيا، السلام: ان السلام هو حالة عدم وجود حرب حارة. كان انتهاء الحرب العالمية الاولى سلاما، وكان انتهاء حرب التدخل ضد روسيا بدحر المتدخلين سلاما. وكان انتهاء الحرب الفيتنامية ضد الامبريالية الاميركية سلاما، كما كان انتهاء حرب الخليج سلاما. وما هذه الا امثلة معدودة. الا ان السلام ليس بالضرورة سلاما حقيقيا. في موضوعنا الحالي نعلم ان لينين لم يفكر بتاتا بان السلام بين الدولة السوفييتية والدول الامبريالية سلام حقيقي. فقد تحدث دائما عن هذا السلام بانه سلام مؤقت، بانه حرب باساليب جديدة، بانه اعداد لحرب اخرى على الاتحاد السوفييتي. ان تحليله للسلام الذي بدأ بانتهاء حرب التدخل سنة ١٩٢١ استند الى نظرية لينين القائلة بحتمية الحرب العالمية في عصر الامبريالية. ان الحرب العالمية في رأي لينين كانت ماتزال حتمية وقد تحدث عنها كحرب جديدة تودي بحياة عشرين مليونا بدلا من عشرة ملايين وتترك خمسين مليون مشوه بدلا من عشرين مليونا في الحرب العالمية الاولى. وهذا قاد لينين الى الاستنتاج بان الحرب العالمية الجديدة لن تترك الاتحاد السوفييتي جانبا رغم سياسته السلمية وعدم وجود اية مصلحة له في الحرب بتاتا.
ثالثا، التعايش السلمي: ان التعايش السلمي هو وجود مشترك، تعايش، في سلم حقيقي، تعايش لا يوجد فيه خطر الحرب. وبما ان الحرب هي من طبيعة الراسمالية واحدى مقومات حياتها فان الحروب عموما او على الاقل اخطار الحروب تبقى حتمية ما دامت في العالم دول راسمالية. لذلك فان التحدث عن التعايش السلمي مقصور على الحرب العالمية وحدها. فالتعايش السلمي وضع لا يوجد فيه خطر حرب عالمية. وهذا ما سيجري بحثه في سياق المقال بالتفصيل.
وبما ان لينين عاش في فترة كانت فيها الحرب العالمية حتمية، فلم يكن في مستطاعه ان يكتشف نظرية التعايش السلمي، بنفس الطريقة التي لم يكن بمستطاع ماركس وانجلز اكتشاف نظرية الامبريالية ونظرية امكان بناء الاشتراكية في بلد واحد. لذا فحين نتحدث عن نظرية التعايش السلمي كنظرية لينينية علينا ان نلتزم الدقة. ان التعايش السلمي نظرية لينينية لانها احدى نظريات اللينينية، وهي في الوقت ذاته نظرية ماركسية لان اللينينية ذاتها هي ماركسية. الا انه كان من المستحيل على لينين ان يصوغ نظرية التعايش السلمي. لقد وقعت مهمة صياغة نظرية التعايش السلمي على عاتق ستالين. لذا فاني ساتحدث عن نظرية التعايش السلمي في هذا المقال باعتبارها نظرية ستالينية وهذا لا يغير من واقع انها في الوقت ذاته جزء من اللينينية والماركسية وواقع ان ستالين كان اعظم لينيني بعد لينين
الوضع العالمي بعد الحرب العالمية الثانية
من المتعذر على الكاتب حاليا مناقشة نتائج الحرب العالمية الثانية اليوم بنفس الطريق التي كان يناقشها سياسي بعد انتهاء الحرب مباشرة. لذلك فضلت ان اقتبس نتائج الحرب بالشكل الذي رآها فيه جدانوف سنة ١٩٤٧ في خطاب القاه في اجتماع تسعة احزاب شيوعية عقد في بولونيا.
"أدى انتهاء الحرب العالمية الثانية الى تغييرات هامة في الوضع العالمي قاطبة. فالهزيمة الشنيعة لكتلة البلدان الفاشية، وطابع الحرب التحرري المعادي للفاشية، والدور الحاسم الذي لعبه الاتحاد السوفييتي في الانتصار على المعتدين الفاشست، نجمت كلها عن تغيير حاسم في علاقات القوى بين النظامين ـــ النظام الاشتراكي والنظام الراسمالي ـــ لصالح الاشتراكية.
"كان النتاج الرئيسي للحرب العالمية الثانية، الاندحار العسكري لالمانيا واليابان، البلدان الاشد عسكرية وعدوانا في الراسمالية. فالعناصر الرجعية الامبريالية في ارجاء العالم وخصوصا في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا كانت قد وضعت امالا خاصة في المانيا واليابان، وبالدرجة الرئيسية في المانيا الهتلرية، على اعتبارها قبل كل شيء القوة الاكثر قدرة على توجيه الضربة الى الاتحاد السوفيتي بحيث حتى ان لم تستطع محوه من الوجود فانها ستضعفه على الاقل وتقوض نفوذه. وثانيا على اعتبارها قوة قادرة على تحطيم حركة الطبقة العاملة الثورية والحركة الديمقراطية في المانيا ذاتها وكذلك في الاقطار التي اصبحت ضحية العدوان الهتلري وبهذا تعزز المواقع العامة للراسمالية.
"هذا كان السبب الرئيسي لسياسة ما قبل الحرب المسماة بسياسة ميونيخ، سياسة التواطؤ مع وتشجيع العدوان الفاشي، السياسة التي اتبعتها على الدوام باصرار الدوائر الامبريالية الحاكمة في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. غير ان الامال التي وضعها الامبرياليون الانجلوـــ فرنسو ــــ اميركيون في الهتلريين كانت هباء. فقد اثبت الهتلريون انهم اضعف واثبت الاتحاد السوفييتي والشعوب المحبة للحرية انهم اقوى مما ظنه الميونيخيون. فكانت نتيجة الحرب العالمية الثانية ان القوى الرئيسية للرجعية الفاشية العسكرية العالمية قد تحطمت واخرجت من الميدان لمدة طويلة في المستقبل.
"وبهذا الخصوص تلقى النظام الراسمالي العالمي ككل ضربة حاسمة اخرى. فقد كانت اهم نتائج الحرب العالمية الاولى خرق الجبهة الامبريالية المتحدة وازاحة روسيا عن النظام الراسمالي العالمي، ومن ثم، كانت نتيجة انتصار النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي توقف الراسمالية عن كونها النظام الوحيد الشامل في الاقتصاد العالمي. فالحرب العالمية الثانية ودحر الفاشية وتضاؤل المراكز العالمية للراسمالية وتعزز الحركة المعادية للفاشية أدت كلها الى انفصال عدد من البلدان في اواسط وجنوب شرقي اوروبا عن النظام الامبريالي وفي هذه البلدان نشأت انظمة حكم ديمقراطية شعبية جديدة.
في هذه البلدان تسنم السلطة ممثلو العمال والفلاحين وممثلو المثقفين التقدميين. وبما ان الطبقة العاملة في جميع هذه البلدان انجزت اعظم البطولات واثبتت انها اصلب قوة واقلها مساومة في الحرب ضد الفاشية فقد تعاظمت سلطتها وزاد نفوذها بين الشعوب تعاظما هائلا. فالسلطة الديمقراطية الجديدة في يوغوسلافيا وبلغاريا ورومانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا والبانيا، تساندها الجماهير الشعبية اثبتت انها قادرة على انجاز تحولات تقدمية ديمقراطية في اقصر مدة زمنية ممكنة ما لا تستطيع الديمقراطية الراسمالية انجازه.
"لقد وضع الاساس لملكية الدولة الوطنية، وخلق نوع جديد من الدولة، الجمهورية الشعبية، حيث تعود السلطة للشعب وحيث تعود الصناعة الكبيرة والنقليات والبنوك الى الدولة وحيث تكون القوة القائدة هي كتلة جميع طبقات السكان العاملة فعلا التي تسير على رأسها الطبقة العاملة.وكنتيجة لذلك لم تتخلص شعوب هذه البلدان من قبضة الامبريالية وحسب بل انها وضعت كذلك اساس الانتقال الى طريق التطور الاشتركي.
"نتيجة للحرب تعاظمت اهمية الاتحاد السوفييتي وسلطته العالمية تعاظما كبيرا. فقد كان الاتحاد السوفييتي القوة القائدة والروحية في اندحار المانيا واليابان عسكريا، فتجمعت القوى التقدمية الديمقراطية في العالم اجمع حول الاتحاد السوفييتي. وقد صمدت الدولة الاشتراكية امام امر تجارب الحرب فخرجت منتصرة في معركة الحياة او الموت ضد اشد اعدائها قوة. وبدلا من ان تتضاءل قوة الاتحاد السوفييتتي اصبح اشد قوة.
"وطرأت على معالم العالم الراسمالي تغيييرات هامة. فمن بين الدول الست المسماة "بالدول الامبريالية العظمى"، ـــ المانيا، اليابان، بريطانيا، الولايات المتحدة، فرنسا وايطاليا ـــ ازيلت ثلاث منها نتيجة للاندحار العسكري وهي المانيا وايطاليا واليابان. كما ان فرنسا هي الاخرى اصبحت اضعف مما كانت عليه وفقدت موقعها السابق كدولة عظمى. وهكذا لم تبق سوى دولتين عظميين امبرياليتين في العالم ـــ الولايات المتحدة وبريطانيا ـــ الا ان احداهما، بريطانيا، تقوم على اسس متداعية.
"أثناء الحرب اثبتت الامبريالية البريطانية ضعف قوتها العسكرية والسياسية على حد سواء. فقد كانت بريطانيا عاجزة في اوروبا في وجه العدوان الالماني. وفي اسيا كانت بريطانيا، ولو انها اكبر دولة امبريالية، عاجزة عن الصمود في ممتلكاتها الاستعمارية بمجهوداتها الخاصة. اذ بعد ان فقدت بريطانيا بصورة مؤقتة ارتباطاتها بمستعمراتها اصبحت معتمدة عسكريا واقتصاديا على تجهيزات الولايات المتحدة بالمواد الغذائية والبضائع الصناعية. ومنذ الحرب أخذ اعتماد بريطانيا المالي والاقتصادي على الولايات المتحدة بالزيادة المطردة.
"ورغم ان بريطانيا افلحت بعد الحرب في استعادة مستعمراتها فقد جابهت نفوذ الامبريالية الاميركية فيها. فخلال الحرب طورت الولايات المتحدة نشاطاتها في كافة هذه المناطق التي كانت قبل الحرب تعتبر مناطق نفود الراسمال البريطاني (البلدان العربية، شرقي وجنوبي آسيا). كذلك وسعت الولايات المتحدة نفوذها في دول الامبراطورية البريطانية، وفي اميركا الجنوبية حيث بلغ دور بريطانيا السابق مستويات عالية مطردة النمو، اخذ النفوذ ينتقل الى الولايات المتحدة. وقد اصبح احتداد ازمة النظام الاستعماري نتيجة الحرب العالمية الثانية ملحوظا في التعاظم الهائل في حركة التحرر الوطني في المستعمرات والبلدان التابعة التي تهدد مؤخرة النظام الراسمالي ذاته.
"ان شعوب المستعمرات ترفض العيش بعد الان بالطريقة القديمة والطبقات الحاكمة في البلاد المستعمرة لا يمكنها ان تحكمها بعد الان بالطريقة القديمة. فمحاولات قمع الحركات الوطنية التحررية بالقوة العسكرية تجابه مقاومة مسلحة مطردة الازدياد كما يحدث للهولنديين في اندونيسيا وللفرنسيين في فييتنام.
"ان الحرب وهي ذاتها نتاج لتطور الراسمالية المتفاوت في شتى الاقطار ادت الى اشتداد مضاعف لهذا التفاوت في التطور. واحدة فقط من جميع الدول الراسمالية ـــ الولايات المتحدة ـــ لم تخرج من الحرب اضعف مما كانت عليه بل اقوى سواء من الناحية العسكرية ام الاقتصادية. فقد احرز الراسماليون الاميركيون ثروات طائلة من الحرب، ولم يمر الشعب الميركي من جراء الحرب لا بمحنة الحرمان ولا باضطهادات الاحتلال الاجنبي أو تدمير الغارات الجوية بينما كانت الخسائر البشرية للولايات المتحدة، التي دخلت الحرب في الواقع في مرحلتها الاخيرة حين كان مصيرها قد تقرر فعلا، خسائر طفيفة نسبيا.
"في الولايات المتحدة اعطت الحرب حافزا لتطور واسع في الانتاج الصناعي والى زيادة حاسمة في الصادرات، خصوصا الى اوروبا.
"وقد جابهت الولايات المتحدة في نهاية الحرب عددا من المشاكل. فالاحتكارات الراسمالية كانت تهدف الى المحافظة على ارباحها في مستواها العالي السابق. وسعيا وراء هذا الهدف كانت هذه الاحتكارات تسعى الى الابقاء على حجم مقاولات زمن الحرب. غير ان هذا الهدف يتطلب من الولايات المتحدة أن تحتفظ بكافة الاسواق الاجنبية التي استوعبت منتجاتها خلال الحرب واحتلال اسواق جديدة نظرا الى ان القدرة الشرائية لاغلبية الدول قد انخفضت نبيجة للحرب.
"كذلك ازداد اعتماد الدول ماليا واقتصاديا على الولايات المتحدة الاميركية. فالولايات المتحدة استثمرت في الخارج ديونا تبلغ قيمتها ١٩٠٠٠ مليون دولار، اذا لم نأخذ في الحسبان استثماراتها في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكانت المنافستان الرئيسيتان للولايات المتحدة، المانيا واليابان، قد اختفيتا من السوق العالمية وهذا خلق امكانيات جديدة هائلة للولايات المتحدة الاميركية.
"قبل الحرب العالمية الثانية اتبعت اكثر الدوائر الرجعية الامبريالية الاميركية نفوذا سياسة العزلة وامتنعت عن التدخل الفعال في الشؤون الاوروبية والاسيوية. اما في ظروف ما بعد الحرب الجديدة فقد تبنى سادة الوول ستريت سياسة جديدة، فقد وضعوا برنامجا للاستفادة من كامل جبروت اميركا العسكري والاقتصادي لا للمحافظة على الاوضاع الخارجية التي حصلوا عليها خلال الحرب وتعزيزها وحسب بل الى توسيعها الى الحد الاقصى كذلك والى استيلاء الولايات المتحدة على مكان المانيا واليابان وايطاليا في الاسواق العالمية.
"ان التدهور الحاد في القدرة الاقتصادية لسائر الدول الراسمالية ادى الى ظهور امكانية الاستغلال الاستراتيجي لمصاعبها الاقتصادية لفترة ما بعد الحرب. وبذلك تسهيل خضوع هذه البلدان للسيطرة الاميركية وخصوصا استغلال صعوبات بريطانيا العظمى الاقتصادية لما بعد الحرب. وقد اعلنت الولايات المتحدة عن توجه توسعي نهبي صريح جديد.
"ان التوجه التوسعي الصريح الجديد للولايات المتحدة يضع هدفا له تحقيق السيطرة العالمية للامبريالية الاميركية.
"ولغرض تعزيز المركز الاحتكاري للولايات المتحدة في الاسواق العالمية الذي نشأ عن ازاحة اكبر منافستين لها ـــ المانيا واليابان ـــ وضعف شريكتيها الراسماليتين ـــ بريطانيا وفرنسا ـــ تضمن التوجه الجديد في سياسة الولايات المتحدة برنامجا واسعا ذا طابع عسكري واقتصادي وسياسي. ويهدف هذا البرنامج الى تحقيق السيطرة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة في جميع الاقطار التي تشملها اهداف توسع الولايات المتحدة وتأسيس انظمة في هذه الاقطار تقوم بالقضاء على اية مقاومة تبديها الطبقة العاملة والحركات الديمقراطية لاستغلال الراسمال الاميركي لهذه الاقطار.
"تحاول الولايات المتحدة ان تفرض هذا المسلك السياسي الجديد ليس على اعدائها العسكريين بالامس وعلى الدول المحايدة وحسب بل وبالدرجة الاعظم على حلفائها في الحرب ايضا.
"وتعير الولايات المتحدة اهتماما خاصا الى استغلال الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها بريطانيا، حليفتها وفي الوقت ذاته منافستها ومزاحمتها الراسمالية منذ امد بعيد. ان التوجه التوسعي الاميركي يقوم على اساس الافتراض بان من المرغوب فيه ليس ابقاء بريطانيا في قبضة الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة التي نشأت خلال الحرب فقط بل زيادة الضغط على بريطانيا لغرض حرمانها تدريجيا من السيطرة على مستعمراتها وازاحتها من مناطق نفوذها وتحويلها الى دولة تابعة.
"وهكذا فان السياسة الاميركية الجديدة تتجه نحو تعزيز موقعها الاحتكاري وتتوقع اضطرار شركائها الراسماليين الى الخضوع والاعتماد التام على الولايات المتحدة.
"الا ان ما يتصدى لطريق الولايات المتحدة التي تبتغي السيطرة على العالم هو الاتحاد السوفييتي، هذه القلعة المعادية للامبريالية الانجلو أميركية، وعمال العالم اجمع ــــ بما في ذلك عمال الولايات المتحدة ذاتها، الذين لا يريدون حروبا جديدة لا تؤدي الا الى المزيد من سيطرة مستغليهم. لذلك فان النهج السياسي التوسعي الرجعي للولايات المتحدة يهدف الى النضال ضد الاتحاد السوفييتي، ضد الاقطار الديمقراطية الجديدة، ضد القوى التحررية المعادية للامبريالية في بلدان العالم قاطبة.
"ان الرجعيين الاميركيين وقد ازعجتهم نجاحات الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي ونجاحات بلدان الديمقراطية الجديدة ونمو الحركات العمالية والديمقراطية في ارجاء العالم في فترة ما بعد الحرب قرروا بتواضع ان يتقمصوا دور منقذي النظام الراسمالي من الشيوعية.
"وهكذا فان برنامج الولايات المتحدة التوسعي الصريح يذكر جدا ببرنامج المغامرين العدوانيين الفاشست الذين عانوا من الكارثة غير المشرفة المعروفة. فهؤلاء العدوانيون ايضا كانوا قبل مدة وجيزة يطلبون السيطرة على العالم.
"وكما ستر الهتلريون اعداداتهم للعدوان النهبي بمعاداتهم للشيوعية لكي يضمنوا امكانية اضطهاد واستعباد جميع الامم وبالدرجة الرئيسية شعبهم ذاته كذلك تقوم في الحال الحاضر الدوائر الحاكمة الاميركية بتغطية سياستها التوسعية وحتى هجومها على المصالح الحيوية لمنافستها الامبريالية الاضعف ـــ بريطانيا ـــ بأهداف دفاعية مزعومة معادية للشيوعية. ان سباق التسلح المحموم واقامة القواعد العسكرية الجديدة وتأسيس مواقع حربية للقوات المسلحة الاميركية في كل صقع من اصقاع العالم يبررونه زيفا ورياءا بدعوى الدفاع ضد تهديد خيالي من جانب الاتحاد السوفييتي.
"ان الدبلوماسية الاميركية تغتصب من الاقطار الراسمالية الاخرى وخصوصا من بريطانيا بالتهديد والرشوة والابتزاز الموافقة على التعزيز الشرعي للمواقع الاميركية المفضلة في اوروبا واسيا في المناطق الغربية من المانيا والنمسا، في ايطاليا واليونان وتركية ومصر وايران وافغانستان والصين واليابان وغيرها.
"ان الامبرياليين الاميركيين اذ يعتبرون انفسهم القوة الرئيسية المعادية للاتحاد السوفييتي وبلدان الدول الديمقراطية الجديدة والحركات الديمقراطية العمالية في جميع بلدان العالم وقلعة القوى الرجعية المعادية للديمقراطية في العالم اجمع، بدأو في اليوم الاول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في استعادة الجبهة المعادية للاتحاد السوفييتي والديمقراطية العالمية وتشجيع القوى الرجعية المعادية للشعوب من المتعاونين والعملاء الراسماليين السابقين في البلدان الاوروبية المتحررة من نير الهتلرية التي بدأت في تنظيم حياتها وفقا لخياراتها الخاصة.
"وقد بدأ اشد السياسيين الامبرياليين المسعورين الذين فقدوا كل قدرة على التفكير السليم، مقتفين اثر تشرتشل، يعلنون عن خطط للتطبيق العاجل لحرب وقائية ضد الاتحاد السوفييتي، مطالبين صراحة بضرورة استغلال الاحتكار الاميركي المؤقت للسلاح الذري ضد الشعوب السوفييتية. ان المحرضين على الحرب الجديدة يحاولون لا ان يخيفوا ويبتزوا الاتحاد السوفييتي وحده، بل كذلك البلدان الاخرى وخصوصا الصين والهند، مصورين الاتحاد السوفييتي بانه المعتدي المحتمل وانفسهم اصدقاء الصين والهند ومنقذيهما من الخطر الشيوعي والمدعوين لمساعدة البلدان الضعيفة. وهكذا يبغون انجاز هدف ابقاء الصين والهند تحت السيطرة الامبريالية واعداد المزيد من استعبادهما السياسي والاقتصادي." (من كراس نشر في بريطانيا). جميع الاقتباسات في هذا المقال مترجمة عن الانجليزية)
حتمية الحرب بين الدول الراسمالية
توصل ستالين بتحليله للاوضاع العالمية بعد الحرب الى استنتاجات اقتصادية وسياسية عديدة منها اثنان على الاقل مرتبطان بموضوعنا. الاستنتاج الاول هو ان الحروب بين الاقطار الراسمالية ما زالت وستبقى حتمية طالما وجدت اقطار راسمالية في العالم. وقد كان بعض من تصوروا ان الطبيعة التدميرية للحروب الحديثة قد تردع الراسمالية عن اشعال نار حروب جديدة. وتصور اخرون ان قوة المعسكر الاشتراكي والشعوب المحبة للسلام تمنع الراسماليين من اشعال حروب جديدة. كما تصور البعض ان التناقضات بين الراسمالية والاشتراكية هي اشد من التناقضات بين الراسماليين انفسهم. وقد أجاب ستالين على مثل هؤلاء الناس بما يلي:
"يعتقد بعض الرفاق انه نظرا لتطور الظروف العالمية الجديدة منذ الحرب العالمية الثانية لم تعد الحروب بين البلدان الراسمالية حتمية. انهم يعتبرون ان التناقضات بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الراسمالي هي اشد من التناقضات بين البلدان الراسمالية وان الولايات المتحدة قد وضعت البلدان الراسمالية الاخرى تحت سيطرتها بدرجة كافية بحيث تستطيع منعها من محاربة بعضها البعض واضعاف احدهما الاخر، وان العقول الراسمالية المتقدمة قد تعلمت بما فيه الكفاية من الحربين العالميتين والدمار الشامل الذي سببتاه للعالم الراسمالي كله بحيث ان هذه العقول لا تخاطر باشغال البلدان الراسمالية في الحرب مرة اخرى وانه بسبب كل ما تقدم لم تعد الحروب بين الدول الراسمالية حتمية.
"من الناحية الخارجية سيبدو ان كل شيء يجري على ما يرام، الى الابد، وان هذه الاقطار ستتحمل سيطرة واضطهاد الولايات المتحدة الى ما لا نهاية، وانها لن تسعى الى التحرر من العبودية الاميركية وسلوك طريق التطور المستقل.
"لنأخذ قبل كل شيء بريطانيا وفرنسا. لا شك انهما بلدان امبرياليان. ولا شك ان المواد الخام الرخيصة والاسواق المضمونة ذات اهمية قصوى بالنسبة اليهما. فهل يمكن الافتراض بانهما سيتحملان الى ما لا نهاية هذا الوضع الحالي الذي فيه تتدخل اميركا تحت ستار مشروع مارشال في اقتصاديات بريطانيا وفرنسا وتحاول تحويلهما الى تابعتين لاقتصاد الولايات المتحدة، يقبض الراسمال الاميركي على المواد الخام والاسواق في مستعمرات بريطانيا وفرنسا وبذلك يعرض ارباح الراسماليين البريطانيين او الفرنسيين الى الدمار؟ الا يكون من الاصح القول بان بريطانيا الراسمالية وبعدها فرنسا الراسمالية سيضطران في نهاية المطاف الى الانطلاق من قبضة الولايات المتحدة والاصطدام معها لغرض ضمان وضع مستقل وبالطبع ارباح عالية؟
"ولننتقل الان الى البلدين المندحرين الاغظمين، المانيا (الغربية) واليابان. هذان البلدان يرزحان الان بذلة تحت اقدام الامبريالية الاميركية. فصناعتهما وزراعتهما وتجارتهما وسياساتهما الخارجية والداخلية وحياتهما كلها مقيدة باغلال "نظام" الاحتلال الاميركي. ومع ذلك، بالامس فقط، كان هذان البلدان دولتين عظميين كانتا ترجان اسس سيطرة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا في اوروبا واسيا والاعتقاد بان هذين البلدين لن يحاولا القيام مجددا على قدميهما، لن يحاولا تحطيم النظام الاميركي وشق طريقهما الى التطور المستقل، هو ايمان بالمعجزات.
"يقال ان التناقضات بين الراسمالية والاشتراكية اقوى من التناقضات بين الدول الراسمالية. هذا صحيح طبعا من الناحية النظرية. وهو ليس صحيحا الان، في يومنا هذا، فقط بل كان صحيحا قبل الحرب العالمية الثانية ايضا. وقد ادرك قادة الدول الراسمالية ذلك الى حد ما. ومع ذلك بدأت الحرب العالمية الثانية لا كحرب ضد الاتحاد السوفييتي، باعتباره ارضا اشتراكية، اشد خطورة على الراسمالية من الحرب بين الدول الراسمالية، اذ بينما يدور البحث في ا لحرب بين الدول الراسمالية على مسألة سيادة بعض هذه الدول على الدول الاخرى فقط، فان الحرب مع الاتحاد السوفييتي لابد ان يدور البحث فيها على مسألة كيان الراسمالية ذاتها. وثانيا، لان الراسماليين ولو انهم يطبلون ويزمرون لاغراض الدعاية ، عن عدوانية الاتحاد السوفييتي فانهم بداخلتهم لا يعتقدون انه عدواني لانهم يدركون تماما سياسة الاتحاد السوفييتي السلمية ونعلمون حق العلم بان الاتحاد السوفييتي نفسه لن يشن هجوما على الدول الراسمالية.
"بعد الحرب العالمية الاولى ساد الاعتقاد بنفس الطريقة بان المانيا كانت قد شلت عن العمل قطعيا، بالضبط كما يعتقد بعض الرفاق الان بان اليابان والمانيا قد شلتا عن العمل قطعيا. وانذاك ايضا قيل وطبل وزمر في الصحافة بان الولايات المتحدة قد وضعت اوروبا تحت التقنين وان المانيا لن تنهض على قدميها مرة اخرى، وانه لن تندلع حروب بين الدول الراسمالية بعد الان. ورغم كل ذلك نهضت المانيا على قدميها ثانية كدولة عظمى في خلال خمسة عشر عاما او عشرين عاما بعد اندحارها، بالانطلاق من العبودية وسلوك طريق التطور المستقل ومن المهم انه لم يتبرع لمساعدة المانيا على الانبعاث الاقتصادي وتطوير قدرتها الاقتصادية الحربية سوى بريطانيا والولايات المتحدة ذاتهما. وبالطبع حين قدمت بريطانيا والولايات المتحدة مساعداتهما لانبعاث المانيا الاقتصادي فعلتا ذلك من اجل دفع المانيا ضد الاتحاد السوفييتي ولغرض الاستفادة منها ضد ارض الاشتراكية. غير ان المانيا وجهت قواتها بالدرجة الاولى ضد الكتلة الانجلو-فرنسو-اميركية. وحين اعلنت المانيا الهتلرية الحرب على الاتحاد السوفييتي فان الكتلة الانجلو- فرنسو – اميركية بدلا من الانضمام الى المانيا الهتلرية اضطرت الى الدخول في تحالف مع الاتحاد السوفييتي ضد المانيا الهتلرية.
"ونتيجة لذلك، ثبت ان صراع البلدان الراسمالية على الاسواق ورغبتها في تحطيم منافسيها هو في الممارسة اقوى من التناقضات بين المعسكر الراسمالي والمعسكر الاشتراكي.
"فما الضامن اذن بان المانيا واليابان لن ينهضا على قدميهما مرة اخرى، ان تسعيا الى الانطلاق من العبودية الاميركية لتعيشا حياتهما المستقلة؟ اعتقد انه لا يوجد ضمان كهذا.
""ينجم من هذا كله ان حتمية الحرب بين الدول الراسمالية تبقى سارية المفعول.
يقال ان مقولة لينين بان الامبريالية تخلق الحرب حتميا يجب اعتبارها قديمة بالية نظرا لظهور قوى شعبية قوية في ايامنا للدفاع عن السلام ضد حرب عالمية جديدة. وهذا غير صحيح.
ان هدف حركة السلام الحالية هو اثارة جماهير الشعوب للنضال من اجل صيانة السلام ومنع اندلاع حرب عالمية جديدة. وعلى ذلك فان هدف هذه الحركة ليس الاطاحة بالراسمالية واقامة الاشتراكية ــــ انما يقتصر على الهدف الديمقراطي لصيانة السلام. وبهذا الخصوص تختلف حركة السلام الحالية عن حركة ايام الحرب العالمية الاولى الهادفة الى تحويل الحرب الامبريالية الى حرب اهلية، ونظرا الى ان الحركة الاخيرة سارت ابعد وابتغت اهدافا اشتراكية.
"من الممكن ان يتطور النضال من اجل السلام في اجتماع ظروف معينة في مكان ما الى نضال من اجل الاشتراكية. وحينذاك لا تبقى حركة السلام الحالية بل تكون حركة للاطاحة بالراسمالية.
"ومن المحتمل جدا ان تتمخض حركة السلام الحالية، باعتبارها حركة لصيانة السلام، اذا نجحت عن منع حرب معينة، اوعن تأجيلها مؤقتا، او عن صيانة سلام معين صيانة مؤقتة او عن استقالة حكومة حربية واستبدالها بحكومة اخرى مستعدة للحفاظ على السلام مؤقتا. وهذا امر جيد طبعا، بل حتى جيد جدا. ولكن الامر ذاته لا يتغير وهو ان هذه الحركة لن تكفي لازالة حتمية الحروب بين الدول الراسمالية عموما، لن تكفي لانه رغم كل النجاحات التي تحرزها حركة السلام فان الامبريالية ستبقى وتستمر في السلطة ــــ ومن نتيجة ذلك تبقى حتمية الحروب نافذة المفعول.
"ان ازالة حتمية الحرب تتطلب بالضرورة ازالة الامبريالية (ستالين م ١٦ ص ٣٢٧ ـــ ٣٣٢ باللغة الانجليزية)
ان الحرب العالمية لم تعد حتمية
ان الاستنتاج الثاني الذي توصل اليه ستالين لدى تحليل اوضاع ما بعد الحرب ويتعلق بموضوعنا هو انه على الرغم من ان الحروب بين الدول الراسمالية ما زالت حتمية وستبقى حتمية فان الحرب العالمية لم تعد حتمية. هذا الاستنتاج هو نظرية ستالين في التعايش السلمي، اي امكانية التوصل الى وضع، على الرغم من وجود دول راسمالية في العالم، يمكن فيه ان تكون فترة من التعايش السلمي، فترة لا وجود فيها لخطر حرب عالمية.
ان الحروب عموما، بما فيها الحرب العالمية، تحتاج الى عنصرين، عنصر ميت، السلاح، وعنصر حي، الناس، وبدون اتحاد هذين العنصرين لا يستطيع احد ان يشن حربا.
والعنصر الميت، السلاح، كان وسيكون دائما متوفرا للبلدان الراسمالية. اضف الى ذلك نلاحظ في عالم ما بعد الحرب تطورا هائلا في صناعة الاسلحة وكل يوم يطلعوننا على اختراع وانتاج سلاح جديد اكثر فتكا وتدميرا.
ولكون السلاح العنصر الميت في الحرب فانه محروم من القدرة على المعارضة. فالاسلحة مطيعة كل الطاعة لمالكها. وكل من حاز على سلاح يستطيع ان يستخدمه كلما وكيفما يشاء. زد على ذلك ليس للسلاح طابع طبقي, فنفس السلاح الذي يستعمله الراسمالي تستطيع البروليتاريا ان تستعمله وتستطيع الشعوب المناضلة من اجل تحررها واستقلالها ان تستعمله بنفس الصورة. ولذلك لا يمكن الا بنزع السلاح عمن يحمله منعه من استخدامه. وهذا ما يفعله كل من يستولي على السلطة. اذ اول عمل يقوم به هو نزع سلاح عدوه. هذا ما يحدث في ايامنا مثلا في الصومال حين يقوم الاميركيون، تحت علم الامم المتحدة وبحجة تقديم المساعدات الانسانية للمتضورين جوعا، بكل فعالية بنزع السلاح عن كل جماعة مسلحة تغتاظ منها الولايات المتحدة لسبب ما. وهذه ايضا الطريقة التي يحاول بها الثوريون المحرومون من السلاح للحصول على الاسلحة من عدوهم لغرض محاربته بها.
اما العنصر الحي، الناس، فهو عنصر حي وله القدرة على المقاومة والنضال. في تاريخ الحروب كله كانت الشعوب تجتذب الى الحروب سواء منها الحروب العادلة او غير العادلة باستخدام كافة الاساليب المتوفرة لدى اولئك المعنيين في حرب معينة. فالاقناع والتثقيف والدين واستغلال حب الناس لوطنهم الام والرشاوى والخداع والتضليل والقانون والقتل والسجن والاحكام العرفية والتجنيد الاجباري وكل وسيلة اخرى يمكن استخدامها لجر الناس الى الحرب كانت وما زالت تستخدم مع فروق في الوسائل المستخدمة في الحروب العادلة والحروب غير العادلة. وبما ان البشر هم عنصر حيوي في الحرب فانهم القوة الوحيدة القادرة على انهائها او ايقافها أو منعها. وما على المرء الا ان يتذكر على سبيل المثال نضال الشعب الاميركي ضد الحرب الفيتنامية حين اعتقد انها كانت حربا غير عادلة.
والى هذا العنصر الحي في الحروب وجه ستالين نداءه حين صاغ دعوته الشهيرة لمنع اندلاع حرب عالمية جديدة:
"ان السلم سيصان ويتعزز اذا ما اخذت الشعوب قضية السلام بايديها ودافعت عنها حتى النهاية..
"وعليه فان الحملة الواسعة لصيانة السلام كوسيلة لفضح المؤامرات الاجرامية التي يدبرها مشعلو الحروب هي حملة ذات اهمية قصوى (ستالين، م ١٦ ص ٢٦٨)
بناء على ذلك وبمبادرة الاتحاد السوفييتي وقيادة ستالين قامت حركة السلام العالمية، اعظم جبهة شعبية عرفت في تأريخ البشرية. حركة ديمقراطية من اجل السلام. ضمت هذه الحركة الاتحاد السوفييتي والديمقراطيات الشعبية حكومات وشعوبا، وجميع الدول والشعوب التي تكره الحرب وتحب السلام. لم تكن لهذه الحركة طبيعة طبقية. ولم تفرض الحركة على منتسبيها سوى النضال من اجل السلام. ولم يطلب من عضو الحركة حتى تحديد مشعل الحرب. كل ما عليه ان يفعل هو النضال ضد كل حركة يعتقد انها تهدف الى التحضير للحرب.
ورغم ان الدول الاشتراكية كلها ساندت حركة السلام العالمي، لم تساندها اية دولة امبريالية بل على العكس من ذلك، اتهمت هذه الدول الاعضاء النشطين في هذه الحركة بالشيوعية ولاحقتهم باعبارهم شيوعيين والقت العديد من الفنانين والكتاب والعلماء والصحفيين والمربين البارزين والقادة الدينيين والسياسيين في غياهب السجون بسبب كونهم اعضاء في حركة السلام. الا ان الحركة اتسعت وازدهرت بسرعة فائقة بحيث ان المطالبة بتحريم انتاج القنابل الذرية وقعها ٦٠٠ مليون انسان قدمتها الحركة الى منظمة الامم المتحدة.
كان هدف هذه الحركة منع وقوع حرب عالمية جديدة والتوصل الى سلام دائم في العالم. وهذا يعبير مرادفا للتعايش السلمي، لان السلام الدائم معناه سلام لا يشوبه تهديد بخطر الحرب.
وطبقا لنداء ستالين المذكور اعلاه كانت صيانة السلام امكانية فقط، وكان المطلوب من حركة السلام ان تحول الامكانية الى واقع، ان تجعل الحرب العالمية غير ممكنة. وهذا كان يتطلب نضالا دائما مستمرا ضد مشعلي الحروب والعمل على اجتذاب المزيد والمزيد من الناس الى الحركة.
لم تعتقد هذه الحركة ان القادة الامبرياليين قرروا الامتناع عن شن الحروب لمصلحة الانسانية. انها لم تطلب السلام، قال فريدريك جوليو كوري، عالم الطاقة الذرية الفرنس، الذي ترأس مؤتمر السلام في باريس سنة ١٩٤٩ في خطاب الافتتاح "اننا لسنا هنا لكي نطلب السلام بل لكي نفرض السلام على مؤيدي الحروب." كانت الحركة تهدف الى حرمان مشعلي حرب عالمية جديدة من العنصر الحي، الشعوب، الضرورية من اجل اشعال الحرب.
كانت كل حركة تحرر وطني وكان كل شعب يتخلص من نير الامبريالية وكل ثورة بروليتارية سندا لحركة السلام. فكل هذه الحركات كان من شأنها تقوية جبهة السلام واضعاف تجار الحروب. كان احد القرارات الستة التي اتخذها مؤتمر باريس للسلام الانف الذكر كما يلي: شجب كافة الاعمال المعادية للسلام وتنسيق انشطة قوى السلام ضد مساندي الحرب، تعبئة هذه القوى من اجل انهاء الحروب القائمة حاليا ضد الاستقلال الوطني والحريات الديمقراطية ومساعدة ضحايا الحرب والاضطهاد."
لم تكن حركة السلام حركة اشتراكية. فهدفها لم يكن الاطاحة بالراسمالية. كان هدفها تحقيق التعايش السلمي اي انها كانت تهدف الى بلوغ وضع لا تهديد فيه بخطر حرب عالمية. فجبهة السلام يجب ان تكون من القوة بحيث لا يستطيع الامبرياليون ان يشعلوا حربا عالمية حتى لو ارادوا ذلك.
ولكننا شاهدنا ان الحروب عموما كانت ما تزال حتمية. فالحروب بين الدول الراسمالية يمكن اشعالها وخوضها. الا انه من الصعب الهجوم على دولة اشتراكية لسبب بسيط هو ان كل هجوم يقع على اية دولة اشتراكية يعتبر هجوما على المعسكر الاشتراكي كله ولذلك يجب على من يريد الهجوم على بلد اشتراكي ان يأخذ في الحسبان انه انما يقوم بالهجوم على المعسكر الاشتراكي كله. وعليه كلما ازداد المعسكر الاشتراكي قوة ازدادت صعوبة هجوم الراسماليين على بلد اشتراكي. من هذه الناحية تنجح حركة السلام بتضييق نطاق الحروب عموما الى حد ما. اضف الى ذلك قد تستطيع حركة السلام منع او ايقاف حرب معينة او ان تستبدل حكومة حربية بحكومة تؤيد السلام ولو مؤقتا. فالحروب عموما تقل كلما تعاظمت حركة السلام.
التعايش السلمي بعد ستالين
في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي سنة ١٩٥٦أعلن خروشوف عن نظرية التعايش السلمي كما لو كانت اكتشافا جديدا لم يسبق لاحد معرفته اطلاقا. وكانت حقا نظرية جديدة لا تمت لنظرية التعايش السلمي الستالينية بصلة.
اعتبرت نظرية ستالين التعايش السلمي امكانية تحتاج الى نضال طويل حازم من جانب الشعوب في ارجاء العالم من اجل تحقيقها. ولكن نظرية خروشوف حولت التعايش السلمي الى حقيقة قائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، او حتى في فترة ما بين الحربين العالميتين. وبهذا اعطت التعايش السلمي محتوى وضع السلام، حالة خالية من حرب حارة، واذا كان التعايش السلمي حقيقة قائمة فلا حاجة اذن للنضال من أجل تحقيقه.
اعتبرت نظرية ستالين الشعوب القوة التي تستطيع منع الامبرياليين من شن حرب عالمية اخرى، ولذلك وجهت نداءها الى الشعوب من اجل النضال لتحقيق ذلك. اما نظرية خروشوف فقد اعتبرت العنصر الميت للحرب، السلاح، العنصر الذي يمكن ان يضمن السلام. ولذلك جعلت التفاوض مع القادة الامبرياليين من اجل نزع السلاح سياستها الرئيسية وبهذا ضاق نطاق حركة السلام الى مساندة هذه المفاوضات مما ادى في الواقع الى موتها.
قال ستالين ان الامبرياليين لا يريدون نزع السلاح بل يريدون التحدث عن نزع السلاح. وقد انغمس خروشوف ومن تبعه بالضبط في هذا الحديث عن نزع السلاح لمدة ٤٠ عاما خادعين الشعوب باعطائهم الامل في نزع سلاح حقيقي.
لم تعتقد نظرية ستالين ان الطبيعة الحربية للامبريالية قد تغيرت، بل على العكس من ذلك اكد ستالين على ان الحروب بين الدول الراسمالية ما زالت وستبقى حتمية. اما خروشوف فقد ادعى ان القادة الامبرياليين قد اصبحوا حمامات سلام.
علمنا لينين وستالين ان الاسلحة تبقى ضرورية الى ان تنزع البروليتاريا السلاح عن الراسمالية نزعا تاما، قال لينين "فقط بعد ان تنزع البروليتاريا السلاح عن البرجوازية يمكنها، بدون ان تخون رسالتها العالمية التأريخية، ان تلقي كافة الاسلحة الى سلة المهملات" (لينين)، فان خرووشوف خدع الشعوب برفعه شعار "عالم بلا سلاح" بوجود الامبريالية.
اتبعت نظرية ستالين سياسة فضح المؤامرات الامبريالية ضد السلام ومن اجل اعداد حرب عالمية جديدة، سياسة تحذير الشعوب ودعوتها الى النضال ضد هذه المؤامرات. بينما قامت نظرية خروشوف بخدع الشعوب باخبارها ان الامور تجري على ما يرام وان السلام سيصان باتفاقات تعقد مع الامبرياليين.
كشفت نظرية ستالين امام انظار الشعوب اخطار سباق التسلح اذ بينت لها ان سباق التسلح هو طريق الدمار ووعدت بان الاتحاد السوفييتي لكونه بلدا يناضل من اجل رفع مستويات معيشة شعوبه، لن يدخل طريق هذا السباق المدمر. اما خروشوف فقد غرق حتى ذقنه في سباق التسلح.
بينما انتقد ستالين تأسيس الكتل العسكرية واعتبر هذه الكتل ضد الاتحاد السوفييتي والشعوب، قام خروشوف بتأسيس كتلته العسكرية مما منح الامبرياليين حجة جيدة لضرورة كتلهم العسكرية.
حول الرقابة الدولية للاسلحة الذرية قال ستالين:
"ان الاتحاد السوفييتي يؤيد منع الاسلحة الذرية وايقاف انتاج الاسلحة الذرية. ان الاتحاد السوفييتي يؤيد تأسيس الرقابة الدولية حول قرار منع الاسلحة الذرية. حول التوقف عن انتاج الاسلحة الذرية وحول استخدام القنابل الذرية التي تم صنعها للاغراض السلمية بصورة قطعية واعية. ان الاتحاد السوفييتي يؤيد مثل هذه الرقابة الدولية. ان الشخصيات الاميركية البارزة هي الاخرى تتحدث عن الرقابة الا ان رقابتهم لا تقوم على اساس ايقاف انتاج الاسلحة الذرية بل بالاحرى على استمرار هذا الانتاج والى مدى يتناسب والمصادر المتوفرة من المواد الخام لدى هذا البلد او ذاك. وعلى هذا فان "الرقابة" الاميركية ليست من اجل منع الاسلحة الذرية، بل بالاحرى من اجل جعلها قانونية والمصادقة عليها. ان هذا يكون مصادقة لمشعلي الحرب، بان يقوموا بمساعدة الاسلحة الذرية بابادة عشرات الملايين، بل مئات الملايين من الناس المسالمين. ليس من الصعب ان نفهم ان هذه ليست رقابة، بل بالاحرى سخرية من الرقابة، وخدع للشعوب الراغبة بالسلام. مثل هذه الرقابة، لا ترضي طبعا الشعوب المحبة للسلام التي تطالب بمنع الاسلحة الذرية والتوقف عن انتاجها" (ستالين م ١٦ ص ٢٨٠)
فما الذي فعله الخروشوفيون؟ انهم انغمسوا لمدة اربعين عاما في "سخرية الرقابة ومثل هذا الخدع للشعوب المحبة للسلام."
اعتبرت نظرية ستالين جميع الحروب التي شنتها الامبريالية في ارجاء العالم حروبا ضد حركات التحرر، حروبا من اجل استعباد الشعوب الاخرى. ودعت شعوب العالم للنضال ضد مثل هذه الحروب ومن اجل انهائها. بينما زعمت نظرية خروشوف ان العالم يعيش في تعايش سلمي رغم واقع ان العالم لم يعرف ولو يوما واحدا بعد الحرب العالمية الثانية بدون مثل هذه الحروب.
اعتبرت نظرية ستالين ما دعي بالحرب الباردة اعدادا لحرب عالمية اخرى خصوصا ضد الاتحاد السوفييتي. بينما اعتبرت نظرية خروشوف الحرب الباردة مع كل المؤامرات التي رافقتها والتي انتهت بالدمار التام للاتحاد السوفييتي تعايشا سلميا.
كان لنظرية التعايش السلمي الستالينية استراتيجي هو التوصل الى التعايش السلمي وهو وضع لا وجود فيه لخطر حرب عالمية. في هذا الوضع تكون جبهة النظام الاشتراكي والشعوب المحبة للسلام من القوة وبقايا الراسمالية في العالم من الضعف بحيث يشكل تقدما عظيما في الطريق نحو الاندحار النهائي للراسمالية ونحو زوال النظام الراسمالي من الوجود.
أما نظرية خروشوف في التعايش السلمي فيبدو لاول وهلة كان ليس لها استراتيجي لان التعايش السلمي بموجبها امر قائم موجود. اما في الواقع فقد كان لها استراتيجي. انها حرب باردة ضد الاشتراكية بشكل استراتيجيها المنطقي الدمار التام للاشتراكية وحركة السلام العالمية. انها حققت استراتيجيها بنهاية الاتحاد السوفييتي الذي حدد النهاية الرسمية للحرب الباردة.
يقول بعضهم ان التعايش السلمي، التعايش السلمي الخروشوفي طبعا، قد انقذ العالم من حرب عالمية جديدة. اذا كان الامر كذلك اذن فما الذي انقذنا او سينقذنا من الحرب الان والى حين اندلاعها بعد ان بلغ التعايش السلمي نهايته المنطقية بازالة احد النظامين المتعايشين سلميا؟ الله اعلم.
ومع ذلك فلنناقش ثلاثة امثلة بارزة انقذ التعايش السلمي الخروشوفي فيها العالم من حرب جديدة.
المثال الاول هو مشكلة برلين. في ١٩٦٠ اعلن خروشوف عن وجوب عقد معاهدة صلح مع المانيا والا فالاتحاد السوفييتي في تأريخ حدده سيعقد صلحا منفردا مع المانيا الشرقية. وما اشد ضجيج خروشوف حول هذه القضية حتى قبل الموعد المحدد بيومينّ ! وفجأة تراجع خروشوف بان طلب من الامبرياليين ان يبدوا بعض التنازلات لكي يؤجل توقيع المعاهدة. ولكن الولايات المتحدة لم تحرك ساكنا طيلة المدة واعلنت انها لن تقف مكتوفة الايدي ولن توافق على مثل هذه المعاهدة سلميا. لهذا كان من المتوقع ان يحدث التصادم. الا ان خروشوف تراجع فجأة تراجعا ذليلا وبهذا انقذ العالم من خطر حرب كان هو نفسه الذي خلقه. كان هذا احد التراجعات الكبرى الاولى التي اجراها خروشوف امام الولايات المتحدة. وكان هذا التراجع التمرين الاول للمثال الثاني. فقد علمت الولايات المتحدة ان خروشوف لا يقوى على الصمود في حرب الاعصاب والتهديد بالتصادم.
المثال الثاني كان الازمة الكوبية. قرر خروشوف ان يضع الصواريخ في كوبا. ولابد للمرء ان يعتقد ان الحكومة السوفييتية درست هذا القرار دراسة وافية قبل وضعه موضع التنفيذ نظرا لان من الواضح ان الولايات المتحدة لن تسكت عن مثل هذا التهديد وقد انذرت الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتي من نتائج هذا القرار.
استمر خروشوف حتى اللحظات الاخيرة على التأكيد للعالم على عدم وجود صواريخ في كوبا وان الاتحاد السوفييتي ليس بحاجة الى وضع الصواريخ في كوبا نظرا لواقع ان الاتحاد السوفييتي قادر على ضرب الولايات المتحدة بالصواريخ من قواعد الاتحاد السوفييتي مباشرة. واصر على ان هذه المشكلة ليست سوى حملة دعاية امبريالية تحتة.
فرضت الولايات المتحدة حصارا بحريا على كوبا وهددت بتدمير كل باخرة سوفييتية تحاول اختراق الحصار. الا ان خروشوف امر السفن السوفييتية فجأة بتغيير اتجاهها وانتهت الازمة الكوبية بتراجع مشين من قبل خروشوف وانتصار كبير للولايات المتحدة. وظهر فيما بعد ان خروشوف كان كاذبا طيلة المدة وان الاميركيين كانوا على علم تام حتى بعدد الصواريخ الموجودة في كوبا ومواقعها وقام جنودها بتفتيش السفن السوفييتية للتأكد من سحب جميع الصواريخ من كوبا. بهذا ايضا انقذ خروشوف، او تعايشه السلمي، العالم مرة اخرى من تصادم عالمي في ازمة كان هو نفسه الذي خلقها. وكان مثال كوبا هذا تدريبا اخر للمثال الثالث.
والمثال الثالث كان الحرب الفيتنامية. فقد تدخلت الولايات المتحدة في الحرب الفيتنامية لغرض انقاذ العوبتها حكومة فيتنام الجنوبية. وخلال هذا القتال هاجمت الولايات المتحدة فيتنام الشمالية التي كانت بلدا اشتراكيا. وكان من المفروض ان الهجوم على بلد اشتراكي يجب اعتباره هجوما على المعسكر الاشتراكي كله. الا ان التراجعين السالفين اللذين اجراهما خروشوف وواقع ان الاتحاد السوفييتي غير قادر على ربح حرب الاعصاب أكد للاميركيين الا خطر من مهاجمة فيتنام الشمالية. وهكذا بدأت الولايات المتحدة قصف فيتنام الشمالية للمرة الاولى في نفس اليوم الذي وصل فيه كوسيجين بزيارة رسمية الى هانوي. واكثر من ذلك فخلال الحرب الفيتنامية فرضت الولايات المتحدة حصارا بحريا على فيتنام الشمالية وقامت بذلك في ذات الايام التي كان نيكسون سيزور موسكو. وانتهت الحرب الفيتنامية، كما يعرفه العالم كله بحرب بطولية خاضها الشعب الفيتنامي ضد الولايات المتحدة والعالم الامبريالي كله، حرب من ابشع الحروب التي عرفتها البشرية، فانتصر فيها الشعب الفيتنامي اعظم انتصار وخذلت الولايات المتحدة اشر خذلان وقدم الشعب الفيتنامي اغلى التضحيات التي لا يمكن مقايستها الا مع تطولات وتضحيات شعوب الاتحاد السوفييتي في الدفاع عن وطن الاشتراكية. ومع ذلك، وبدون ذرة من خجل، اعلن بريجنيف ان نهاية الحرب الفيتنامية كانت نتيجة للتعايش السلمي. ترى ماذا كان بريجنيف سيجيب اذا اخبره شخص ما بان تحرير الاتحاد السوفييتي من جيوش الاحتلال النازية كان بفضل التعايش السلمي؟ اليس من الطبيعي اذن ان ينتهي هذا التعايش السلمي النهاية المخزية التي وصل اليها؟
من كل ما تقدم يمكننا ان نستنتج ان ما اسماه خروشوف تعايشا سلميا لم يكن سوى حرب باردة مشتركة شنتها الامبريالية العالمية بالاشتراك مع حليفها الجديد، الاتحاد السوفييتي الخروشوفي ضد الشيوعية والاشتراكية، ضد حركة السلام العالمية والثورات البروليتارية وحركات التحرر الوطني، ضد الماركسية اللينينية وضد شعوب العالم اجمع.
الحرب العالمية اصبحت حتمية مرة اخرى
لقد انذر ستالين الشعب قائلا "ان الحرب يمكن ان تكون حتمية اذا افلح مشعلو الحروب في ايقاع الشعوب في شبكة كذبهم، في خدعها وجرها الى حرب جديدة."
وهذا ما حدث فعلا. فبفضل خداع وتضليل قادة الاتحاد السوفييتي التحريفيين الذين كانوا نبظاهرون بانهم ماركسيون لينينيون ويتحدثون باسم الشعوب والتعاون مع جميع العناصر الامبريالية والرجعية بمن فيهم الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية القديمة واغلب الاحزاب الشيوعية في العالم التي سارت في اعقاب الخروشوفيين، جرت تصفية حركة السلام وحرف الحركة الشيوعية عن طريق النضال الثوري، وجرى تحطيم جميع البلدان الاشتراكية واستبدالها بحكومات راسمالية. واصبحت الولايات المتحدة شرطي العالم كله. فهي على استعداد لاستخدام جيوشها وجيوش الدول الاخرى عبر منظمة الامم المتحدة لتدمير اية حركة ثورية في العالم.
الا انه ما زال في العالم اناس يعتقدون ان العالم بلغ وضعا اصبحت فيه الحرب العالمية في حكم المحال.
لا جدوى طبعا في مناقشة ادعاءات الحكام المحرفين السوفييت بان القادة الامبرياليين قد تعلموا درسا من النتائج المدمرة للحربين العالميتين السابقتين وبانهم اصبحوا محبين للسلام. فكل الدرس الذي يمكن ان يفهمه الامبرياليون هو ان هذا التدمير هو افضل طريقة للحصول على الارباح القصوى. لقد اثبت التاريخ ان كل الكلام الذي اطلقه المحرفون عن السلام والتعايش السلمي ونزع السلاح لم يكن سوى حرب باردة فظيعة انتهت في دمارهم هم انفسهم ودمار حكمهم دمارا تاما.
يجادل بعضهم بان وجود الاسلحة الواسعة التدمير مثل القنابل الذرية والقنابل الهيدروجينية والقنابل النيوترونية واسلحة الفضاء القادرة على تدمير العالم كله وسائل ردع ضد الحرب.
هؤلاء الناس على خطأ مبين.
حقيقة ان حربا نووية هي في الواقع حرب انتحارية، فلا تمييز للعالم عند تدميره. مثل هذه الحرب لن تميز بين بين العمال والراسماليين فتدمر الاولين وتصون الثانين. زد على ذلك ان الراسمال لا وجود له بدون العمال واذا نجا الراسماليون في حرب كهذه فلن يبقوا راسماليين ولا يمكن للمرء ابدا ان يتصور اي نوع من الناس سيكون هؤلاء الناجون في عالم مدمر.
ولكن هل الاسلحة النووية واسلحة الفضاء حقا ادوات حرب؟ ربما يبدو هذا السؤال للوهلة الاولى سؤالا سخيفا او حتى احمقا. نحن نعلم ان دولتين عظميين على الاقل، الولايات المتحدة وما كان الاتحاد السوفييتي تملكان من الاسلحة النووية ما يكفي لتدمير العالم مئات المرات. فكيف يمكن لامرئ ان يسأل السؤال الاحمق ما اذا كانت كل هذه الاسلحة ادوات حرب ام لا؟ ومع ذلك اطلب معذرة القارئ في تفحص هذا السؤال فحصا وافيا.
لقد انتجت هاتان الدولتان من هذه الاسلحة ما فيه الكفاية لتدمير العالم مئات المرات ولكنهما ما زالتا تخترعان اسلحة جديدة اكثر تدميرا كل يوم وتبدآن في انتاجها فورا. وهكذا بدلا من ان تكونا قادرتين على تدمير العالم مئات المرات تكونان قادرتين على تدميره الاف المرات. فما الفائدة من ان تكونا قادرتين على تدمير العالم الاف المرات؟ هل يمكن تدمير العالم اكثر من مرة واحدة؟ بالطبع لا. بالامكان تدمير العالم مرة واحدة فقط وهذا يدمر المدمرين والمدمرين معا بما في ذلك كل ترسانة الاسلحة الموجودة على الارض.
لهذا يبدو انه توجد اهداف غير الحرب لاختراع وانتاج المزيد من اسلحة الدمار الشامل.
احد هذه الاهداف هو الابتزاز. فالدول العظمى تريد ان تبتز الدول الامبريالية الاخرى المنافسة لها والراغبة في اعادة تقسيم اسواق العالم ومصادر الخام والايدي العاملة الرخيصة وفقا لمستويات التطور الجديدة في هذه البلدان. منذ ١٩٤٦ قال ستالين حول القنبلة الذرية:
"لا اعتقد ان القنبلة الذرية هي القوة التي يميل بعض السياسيين ان يعزوها لها. فالقنبلة الذرية يقصد بها ترويع ذوي الاعصاب الركيكة، ولكنها لا تستطيع تقرير مصير حرب. ولن تكون كافية باي حال من الاحوال لهذا الغرض." (ستالين، م ١٦ ص ١٢٣)
وذوو الاعصاب الركيكة هؤلاء هم الهدف الرئيسي للابتزاز النووي. فالولايات المتحدة تسعى قبل كل شيء الى اخافة هؤلاء الناس لغرض منع منافساتها الاكثر تطورا مثل المانيا واليابان من الصراع في سبيل اعادة اقتسام الاسواق العالمية وفقا لتوازن القوى الجديد. غير ان هذه الدول الراسمالية المنافسة لا تجد خيارا. لقد نجح الراسماليون في خلق سوق الفضاء الخارجي. اذ تقوم جميع الدول الراسمالية بانفاق مبالغ خيالية على غزو الفضاء وعلى حرب النجوم. الا انهم لا يستطيعون استيراد اسواق من الفضاء من اجل تصريف سلعهم والحصول على اسواق القوة العاملة الرخيصة والمواد الخام. فهم لا يستطيعون الحصول على هذه الاسواق الا على الارض والا باغتصابها من حليفتهم العظمى، الولايات المتحدة المسيطرة عليها سيطرة تامة. انهم لا يستطيعون الحصول عليها الا باخذها من الولايات المتحدة بالطرق السلمية او بالقوة، وان الابتزاز الاميركي لن يردعهم عن ذلك الى الابد.
غير ان الابتزاز لا يقتصر على منافسات اميركا الراسمالية. انه يشمل جميع البلدان التي نالت استقلالها وترغب في بناء اقتصادها المستقل. والامبرياليون بابتزازهم لهذه البلدان يضطرونها الى اطاعة رغباتهم وجعلها دولا معتمدة على الاقتصاد الامبريالي.
وقد اتخذ الابتزاز في ايامنا شكلا اخر. فبحجة الرقابة النووية، تقوم الولايات المتحدة بتهديد اي بلد يعارض سيطرتها الى درجة ما. وهذا واضح جلي في ايامنا في تهديدات كوريا الشمالية التي لن تتوقف قبل ان تستسلم كوريا استسلاما تاما للطلبات الاميركية وهذا لا يعني سوى التدمير التام للنظام الحالي في كوريا الشمالية. وهذا نفسه يجري في العراق بعد حرب الخليج رغم واقع ان الامبرياليين انفسهم هم الذين جهزوا العراق بالمعدات وساعدوا على الانتاج حين كانوا على وفاق مع حاكم العراق. ان حجة رقابة الامم المتحدة على انتاج الاسلحة الذرية ليست حقيقية لان اميركا لا تنبس ببنت شفة بصدد العديد من الدول المعروف انها قد انتجت وما زالت تنتج اسلحة نووية لان هذه الدول هي دول عميلة للولايات المتحدة مثل اسرائيل.
والغرض الاخر من انتاج المزيد والمزيد من هذه الاسلحة هو انتاجها ذاته. فانتاج هذه الاسلحة هدف بحد ذاته. ان انتاج هذه الاسلحة هو اكثر انواع الانتاج التي عرفتها الراسمالية ادرارا للربح. انه يضمن للراسمليين الحد الاقصى من الارباح الذي يشكل القانون الرئيسي للانتاج الامبريالي. تباع هذه الاسلحة، سواء الى دولة منتجيها او الى دول اخرى باسعار احتكارية عالية جدا. ومستهلكو مثل هذه الاسلحة هم الدول. والمنتجون ليسوا بحاجة الى بيع منتجاتهم في الاسواق مع كل ما يرافق ذلك من مشاكل فيض الانتاج والدعاية والعمالة وغير ذلك. كما ان تراكم هذه المنتجات يختلف عن تراكم البضائع التقليدية. فالتراكم لا يجري في مخازن المنتجين بل في مخازن المستهلكين. لهذا لا وجود لخطر ازمات فيض الانتاج التي تهدد الراسماليين المنتجين للبضائع التقليدية. ان انتاج هذه الاسلحة، في ايامنا، هو خير الوسائل للتخلص ولو جزئيا من الازمات الاقتصادية التي يعاني منها العالم الراسمالي. لذلك من غير المتوقع التوصل الى ايقاف انتاج هذه الاسلحة ما دامت الراسمالية تحكم العالم.
والواقع ليس من الضروري ان تكون الحرب الجديدة حربا نووية. فالراسمالية ليست من الحماقة الى درجة الانتحار بتدمير العالم. قد يوجد حاكم مجنون يحاول استخدام سلاح نووي ولكن هذا يكون مقصورا على حكام مجانين والاسلحة الموجودة في حوزتهم غير كافية لاحداث تدمير واسع النطاق.
لقد شاهد العالم حروبا امبريالية واسعة، ولو انها ليست حروبا عالمية، استخدمت فيها من اسلحة الدمار في ايام معدودة فقط اكثر من كافة الاسلحة التي استعملت في الحرب العالمية الثانية. ومن امثلة هذه الحروب حرب الفيتنام وحرب الخليج وفي الحقيقة لم تكن الدول الامبريالية في حالة سلام ولو يوما واحدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد خاضت الامبريالية الاميركية حروبا على الدوام اما بنفسها او باسم منظمة الامم المتحدة التي اصبحت منذ امد بعيد العوبة مطيعة للولايات المتحدة ومنظمة لاعداد الحروب. والاتحاد السوفييتي خاض ثلاث حروب قذرة بحجة الدفاع عن الاشتراكية. ان ما يدعى سلاما او تعايشا سلميا يقصد به ان الدول العظمى لم تشتبك بعد فيما بينها. ولكن ما ينفي ان هذه الدول العظمى لن تشتبك في حروب فيما بينها باسلحة تقليدية لا باسلحة نووية من اجل اعادة اقتسام العالم؟ ان الظن بان هذه الدول ستمتنع عن اشعال مثل هذه الحروب لمصلحة الانسانية او نتيجة الخوف من ان تتطور الى حروب نووية ظن غير معقول. ان الدول المندحرة في الحرب الاخيرة التي سرقت منها الولايات المتحدة جميع اسواقها ستبذل قصارى جهدها للحصول مجددا على هذه الاسواق المسروقة بل ربما للحصول على اكثر منها حتى لو ادى ذلك الى اشعال حرب عالمية.
لذا فان الاسلحة النووية ليست اسلحة رادعة عن اشعال حرب عالمية جديدة وان الحرب العالمية في ايامنا اصبحت حتمية كحتميتها قبل الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية ما لم تفلح البروليتاريا في الاطاحة بالامبريالية وبناء الاشتراكية.
يتضح من كل ما تقدم ان التحريفيين الخروشوفيين اقترفوا اقذر جريمة سياسية في تاريخ البشرية.
حزيران ١٩٩٤

*******************