الازمة الاقتصادية الكونية انتهت؟ ليس بالنسبة للعمال


اساف اديب
2009 / 10 / 23 - 21:02     

هل انتهت الازمة الاقتصادية الكونية التي تعتبر الاخطر منذ ازمة 1929؟ اذا صدقنا ما يقوله القياديون في الحكومة وفي الجهاز الاقتصادي في الولايات المتحدة واسرائيل، فالواقع يقول عكس ذلك.

رئيس الوزراء الاسرائيلي وزملاؤه في المالية وبنك اسرائيل يؤكدون في الاسابيع الاخيرة اننا تجاوزنا القسم الاسوأ من الازمة. تعتمد هذه التصريحات على ما يقوله عميد البنك المركزي الامريكي، بن برنانكي، الذي أشرف على برنامج انقاذ البنوك والشركات الامريكية فاقت قيمته التريليون دولار، والذي يدّعي اليوم انه انقذ العالم من الكارثة.

في الواقع، ورغم هذا التفاؤل، لا يبدو الفرج قريبا. ارتفاع مؤشرات البورصات في العالم واعلان بعض الشركات انها تمكنت من انهاء نصف السنة الاولى من عام 2009 محققةً ارباحا، لا يشكلان مؤشرا كافيا للخروج من الازمة.

برامج الانقاذ الضخمة التي أسعفت جنرال موتورس GM وشركة التأمين الاكبر في العالم AIGولعدد كبير من البنوك، هي التي منعت في العام الاخير انهيار الاقتصاد. اما في مجال الاقتصاد الحقيقي، حيث يتم انتاج البضائع الحقيقية وبناء بيوت للسكن وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية للجمهور، ففي هذا الجانب من الاقتصاد العالمي تستمر الازمة وبعنف.

الادارة الامريكية بقيادة اوباما حصلت على دعم الجمهور قبل عام نتيجة الرغبة العارمة للمجتمع الامريكي بالتغيير ووقف هيمنة "وول ستريت" على حياة الامريكيين. ولكن ما نراه منذ تولي اوباما للحكم في شهر كانون ثان 2009 هو الابقاء على نفس النمط الاقتصادي الذي أوقع امريكا في الازمة. وخلافا لما يقولوه اوباما في خطاباته، لم تقم ادارته منذ توليها الحكم بأية خطوة ملموسة للجم المضاربة وفرض الرقابة على بنوك الاستثمار التي تواصل سياستها المالية رغم الازمة.

حكومة نتانياهو اليمينية في اسرائيل ايضا، لا تنوي القيام بتغيير حقيقي في النظام لاقتصادي. فنتانياهو مرتبط تاريخيا باليمين الامريكي الذي يسعى الى افشال اوباما وإصلاحاته. وما نراه منذ تشكيل حكومة نتانياهو في الربيع الماضي هو المضي قدما باتجاه الخصخصة، وعدم الاكتراث باغلاق المصانع وارتفاع نسبة البطالة. مثال على ذلك هو امتناع الحكومة عن التدخل او تقديم المساعدة للمصانع التي وصلت حد الافلاس مثل "بري هجليل"، "عوف هعيمك" و"تاديران – عفولة".

فصل العمال يرفع قيمة الاسهم

في الماضي كان الاقتصاد الرأسمالي مبنيا على قطاع انتاجي كبير ومركزي، وتميز بتشجيع الصناعة المحلية، الاجور العالية، ضمان الحقوق الاجتماعية للعمال من خلال النقابات القوية، شبكة امان اجتماعية قوية ضمنت الاستقرار. اما اليوم فقد انقلبت المعادلة تماما. الشركات القادرة على الصمود ازاء الازمة الراهنة هي فقط الشركات التي تقلص اجور وحقوق عمالها.

المحلل الاقتصادي الاسرائيلي دورون تسور فسر الظاهرة بالقول: "في اعقاب خسائره، اضطر بنك "سيتي" الضخم لاجراء تقليصات في ميزانية مجال الحوسبة. وأدت هذه الاجراءات الى تقليص مدخولات شركة الحاسوب اي.بي.ام، مما اضطرها لفصل آلاف موظفي الحاسوب. وادى هذا الفصل بدوره الى تقليص عدد فناجين القهوة التي يشتريها هؤلاء الموظفون من شبكة المقاهي "ستار باكس"، الامر الذي دفع الشبكة لاغلاق بعض فروعها وفصل العمال واجراء تقليص في ميزانيتها المخصصة للدعاية. العمال في كافة هذه الشركات الذين تحولوا الى عاطلين عن العمل يشترون اليوم عددا اقل من الثلاجات، الامر الذي ادى بشركة "ويرلبول" لانتاج الثلاجات الى تقليص انتاجها وفصل عمال.

"الشركات المذكورة كانت في الآونة الاخيرة قد اجرت عملية مشابهة من التقليصات وفصل العمال بهدف التوفير في النفقات. كل واحدة من هذه الشركات تصرفت بطريقة منطقية حسب وجهة نظرها بهدف البقاء في السوق ومواجهة الازمة. ولكن في نهاية المطاف، ورغم النتائج الايجابية لتلك الشركات في البورصة، كانت النتيجة العامة للاقتصاد وللمجتمع بشكل عام مدمرة". ("ذي ماركر"، 26/7)

اذن، ارتفاع اسهم الشركات جاء متزامنا مع تقليص نشاطها وفصل عدد من عمالها. بكلام آخر: نجاح الشركات الرأسمالية يأتي على حساب تراجع مكانة الطبقة العاملة وقوتها الشرائية، الامر الذي يعني ان الازمة الحقيقية مستمرة رغم ارتفاع مؤشرات البورصة.

الجدير ذكره ان النظام الاقتصادي الامريكي وصل الى طريق مسدود في ايلول 2008 بسبب التناقض القائم بين الاقتصاد الحقيقي الآخذ بالانكماش وبين الاقتصاد الوهمي المضارِب والذي ازدهر وبلغ قمما لم يكن لها اساس واقعي. الشعب الامريكي اعتاد في العقد الاخير على مستوى معيشة مرتفع وعلى الاستهلاك بكميات فاقت بكثير نسبة الانتاج المحلي. الارباح السريعة في مجال العقارات والاستثمارات في اوراق مالية غريبة وغير مفهومة في اغلب الاحيان كانت وصفة حتمية سبّبت الانهيار.

العهد الذي بدأه رونالد ريغان لدى دخوله البيت الابيض عام 1981 تميز بكسر النقابات العمالية وهبوط الاجور واتساع الفجوات الاجتماعية والقضاء على القطاع الانتاجي في امريكا، وذلك من خلال نقل خطوط الانتاج للصين التي توفر الايدي العاملة الرخيصة. عندما هُزم هذا الخط في انتخابات 2008 بانتخاب باراك اوباما، صار المطلوب اجراء تحول ثوري في كل النظام الامريكي. غير ان ذلك لم يحدث حتى الآن.

عمال دون تقاعد

الاصلاحات الجذرية المطلوبة في مجال التنظيم النقابي وبرامج الصحة وتشجيع القطاع الانتاجي لم تبدأ بعد، وهناك شك في قدرة اوباما على تمرير هذه البرامج في وجه المعارضة القوية من اليمين والقطاع المالي القوي. مقال هام لصحيفة "الواشنطن بوست" بمناسبة يوم العمل الامريكي (7/9) يصف الوضع الصعب الذي يميز اليوم الطبقة العاملة الامريكية. يعتمد المقال على ثلاثة ابحاث حول وضع العمال الشباب وكبار السن في امريكا.
يؤكد المقال ان نسبة البطالة الحقيقية في الولايات المتحدة ليست 9.8% (النسبة الرسمية) بل 16.8%. ولا تشمل هذه النسبة ملايين العمال الذين يتم تشغيلهم بشكل جزئي دون يجدوا وظيفة كاملة واجر كامل. البحث الذي يتم الاقتباس منه والذي اجراه اتحاد النقابات الامريكية حول العمال الشباب يُظهر ان نسبة 25% من العمال تحت سن ال20 هم عاطلون عن العمل. نسبة 31% من العمال تحت سن 35 عاما لا يتمتعون بتأمين صحي، ونسبة 70% من العمال الشباب قالوا ان اجرهم لا يسمح لهم بتوفير اموال على الاطلاق.

معهد الابحاث "بيو" الذي خصص بحثه لوضع العمال كبار السن وجد ان نسبة 40% من العمال في سن يفوق التقاعد (62 عاما) لا يزالون يزاولون عملهم نتيجة عدم وجود برامج تقاعد كافية (هذا مقابل نسبة 4% فقط في فرنسا). وجد البحث ايضا ان ثلثي العمال الامريكيين تقريبا في سن 51-60 عاما يقدّرون اليوم انه لدى وصولهم سن التقاعد لن يكون بامكانهم التوقف عن العمل.

العلاقة بين استمرار كبار السن في العمل وبين البطالة في صفوف الشباب واضحة: بدل توفير برامج تقاعدية مريحة للعمال تسمح لهم بترك عملهم في سن التقاعد وافساح المجال للشباب لتولي مكانهم، يبقى العامل في الستينات من عمره في مكان العمل ليوفر لنفسه الحد الادنى من الدخل، الامر الذي يدفع بالشباب الى صفوف العاطلين عن العمل.

فشل النموذج الامريكي

هذه المعطيات تبرهن على طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي الامريكي الذي تبنته في العقود الاخيرة كافة بلدان العالم. في الواقع حكم هذا النظام الرأسمالي على اغلبية الشعوب بالعيش في ضنك، بينما تتمتع اقلية قليلة بكافة الخيرات، معتمدة على استثمارات مالية مغامرة تقامر بمصير العمال.

مسؤولو المالية في اسرائيل يدّعون بان الاقتصاد المحلي مبني على اسس متينة، وبالتالي فان الازمة الكونية لن تصيب اسرائيل بنفس القوة التي اصابت امريكا. ولكن هذا غير صحيح ويدل على قصر نظر. فاسرائيل مرتبطة عضويا بسوق المال الامريكي، والشركات الكبرى العشرين التي تسيطر على اقتصادها تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات في اسواق المال والعقارات في العالم. السوق الاسرائيلي الداخلي صغير، واعتماد اسرائيل على التجارة الخارجية وخاصة على التصديرات ومجال الهاي تك يجعلها حساسة جدا لتقلبات السوق العالمي وخاصة الامريكي. ويعني هذا انه في حالة تدهور الاوضاع ستتأثر اسرائيل كثيرا بذلك.

ان الارتباط الاسرائيلي العضوي برأس المال والنظام الامريكي من النواحي الاقتصادية والسياسية والامنية كان حتى اليوم مصدر قوة لاسرائيل ازاء جيرانها. لكن ليس من المستبعد ان يتحول هذا الارتباط الى نقطة ضعف في حالة حصول تغيير في موازين القوى العالمية نتيجة الازمة الاقتصادية.

يبدو ان العمال في العالم كله، وتحديدا في امريكا واسرائيل، بدأوا يشعرون اليوم بان النظام الذي آمنوا به وراهنوا عليه، اصبح نظاما خطيرا يقودنا جميعا للهاوية. عندما يعدنا عميدا البنكين المركزيين الامريكي والاسرائيلي، بن برنانكي وستنلي فيشر، بامكانية العودة للاحتفال بالازدهار الذي ميّز العقد الاخير، فانهما يتجاهلان عدم الثقة التي يبديها الجمهور وخاصة الطبقة العاملة تجاه النظام الذي يمثّلانه.

فقدان الثقة بالنظام القائم لا يعني بالضرورة ان هناك بديلا افضل. لكن الوعي المتنامي لدى العمال في كل مكان بالنسبة لاستحالة الاستمرار بالعيش في حضن النظام الرأسمالي يعتبر شرطا اساسيا لا غنى عنه في الطريق لبناء بديل اشتراكي تقدمي عمالي، خاصة بعد ان ثبت افلاس النظام القائم.

نشر بالعبرية في موقع Ynet في 9 أكتوبر