اليمن : الطائفية لعبة السلطة..!!


رداد السلامي
2009 / 10 / 9 - 03:46     

في الوقت الذي تبذل محاولات لتكريس الطائفية كواقع في اليمن ، تعاني بعض البلدان العربية من إشكالية كهذه ، كتجربة في لبنان مثلا، فقد وصل هذا النظام إلى مأزق اشتدت معه المخاوف من استمراره ، وأضحى يمثل أزمة دائمة ، وفي بلادنا لا تكمن المشكلة في ذلك ، فهذه المعزوفة الجديدة ليست إلا وليدة الفشل في إقامة الدولة ، فالطائفية وسيلة لحماية سلطة ، أو طريق الوصول الى السلطة ، لذلك فهي ليست جزء أساسي في بنية السلطة والمجتمع في في اليمن كما هي العكس في لبنان .
إن اللعبة السياسية كما يقول المفكر الماركسي مهدي عامل :" تقوم في أساسها على قاعدة تغييب الصراع الطبقي فكانت تحول بذلك دون تحول الجماهير الشعبية إلى قوة قادرة على تعطيل تلك اللعبة " كما يؤكد عامل "أن التغييب البرجوازي للصراع الطبقي يجد له شكلا في الظهور هو شكل التعايش الطائفي في ظل علاقة من السيطرة الطائفية أساسية له "
وهذا التفسير الماركسي هو الأقرب الذي يمكن تنزيله أو إسقاطه على أرضية الواقع الذي يجرى تكريسه في واقعنا الوطني .
والذهاب الى القول أنة على الرئيس صالح أن يعمل على تجديد صورة الدولة من خلال إعادة بناء تحالفاته مع مختلف التنظيمات الحزبية والقبلية ونشطاء المجتمع المدني والأكاديميين ومختلف النخب قول يجافي ذلك ، لأن الدولة لم تكن موجودة حتى يمكن القول بضرورة تجديدها ، والتجديد المزعوم إذا ماتم فإنه سيكون بحوار السلطة مع القوى الحاملة للمشروع الذي يجرى تكريسه بشكل كامن أو ظاهر كما هو حادث الآن ، وهي قوى مغايرة في مشروعها هذا لمشروع القوى السياسية والمدنية المتقدمة ، فالمشاريع المغايرة تريد أن تفرض مشاريعها كمعادل ويبدو أنها ستنجح في ذلك ، ونجاحها يأتي على حساب ما يفترض أنه الأصوب ، أي على حساب الدولة المدنية ، بل على حساب الكل حتى السلطة ذاتها ..!!
فهذه القوى مدججة بمنطق القوة ، وترسانة مذهبية متباينة ، فالأولى متحركة والثانية كامنة تتمأسس كي تهيئ ذاتها بديلا ، وهناك التناقض الذي يصب في مصلحة " الراقص على رؤوس الثعابين " فالمتحرك أداة لتخويف الطامح للامساك بزمام الأمور ، لكن هذه القوى المتضادة ، هي أيضا تضعفه من حيث لا يحتسب ، ففي الوقت الذي يمارس عملية الرقص تقتص من قوته ، وهي " المتحركة ، والكامنة" متصارعة ، فنقيض المتحركة الظاهر ، استبطن صراعه ، بلبوس سياسي لكنه أيضا يتعرض لعوامل التعرية والنحت ، نتيجة عوامل مختلفة ، جزء من هذا النحت يتحول لتقوية جانبه السلبي "بحذف الباء واستبداله بالفاء".
فيما القوى التي كانت تستبطن وجودها نتيجة القمع والإقصاء ، أضحت ظاهرة حد الدم ، إنه التناقض الكامن في عمق التركيبة المختلة والبرجوازية التي تضع أقدامها في سلطة فاشلة ، لم ينجز ذووها الدولة بمفهومها الحقيقي ، إن هذه النفايات التي تراكمت حد تعبير سياسي كبير ، ذات حواره معه في صحيفة الشارع ، يتآكل ويصارع ذاته ، إن أدواته تأكله في السر والعلن ، ويبدو أن الوضع لم يتهيأ لها بعد كي تأكل ذاتها ، لكنها مستمرة في أكله حد الانهيار ، كي تأكل فيما بعد ذاتها .

إنه الآن يمر بلحظة انقراض " خشن وناعم " والنعومة أشد فتكا ، تماما كما هي سياسة "أوباما" الجيدة في الشرق الأوسط ..!! لأن اللاعبين يتوزعون بشكل مشتت ومربك ويندسون في هياكل خاوية وشكلية ومفاصل أجهزة ما يقال أنها دولة ، أو ما يطلق عليها زورا كذلك .
تتجذر بذكاء فائق ، وتمارس كمونا ذكيا مدعما بنوايا أيدلوجية طائفية ، أي أنها تنحو نحو بناء ذاتها على نموذج يشبه إحدى دول المنطقة التي برزت مؤخرا كلاعب إقليمي جديد ، إلى جانب تعدد القوى الإقليمية ، إن اليورو مغريا حد الدهشة .!!
لكنها لن تستطيع أن تكون على نحو يشبه هذا المثال ، لأنها ذاتها مجرد أداة لهذا لمثال .
لا أستطيع النفي كمتابع للمشهد السياسي والوطني بشكل عام ، بكل "مورانه" أن القوى السياسية المتقدمة غير موجودة ، لكنها ليست غبية وتدرك كيف تصاغ الأمور ، وعلى أي نحو هي ساحة الصراع متشابكة ومعقدة ، وتمارس تماهي وألوان متعددة ، فهي تتحد وتتصارع تختفي ثم ما تلبث أن تبرز بعض خيوطها ، فالكامنة تبرز أحيانا بلبوسها القبلي والمناطقي ، حين تريد أن توصل رسالة ما ، ثم تعود لارتداء ردائها السياسي كمناضلة سلميا ، فيما جانبها العسكري يواصل مهمته التي أنهكته ، والذي أجاد النقيض المتحرك والخشن عزفها بإتقان على نار جبال مران الشامخة " واللي يبغى مكاني باشب له في الليل نار " .
أما في الجانب الآخر فالأمر يتأرجح بين خيارات واضحة ، لأن المطالب معروفة ، وما يبدو انقساما لن يكون بالصورة الخادعة التي يتصورها البعض ، فصوت مع فك الارتباط ، وآخر مع الحل في إطار الوحدة ، وثالث مع تقرير مصير الجنوب العربي ، فالثاني واقع بين شد هذا وجذب ذاك ، لكنه سيظل قويا لأنه يتغذى من حبل " الوسط السري " كون هذا الوسط خصب بالرؤى الوحدوية والتقدمية والوطنية ، غير أن صمته موجعا بالنسبة لي ، كأحد أبناءه ، غير أن عليه أن يبادر إلى تخصيب دواخله بذكاء وعقلانية لإنضاج مشروع النضال الشامل من أجل تقوية الصوت الثاني المتأرجح بين خيارات مرفوضة ، ليلتحم به جنوبا ويتجها معا نحو الشمال باتجاه الأعلى ، ليتم تحقيق قول الشاعر " مطلع هاجسي مطلع "
-----------------------
*صحفي يمني