متى يجوز للماركسي التحالف ومع من (رابعة)


حسقيل قوجمان
2009 / 10 / 8 - 12:35     

متى يجوز للماركسي التحالف ومع من (رابعة)
ما هو دور الماركسي، شخصا كان ام حزبا ام اي شكل من اشكال التنظيم، في هذه النضالات التي تخوضها الطبقة العاملة وكافة حلفائها؟ ان دور الماركسي ليس في كونه ماركسيا. فلا تلتف الجماهير حوله وتخضع لقيادته لانه ماركسي حتى اذا كان صادقا ومخلصا للماركسية. بالعكس من ذلك تماما. فالجماهير تلتف حول الماركسي لانه انشط واخلص واثقف المناضلين في صفوفها واشدهم حرصا وتضحية ومثابرة في النضال من اجل تحقيق اهداف الطبقة العاملة واحلافها. ثقة الجماهير هي التي تجتذبها الى الحزب الماركسي وليس العكس. فلا تخضع الجماهير لقيادة الماركسي لانه ماركسي وانما تخضع الجماهير لقيادة الماركسي لانه انشطها في النضال في صفوفها ومن اجل تحقيق مصالحها واهدافها الانية والبعيدة.
في مرحلة الثورة البرجوازية يوجد الى جانب هذا المعسكر العمالي بالتحالف مع سائر المراتب الكادحة معسكر اخر تهمه الثورة البرجوازية هو الطبقة البرجوازية المحلية او ما يصطلح عليه البرجوازية الوطنية. فالبرجوازية المحلية تعاني من سيطرة واضطهاد سلطة اخرى تضيق على تطورها الخناق وتجعل الاقتصاد الاستعماري الاقطاعي اقتصادا سائدا يضيق الخناق على اقتصادها. الطبقة البرجوازية المحلية تشعر بان من حقها هي ان تكون المسيطرة على التطور الاقتصادي في البلد ولذلك تريد تحقيق الثورة البرجوازية. وهذا هو ما يضفي عليها صفة الوطنية. فهي وطنية ليس لانها اقل رغبة من الطبقة الاقطاعية الحاكمة في استغلال الطبقة العاملة والجماهير الكادحة وانما لانها تجد مصلحة في تحقيق الثورة البرجوازية التي من شأنها ان تجعلها هي الطبقة الرئيسية السائدة والمسيطرة على استغلال هذه الجماهير الكادحة.
ان الطبقة البرجوازية المحلية هي طبقة وطنية بمدى رغبتها في تحقيق الثورة البرجوازية التي تجعلها الطبقة الحاكمة في المجتمع وهي طبقة غير وطنية بمدى خوفها من تحقيق الثورة البرجوازية تحقيقا جذريا كما تريده الطبقة العاملة. الطبقة العاملة تريد تحقيق الثورة البرجوازية تحقيقا جذريا بالقضاء على النفوذ الاستعماري والقضاء على الاقتصاد الاقطاعي قضاء تاما. اما الطبقة البرجوازية فتريد تحقيق الثورة البرجوازية تحقيقا جزئيا يضمن تحولها الى الطبقة الحاكمة في البلد ولكنها تخشى من تحقيق اهداف الثورة البرجوازية كاملة لخشيتها من تقدم الطبقة العاملة نحو هدفها الاساسي، هدف القضاء على الراسمالية وانقاذ نفسها من الاستغلال الراسمالي ككل. هذا ما يجعل الطبقة البرجوازية المحلية متذبذبة حتى في تحقيق ثورتها. فهي من ناحية تعادي الاقطاع والاستعمار الى الدرجة التي تجعل منها سلطة حاكمة ومن الناحية الثانية تساند الاقتصاد الاقطاعي والاستعماري بقدر ما يساعدها ذلك على تحطيم نضالات الطبقة العاملة وسائر الكادحين.
هذا هو الوضع الذي تجد فيه الطبقة العاملة نفسها في هذا الصراع من اجل تحقيق الثورة البرجوازية. فهي تجد في الطبقة البرجوازية المحلية عدوا لا يختلف كثيرا عن عدوها الاساسي، الاستعمار والاقطاع، من الناحية الاقتصادية. وتجد نفسها في الوقت ذاته امام طبقة ترغب في تحقيق الثورة ضد عدوها الاساسي، الاستعمار والاقطاع. تجد الطبقة العاملة نفسها في صراع دائم عنيف ضد الطبقة البرجوازية كما هو الحال ضد الاستعمار والاقطاع من الناحية الاقتصادية على الاقل، ومن الناحية الثانية تجد امامها امكانية التحالف المؤقت مع هذه الطبقة في النضال من اجل تحقيق الثورة البرجوازية. الوضع هو صراع دائم عنيف وتوافق مؤقت ضعيف.
هذا الصراع الدائم والاتفاق المؤقت هو الذي يحدد سياسة الطبقة العاملة وقيادتها الماركسية في هذه المرحلة من النضال، مرحلة الثورة البرجوازية. وهذا الصراع الدائم والاتفاق المؤقت هو الذي يحدد سياسة الطبقة البرجوازية ايضا في هذه المرحلة من النضال، مرحلة الثورة البرجوازية. وهذا هو شكل الصراع من اجل التحالف في جبهة تهدف الى تحقيق الثورة البرجوازية. لا يحدث هذا الموقف جراء رغبة الطبقة العاملة او رغبة الطبقة البرجوازية في مثل هذا الموقف وانما يحدث لان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي التي تفرض هذا الموقف على الطبقة العاملة من جهة وعلى الطبقة البرجوازية من جهة اخرى. الموقف مفروض على الطبقتين وليس اختياريا بالنسبة لهما.
الشعار المناسب للوضع النضالي بالنسبة للطبقة العاملة في هذه المرحلة، طوال المرحلة، هو لنفترق لكي نتحد. هذا هو الشعار المناسب للطبقة العاملة في هذه المرحلة لانه يعبر عن الموقف الحقيقي للصراع فيها، الصراع ثم الاتفاق. الطبقة العاملة تركز على مهامها واهدافها ونضالاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاعلامية اولا. الطبقة العاملة تحقق نفسها تحقيقا واضحا اولا. وبعد ذلك فقط تقرر موقفها من التحالف مع الطبقة الراسمالية. ان التحالف مع الطبقة البرجوازية لا يدعو الطبقة العاملة الى التخلي عن مصالحها النضالية في الصراع ضد البرجوازية. فالصراع ضد البرجوازية هو الصفة الثابتة الدائمة البعيدة الاهمية في هذا الصراع. والتحالف ياتي بالدرجة الثانية في هذا الصراع. ان تحالف الطبقة العاملة مع البرجوازية فيما يتعلق بالثورة البرجوازية لا يأتي عن طريق تنازل الطبقة العاملة عن مصالحها الانية والبعيدة وانما يأتي التحالف مع التأكيد على هذه المصالح ومواصلتها والاصرار عليها. هذا هو المعنى الحقيقي لشعار "فلنفترق لكي نتحد". وهو الشعار الثوري الصحيح للطبقة العاملة في مرحلة الثورة البرجوازية.
اين تكمن قوة الطبقة العاملة في هذه المرحلة، كما في المراحل الاخرى؟ تكمن قوتها في تحقيق وحدتها حول النضال الثوري الحقيقي في طريق تحقيق الثورة البرجوازية. فهي القوة الاساسية الصاعدة في هذا المجال. وتكمن قوتها ثانيا بمقدار نجاحها في اقناع جماهير المراتب الكادحة الاخرى بضرورة الثورة وبقدرة وحدة الطبقة العاملة مع هذه الجماهير على انجاز الثورة والقضاء على النظام الاقطاعي الاستعماري السائد في البلاد. ودور الماركسي، حزبا او منظمة او افرادا، هي في توجيه هذا النضال الهائل توجيها صحيحا.
واين تكمن قوة الطبقة البرجوازية في هذه المرحلة، مرحلة الثورة البرجوازية؟ قوتها هي الاخرى تكمن في كسب الجماهير الى جانبها. فالطبقة البرجوازية وحدها لا تستطيع انجاز الثورة. الجماهير الثائرة هي التي تنجز الثورة. وتاريخ الثورات كله شاهد على ذلك. فالبرجوازية هي الاخرى تحتاج الى التفاف الجماهير حولها في ثورتها البرجوازية. ولذلك فهي تعمل وتناضل من اجل كسب الجماهير الكادحة بمن فيها جماهير الطبقة العاملة الى جانبها اذا ارادت ان تعلن الثورة فعلا.
هذا هو جوهر الصراع في مرحلة الثورة البرجوازية. كلما افلحت الطبقة العاملة في مهمتها في توحيد جماهيرها وجماهير المراتب الكادحة، ازدادت قوتها وازداد املها في تحقيق الثورة البرجوازية بقواها وتحت قيادتها. وكلما افلحت البرجوازية في مهمتها بتوحيد الجماهير الكادحة حولها في اعلان الثورة، ازداد املها في تحقيق الثورة بقواها وبقيادتها هي.
هنا نستطيع ان نفهم شعار الجبهة الوطنية الذي ترفعه الطبقة العاملة وتعمل على تحقيقه. الجبهة الوطنية تحالف مؤقت بين الطبقة العاملة وبين عدوها الابدي، الطبقة البرجوازية، من اجل تحقيق الهدف المشترك، هدف الثورة البرجوازية. والطابع الاساسي في هذه الجبهة هو ان كانت الطبقة العاملة من القوة بحيث تجبر الطبقة البرجوازية على التحالف معها بشروطها، شروط الصراع ثم الاتفاق، او كانت الطبقة البرجوازية من القوة بحيث تجبر الطبقة العاملة على الانضمام اليها وبشروطها اثناء تحقيق الثورة البرجوازية.
في الحالة الاولى تجري الثورة تحت قيادة الطبقة العاملة. وفي الحالة الثانية تجري الثورة تحت قيادة الطبقة البرجوازية. وتعني قيادة الطبقة العاملة قيادة الجماهير القائمة بالثورة ونيل السلطة مع حلفائها لدى انجاز الثورة، بينما تعني قيادة البرجوازية قيادة الجماهير القائمة بالثورة ونيل السلطة بدون حلفائها. فالبرجوازية لا تستطيع مشاركة الطبقة العاملة في سلطتها مشاركة حقيقية لان مشاركتها تعني الحد من استغلالها والتضييق على ارباحها، هدفها الوحيد من نيل السلطة.
الطبقة العاملة تريد من الجبهة تحقيق الثورة البرجوازية بقواها مع جر او تجميد الطبقة البرجوازية. في هذه الحالة تستولي الطبقة العاملة وحلفاؤها من المراتب الكادحة وحتى تشرك البرجوازية في حكمها لفترة ما. وتحتاج في سبيل ذلك الى تدمير جميع المؤسسات الراسمالية والاستعمارية القائمة من جيش وشرطة ومحاكم ووزارات وانشاء دولة من صنعها لان الاشكال القديمة ليست قادرة على الحفاظ على سلطة الطبقة العاملة وحمايتها وتطويرها. الجماهير الكادحة هي التي تشكل السلطة الجديدة. لذا فان الانقلابات العسكرية لا تصلح اداة للطبقة العاملة لتحقيق الثورة حتى في مرحلتها الاولى، مرحلة الثورة البرجوازية. لان الانقلابات العسكرية تعتمد على الجيش القائم بالدرجة الرئيسية. ولا تستطيع الطبقة العاملة الغاء هذا الجيش بعد قيامه بالانقلاب العسكري.
اما البرجوازية فتريد من الجبهة اداة لوصولها الى السلطة باية طريقة ممكنة. وعلى هذا الاساس تريد من حزب الطبقة العاملة ان ينتمي الى الجبهة لا بصفته ممثل الطبقة العاملة وانما بالانفصال عنها. فكانت شروط كامل الجادرجي اكبر تعبير عن ذلك حين طلب من الحزب الشيوعي التخلي عن ذكر المراحل والتخلي عن التحدث عن القيادة وهذا يعني تخلي الحزب عن شعارات واهداف الطبقة العاملة البعيدة والاستراتيجية في سبيل الانتماء للجبهة. ونجحت البرجوازية في تحقيق الثورة بشكل الانقلاب العسكري لان الدولة البرجوازية تعتمد على نفس الجيش ونفس الشرطة ونفس المحاكم ونفس المؤسسات. وكان من الطبيعي ايضا نبذ الحزب الشيوعي فور نجاح الثورة منذ البيان الاول وكأنه لم يكن عضوا في تلك الجبهة ولم يستطع الحزب الشيوعي ان يحرك ساكنا لانه لم يدخل الجبهة بصفته الطبقة العاملة بل دخلها بصفته الحزبية متخليا عن اهداف وشعارات الطبقة العاملة.
كانت ثورة تموز مثالا رائعا على فشل الحزب الشيوعي كممثل للطبقة العاملة في قيادة الثورة البرجوازية.
ان قيام الثورة سواء بشكلها البرجوازي او بشكلها العمالي هو انتهاء المرحلة الاولى من الثورة، مرحلة الثورة البرجوازية. وفي مثلنا العراقي انتهت الثورة البرجوازية يوم ثورة تموز وتحولت السلطة من سلطة شبه اقطاعية شبه استعمارية الى سلطة برجوازية. في يوم ثورة تموز انتهت مرحلة الثورة البرجوازية العراقية بصورتها البرجوازية. ليس هناك استكمال او اتمام او مواصلة للثورة باي شكل من الاشكال. وقد برهنت السلطة في ثورة تموز على ذلك اسطع برهان. فشلت الطبقة العاملة في قيادة الثورة وتحقيقها بقواها ولذلك اصبحت الطبقة العاملة نتيجة لنجاح الثورة الطبقة الواقعة تحت الاستغلال الراسمالي. واصبحت الطبقة البرجوازية الطبقة الحامية لبقايا الطبقات القديمة المستغلة في المجتمع العراقي. لان الطبقات القديمة هي ايضا طبقات مستغلة يمكنها ان تتوافق مع السلطة الجديدة وفقا للظروف السياسية والاقتصادية الجديدة. وكان قانون الاصلاح الزراعي الذي سنته الطبقة الحاكمة البرجوازية اسطع مثال على مثل هذا التوافق. والطبقة البرجوازية تحقق من اهداف الثورة البرجوازية ما يتفق ومصالحها الانية. قامت السلطة البرجوازية بالانجازات الرائعة كتحويل الملكية الى جمهورية والغاء المشاريع الاستعمارية كحلف بغداد والمعاهدة البريطانية والغاء القاعدتين العسكريتين البريطانيتين وسائر الانجازات الوطنية. ولكنها تقاعست مثلا في تحقيق الاصلاح الزراعي تحقيقا جذريا لان الاصلاح الجذري ليس في مصلحتها. وقد كان موقف السلطة البرجوازية الجديدة ضد العمال ونضالاتهم الاقتصادية واضحا لاعين الجميع منذ اليوم الاول للثورة.