موضوعات حول حزب اليسار الانتخابي


لطفي حاتم
2009 / 9 / 26 - 22:21     

يدور بين آونة وأخرى سجال حول مشاركة أحزاب اليسار الاشتراكي في الانتخابات التشريعية في الدول العربية ، ويثير السجال المحتدم حزمة من القضايا الإشكالية الفكرية والسياسية مثل ما هي طبيعة البنى الفكرية والتنظيمية لأحزاب اليسار الاشتراكي المشاركة في الحياة الانتخابية ؟ . وما هي طبيعة القوى الاجتماعية الحاملة لبرامج أحزاب اليسار اشتراكي المشارك في العملية الانتخابية ؟ . وقبل هذا وذاك ما هي إمكانية أحزاب اليسار الاشتراكي على المساهمة في تطور البناء السياسي / الاقتصادي الديمقراطي اللاحق لهذه البلدان.

قبل الحديث عن الشرعية الانتخابية في البلدان العربية ومشاركة أحزاب اليسار الاشتراكي فيها لابد لنا من تدقيق بعض المفاهيم التي أراها ضرورية لاثراء الحوار الجاري والمتمثلة بــالموضوعات التالية : ــ
الموضوعة الأولى: ـ قبل البدء في المشاركة الانتخابية لابد من دراسة طبيعة المنظومة السياسية السائدة في البلدان العربية وما يعنيه ذلك من معرفة ـــ طبيعة نظامها السياسي ، مضامين القوانين الداخلية الناظمة للانتخابات الوطنية ، حدود حرية الأحزاب السياسية ، مدى قدرة أبنيتها الفكرية / التنظيمية على التعبئة السياسية .
الموضوعة الثانية: ـ بات ملحاً التفريق بين الشرعيتين الانتخابية ( الشكلية ) التي تتسم بها الأنظمة السلطوية والشرعية الديمقراطية، استناداً الى اختلاف مضامين كلا الشرعيتين حيث تتركز الشرعية الديمقراطية على أسس قانونية ودستورية ـــــ التداول السلمي للسلطة السياسية ، فصل السلطات الثلاث ، فصل الدين عن الدولة ، ناهيك عن مبدأ المواطنة ـــ بينما تكمن فعالية الشرعية الانتخابية ( الشكلية ) في إضفاء شرعية ( وطنية ) بهدف مواصلة احتكار السلطة.
الموضوعة الثالثة: ـ عند الحديث عن الدولة العراقية ومنظومتها السياسية يجدر بنا التوقف عند بنائها السياسي الراهن المتسم بــ :ـــ
1 : ـ تواصل المحاصصة الحزبية / الطائفية بين الكتل السياسية النافذة وما نتج عنها من تنامي بناء طائفي / عرقي للدولة العراقية ونظامها السياسي .
2 : ـ كثرة الأحزاب والتجمعات الصغيرة الفاقدة لحواملها الاجتماعية والمرتكزة على رؤى سياسية وأخرى أيديولوجية فضلا عن امتداداتها الخارجية .
3 : ـ تواصل الاحتلال الامريكي للعراق بمعاهدات دولية تفتقر المساواة والتكافؤ وما أفرزه ذلك من تزايد التأثيرات الخارجية على بناء الدولة ومؤسساتها العسكرية الأمنية.
4: ـ الوصايا الدولية على الاقتصاد العراقي وخضوعه لوصفات المؤسسات المالية الدولية والشركات الاحتكارية الامر الذي أفضى الى اعتماد السوق الحرة والاستثمارات الأجنبية المفتوحة .
5: ـ عدم اكتمال البناء الاجتماعي للتشكيلة العراقية وضعف طبقاتها الاجتماعية بسبب التبدلات السياسية وتأثيراتها المباشرة على نمو وانحلال الشرائح الاجتماعية ، خاصة بعد الاحتلال الأمريكي وما أفرزه من حراك اجتماعي متواصل تميز بتحطيم فئات اجتماعية ونهوض قوى طبقية جديدة.
6 : ـ رغم هامشية وإقصاء كثرة من الفئات الاجتماعية عن الحياة الاقتصادية إلا أن سلطة الدولة وأحزابها السياسية المتنفذة تقوم بادوار هامة في إعادة تشكيل كثرة من الشرائح الطبقية الجديدة من خلال المشاريع الاقتصادية التي دأبت السلطة السياسية على تقديمها لأحزابها السياسية .
على أساس تلك السمات لابد لنا من دراسة كيفية تحول حزب اليسار الاشتراكي الى حزب انتخابي قادر على خوض المنافسة الانتخابية بفعالية وطنية / ديمقراطية عبر متابعة المفاصل التالية : ـ
المفصل الاول : ــ الجانب النظري : ـ
انتقال أحزاب اليسار الاشتراكي من الشرعية الثورية الى الشرعية الانتخابية يتطلب بناء رؤية فكرية جديدة تشترط التخلي عن حزمة من المنطلقات النظرية منها : ــ
ــ الابتعاد عن الإرث النظري للأممية الثالثة وثوابتها النظرية التي شكلت حاضنة فكرية لنشاط أحزاب اليسار الاشتراكي مثل ــ الطريق الثوري لاستلام السلطة السياسية / بناء سلطة الحزب الواحد / اعتماد نموذج الدولة الاشتراكية / ملكية الدولة العامة واقتصادها الأوامري... الخ ـــ من الموضوعات الفكرية / السياسية الساندة لنشاطها السياسي المعتمد في حقبة المعسكرين.
ــ تبني الشرعية الديمقراطية للحكم المتمثلة بالتداول السلمي للسلطة السياسية والعمل على استلامها من خلال الشرعية الانتخابية.
ــ القبول بعلاقات الإنتاج الرأسمالية والعمل ضمن إطار السوق الرأسمالي، الأمر الذي يعني بناء نظام اقتصادي / سياسي يتطور ضمن البنية الاقتصادية الرأسمالية لا تمس مصالح القطاع الخاص والمصالح الدولية.

المفصل الثاني: ـ البنية التنظيمية.
إن نجاح أحزاب اليسار الانتخابي في المشاركة الديمقراطية وتحولها الى كتلة شعبية انتخابية يشترط تكييف بنيتها التنظيمية بهدف تطوير قاعدتها الاجتماعية الأمر الذي يعني اعتماد آليات ديمقراطية تستند الى: ــ
ــ إشاعة الديمقراطية الداخلية في المؤسسة الحزبية عند مناقشة المفاصل الأساسية لنهوج الأحزاب اليسارية.
ــ إشراك القاعدة الاجتماعية والقوى الديمقراطية في مناقشة التوجهات السياسية قبل اعتمادها كبرامج سياسية لأحزاب اليسار الانتخابي.
ــــ بناء النهوج السياسية على رؤية معللة فكرياً من أحداث العصر لغرض اعتماد هوية يسارية ديمقراطية واضحة المعالم ساندة لتوجهاتها ــ الأحزاب ــ السياسية / الاجتماعية.
ــ تبني المشاريع الاقتصادية / الاجتماعية المنبثقة من مصالح القاعدة الاجتماعية الفعلية ودراسة إمكانية تحقيقها قبل اعتمادها كبرامج سياسية.

المفصل الثالث: ـ القاعدة الاجتماعية لحزب اليسار الانتخابي.

قبل تناولنا لهذا المفصل الهام لابد من طرح التساؤلات التالية: ـ هل هناك إمكانية لتحول حزب اليسار الانتخابي الى حاضن لهوية العراق الوطنية ؟ وهل يمكن اعتبار ذلك الحزب الضامن لوحدة تشكيلة العراق الأممية ؟ . بكلام آخر هل يمكن لحزب اليسار الانتخابي أن يكون حزبا وطنيا وأمميا في آن؟.
إن الأسئلة المثارة تستمد شرعيتها من ملامح الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية التي أفرزها الاحتلال الأمريكي المتواصل للعراق وما نتج عنه من: ـ
ـ تفكك التشكيلة العراقية وانهيار وحدتها بعد انقسامها الى طوائف وتجمعات أثنية / عرقية متنازعة .
ـ تخريب طبقات وشرائح اجتماعية وإقصائها عن المواقع الإنتاجية بسبب تفكيك البنية الاقتصادية للدولة العراقية .
ـــ نشوء قوى وشرائح اجتماعية جديدة تتطور استناداً الى النهب الاقتصادي والفساد الإداري بحماية حزبية .
ــ تفكيك قطاع الدولة الاقتصادي وتبني سياسة اقتصادية ليبرالية مبنية على محاولات إلحاق القطاع النفطي بالشركات الاحتكارية.
ـــ المشاركة الأمريكية الفاعلة في إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية .
ــ تزايد التأثيرات الخارجية الإقليمية منها والدولية على بناء الدولة العراقية .

لهذه الأسباب وغيرها يمكننا القول أن العراق الراهن بقومياته المختلفة وأديانه المتعددة يعتبر: ـ
1 : ــ نموذجا مصغرا للتخريب الرأسمالي المنفلت المتسم بالنهب والتفكك والتهميش .
2: ــ يفضي التخريب المشار إليه الى نهوض و تطور كتلة شعبية فاعلة ذات توجهات ديمقراطية يسارية مناهضة للانفلات الرأسمالي ونتائجه الاقتصادية / السياسية .
لغرض تزكية الآراء المشار لابد لنا من عرض المعطيات التالية: ـ
المعطى الأول: ـ تشترط هامشية الكثير من مكونات التشكيلة العراقية وتضرر القوى الاجتماعية من الحرب والاحتلال إعلان حزب اليسار الانتخابي ممثلا لكل قوى التشكيلة العراقية المناهضة للنهب والتهميش والإلحاق.
المعطى الثاني: ـ بهذا التمثيل الاجتماعي الواسع يستطيع حزب اليسار الانتخابي تراكم مستلزمات بناء هوية ــ عراقية تعيد اللحمة الى العراقيين بعيداً عن الانقسام الطائفي / ألاثني.
المعطى الثالث: ـ يشترط بناء الوطنية العراقية الديمقراطية إعادة بناء وحدة اليسار الأممية باعتباره ممثلا لجميع القوى العراقية المتضررة من الفكر العنصري / الطائفي ونهج الاحتلال الاقتصادي / السياسي / العسكري. بكلام آخر أهمية العمل على توحيد فصائل اليسار الانتخابي بدل انقسامها الى أحزاب وحركات يسارية بأردية قومية عربية ــ كوردية

ـــ المعطى الرابع: ـ تمسك حزب اليسار الانتخابي بالبناء الفدرالي لشكل الدولة العراقية يشترط التأكيد على الوحدة والتخلي عن موضوعة حق الانفصال بشكلها السياسي وذلك بسبب هامشية الدول الجديدة التي أفرزها الطور الجديد من التوسع الرأسمالي ونزاعاتها مع دول الجوار فضلا عن هشاشة أنظمتها السياسية.
المعطى الخامس: ـ التركيز على الترابط بين البناء الفدرالي لشكل الدولة العراقية وبناء التنمية الوطنية
المنطلقة من وحدة مصالح الشعوب القاطنة في إطار الدولة الديمقراطية الفدرالية الواحدة.
إن تحول حزب اليسار الانتخابي الى حركة اجتماعية شعبية فاعلة في الحياة السياسية يتطلب معالجة قضايا فكرية / سياسية عامة منها: ـ
2:ـ الدعوة الى مناقشة النهج السياسي لحزب اليسار الانتخابي بهدف بناء رؤية فكرية آنية ومستقبلية.
2 : ـ نقد مضامين الليبرالية الجديدة باعتبارها نظرية الراسمال المعولم ،عبر تعرية دوائرها السياسية والاقتصادية والعسكرية .
3: ـ فتح باب الحوار لقوى حزب اليسار الفكرية والثقافية لمناقشة النتائج السياسية / الاجتماعية / الاقتصادية للطور الجديد من التوسع الرأسمالي وأثره على مسار تطور الدولة العراقية.
4: ـ تحديد أشكال جديدة من التحالفات تنطلق من أمكانية تبني مصالح القوى الاجتماعية المتضررة من الاحتلال ونتائجه السياسية / الاجتماعية.

بهذه الأبنية الفكرية / التنظيمية والقاعدة الاجتماعية يستطيع حزب اليسار الديمقراطي حسب ما أزعم الانتقال من مواقع الانتظار والمراوحة الى مواقع المشارك الفاعل في صنع المسارات الديمقراطية الحقيقية لبناء الدولة العراقية.