الستالينيون (4) : حسقيل قوجمان ضد فريدريك انجلز


يعقوب ابراهامي
2009 / 9 / 18 - 16:35     

"Dialectics is conceived as the science of the most general laws of all motion. This implies that its laws must be valid for motion in nature and human history as for the motion of thought." (Engels, Dialectics of Nature, Moscow, 1966, p.267).

"إن الديالكتيك هو علم القوانين العامة لكل أنواع الحركة. هذا يعني أن قوانينه تصح على الحركة في الطبيعة والمجتمع البشري كما تصح على حركة الفكر." (فريدريك أنجلز يشرح في الفصل الخاص بالرياضيات ، في كتابه "ديالكتيك الطبيعة" ، لماذا يصح تطبيق "قوانين الديالكتيك" على الرياضيات)

" ولذلك فان الرقم المجرد وحده لا يعني شيئا. وبما انه لا يعني شيئا اي ليس مادة فلا تنطبق عليه قوانين الحركة لانها تنطبق على حركة في المادة فقط."
(حسسقيل قوجمان يشرح ، في جواب لقارئ حائر ، لماذا لا يصح تطبيق "قوانين الديالكتيك" على الرياضيات).

الرياضيات هي ذروة إنجازات الفكر البشري ، لذلك ليس مثل الرياضيات مختبراً للطريقة الديالكتيكية. هذا طبيعي ومفهوم لكل من يرى في الديالكتيك طريقة للتفكير والتحليل ، طريقة لتفسير العالم وتغييره ، وليس مجموعة من "القوانين" المفروضة على الطبيعة والإنسان. (أنجلز خصص ، في كتابه "ديالكتيك الطبيعة" ، فصلاً خاصاً للرياضيات . وماركس كتب عن الرياضيات ولكن كتاباته في هذا الموضوع غير متوفرة ، على ما يبدو ، في اللغة الأنجليزية).

أما في نظر "المفكر الماركسي" الستاليني فإن "قوانين" الديالكتيك تعمل بالإنفصال عن فكر الإنسان وعلى الرغم منه. "قوانين الديالكتيك" في نظر "المفكر" الستاليني مفروضة على الإنسان والطبيعة ، والرياضيات باعتبارها إنتاجاً فكرياً محضاً لا يربطها شيء بالديالكتيك.

وماذا يفعل "المفكر الماركسي" الستاليني عندما يرى إن الحياة لا تسير وفقاً ل"قوانين" الديالكتيك كما يفهمها هو، أو عندما يعجز عن تفسير ظاهرة فكرية ، اجتماعية أو طبيعية وفقاً لمجموعة "القوانين" التي حفظها عن ظهر قلب؟ ماذا يفعل "الستاليني" إذا كان يريد أن يقوم اليوم بما يخالف مائة بالمائة ما قام به بالأمس ، رغم أن ما قام به في الأمس كان هو أيضاً وفقاً لكل "قوانين الديالكتيك" ؟
الجواب: الستاليني في هذه الحالة "يطور" الماركسية. يكتشف "قانوناً ديالكتيكياً" جديداً ، وفقاً للمبدأ القائل : قل لي ماذا تريد أن تفعل أو تثبت وأنا أكتشف لك "القانون" المناسب.

هكذا اكتشف حسقيل قوجمان "قانون فناء الضدين" عندما عجز عن تفسير بعض مظاهر الأزمة الرإسمالية العالمية. ( "قانون فناء الضدين" عبر منذ اكتشافه تطورات عدة ، فمن "فناء الضدين" تحول إلى "انهيار الطبقتين" ، ومن "انهيار الطبقتين" تحول إلى "انهيار الطبقتين جزئياً طبعاً". وبما أن كل الدلائل تشير إلى أن "الضدين" لن "يفنيا" في القريب العاجل ، نحن في انتظار "قانون" جديد سيدعى دون شك "قانون بقاء الضدين موقتاً طبعاً").

وعندما أراد ستالين التخلص من قادة الحزب الشيوعي البولشفي "اكتشف" قانون "اشتداد حدة الصراع الطبقي كلما تعاضم بناء الإشتراكية" ، فاعتقل وقتل قادة الحزب والكومنترن.
(حتى يومنا هذا يردد الستالينيون عندنا كالببغاء المقولة الباطلة عن "اشتداد حدة الصراع الطبقي كلما تقدم بناء الإشتراكية" ، رغم أن كل من يحمل رأساً فوق كتفيه ، ويستخدم رأسه للتفكير ، يدرك أن العكس هو الصحيح ، وإن المنطق السليم يقضي بخفة حدة الصراع الطبقي كلما تقدم بناء الإشتراكية. ولكن المنطق السليم والديالكتيك الستاليني يسيران ، إذا أردنا أن نبقى في حدود الرياضيات ، في خطين متوازيين لا يلتقيان).

قوجمان "يصحح" أنجلز:
في إحدى مقالاتي السابقة أردت أن أوضح ماذا أقصد عندما أقول إن الديالكتيك هو طريقة للتفكير والتحليل وليس مجموعة "قوانين" مفروضة على الإنسان والطبيعة ، فأتيت بمثل من حقل الرياضيات التي أحبها. أحد القراء (وهنا المكان والزمان المناسبين لأن أشكره على أنه "أجبر" حسقيل قوجمان على قراءتي) فهم من ذلك أني أثبت بطلان أحد "القوانين" الشهيرة في الديالكتيك : "قانون تحول الكم إلى كيف" ، فكتب إلى قوجمان حائراً : "لقد برهن يعقوب ابراهامي عن طريق الرياضيات بان تحول التغيرات الكمية الى تغيرات نوعية ليس قانونا. ولكننا تعلمنا ان هذا احد القوانين الديالكتيكية فهل صحيح انه ليس قانونا؟"
أحس حسقيل قوجمان ب"الخطر" المحدق بالديالكتيك الستاليني ، وبدل أن يرجع إلى مقالي ويناقش الحجة بالحجة ، سارع بإصدار الفتوى التالية : "ان الرقم المجرد وحده لا يعني شيئا. وبما انه لا يعني شيئا اي ليس مادة فلا تنطبق عليه قوانين الحركة لانها تنطبق على حركة في المادة فقط."

لا نعرف ماذا يقصد قوجمان بكلمة "الرقم المجرد". كل الرياضيات هي أفكار مجردة. وهذا هو كل جمالها وعظمتها. آلاف السنين من الجهد الفكري لفهم ما هو "الرقم" ، منذ فيتاغورس في اليونان القديمة حتى برتراند راسل في القرن العشرين ، مروراً بكانتور في القرن التاسع عشر، الذي قضى أيامه الأخيرة في مستشفى للأمراض العقلية (إنذارا ً رهيباً لكل من يريد أن يكشف سر "الرقم") ، كل هذا التراث العلمي والفلسفي الرائع أختزله "مفكرنا الماركسي" بجملة بسيطة واحدة : "الرقم المجرد لا يعني شيئاً" ، تماماً مثلما اختزل "كبير العباقرة" ، في حينه ، كل الحكمة البشرية في كراس ضحل وبضعة "مواعيظ دينية".

المشكلة هي أن هذه الفتوى السريعة التي أفتانا بها قوجمان تخالف كلياً ما يقوله أنجلز بهذا الخصوص : " إن قوانين الديالكتيك تصح على الحركة في الطبيعة والمجتمع البشري كما تصح على حركة الفكر."

نريد أن نؤكد أننا لا نرى عيباً في أن يعارض مفكر ماركسي ما يعتبره خاطئاً أو عفا عليها الزمن من آراءٍ لمؤسسي الفكر الماركسي. على العكس من ذلك. أنا مثلاً ، وإن كنت لا أرى نفسي "مفكراً ماركسياً" ، أعتقد أن أنجلز أخطأ في اعتبار الديالكتيك مجموعة من "القوانين" ، وفي فرض هذه "القوانين" على الطبيعة الجامدة.
غير أن من يخالف ماركس أو أنجلز عليه أن يقول ذلك بجرأة ووضوح ، أن يصحب ذلك بالحجج الدامغة ، وأن لا يوهم القارئ أنه إنما يشرح ما قاله مؤسسو الفكر الماركسي.

عودة إلى "الكذبة المفيدة" :
أثارت مقالتي الأخيرة عدداً من التعليقات أرى من واجبي الرد على بعضها.

إلى سعيد: 1. إتهمتني ظلماً بأني فتشت "في كل المواقع النازية الألكترونية". هذه تهمة غاشمة لا أقبلها. أنا قلت بالحرف الواحد : " لم أبحث في المواقع النازية ". فلماذا تلصق بي هذه الإهانة الجائرة؟ إذا كنت تقرأ الآن هذه الكلمات فإنني أرجو منك أن تعتذر ، وأنا أقبل اعتذارك سلفا لأنني أعتقد أنك لم تفعل ذلك عمداًً. إني أرى في كل تعامل مع مواقع نازية (أو عنصرية) عملاً لا يليق بإنسان شريف.
2. لم أكن أريد أن أبرهن أن بيريا ليس يهودياً. ليس هذا هو الموضوع. وأنا آسف حقاً أنك أخطأت في فهم النقطة الأساسية. (كان يمكنك أن تفترض إنني أعرف بالضبط إلى أية قومية إنتمى بيريا "الجورجي أصلاً" ، فقد قلت أنني نقبت في كل الكتب التي في حوزتي ، والكتب التي في حوزتي لا تخلو من الإشارة إلى ذلك). النقطة الأساسية موضوعة النقاش هي أن فؤاد النمري يقول "إن بيريا يهودي" ، وأنا أريد أن أعرف (ومن واجبك أنت أن تعرف ، كما أن من حق كل القراء أن يعرفوا) من أين استقى فؤاد النمري هذه "المعلومة" ولماذا كان من الضروري الإشارة إليها (حتى إن كانت صحيحة). إذا كان النمري لا يستطيع أن يقول لنا من أين استقى هذه "المعلومة" فإن الإستنتاج المنطقي الوحيد هو أنه اختلقها. وهذا يسمى باللغة العربية: كذبة.

إلى آمال الحسين: تقول "إن يعقوب ابراهامي تصور نفسه زعيما في السجن كما يدعي".
خلال سنوات السجن الطوال (في نقرة السلمان ، بغداد ، الكوت وبعقوبة) لم يفكر أحد من السجناء الشيوعيين في أن يكون زعيماً. كنا نفكر فقط كيف نبقى مرفوعي الرأس ، وفقاً للتقاليد التي ثبتها فهد ، وكيف نكون جديرين به.
لماذا تكتب إذن عن أمور لا تعرفها ؟

إلى عبد الرحمن : تقول "إن ماقاله يعقوب في نهاية مقالته حول مايسميه "اليسار والصهيونية" ، هو كلام بدون جدوى ، لأن الصهيونية حركة استعمارية عنصرية وستبقى كدلك مابقيت الصهيونية صهيونية وأن أي حل للقضية الفلسطينية لن يتم الا من خلال ثورة تدك أركان الرأسمالية والصهيونية والرجعية الى الأبد."

1. ماذا تعني بالضبط ب"دك أركان الصهيونية" ؟ بعد مائة عام من الصراع الدامي بين شعبينا آن الأوان لأن نقول كلاماً صريحاً واضحاً ، بلا لف أو دوران ، وبدون كلمات رنانة.
2. وإلى أن تجيء "الثورة التي تدك أركان الرأسمالية والصهيونية والرجعية الى الأبد" ماذا نفعل ؟ نظل ننزف دماً ؟
3. هل تعرف إن "اليسار الصهيوني" في إسرائيل يقف في رأس النضال من أجل إنهاء الإحتلال ومن أجل حق السعب العربي الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ، جنباً إلى جنب مع إسرائيل؟

إلى "الماركسي اللينيني" : نقلت الخطاب الذي ألقاه ستالين في الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب البولشفي في تشرين الاول سنة ١٩٥٢. أريد أن أكمل لك الصورة ثم أسألك بعض الأسئلة:

ستالين ، عجوز ومريض (سيموت بعد بضعة أشهر ، ولديه الآن توصية طبية ، من طبيبه الخاص ، بالتزام الراحة التامة والإمتناع عن كل عمل) يطلب من اللجنة المركزية إعفاءه من منصبه : "أطلب منكم إعفائي من منصب الأمين العام. . . أنا رجل عجوز. . . أنا لا أقرأ الوثائق . . . إنتخبوا لكم سكرتيراً جديداً."
مالينكوف – متقدما نحو المنصة: ايها الرفاق! علينا كلنا بالاجماع ان نطلب من الرفيق ستالين قائدنا ومعلمنا ان يكون مرة اخرى السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي

والآن أجبني صراحة على الأسئلة التالية:
ألا تعتقد إن حزباً حياً ، حزباً مؤلفاً من مواطنين أحرار يتمتعون بالحرية التامة وبالشجاعة في التعبير عن آرائهم ، حزباً لا يسيطر عليه جو من الخوف والكذب والتزلف ، ألا تعتقد إن حزباً كهذا كان يجب أن يستجيب لطلب قائده العجوز والمريض (غير القادر على قراءة الوثائق) وينتخب سكرتيراً جديداً ؟
ألا يبدو لك غريباً إن كل أعضاء اللجنة المركزية ، بلا استثناء ، انتخبوا ستالين سكرتيراً عاماً مرة أخرى ، دون أن يبدي أحد منهم رأياً معارضاً ؟
هل هذا أمر طبيعي في نظرك؟ هل هكذا يجب أن تسير الأمور في وطن الإشتراكية ، في وطن "الإنسان من نوع جديد" ؟

عبد الرحمن: " تحدي ثاني . . . تحدي الألف . . . ليعقوب ابراهامي".
عندما أعلن آينشتاين نظرية "النسبية العامة" أصدر عدد من الكتاب الرجعيين في ألمانيا كتاباً بعنوان : "مائة كاتب ضد آينشتاين". جواب آينشتاين كان قاتلاً ببساطتهً : "إذا كنت مخطئاً فإن كاتباً واحداً يكفي".
لست آينشتاين ، ولكني أقول : إذا كنت مخطئاً فإن تحدياً واحداً يكفي.
ومع هذا لا أدعك تتهرب : من أين أتى فؤاد النمري بكذبة "بيريا اليهودي" ؟ ولماذا كان مهماً أن يذكرها ؟

نقد أدبي:
القارئ عبد الرحمن يلقي الضوء على نواقص فنية في كتابات ابراهامي : " مقالة يعقوب الحالية و الخالية من كل شئ , لكنها غنية طبعا وكالمعتاد بأسلوبها الانشائي الممل و الركيك الى حد لايطاق.......؟؟ ونحن نشرح هده الجثة الانشائية الصدئة التي جاد بها يعقوب على قراء الحوار المتمدن . . ." .
جثة إنشائية صدئة ؟