بليخانوف وماركس وإنجلز حول الحرية والضرورة

هاني مشتاق
2009 / 8 / 15 - 10:33     

بقلم ثوماس ريجين

بالنسبة للكثير من التنظيمات الثورية ولكي تعمل وفق رغباتها في تعزيز وتأييد القضية الاشتراكية، فإنه لمن الضروري التركيز ليس على الوضع الثوري أو الحالة الثورية ولكن على مبادرة "إصلاحية"، تدعى دحر الجمهوريين في انتخابات عام 2008.

إن مفهوم الضرورة فيما يتعلق بالنضال من أجل الاشتراكية عليه أن يعمل مع رؤية واسعة الانتشار ضمن الحركة الاشتراكية "لحتمية الاشتراكية" والنهاية الطبيعية والمنطقية للرأسمالية. وفي فترة ما من الزمن الماضي قاد هذا إلى وجهة نظر تقول أنه حقاً لا يهم ماذا يفعل أو لا يفعل الناس نظراً لأن الاشتراكية كانت في نهاية الأمر "محتومة" الحدوث بصرف النظر عما يفكر أو يفعل أي إنسان.

والقضايا المترابطة مع وجهة النظر هذه غالباً تناقش ضمن بيئة أو محيط "الحرية قبالة الضرورة"، أو أكثر تعميماً كقضية الحتمية.

إن الحتميين يؤمنون عموماً بأن كل شيء يحدث فإنه يحدث بسبب موجب يستلزم ذلك - وهو نفسه أيضاً نتيجة لموجب أو داعٍ سابق (يعود في مسيرته إلى "الانفجار الكوني") وعليه فإن لا شيء في الكون حدث بطريقة تختلف عن الطريقة التي حدث فيها.

وإذا ما قيدنا أنفسنا بالتطور الاجتماعي وما سماه ماركس "القوانين الطبيعية للإنتاج الرأسمالي" نستطيع أن نسأل ما إذا كانت الماركسية حتمية في المفهوم المذكور أعلاه.

وفي إحدى مقدمات رأس المال نجد أن هذه القوانين قد وصفت كـ "ميول وأهداف تعمل مع الضرورة أو الحاجة المكينة التي لا تلين نحو نتائج محتومة". ولكن استخدام الكلمة "ميول وأهداف" يبدو متناقضاً مع نظرة حتمية صارمة من ناحية ماركس.

ولدينا أيضاً صيغة إنجلز من "ضد - دهرنغ"، "الحرية لا تكمن في حلم الاستقلال عن القوانين الطبيعية، ولكن في معرفة هذه القوانين، وفي الإمكانية التي يعطيها هذا لجعلها تعمل نحو نهايات محددة".

ويدل هذا ضمناً أن ماركس وإنجلز يعتقدان بأن قوة الإنسان ليست مصممة على نحو صارم نظراً لأن البشر لديهم القدرة على "جعل" القوانين الطبيعية تعمل لخدمة مصالحهم. وتتناغم وجهة النظر هذه تماماً مع رصد وملاحظة بليخانوف من "دور الفرد في التاريخ" الذي "وبداعي خاصيات معينة لعقولهم وصفاتهم، يستطيع الأفراد المؤثرون تغيير المعالم الخاصة للأحداث وبعض من نتائجها الخاصة، ولكنهم لا يستطيعون تغيير اتجاهاتها ونزعاتها الخصوصية والمستقلة العامة، والتي هي مصممة من قبل قوى أخرى".

ويظهر أن هناك علاقة ديالكتيكية بين الحرية (خصيصة وميزة "عقول البشر") والضرورة أو الحاجة (الميول العامة "المصممة من قبل قوى أخرى").

هذه الرؤية الماركسية - المستمدة من سبينوزا وهيغل - هي جميعة المبادئ المتناقضة للاختيارية أو الإرادية المطلقة (الحرية) والتصميم المطلق (الضرورة).

وفي "المشكلات الأساسية للماركسية" يحاول بليخانوف أن يصور بدقة كيف أن هذا الديالكتيك يتجلى ويظهر للعيان (تدريجياً). وتظهر الضرورة كنقيض للحرية. فالحرية هي عندما نستطيع أن نحقق رغباتنا، والضرورة هي عندما نجبر على العمل بطرق لا نختارها نحن. ولكي نجعل ما قاله بليخانوف عصرياً، نستطيع أن نقول بأن النهابين الذين يسيطرون في الوقت الحاضر على أسواق الصناعة الدوائية في العالم عليهم أن يخفضوا كثيراً أسعارهم فيما يخص أدوية مرض نقص المناعة (الإيدز) والأدوية الأخرى للعالم النامي وأن هذا متطلب محزن ولكنه ضروري فرض عليهم من خلال الظروف المصاحبة. إنهم ضحايا الضرورة الحتمية التي لا يستطيعون التحكم بها.

ومع ذلك، ما هو ضرورة وحاجة للرأسماليين فإنه حرية بالنسبة لشعوب العالم النامي. وإن الوجود الجديد لأدوية أرخص (كما هي محدودة وغير كافية كما يمكن أن تكون عليه) يعني صحة أفضل وحياة أطول لملايين البشر - ومن غير ريب هي نفس القوى الاجتماعية التي تخضع سلطة الرأسماليين وتحرر ضحاياهم. وهذا مثال على جميعة متناقضات ديالكتيكية.

وفي "الاشتراكية، اليوطوبية والعلمية"، يؤكد إنجلز على أنه ومن أجل إحداث تغيير اجتماعي إيجابي يهدف لتحسين حياة الناس من الضروري فهم قوانين التطور الاجتماعي واستخدام الظروف التاريخية القائمة حقاً. أما أن تحلم وتتوهم ببساطة بالحلول المثالية للمشكلات وتحاول أن تطرحها للتنفيذ بصرف النظر عن الوضع الحقيقي "على الأرض" فإنه لممارسة عقيمة في اليوطوبيا.

إن المستنقع الحالي الذي يجد إمبرياليو الولايات المتحدة أنفسهم فيه في العراق لمثال جيد. فقد خدعوا وضللوا من خلال رغباتهم الخاصة وتفكيرهم الرغبي بأنهم يقومون بممارسة "حريتهم" بأن تتم لهم الغلبة والسيادة على شعب آخر. ولكن كونهم يجهلون الحقائق والوقائع الاجتماعية الفعلية والواقعية، والظروف الثقافية والهياكل والبنى الإنثروبولوجية - علم الإنسان - والتاريخية، وكيف تطورت على مر الزمن في الأقاليم التي اجتاحوها، فإنهم الآن "مجبرون" على التعامل مع الوضع بطرق لم يتوقعوها أو لم يخططوا لها.

إنه ومن خلال فهم الضرورة أو الحاجة وتعلم كيفية العمل معها فقط يمكن ممارسة هذه الحرية. لذلك فإن الحرية ما هي إلا جميعة - انصهار واندماج معرفة الضرورة واستخدام الرغبة غير المقيدة.

إن كيفية فهمنا لهذا الديالكتيك في سياق النضال السياسي الحالي في بلادنا سيؤثر بشكل كبير على فعالية الأعمال التي نقوم بها في الأشهر والسنوات القادمة.

هناك الكثير من المجموعات الراديكالية ترغب في أن ترى إقامة وترسيخ الاشتراكية. إلا أن إقامة الاشتراكية تتطلب وعياً جماهيرياً ثورياً على أهبة الجهوزية للقيام بقفزة داخل صيغة جديدة بكاملها من الإنتاج الاجتماعي والملكية - قفزة حتى أوضح الومضات منها ليست قابلة للتحري.

ما هو الدور الذي قد يقترحه ماركس وإنجلز على تنظيم ثوري أن يلعبه في هذه الظروف؟ الجواب الذي يعطيه بليخانوف هو أن على هذا التنظيم أن "يسهم بالتغييرات التدريجية..."، يحاول أن يحدث إصلاحات، وبهذه الطريقة فإن كلاً من الهدف النهائي والإصلاحات يجد له مكاناً، وأن المعارضة الضادة جداً للإصلاح والهدف النهائي تخسر كل معناها، وتنزل في مرتبتها إلى مرتبة الأساطير اليوطوبية.

وإذا ما أريد للكلام أن يكون واقعياً ومحدداً وملموساً، فإن هذا يعني للكثير من التنظيمات الثورية العمل حسب رغبة كل منها من أجل تعزيز وتأييد قضية الاشتراكية، (بالفعل، أن يكون فيها القليل من الميلودراما أو السلوك المثير) لتعزيز وتأييد قضية الحركة الثورية العالمية والتي هي مكون صغير من مكوناتها، وإنه لمن الضروري بالنسبة لهم أن يركزوا ليس على تموضع ثوري ولكن على مبادرة "إصلاح" تدعو لدحر وهزيمة الجمهوريين وحلفائهم في الانتخابات الرئاسية.

وما يبدو متناقضاً ظاهرياً، وحيث أن التناقضات الديالكتيكية غالباً تكون في وحدتها المصطنعة، فإن الطريق إلى الاشتراكية يتقدم في هذا المفصل التاريخي، من خلال الجناح "اليساري" للبرجوازيين الديمقراطيين.

وفي "العائلة المقدسة" كتب ماركس وإنجلز "مع كمال الفعل التاريخي، فإن حجم الجمهور الذي يفعله سيزداد بسبب ذلك".

وينهي بليخانوف عمله بهذا الاقتباس وإنها لملاحظة مناسبة أن يختتم الكاتب تعقيباً حول الضرورة مقابل الحرية من خلال التعليق على أهميته.

إن التنظيمات التقدمية ستنمو فقط إذا ما شاركت وانهمكت بأفعال هامة وذات معنى وموجبة ومحتمة من خلال النضالات الصلبة والواقعية للطبقة العاملة وحلفائها ضد الأعمال الظالمة والاضطهادات التي ومن خلال ممارسة الرأسماليين لحريتهم يقومون بتنفيذها عليهم. إنهم في مقاومتهم لذلك يمارسون حريتهم وهم وكما لاحظ روسو في سياق آخر، قد أجبروا على أن يكونوا أحراراً.

تعريب هاني مشتاق

مجلة البوليتيكال أفيرز

المجلة النظرية للحزب

الشيوعي في الولايات المتحدة