موجة الاعتراضات الاخيرة في ايران، الشعبوية وضرورة التغلب على نقاط ضعف الشيوعية العمالية في ايران


مؤيد احمد
2009 / 7 / 15 - 08:23     

انها حقا ماساة فعلية تلك التي حدثت اثناء موجة المظاهرات الاخيرة في ايران. فمن جهة، ارادت وتريد الجماهير ان تتخلص من النظام الاسلامي ككل في ايران وشاركت فئات واسعة منها وخاصة الشباب والشابات والطلبة في موجة الاعتراضات الاخيرة وهما منها بتحقيق ذلك، ولكن من جهة اخرى وبشكل فعلي، انها شاركت في ظل شعارات واعتراضات وافق جناح اخر من نفس النظام وعلى نتائج الانتخابات المزيفة والصورية الجارية في ايران.
كثير من التيارات والاحزاب من اليمين واليسار في المجتمع الايراني وخارجه يعتبرون تلك التي جرت في ايران هي ثورة شعبية او بداية لثورة شعبية ودعوا بالتالي الى الدعم الغير مشروط لهذه الاعتراضات والتحركات بوصفها ردة فعل الجماهير ضد النظام الاسلامي ككل. ان تلك التيارات والاحزاب، وفي التحليل الاخير، تدعو الى الانجرار وراء هذه الحركة بمعزل عما تهيمن عليها من سياسات وشعارات وما تقودها من الآفاق وبمعزل عما تنجم عن تلك الاعتراضات من نتائج سياسية ملموسة.
قبل التطرق الى هذا الموضوع بالتفصيل اود ان اوضح نقطتين،
اولا: كما اشرت اعلاه فان فئات واسعة من الجماهير شاركت في الاعتراضات والمظاهرات الاخيرة في ايران كرد فعل منها ضد النظام الاسلامي ككل وثانيا: من الطبيعي بالنسبة لاي من يدعي بانه من محبي الحرية والمساواة ان يدعم الجماهير في مواجهة جرائم وتطاولات الجناح الحاكم وممارساته في قتل واعتقال المشاركين في الاعتراضات الاخيرة، ليس هذا فقط، بل يتخذ موقفا مساندا لحق الافراد في مواجهة النظام علنا وفي الشوار ع دفاعا عن حقوقها المدنية والسياسية.
غيران الموضوع الذي يثير الجدل ليس هو حول هذه البديهيات بل هو حول المحتوى الطبقي والطابع السياسي للحركة وحول مدى اهمية ضرورة المشاركة فيها بالنسبة للطبقة العاملة والشيوعيين بما فيها القيام بتنظيمها وقيادتها وتزويدها بالشعارات السياسية والخطط التكتيكية وغيرها من الامور السياسية العملية والتنظيمية. النقاش والجدل هو حول هل من الصحيح اعتبار تلك التحركات "ثورة" او بداية "الثورة"؟ واذا كانت هي كذلك، فعن اية ثورة وبداية اية ثورة نحن نتحدث؟. ان اكثرية التيارات السياسية اليسارية ومنظماتها، حسب علمي، دافعوا ويدافعون عن التدخل المؤثر في تلك الحركة وتزويدها بالشعارات والخطط التكتيكية ويبدو لهم غريبا تبني موقفا مخافلا لذلك.
بهذا الصدد اود ان اؤكد اولا، الافكار والتصورات التي تدعو الى الانجرار وراء كل حركة تقوم بها الجماهير بمعزل عن الآفاق السائدة عليها والظروف السياسية الموضوعية المتحكمة بها هي تصورات بوبوليستية (شعبوية) لا تربطها شئ بالماركسية مثلها مثل الافكار والتصورات التي تقدس "عفوية" كل حركة واعتراض تشارك فيها فئات واسعة من الجماهير، وثانيا ان الحركة الاخيرة في ايران ومن وجهة نظري ليست هي ثورة بل احتجاج سياسي شعبي في اطار افق "الاصلاحيين" الاسلاميين "الليبراليين"، اعتراضات ذات اهداف سياسية محددة وحركة سياسية ذات افق واطار سياسي معين لا يمكن تحويلها الى حركة سياسية اخرى ثورية من خلال ضخ المزيد من القوى اليسارية والثورية فيها. انه من الممكن العمل بشكل موازي ومستقل عنها واستغلال الظروف التي اوجدتها للتطوير بالقوة المستقلة للطبقة العاملة والشيوعية ويسار المجتمع عموما.

الطابع السياسي والمحتوى الطبقي للحركة
ماهية الحركة الشعبية العامة لاسقاط النظام الاسلامي في ايران
المسالة الاساسية في تحديد ومعرفة الطابع السياسي والمحتوى الطبقي لاية اعتراضات جماهيرية والتظاهرات والمظاهرات الشعبية هي معرفة الافق الاجتماعي والسياسي السائد على تلك الاحتجاجات اي افق الحركة الاجتماعية والسياسية التي تتحكم بمسارها السياسي. الطابع الشعبي العام لاي اعتراضات او حتى حقانية وعدالة مطالب الافراد المشاركين فيها لا يستيطع ان يحدد الطابع والافق والاطار السياسي بشكل اوتوماتيكي لتلك الاعتراضات، على العكس من ذلك، فان التحرك الجماهيري يسبقه سيادة افق واطار سياسي واهداف سياسية معينة تتحرك الجماهير في ظلها في فترة زمنية معينة.
الحركة القومية، الاشتراكية الديمقراطية المعاصرة والليبرالية في الغرب، المحافظين، الجمهوريين والديمقراطيين في امريكا، الاسلاميين الليبراليين الموسويين والاسلاميين الخامنيئين في ايران، الحركة القومية العربية والحركة القومية الكردية، في العراق.... وغيرها، هي كلها حركات اجتماعية وتيارات سياسية للطبقة البرجوازية ذات آفاق سياسية يقدمونها بوصفها افاقا وطرق حل للمجتمع ككل ويؤثرون على الاعمال والممارسات السياسية في مجتمع معين وفي فترات معينة من حياته. ان سيادة آفاق واهداف هذه الحركات الاجتماعية البرجوازية او الحركة الاجتماعية التحررية للطبقة العاملة اي الشيوعية والاشتراكية العمالية هي التي تحدد طابع الاحتجاجات والمظاهرات او مختلف اعمال وممارسات سياسية تحدث في مجتمع ما في فترات معينة وليس الطابع الشعبي لهذه الحركات.
وعلى السياق نفسه فانه لا يمكن في ظروف ايران المحددة الحالية تصور وجود حركة شعبية ثورية لاسقاط النظام وتحقيق مجموعة من الاصلاحات السياسية الجذرية من خلالها بدون ان يكون هناك نفوذ مؤثر وقوي لافق واهداف الطبقة العاملة التحرري على تلك الحركة.
ان الحركة الشعبية الواسعة لاسقاط النظام التي كانت قوية في الفترة السابقة في ايران وخاصة خلال فترة انتخابات خاتمي الاولى، والتي كانت تشارك فيها مختلف الطبقات والفئات والتيارات الاجتماعية والسياسية في ايران لم تكن بوسعها في ذلك الوقت وكذلك في مرحلة تراجعها الحالي ان تتواجد بشكل مستقل عن الصراع الطبقي وصراع التيارات الاجتماعية الجاري في المجتمع. لا يمكن ان تكون هناك حركة شعبية عامة مناهضة للاستبداد ولاسقاط النظام الاسلامي معزولة عن تاثير آفاق الحركات الاجتماعية الموجودة في المجتمع. فالحركة الشعبية لاسقاط النظام لا يمكنها ان تكون هي نفسها حركة اجتماعية طبقية محددة المعالم، انها، في احسن الاحوال، بوسعها ان تكون حركة سياسية شعبية عامة تشارك فيها مختلف الفئات والطبقات والتيارات الاجتماعية ولكن تتصارع فيها مختلف القوى والتيارات والاحزاب السياسية لكسب الهيمنة وتحديد معاني انتصار تلك الحركة السياسي ولايجاد التغيير في توازن القوى الطبقي لصالحها من وراء مشاركتها فيها.
ان الحركة الشعبية العامة لاسقاط النظام ليست حاليا بنفس تلك القوة والاقتدار السابق في ايران ولكن حتى اذا افترضنا بانها قوية الان فانها وفي سياق الاعتراضات الاخيرة في ايران استسلمت لافق الاصلاحيين وشاركت قطاعات من الجماهير في مظاهرات واحتجاجات دعا اليها وحدد اطارها ومسارها الاسلاميين من نمط الموسويين والرفسنجانيين.
الانتخابات، الاستياء الشعبي العام
واستغلال تيار الموسويين للاعتراض الجماهيري !
حقيقة الامر هي ان الذي جرى في ايران كان وقائع ما بعد فترة الانتخابات والتصويت في انتخابات ايران وكانت تلك العملية مقسمة بشكل اساسي بين التيارين والجناحين البرجوازيين الاسلاميين بافاقهما وطرق حلهما وسترتيجتهما المختلفتين: جناح موسوي ورفسنجاني وجناح احمدي نجاد والخامنئي. الجواب على السؤال كيف بات بامكان هذين الجناحين من ان يتحكموا بمسار السياسي في ايران يحتاج الى التوضيح والذي ساتطرق اليه فيما بعد.
فالأحتجاجات الجماهيرية الاخيرة في ايران كانت اعتراضات وحركة سبقتها الانتخابات اي انها كانت امتداد لطور سياسي مسبق. لقد كانت الاعتراضات والتظاهرات في الشوارع تجري في سبيل الضغط باتجاه التاثير على نتائج الانتخابات وتعديلها وبالتالي انها كانت الطور الثاني للصراع والتنافس على الاصوات بشكل التظاهرات الجماهيرية في مدن ايران وغيرها.
ان الذي يقول بان جناح موسوي قد استغل الاستياء الشعبي العام المناهض للنظام لصالحه يؤكد على امر صحيح ولكن الاستنتاج من ذلك بان المهمة تكمن في عزل نفوذ الاصلاحيين على الحركة الشعبية فانه ينسى او يريد ان لا ياخذ بنظر الاعتبار كون الطبقة العاملة والقوى الثورية واليسارية المناهضة للنظام لم تكن هي محرك الاعتراضات الاخيرة ولم تكن بتلك الدرجة من القوة بعد حدوثها بحيث تستطيع ان تبرز نفسها بوصفها قوة ثورية قائدة في الاعتراضات الاخيرة. الواقع هو ان الاصلاحيين هم الذين استطاعوا ان يستغلوا الحركة ويتحكمون بمسارها. فاذا كانت بوسع الاصلاحيين استغلال اجواء الاستياء الشعبي العام ضد النظام لصالحهم فان ذلك هو واقع وبالتالي لا يمكن تغيير ذلك الواقع من جراء مزيد من ضخ القوى الشعبية فيها بل من خلال العمل لتنشيط القوى الطبقية للعمال واليسار في خضم هذه الاحداث وتقوية صف الطبقة العاملة واليسار المستقل.
من شارك في الانتخابات بامل احداث تغيير هو الذي قام فيما بعد ايضا وبشكل اساسي بالاعتراض على نتائج الانتخابات ايضا بسبب كونه قد عرف بان الانتخابات كانت صورية ومليئة بالتزوير وتحت سيطرة السلطات. ان من دعى الى مقاطعة الانتخابات وتشديد النضال من اجل اسقاط الجمهورية الاسلامية كنظام لم يحمل وهما سياسيا بطبيعة هذه الانتخابات ولم يكن في اجندته القيام بالتظاهرات والاعداد لهذه التظاهرات فيما بعد ايضا.
دور الطبقة العاملة والقوى الشيوعية العمالية واليسار
في الاحداث الاخيرة
ان الطبقة العاملة وقوى الشيوعية واليسار والاشتراكية لم تتواجد بشكل مؤثر في تلك الاحداث لا لكون تلك القوى لا تستطيع ان تستفيد من تحركات وهيجانات سياسية وازمات في المؤسسات الحاكمة، مثل ما يحدث في ايران، بل بسبب كون تلك الاحداث كانت قد جرت في اطار سيطرة افق الحركات البرجوازية وارضيتها وبسبب غياب حركة سياسية مستقلة وجماهيرية ثورية قوية في الساحة في الوقت الحالي والاهم هو غياب الصف المستقل الطبقي العمالي المؤثر . فالمهمة هي ملء هذا الفراغ من قبل قوى الشيوعية العمالية والقوى الثورية.
ان سياسة مقاطعة الانتخابات المزيفة والصورية هي سياسة ثورية كما وان عدم الانجرار وراء اي من الجناحين فيما بعد الانتخابات هي ثورية ايضا.. ان تشديد الازمة بين الجناحين تخلق الظروف للجماهير بان تستفيد من الاوضاع وان تقوم باعمالها بشكل ثوري وخلق قاعدة لها في قلب تلك الاوضاع ولكن ليست من خلال الانجرار وراء التظاهرات التي يقودها جناح موسوي او غيره من الاسلاميين.
المسالة الاساسية هي ان الطبقة العاملة ليس بامكانها ان تحول هذه الحركة والاعتراضات الاخيرة الى ثورة في غياب حركة ثورية قوية على صعيد المجتمع، في غياب اكتساب الحركة الشيوعية واليسارية والافق التحرري للطبقة العاملة درجة من القوة والمكانة في المجتمع وداخل الحركة الشعبية المناهضة للنظام الاسلامي. انه من الممكن العمل والمبادرة في اجواء الاعتراضات والحركة الشعبية المناهضة للنظام لخلق هذه القوة والمكانة غير ان ذلك يتحقق عن طريق غير طريق الانجرار وراء المظاهرات على نتائج الانتخابات. وهذا هو كنه المسالة.
التحولات الاقتصادية والسياسية في ايران كمجتمع راسمالي
تحت سيطرة الاسلاميين
ان ما يجري في ايران هو احدى الحالات المعقدة التي تحتاج الى نوع من التعمق للخروج برؤية واضحة تجاه ما يحدث فيها. فمن جهة هناك استياء شعبي عام من النظام وموجة غضب شديد من ادامة النظام الاسلامي في ايران ضد قمعه للحريات وخنقه لحريات ومساواة النساء ولاي تطلع انساني في ذلك المجتمع، ومن جهة اخرى، فانه مجتمع برجوزاي تحكمه حكومة اسلامية رجعية الى اقصى الحدود اي حكومة استطاعت ان تحكم البلاد وتحمي مصالح راس المال والمصالح الطبقية البرجوازية في ظل ايديولوجيا الاسلامي. فرغم عدم تطابق مصالح تراكم راس المال مع البناء الفوقي الاسلامي، مع النظام الاسلامي في ايران فان الجمهورية الاسلامية وبشقيها الخامنيئئن– النجاديين والموسويين والرفسنجانيين استطاعت ان تؤمن دولة لراس المال وان يحكموا بلدا راسماليا بالرغم من عدم تطابق مستلزمات تراكم الراسمال مع البناء الفوقي السياسي الاسلامي اي حكم وايديولوجيا الاسلاميزم.
لقد مرت ايران وخاصة في السنوات القليلة الماضية بمرحلة من التطور واستقطابات وصراعات بين الاجنحة المختلفة في السلطة، بين من يدعم اقتصاد السوق الحرة وبين من يريد ان يتحكم بنوع من راسمالية الدولة على النمط الصيني والروسي من الاقتصاد. اي صراعات بين اجنحة اسلامية في السلطة التي تعكس مصالح فئات مختلفة من الطبقة البرجوازية داخل ايران، بين اسلامية "ليبرالية" اقتصادية واسلامية مستبدة خانقة للحريات تتحكم باقتصاد الدولة، بين من يدعم نمطا من الليبرالية الاسلامية والسوق الحرة والهجوم على معيشة الطبقة العاملة باشد اشكالها الممثلة بالرفسنجانيين والموسويين وبين من بايديه اقتصاد الدولة ويريد ان تحكم وهي تؤمن الشروط لادامة تراكم الراس مال واستثمار الطبقة العاملة بصورة وحشية وعلى النمط الصيني او الروسي. فخلاصة الكلام ، يمكننا ان نقول ، ومثلما استنتجه كذلك من تاكيدات الحزب الشيوعي العمالي الايراني– الحكمتي، على ان ادامة الجمهورية الاسلامية والصراع بين جناحيها الرئيسيين باتا ممكنا، الى حد ما، بسبب حصول تغيرات في الوضع العالمي والاستقطابات العالمية وكسب الموديل الصيني والروسي للاقتصاد نوعا من القوة والاستمراية في وضع الاقتصاد العالم الحالي وبوجه تراجع دور امريكا العالمي ووقوع نمطها الاقتصادي في ازمة حادة.
لا يخفي على احد بان الجناح المتسلط في طهران هو جناح الخامنئي واحمد نجاد والعسكريين و"الحرس الثوري" الاسلامي. هذا وان جميع التيارات والشخصيات المسماة "بالاصلاحية" هم في الواقع ليسوا الا معارضة من داخل النظام الاسلامي نفسه. فالجناح ما يسمى بالاصلاحي هو نفسه من مدافعي الجمهورية الاسلامية كنظام سياسي وعسكري وايديولوجي، ليس هذا فقط، بل شارك كل منهم بدرجات متفاوتة في جرائم النظام وتبوؤا بمسؤوليات كبيرة في مراحل مختلفة من عمر النظام. ان ما يجري من الصراعات داخل الهيئة الحاكمة هو بشكل عام بين هذين الجناحين اللذين يعكسان مصالح البرجوازية الايرانية وفئاتها المختلفة.
ان الاسلاميين الليبراليين منذ عهد خاتمي ولحد الان باتوا يمثلون تيارا سياسيا وجناحا يمثل ذلك القسم من البرجوازية الايرانية التي لها مصالح في اقتصادا مبني على السوق الحرة ويمثل مصالح الفئات البرجوازية المتوسطة الناشئة في اجواء الخفقان والقمع المستمر واستغلال قوة عمل العمال الرخيصة. فان لهذا التيار اسس ومصالح طبقية واقعية وهو تيار اجتماعي ويريد ان تتحول ايران باتجاه سياسي محدد. ان الشرئح المختلفة والتيارات والقوى السياسية المختلفة التي شاركت في التظاهرات الاخيرة لا يمكن عزلها عن الهيمنة الفكرية والسياسية لهذا التيار الموجود في المجتمع الايراني والذي يمثل مصالح الفئات المختلفة للطبقة البرجوازية وشرائح من المثقفين الذين لهم مصالح في تقوية هذا النظام.
ايران دولة دكتاتورية، والجمهورية الاسلامية هي دولة القمع والاعدامات فاي تحرك جماهيري ضد اية ظاهرة من ظواهر الظلم والقمع السياسي يكتسب اهمية كبيرة ويعطي للجماهير القوة بان يواجه نظام قمعي كهذا. غير انه لا يمكن تبني سياسة ثورية على اساس دعم اي من الجناحين و الانجرار وراء آفاقاها نشاطاتها السياسية . الموقف الثوري هو الوقوف بوجه الجناحين وتقوية العمل والنضال الجماهيري لدك اركان النظام بكلا شقيه وفتح المجال امام نضال الطبقة العاملة من اجل الاتيان بحكومة عمالية وبناء الاشتراكية.

لا يمكن تحويل نفس حركة ذو طابع سياسي غير ثوري
الى حركة ذا طابع ثوري
لا يمكن تحويل حركة سياسية معينة وبافق وطابع معينين الى حركة اكثر راديكالية وذات طابع ثوري بشكل ارادي او الى ان يحمل محتوى طبقيا اخرا. ان حركة ثورية اخرى بحاجة الى أن تتشكل بشكل مستقل ومواز ويحمل شعارات وآفاق سياسية اخرى ومرتبطة بطبقة ثورية كي تؤثر على مسار الاول. ان الحركة الديمقراطية البرجوازية في روسيا قبل شباط 1917 كانت حركة سياسية شعبية وتتسم بطابع ثورة شعبية لتحقيق اهداف معينة. فان تحويل تلك الحركة الديمقراطية الثورية الشعبية ولكنها برجوازية الطابع الى حركة بروليتارية اشتراكية وثورة اشتراكية غير ممكنة بدون حصول التحولات في مسار الحركة الاولى وتحقيق اهدافها، وبدون وصول الحركة الديمقراطية البرجوازية الى تحقيق نفسها ونهايتها المنطقية باي شكل قد يكون. اكد لينين في نيسان 1917بان الثورة الديمقراطية البرجوازية في روسيا قد تحققت ولكن في شكل محدد اي في شكل ظهور ازدواج السلطة وفي واقع كون السلطة المتمثلة بالمجالس كان يتنازل عن سلطتها طوعية للحكومة المؤقتة البرجوازية. انه كان يقول بانه لايمكن تحقيق المزيد من التقدم طالما بقينا في ارضية نفس الثورة البرجوزاية الديمقراطية اذ ان شرط المضي الثوري نحو الامام مرتبط بتقوية خط البروليتارية الثورية وحزبها والمجالس العمالية. لقد كان يقول بان شكل "المجالس" ليس هو الجوهري بل المحتوى الطبقي للمجالس هو الحاسم. ان الطابع الشعبي للثورة الديمقراطية في روسيا انذاك لم يؤد بـ لينين الى ان لا يرى مسار التقدم الى الامام، فلم يدعو الى المزيد من الدوران في حلقة الثورة الديمقراطية البرجوازية بل دعى الى تقوية صف الطبقة العاملة الاشتراكي المستقل لانقاض المجتمع وتحقيق الثورة المطروحة في اجندة تاريخ روسيا في ذلك الوقت.
مررنا نحن الشيوعيون العماليون في كردستان العراق في مارس1991بتجربة خاصة اذ شاركنا في الانتفاضة السياسية الشعبية العامة انذاك. بالرغم من انه لم نستطيع ان نغير من طابع وافق الحركة القومية الكردية المسيطرة على تحركات الجماهير ولكننا استطعنا ان نقوي الشيوعية والصف الطبقي العمالي والجماهيري. لقد حققنا ذلك بسبب فصل صفوفنا وافقنا وممارساتنا السياسية والعملية عن افق وصف الحركة القومية الكردية. لقد ادخلنا الساحة بوصفنا قوة شيوعية عمالية منظمة ومسلحة وبوصفنا قوة ننظم ونقود المجالس العمالية والشعبية في كردستان .
لقد كانت الاجواء العامة في آذار1991اجواء سيادة الافق القومي في كردستان العراق ولكن المنظمات الشيوعية العمالية: التيار الشيوعي، اتحاد نضال الشيوعية العمالية، ونقد العامل.. وغيرها في تلك الفترة استطاعت ان تقوي خطها وان تتحرك بشكل مستقل وبوجه الحركة القومية الكردية واحزابها الميليشية في تلك الفترة. لقد ظهرت حركتين اجتماعيتين بشكل متوازي في كردستان العراق. حركة سياسية واجتماعية للشيوعية العمالية بمنظماتها وقواها المسلحة وقادتها ومجالسها وحركة اجتماعية اخرى، الحركة القومية الكردية باحزابها وميليشياتها وافقها الاجتماعي وممارساتها السياسية وشخصياتها. فالذي حولنا الى قوة مؤثرة واجتماعية بوجه الحركة القومية الكردية لم تكن الافكار البوبوليستة المناهضة للاستبداد البعثي التي كنا في البداية نحملها والتي ادت بنا ان لا نرى مدى خطورة ورجعية الحرب الامبريالية التي كانت قد شنتها امريكا على العراق وان لا نحسب الحساب لمدى تاثير وسيادة الافق القومي الكردي على تحركات الجماهير في تلك الفترة. ان ما حولنا الى قوة هو قيامنا بمهامنا العاجلة كشيوعيين عماليين، هو اننا كنا قوة مستقلة طبقية واعية ومناهضة للافق القومي الكردي وبدانا نعمل ونقوي صفنا الطبقي المستقل وناضلنا كي نتحول الى قوة سياسية وتنظيمية قوية بوجه الحركة القومية الكردية واحزابها الميليشياتية.
فما جرى في ايران اخيرا من غير ممكن تحويله الى ثورة بدون تقوية الصف المستقل الطبقي العمالي والشيوعي في ايران. لقد بات امرا معروفا لدينا نحن الشيوعيون العماليون الذين مرينا بتجربة آذار 1991 بانه لا يمكن اعتبار كل اعتراض سياسي جماهيري بانه ثورة، ولكن يمكن العمل بشكل ثوري في عهد الانعطافات السياسية. يمكن العمل بشكل ثوري من خلال الارتقاء بتنظيم واعداد القوى الطبقية الثورية ومواجهة الآفاق والاطر والاهداف السياسة للقوى البرجوازية التي تستغل استياء و غضب الجماهير لصالحها. ان من لا يقول شيئا عن الموسوييين ولا يقوي صف المستقل الطبقي والاجتماعي للعمال و الجماهير بشكل فعلي بوجه جناحي النظام في الاعتراضات الاخيرة في ايران فانه لا يقول شئيا جديا فيما يتعلق بالثورة والعمل الثوري.

الثورة الاجتماعية للعمال،
الموقف من الحركات السياسية الجماهيرية غير الاشتراكية
ان تحقيق الثورة الاجتماعية للعمال وتحقيق التقدم الاجتماعي والسياسي في اي مجتمع راسمالي معاصر مرتبط بنضال ودور الطبقة العاملة وحضورها السياسي المستقل في الانعطافات السياسية التي تمر بها المجتمعات.
الميثود الماركسي لتقييم واتخاذ الموقف من اية احداث وتحولات سياسية التي تشارك فيها الجماهير في المجتمعات المعاصرة، يستلزم، براي، اخذ مسالتين جوهريتين بنظر الاعتبار:
الاول، هي اننا لا نستطيع ان نغير من طابع الحركات السياسية الجماهيرية وقواها المحركة بشكل اختياري او ان نسمي اية حركة بانها حركة اشتراكية وشيوعية او ثورية بالمعني المستخدم في الادب الماركسي. وبالتالي، لا يمكننا ان نبرر ذلك بسبب كون العالم الحالي قد تغير وبات يعيش في استقطاب طبقي متطور والصراع الطبقي قد وصل الى مكان في المجتمعات المعاصرة بانه من الممكن تحويل اية حركات سياسية ذات طابع شعبي وتشارك فيها جماهير كبيرة، بشكل اتوماتيكي، الى حركة لبناء الاشتراكية وتاسيس الحكومة العمالية. ان هذا كله يعني باننا لا نستطيع ان نلصق اهداف وآفاق الحركة الشيوعية العمالية التحررية بالحركات الاجتماعية والسياسية الاخرى في المجتمع، فيجب ان نتبنى تاكتيك سياسي محدد تجاه تلك الحركات.
ان الوقائع المادية المعاصرة التي تؤكد على هذه المسالة الاولي هي:
العلاقة بين الطبقات والاستقطاب الطبقي في العالم الحالي تتسم بواقعية متناهية، فلا يمكن تحويل هذه او تلك من الحركات السياسية في المجتمع الى حركة ثورية بشكل ارادي. كما ولا زالت هناك في العالم المعاصر حركات سياسية واجتماعية متعددة ومتنوعة تسعى لتحقيق التغيير والتحول في هذا الجانب او ذاك من البناء الفوقي السياسي والثقافي والفكري البرجوازي للمجتمعات، وهناك قطاعات مختلفة وواسعة من الجماهير تشارك وتناضل في تحقيق تلك التحولات والتغييرات وتسعى من اجل تحقيق هذا او ذاك الجانب من الاصلاح السياسي او حتى تحقيق "ثورة" سياسية في هذه المجتمعات. ان الشيوعية العمالية والاشتراكيين لا يمكنها ان تبقى معزولة عن تلك الحركات، عليها ان تتبنى تاكتيك وخطط محددة تجاهها وتناضل من اجل نشر النفوذ السياسي والفكري والافق الشيوعي العمالي داخلها وتسعى من اجل تحرير الجماهير من تحت نفوذ اوهام وآفاق التيارات البرجوازية عليها. انها تقوم بذلك كي تتبنى تلك الحركات اهداف سياسية راديكالية وثورية خارج اطار افق وسياسات البرجوازية ولكي تكسب الشيوعية العمالية والطبقة العاملة الاقتدار السياسي. مثال على هذا النوع من الحركات هي الحركات المناهضة للظلم القومي، الحركات الشعبية المناهضة للاحتلال، حركات لخلاص المجتمع من الوقوع في براثن السيناريو الاسود، مشاركة الجماهير في الحركات الجماهيرية ضد الاستبداد السياسي او ضد دكتاتورية الاسلاميزم كما هو الحال في ايران ،... وغيرها.
المسالة الثانية هي: لا يمكن تحقيق ثورة اجتماعية وتحقيق تحول سياسي ثوري في البنيان السياسي للمجتمعات في عالمنا المعاصر بدون تامين الحضور المستقل السياسي والفكري والتنظيمي للطبقة العاملة. فبدون استعداد الطبقة العاملة وكسبها الوعي والتنظيم الكافي لخوض صراع سياسي وفكري متعدد بوجه جميع الطبقات الاجتماعية الاخرى من غير الممكن المضي نحو الانتصار نحو تحقيق الحكومة العمالية وارساء الاشتراكية.
ان شعارنا السياسي هو حكومة عمالية عندما نتحدث عن السلطة وحتى وان طرحنا تاكتيكات معينة قبال حركات سياسية واجتماعية اخرى. اذ انه في كلتا الحالتين اي حالة النضال السياسي الاشتراكي المباشر من اجل تحقيق الاشتراكية او في حالة تبنينا لتاكيتك معين تجاه حركة سياسية شعبية معينة فان شعارنا كقوة حزبية طبقية مستقلة يبقى نفسه اي حرية مساواة حكومة عمالية. كما وفي كلتا الحالتين الشرط الضروري لتحقيق التقدم والمضي قدما الى الامام هو الحضور السياسي المستقل للطبقة العاملة والحزب السياسي الشيوعي العمالي وتطوير اقتدارهما. وتاكتيكنا السياسي هو بالاساس للوصول الى هذا الهدف.

وفي الختام
لا نقف بوجه اي اشتراكي يريد ان يحول الاحداث الاخيرة في ايران الى ثورة شعبية عارمة بوجه النظام الاسلامي ككل ولكننا كشيوعيين عماليون من حقنا ايضا ان ننتقد ذلك بوصفه افكارا شعبوية تركناها قبل 18 سنة. من وجهة نظري، فان شرط تحويل اية ازمة في الحكومة واي انعطاف سياسي و تحرك سياسي جماهيري في ايران لصالح الاشتراكية مرهون برسم الحدود الفاصلة سياسيا وعمليا وتنظيميا بين القوى الاشتراكية والثورية وبين القوى البرجوازية المختلفة التي تريد اصلاح النظام الاسلامي في ايران . ان ضعف دور القوى الشيوعية العمالية والاشتراكية في خضم الحركات الجماهيرية الاخيرة في ايران قد جعلنا كشيوعيون عماليون نتلمس خطورة استمرار هذا الضعف . ان المهمة الانية هي ارتقاء بصف نضال الطبقة العاملة المستقل و تقوية الشيوعية العمالية في ايران، فالوقوف بوجه الافكار و التصورات البوبوليستية تجاه الاحداث الاخيرة هي جزء من ازالة هذا الضعف .