الرئيس تشافيز: ما من ثورة بدون الطبقة العاملة


فنزويلا الاشتراكية
2013 / 3 / 6 - 20:12     

نشر الموضوع لاول مرة في 2009

"كما لو أنني أبحث عن تشجيع من واحد من شهداء شيكاغو، أوغست سبايس، مستعملاً هذه الكلمات المضيئة التي قالها في دفاعه عن رفقائه وعن نفسه قبل أن تحكمهم المحكمة بالموت: إن كنتم تعتقدون أنكم بشنقنا ستتمكنوا من إخماد الحركة العمالية-حركة ملايين المظلومين، الملايين التي تكدح وتعيش في الحاجة والبؤس-عبيد الأجر الذين ينتظرون الخلاص-إن كان ذلك رأيكم فأعدمونا! هنا تطلقون شرارة، لكن هناك، وهناك وخلفكم وأمامكم وفي كل مكان ستشتعل النيران. نيران خفية لا يمكنكم أن تطفئوها." هذه الكلمات اقتبسها قائد الثورة البوليفارية في سطوره بمناسبة يوم العمال العالمي، في ذكرى يوم من عام 1886 في الولايات المتحدة الأمريكية شهد نهوضاً عمالياً لم تضبطه الفتات بل أثارت غضبه فلم يفلحوا بإسكاته إلا بمجزرة كان موعدها 1887 كتب عنها مارتي في صحيفة أرجنتينية عام 1888 قائلاً: "بينما كانت رؤوس رفقائه مغطاة، دوى صوت سبايس برنة ضربت بقوة في أجساد من سمعوه: سيأتي الوقت الذي سيكون فيه صمتنا أقوى من أصواتكم التي تلعلع اليوم."

قد تكون مناسبة هذا اليوم في كل مكان من العالم لها وقعها الخاص إلا أنها في فنزويلا تختلف تماماً فلقد وصلتها النيران التي بشّر بها سبايس، فكما استشهد مع رفاقه "لأنهم كانوا مخلصين، لحد أنهم قدموا حياتهم لقضيتهم العادلة التي دفعتهم للثورة في الأول من أيار" بحسب كلمات مارتي، فإن رفاقهم اليوم في فنزويلا من الطبقة العاملة يستمرون بتقديم أرواحهم على مذبح الثورة الاشتراكية في العديد من المناطق الفنزويلية التي تستمر فيها جرذان البرجوازية بارتكاب ذات الجرائم التي ارتكبوها في شيكاغو سالبين العمال الاشتراكيين المناضلين أرواحهم بأعمال اغتيال قذرة ما عاد أمامهم سواها بعد أن فشلوا بشراء العديد من القادة العماليين الاشتراكيين كما فشل أسلافهم في الولايات المتحدة بشراء قادة انتفاضة الأول من أيار في شيكاغو.

الصرخة لم تنقطع، والذاكرة لم تمحَ فإن "أولئك الذين لا يشربون من نبع الذكريات يخاطرون بالخوض في متاهة النسيان، إن لم تكن لدينا ذكريات فإننا محكومون بالبدء من الصفر في كل يوم" هذا ما حذر منه قائد الثورة الاشتراكية، فلا يمكن أن نغض أعيننا عن حقيقة أننا في موقع وهم في موقع، نحن على خط وهم على آخر، ولسنا متباعدين ولسنا في بقاع مختلفة بل نحن في موقعة واحدة، هم في خندق الاستغلال والابتزاز والجريمة ونحن في خندقنا الثوري الاشتراكي الإنساني "بالنسبة لنا، بالمشاركة بأكثر ما يهم الإنسانية، يوم العمال العالمي، فإننا لا نمتلك فحسب حساً عنيداً لذكرى النضال الشعبي الطويل بل إنه إعادة تأكيد الالتزام بالاستمرار بالعمل لرؤية شمس الاشتراكية فينا."

في الأول من أيار غصت شوارع كاركاس وكافة المناطق الفنزويلية بمناصري الثورة البوليفارية ليكون اليوم احتفالاً بما حققته الطبقة العاملة في البلاد لا يوماً للاصطدام مع السلطة السياسية كما حدث في باقي بقاع العالم. البروليتاريا الفنزويلية، التي تمكنت من انتزاع الكثير من حقوقها عبر نضال طويل وشاق بوجه النظام البرجوازي القديم وحتى في ظل الثورة البوليفارية من خلال التصدي للبيروقراطية ولتحالفاتها البرجوازية، لا فقط تزداد وعياً وإدراكاً لموقعها الطبقي فحسب بل أيضاً بدأت تدرك كيفية الاستفادة من الوسائل النضالية وتطويع ما هو متاح لتحقيق مصالحها الطبقية.

فالطبقة العاملة الفنزويلية لا تكتفي ولا يجب أن تكتفي "بتوليد علاقات إنتاج جديدة فقط" بحسب الرئيس بل عليها أيضاً "أن تدفع باتجاه نقل السلطة لتوسيع سيطرة العمال" وأضاف قائد الثورة الاشتراكية بأن "ليون تروتسكي قد كشف عن مفهوم انحطاط الطبقة العاملة ليعرّف الدولة الاستبدادية المدعومة بالأيديولوجية الستالينية" فحذر من أن الاعتقاد بأن دفع تطوير وسائل الإنتاج دون تطوير ما يوازيها ديمقراطياً من زيادة النفوذ العمالي بإدارتها-أي وسائل الإنتاج-سيؤدي مجدداً للوقوع في الانحطاط البروليتاري والسقوط من جديد في دولة ستالينية "فلا يجب أن تكون هنالك علاقة وصاية مع العمال خلال بناء النموذج الاشتراكي، فلا الدولة ولا الحكومة ولا الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا يجب أن يتولى مسؤولية تنظيم وقيادة العمال" كما كان سائداً في النظم الاستبدادية التي استغلت الطبقة العاملة بل على "العمال أنفسهم أن يتولوا هكذا مهمة تاريخية بوعي طبقي مسؤول" فيوجهوا ويقيّموا العمل الحكومي والحزبي بديمقراطيتهم التي يبنوها بأنفسهم بالذات ليتمكنوا تدريجياً من السلطة السياسية ويدمروا الجحور البرجوازية والعلقات البيروقراطية وإن بدا أن المهمة "تستغرق وقتاً طويلاً" فإن الرئيس أكد على أنها "يجب أن تبدأ فوراً" وعلينا أن لا نضيع المزيد من الوقت "فالبرجوازية لن تبقى مكتوفة الأيدي".

الشركات الحكومية "يجب أن يتم تغييرها وألا تدار كالشركات الرأسمالية" فلا يكفي أن تتملكها الدولة لنكون قد مضينا بطريق الاشتراكية بل عليها أن تكون "شركات اشتراكية حيث للعمال فيها دور أساسي وفعّال وحيث لا تبقى هنالك أي امتيازات للمدراء" فما دامت أقلية تدير-أياً كانت تلك الأقلية-فإننا قد نحصل على نظام أكثر عدلاً ولربما يقدم ما هو أفضل من النظام البرجوازي القديم إلا أنه لن يكون نظام يعبر عن "الثورة الدائمة" التي لا بد لها أن تطلق مكنوناتها بنظام لا يقف عند حدود ولا يكتفي بتغييرات طفيفة أو بتبديلات أفراد بآخرين بل بديمومة التقدم البروليتاري الذي يبدو بصورة لا مثيل لها في فنزويلا في كل مكان والذي إن قدم أساساً مادياً ومعرفة علمية تشكل على الأقل الحد الأدنى للبدء بعملية البناء الاشتراكي فإنه يبحث عن المزيد الذي تحتاجه ثورته والذي حدده قائد الثورة "قراء ناقدون..نحتاج للقراءة والقراءة، ليس فقط الكتب، بل واقعنا" فالثوريون في فنزويلا لا يواجهون مهام "البناء" فحسب بل كل واحد منهم عليه أن يكون "وسيلة إعلامية"، فالبرجوازية تستغل سيطرتها على وسائل الإعلام لترويج الأكاذيب وتلفيق التهم التي لا أساس لها على الإطلاق ولا يوجد من يدحضها ويتصدى لها إلا الثوري في هذه المرحلة، ولا يكفي أن يكون مالكاً للمعرفة ومطوراً لذاته من خلالها وبالتالي مطوراً للإعلام الثوري المضاد للإرهاب الإعلامي البرجوازي، بل عليه أن يمتلك "الرؤية النقدية" كي لا يكون ببغاءً وتابعاً ومستغلاً من البيروقراطية بل ناقداً ومتصدياً لها، أي يحتاج إلى معرفة علمية لتنفيذ تحول البنى التحتية وملكة إعلامية لنشر النجاحات وتشجيع النفوس وروح نقدية لضرب من قد يسرقوا البناء ونجاحاته وحتى الرايات والأغنيات من ثورتنا، وكله يحتاج للحرية التي أكد الرئيس تشافيز على أن "الطريق الوحيد لتكون حراً هو أن تتعلم..الثقافة هي أساس حريتنا. والقراءة الجيدة هي الدرب الرائع نحو التحرر المؤكد."

انطلقت "الخطة الوطنية للقراءة" التي تهدف لرفع السوية الثقافية والمعرفية للفنزويليين، وبعدها بأيام ارتفعت أجور العمال الفنزويليين بنسبة 10% ليكون الحد الأدنى للأجور في فنزويلا هو الأعلى في أمريكا اللاتينية في وقت يسرح فيه العمال والموظفين من أشغالهم حول العالم وتنخفض الأجور أما في فنزويلا ترتفع ولا يستمر بالانخفاض فيها إلا معدل البطالة. الأجر العمالي المرتفع سيتم رفعه مجدداً في بداية شهر أيلول (سبتمبر) القادم أيضاً بنسبة 10% فبالرغم من الإنخفاض الحاد في عوائد النفط الفنزويلي فإن الحكومة الفنزويلية تعوضه بمخزون احتياطي مالي لا بأس به وبتأميم المزيد من وسائل الإنتاج بغية زيادة عائدات الموازنة الحكومية لتعويض النقص الذي تسببت به عائدات النفط، لتكون الحكومة كما أكد الرئيس تشافيز "حكومة صادقة وحقيقية لأجل العمال بالأقوال والأفعال".

وبدورها، وكعادتها، لم تمنع البرجوازية الفنزويلية نفسها عن المشاركة بالمناسبة بأعمال عنفية، فلقد حصلت كونفدرالية عمال فنزويلا CTV المعارضة على رخصة لتسيير مسيرة كما فعلت الجبهة الوطنية للعمال البوليفاريين، وتم فصل المسيرتين تحسباً لأي صدامات، إلا أن المسيرة المعارضة التي كان عددها ضئيلاً-بضعة مئات-لحد أنه كان من الصعب التمييز بينها وبين أي ازدحام اعتيادي في قلب العاصمة فلم تتضمن عمالاً بل كانوا "أرامل الرأسمالية" كما أسماهم الرئيس، وللفت الانتباه اعتدوا على مراكز لتوزيع الغذاء المدعوم حكومياً وتحرشوا بمجموعات مؤيدة للثورة لإثارة أعمال عنف.

كان في ظل نظام أرامل الرأسمالية 1.200 نقابة عمالية أما في ظل الثورة فلقد بلغ عددها 6.000 إضافة إلى المجالس العمالية وهي مشروع مقبل لتزويد العمال بالمزيد من الصلاحيات والقدرات والإمكانيات، ومنظمة العمل الدولية تعترف لفنزويلا بأنه لا يوجد أي تدخل حكومي بعمل النقابات فيها ولا أي تقييد لحرية التجمعات المكفولة دستورياً وعملياً في بلاد ثورة بوليفار التي تنتشر فيها تجمعات العمال الذين بات اتحادهم مسلّمة لا يشككون بها ويبدؤون كل عمل يقومون به بوحدة وتضامن عماليين.

البروليتاريا، الطبقة العاملة الفنزويلية، قد تكون خائضة لأصعب المراحل التاريخية التي تمر بها فنزويلا، وربما العالم، بما أنها المسؤولة عن تشييد اشتراكية القرن الواحد والعشرين في عالم كاد يخلو إلا من رأسماليين أو اشتراكيين-رأسماليين وحتى اشتراكيين دوغمائيين لا يعرفون الاشتراكية إلا كما كانت في تجارب القرن الماضي. طبقة لم تكتمل أركانها لتكون قادرة على تولي السلطة السياسية بشكل كامل، إلا أنها مرغمة على مراقبتها ولجمها وتوجيهها وقائد ثورتها يطالبها بأن تقود الحزب لا أن يتفرد هو بقيادة الثورة التي بدأت مع نهاية قرن حمل من خيبات الأمل الكثير وانطلقت في قارتها وفي عالمها الذي كان ينعى الاشتراكية في حينها وبفضل تلك البروليتاريا التي كانت تضرب بذراع منهكة، تغير وجه بلادها وبدأت تطلق ذات الشرارات التي كانت في شيكاغو باتجاه العالم.

قال قائد الثورة الحمراء: "لكن كلمات سبايس تستمر بالضرب عميقاً فينا.. إنها صوت أولئك الذين يراهنون ويستمرون بالمراهنة على الحساب الدنيوي، إنها صوت أولئك المخلصين للحياة والمعادين للموت."