أزمة الإمبريالية وفرص الثورة البروليتارية


عبد السلام أديب
2009 / 6 / 24 - 09:54     

لم يستهدف أبدا نمط الإنتاج الرأسمالي خلال تاريخه الطويل إشباع الحاجيات الأساسية للجماهير الشعبية. بل ظل على العكس من ذلك يطور المناهج العلمية والتقنية لوسائل الإنتاج بقفزات متوالية هائلة، تحقق للبرجوازية مراكمة أرباح وثروات خيالية، وذلك عبر، استخلاص فوائض وأرباح هائلة من خلال تشديد استغلال العمال والعاملات وشعوب الدول التابعة.
ولم يحدث خلال مائتي وعشرة سنة من هيمنة نمط الانتاج الرأسمالي انفراج في حدة الاستغلال والافقار التي باشرتها الأوليغارشية البرجوازية إلا لمدى ثلاثين سنة المعروفة بالثلاثينات المجيدة والتي أعقبت الحرب العالمية الثانية والتي جاءت نتيجة التوازن الذي حدث بين المعسكرات الثلاث وهي المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي ومعسكر دول عدم الانحياز، ولم يحدث هذا التوازن من تلقاء نفسه بل جاء نتيجة ثورة العاملات والعمال في أكتوبر 1917 والثورة الصينية سنة 1949 والتي حدثا نتيجة الضعف الذي ذب في جسد الامبرياليات التي فرضت على العالم حربين عالميتين مدمرتين، كما استغلت الشعوب المستعمرة هذا الضعف للحصول على استقلالاتها. وقد تمثل الانفراج الذي حدث في توفير عدد من الخدمات الاجتماعية بالمجان عبر القطاع العمومي وكذا بأنسنة الحقوق الشغلية والاستجابة للمطالب النقابية ووضع مجموعة من المواثيق الدولية لحقوق الانسان.
لكن مع انهيار التوازن الثلاثي وتفككه لصالح هيمنة اليمين المتطرف في الغرب الرأسمالي على المراكز السياسية الامبريالية مع نهاية عقد السبعينات من القرن العشرين بدأت الأليغارشية البرجوازية العالمية تستعيد تحكمها واستغلالها المتوحش لشعوب العالم وتحاول تدبير أزمتها الهيكلية على حساب العاملات والعمال من جهة وعلى حساب شعوب العالم الثالث من جهة ثانية وعن طريق تدمير التجارب الاشتراكية القائمة.
ولا يهتم نمط الإنتاج الرأسمالي والأليغارشية البرجوازية المتحكمة فيه والكمبرادوريات التابعة المتحكمة بمختلف بلدان العالم الثالث بمدى تعمق فقر العاملات والعمال وانتشار جيش العاطلين حتى بين حملة الشهادات العليا من أبناء الجماهير الشعبية الكادحة.
ولقد ظلت الحلول المعتمدة من طرف الأوليغارشيات البرجوازية العالمية وأتباعها لتدبير أزماتها المتمثلة في التناقضات التي ينتجها نمط الإنتاج الرأسمالي، بين تفاحش الثراء من جهة وتفاحش الفقر من جهة أخرى تتمثل في الدخول في أزمات دورية للاقتصاد الرأسمالي يتم خلالها تحطيم وسائل الإنتاج لدى الشعوب الأخرى وما ينتج عن ذلك من تسريحات جماعية وتعميق التناقض بين مالكي وسائل الإنتاج والطبقة العاملة وعموم الكادحين وذلك من أجل الحفاظ على بقاء شركاتها متعددة الإستيطان التي تعيش أزمة هيكلية منذ سنة 1973، وقد تجسدت هذه الوضعية على المستوى السياسي بالأزمات السياسية وعدم فعالية آليات الديموقراطية البرجوازية الغارقة في ظل ديكتاتورية السوق حيث يتم الاستعانة بالضغوطات والأموال والأجهزة السرية والعلنية والتنظيمات السياسية المفبركة لصناعة أغلبيات سياسية مصطنعة للاستمرار في انتاج نفس نمط الانتاج الرأسمالي.
ومعلوم أنه في ظل الرأسمالية الاحتكارية للدولة الحالية، أصبحت الاحتكارات تتلاعب بمختلف الأجهزة السياسية للدول عبر فبركة ديمقراطيات الواجهة للتأثير على الحياة الاقتصادية لصالحها، بهدف اعادة انتاج نفس النخب والاستمرار في نفس نمط الانتاج المولد للاستغلال، فالبرجوازيات المتعفنة تستعين بمختلف الوسائل المادية وتسخر آليات الدولة الدعئية والقمعية لكسب الرهانات الصورية للانتخابات البرجوازية.
لكن تكريس هذا التوجه يعمق أكثر الأزمة العامة للرأسمالية التي وصلت حدودها التاريخية، حيث أصبحت لا تنتج سوى الفقر والبطالة والمجاعة والأمراض الفتاكة واحتداد الصراع الطبقي في كل مكان ومظاهر جديدة من الأزمات الاقتصادية:
• فالكساد المتذبذب الناتج عن مأزق الأزمة الهيكلية للرأسمالية أخفى كل مظهر من مظاهر الانتعاش؛
• كما أصبحت الزراعة تعاني من أزمة مزمنة أجهزت على الآلاف من صغار المزارعين ومن المنتظر أن تجهز على الآلاف من الفلاحين المتوسطين؛
• تفاقم الأزمة المالية نتيجة المضاربات المجنونة والأزمة الاقتصادية نتيجة المخزون الهائل في رؤوس الأموال والمنتجات وانحصار إمكانية تصريفها مما دفع بالعديد من كبار الأبناك والشركات والدول نحو حافة الإفلاس تفاقمت معها تسريحات الطبقة العاملة وتراجعت مداخيلها مما فتح الباب أمام تصاعد الاحتجاجات والانتفاظات والاضطرابات الاجتماعية والسياسية ودفع القوى الرأسمالية لاعتماد قرارات فاشستية قمعية؛
• كما عرفت الآلة الإنتاجية للرأسمالية تطورات هائلة أحدثت انقلابا كبير في مجال المكننة والالكترونيات مما مدد مفهوم الطبقة العاملة نحو ظهور شرائح عمالية تشتغل على الحواسيب وتتمتع بخبرات هندسية وعلمية متطورة بعضها تموقع كمأجور حتى في مواقع التسيير إلا أن علاقات الإنتاج تظل هي نفسها من حيث عمق استغلال الطبقة العاملة واقتطاع فائض القيمة من أجور العاملات والعمال لمراكمة أرباح البرجوازية عدوها الطبقي الدائم؛
• كما تواصل التدمير المتزايد للبيئة مما ولد شبح أزمة بيئية عالمية وكارثة إيكولوجية كونية تهدد الطبقة العاملة والنوع البشري بكامله؛
• لجوء الأوليغارشية البرجوازية العالمية لمعالجة أزمتها إلى الحروب وخلق بؤر التوتر السياسية، مما جعل ظاهرة الحروب المتوالية تشكل احدى سمات مرحلة الأزمة العامة للرأسمالية الراهنة.

إن المرحلة الراهنة للأزمة العامة للرأسمالية المتسمة بفساد كبير للمنظومة الرأسمالية الامبريالية تذكي لدى الطبقة العاملة في نفس الوقت حدة الاحتجاج والصراع الطبقي محليا وعالميا، كما توفر عبر تطور قوى الانتاج العصرية جميع الظروف المادية المسبقة والوعي الطبقي اللازم للتحول نحو المجتمع الاشتراكي العالمي أي عبر تحول سياسي عميق قد يطول أمده أو يقصر حسب الارادة الثورية للطبقة العاملة وتنظيماتها الذاتية المستقلة. فالطبقة العاملة والشعوب المستضعفة أصبحت أمام خيارين يتجه أحدهما نحو بناء جبهة للنضال الثوري للقضاء على الإمبريالية وبناء الاشتراكية، ويتجه الآخر نحو الغوص أعمق في مستنقع البربرية الرأسمالية.
الجماهير الشعبية المكتوية بنار ديكتاتورية السوق والأولغارشية البرجوازية وأتباعها من الكومبردور في دول العالم الثالث لا ترغب في السقوط في كمائن البربرية الإمبريالية والتي سبق لها أن أشعلت نار حربين عالميتين، بل نجدها تقاوم بهمة على الصعيدين العالمي والمحلي.
فرغم محاولات تجميد الوعي الطبقي لديها عبر مختلف الوصفات السياسية الإصلاحية والديمواغوجية اليمينية واليسراوية الإصلاحية والاسلاموية والأساليب الدعائية والقمعية المنتهجة من طرف الأنظمة التي ألغت العمل ببعض الأساليب الديمقراطية وأصبحت تنتهج سلوكا فاشستيا واضحا. لكن هذا الواقع سيجعل العمال أكثر فأكثر استعدادا للنضال والمرور نحو النضال الجماهيري.
في هذه المرحلة يصبح من مهام المناضلين تحيين القوانين الداخلية للصراع الطبقي وضبط العلاقة القائمة بين الأحداث السياسية ومؤثرات لأزمة الاقتصادية المتعددة، التي قديتم التمويه عليها لتضل غير واضحة. فنشر المعرفة الدقيقة بهذه العلاقة يجعل الطبقة العاملة تكتسب وعيها الطبقي القابل لقلب هيمنة الأوليغارشية البرجوازية وأذنابها من الكومبرادور عبر الصراع الطبقي البروليتاري طويل النفس وعبر الثورة الاشتراكية المضفرة.