العولمة الرأسمالية والمسألة القومية *


لطفي حاتم
2009 / 6 / 23 - 06:41     



أنتجت العولمة الرأسمالية فكراً سياسياً يتسم بكثرة من الوقائع والمفاهيم منها : ترابط السياسية الوطنية / الدولية ، ومنها الموجة القومية الثالثة وتناقض مسار تطورها ، ومنها خفوت الصراع الفكري الاجتماعي الناتج عن هيمنة الليبرالية الجديدة وانحسار فعالية الفكر الاشتراكي.
إن الوقائع والتشابكات المشار إليها تشترط البحث والتحليل بغية الوصول الى منطلقات نظرية تخدم القوى الاجتماعية الراغبة في بناء علاقات دولية / وطنية مستندة الى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
استنادا لكثرة التغيرات والتبدلات وبهدف حصر ما يهمنا بموضوعات عامة محددة أتوقف عند سمات الموجة القومية الثالثة الذي أطلقها الطور الجديد من التوسع الرأسمالي عبر المحاور التالية : ـ
المحول الأول: ـ العلاقات الرأسمالية وظهور الدول القومية.
المحور الثاني : ـ الموجة القومية الثالثة وظهور الدول الجديدة
المحور الثالث: ـ الطور الجديد من التوسع الرأسمالي ومصير الدول العربية.
المحور الرابع: ـ العولمة الرأسمالية وحق تقرير المصير.

على أساس تلك العدة المنهجية أحاول تناول الموضوعات المثارة برؤية مكثفة.

المحول الأول: ـ العلاقات الرأسمالية وظهور الدول القومية.
بات معروفا أن الموجات القومية الثلاث المتعاقبة ارتبطت بتطور حركة رأسمال التوسعية وبهذا المعنى لا يمكن بأي حال دراسة الدولة / الأمة بمعزل عن نمو وتطور العلاقات الرأسمالية وبلوغها مرحلة تاريخية اشترطت معها ظهور الدولة الرأسمالية.
انطلاقاً من تلك الموضوعة ولغرض متابعة الموجة القومية الأولى وسماتها التاريخية لابد لنا من تناولها بأفكار عامة ومكثفة عبر الموضوعات التالية: ـ
الموضوعة الأولى : ـ أفضى نمو وتطور رأس المال الى ظهور طبقة برجوازية اشترطت قوتها السياسية ومصالحها الاقتصادية توحيد الأسواق الوطنية بديلا عن البعثرة الإقطاعية واستناداً الى قوة ومصالح الطبقة التاريخية الناهضة نشأت الدول القومية في أوربا استجابة للتطورات الاقتصادية / الاجتماعية التي فرزتها الحركة الصاعدة لرأس المال .
الموضوعة الثانية : ـ بعد توحد الأسواق الوطنية وتوطد الدول القومية تطورت النزعات التوسعية لراس المال فاتحاً ـ الراسمال ـ بذلك مرحلته الاستعمارية المتسمة بالنزاعات والحروب الدولية وما نتج عنها من ظهور الموجة القومية الثانية .
الموضوعة الثالثة: ـ مرت الموجة القومية الثانية بأطوار مختلفة تبعاً لحدة النزاعات الوطنية الصراعات الدولية وبهذا المسار يمكن رصدها في الأطوار التالية: ـ
الطور الأول : ـ أدت المنافسة الرأسمالية الى احتراب الدول الأوربية في الحرب العالمية الأولى الأمر الذي أفضى الى إعادة اقتسام العالم اقتصاديا وسياسيا وما نتج عنه من : ـ
ــ انهيار إمبراطورية النمسا ـ المجر وظهور الدول القومية الجديدة في أوربا .
ــ تفكيك الإمبراطورية العثمانية وتقاسم ولاياتها بين الدول المنتصرة وظهور ما أصطلح على تسميته بالدول الوطنية.
ـــ انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وتحول الإمبراطورية الروسية الى اتحاد لجمهوريات سوفيتية على أسس فدرالية.
ــ انقسام العالم الى نهجين للتطور الاجتماعي ارتكز بناءهما الاقتصادي على تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية فبالوقت الذي قادت المنافسة الرأسمالية الى ظهور الدولة الرأسمالية الاحتكارية، اعتمدت ثورة أكتوبر الاشتراكية الدولة كأداة للتطور الاقتصادي / الاجتماعي محولة إياها الى دولة احتكارية .

الطور الثاني : ـ سعت القوى الفاشية الحاكمة في ــ ألمانيا ، ايطاليا ، اليابان الى المطالبة بإعادة اقتسام العالم الأمر الذي أفضى الى نشوب الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها من انطلاق النزعة التحررية و ظهور عشرات الدول الوطنية المستقلة .
انطلاقا من تلك المعطيات يجدر بنا التوقف عند سمات الطور الثاني من الموجة القومية والتي يمكن تثبيتها بالمحددات التالية: ـ
ـــ عززت نتائج الحرب العالمية الثانية المكانة العالمية للدولة السوفيتية وحلفها الاشتراكي
ــ ترابط نهوض الدول الوطنية المستقلة وهيمنة الشرائح الوسطى الراديكالية على السلطة وذلك بسبب ضعف الطبقات البرجوازية الوطنية القادرة على قيادة سلطة الدولة .
ــ تداخل الاستقلال السياسي مع شعارات ( اشتراكية ) وتوجهات اقتصادية تتناغم ونموذج الدولة الاحتكارية السوفيتية وما أفرزه ذلك من نشوء أنظمة استبدادية تتسم بغياب الديمقراطية واحتكار السلطة السياسية.
ــ أدى احتكار السلطة السياسية وغياب الديمقراطية الى ضياع فرص التنمية الوطنية المستقلة ووضع البلاد على جادة التبعية للمراكز الرأسمالية الكبرى .
أن الموضوعات المارة الذكر تقودنا الى تأشير بعض الاستنتاجات التي ازعم إنها ضرورية لمواصلة التحليل منها : ـ
ــ بسبب التخلف الاقتصادي وسيادة الطبقة الوسطى وشعاراتها القومية و( الاشتراكية ) جرت إعاقة حقيقية لنمو وتطور تشكيلة اجتماعية وطنية تستند الى تطور مصالحها الطبقية .
ــ على الرغم من هيمنة الدولة على الاقتصاد إلا أن تلك الدول لم تنجز تنمية وطنية مستقلة وبذلك لم تستطع الشرائح الحاكمة من فك ارتباطها بالسوق الرأسمالية العالمية .
ــ أفضت كثرة من الأسباب إضافة لتلك التي جرى استعراضها الى عجز الدول الجديدة عن إنجاز بناء دول قومية ناهيك عن بناء أنظمة وطنية ــ ديمقراطية.

بعد تأشيرنا للسمات التاريخية للموجتين القوميتين الأولى والثانية نحاول معالجة الموجة القومية الثالثة وأفاق تطورها ارتباطا بالطور الجديد من حركة رأس المال المعولم .

المحور الثاني: ـ الموجة القومية الثالثة وظهور الدول الجديدة

قبل متابعة أثار الموجة القومية الثالثة ونتائجها لابد من الإشارة الى أن تلك الموجة تترابط وحركة رأسمال المعولم وبهذا السياق لا يمكن تحليل التطورات السياسية الاقتصادية الفكرية الجارية في عالمنا المعاصر إلا من خلال هذا الترابط وسماته التاريخية المتمثلة بــ : ـ
1 : ـ ترابط اقتصاد العالم بمستوياته الوطنية / الإقليمية / الدولية على قاعدة رأسمالية يتحكم فيها قانوني الاستقطاب والتطور المتفاوت .
2 : ـ ــ أفضى تحكم قانون التطور المتفاوت الفاعل في بناء وتطور الدول الخارجة من أسار التنمية الاشتراكية الى ظهور دول رأسمالية مثل ــ روسيا الاتحادية ، الصين ، ــ محاطة بأيديولوجية قومية تسعى الى إقامة علاقات متوازنة مع المراكز الرأسمالية الكبرى.
3 : ـ تجلى قانون المنافسة الرأسمالية بمساعي المراكز الرأسمالية الرامية الى إلحاق الدول الهشة بشركاتها الاحتكارية لغرض محاصرة وعزل الدول القومية الناهضة . وبهذا المسار يمكننا تأشير نجاح المراكز الرأسمالية في استقطاب كثرة من الدول الجديدة ووضعها في إطار التحالف الأطلسي .
إن إعادة اقتسام الدول الجديدة بين المراكز الرأسمالية تجلى بصيغتين الأولى توحيد السوق الاقتصادي الأوربي الذي يعني في جوهره منع واحتواء ظهور دول أوربية قومية جديدة منافسة ( ** ) وما يترتب على ذلك من استقلال توجهاتها السياسية / الاقتصادية. والثانية ضم بعض الدول الجديدة الى التحالف الأطلسي وما يشترطه ذلك من ترابط بناء مؤسساتها العسكرية مع الجيوش الأطلسية . ( *** )
4 :ـ ترافق ظهور الدول القومية الناهضة ــ الصين ، الهند ، روسيا الاتحادية ، البرازيل ، تركيا , إيران ــ واشتداد فعالية قانون الاستقطاب الرأسمالي المتسم بالاندماج والتهميش وبهذا المنحى تشير التطورات الدولية الى أن العالم يتجه نحو تكتلات اقتصادية قارية أو إقليمية رغم تنامي دور الدول القومية في العلاقات الدولية.
5 :ــ يقود تطور العالم نحو بناء تكتلات اقتصادية قارية / إقليمية الى تغيرات هامة في بناء الدول القومية التاريخية ( **** ) تتجلى في تنازل الدول المستقلة عن قسم من سيادتها الوطنية لصالح توجهاتها الاقتصادية / السياسية الجديدة .
6 :ـــ إن النزوع نحو التوحد الاقتصادي القاري / الإقليمي يمهد الطريق أمام نشوء منافسات دولية جديدة بين التكتلات الاقتصادية القديمة منها والبازغة وما يحويه ذلك من نزاعات لا يمكن التكهن بحدودها ومستوياتها .

المحور الثالث: ـ الطور الجديد من التوسع الرأسمالي ومصير الدول العربية..
إن اللوحة المشار إليها تجبرنا على طرح التساؤلات التالية: ـ ما هي تأثيرات قانون الاستقطاب الرأسمالي ونزعاته المتناقضة على مصير الدول العربية ؟ . وهل بمقدور تلك الدول بناء وحدة اقتصادية تتصدى لنزعات التهميش والإلحاق ؟
لغرض الإجابة على التساؤلات المذكورة يتحتم علينا تناول تطور مسار القضية القومية عبر دالات عامة أهمها: ـ
ــ الدالة الأولى : ـ ظهرت الدول العربية في المرحلة الثانية من الموجة القومية بمساعدة خارجية وبهذا فان نشوءها وبناءها ـ الدول العربية ـ افتقد منذ البدء شروط تطورها التاريخي المستقل الأمر الذي أعاق تحولها الى دول وطنية مستقلة ناهيك عن تحولها الى فدرالية عربية تمهد الطريق لدولة الوحدة العربية.

ــ الدالة الثانية : نشأت الدول العربية الجديدة ارتباطا بتوسع السوق الرأسمالي والمنافسة الدائرة بين المراكز الرأسمالية وما نتج عن ذلك من تحديد مواقعها كدول تابعة في توجهاتها الاقتصادية والسياسية .

الدالة الثالثة : ـ لم يفضي انتشار الفكر القومي المتزامن وظهور الدول العربية الى نشوء بنية اقتصادية / سياسية قومية رغم اعتماد شرائح الطبقة الوسطى ( الثورية ) خطاباً قومياً عند تسلمها سلطة الدولة السياسية.
الدالة الرابعة :ــ أدت التحولات الاجتماعية التاريخية في المواقع الطبقية للقوى الحاكمة في دول ( الشرعيتين الثورية والوراثية ) الى بناء وترسيخ الدولة القطرية ناهيك عن تشديد تبعيتها الاقتصادية / السياسية للمراكز الرأسمالية .
الدالة الخامسة : ــ بسبب انعدام ركائزه الاقتصادية وحوامله الاجتماعية فضلا عن اعتماده الروح الانقلابية تحول الفكر القومي الى شعارات سياسية أخفت وراءها روح التناقض المستعصي بين الدولة ومكوناتها الاجتماعية .
الدالة السادسة : ـ افرز احتكار الدولة للفعاليات الاقتصادية / الإنتاجية / الخدمية الى نتائج تخريبية تمثلت بإهدار فرص التنمية الوطنية المستقلة وظهور شرائح اجتماعية مغتربة عن مصالح بلادها الوطنية .
الدالة السابعة : ـ إن الوقائع المارة الذكر إضافة الى مضامين السياسية الدولية كرست دولا قطرية استبدادية عاجزة عن بناء هوية وطنية ديمقراطية .

على أساس تلك الدالات التاريخية والمعاصرة تواجهنا الأسئلة التالية: ما هو مصير الدولة القطرية في الطور المعولم من التوسع الرأسمالي ؟ . وما هي فرص بناء دولة وطنية ديمقراطية تشكل عتبة نحو تقليص التجزأة القطرية ؟ .
بهدف الأحاطة بمضامين الأسئلة المفترضة دعونا نتابع مفاعيل قانون الاستقطاب الرأسمالي الناظم لحركة الرأسمال في مرحلته المعاصرة .
يتمتع قانون الاستقطاب الرأسمالي في الطور المعولم من التوسع الرأسمالي بتناقض مسار تطوره ولهذا نراه يتجسد بنزعتين رئيسيتين أولهما نزعة الاندماج بين شركات المراكز الرأسمالية فارضة بذلك ميولا متسارعة نحو بناء تكتلات اقتصادية بهدف كسب المنافسة الاقتصادية / العسكرية التي فرضها نشوء الدول الرأسمالية الناهضة . وثانيهما نزعة تفكيك الدول الهشة بهدف منع تشكل هوية وطنية ديمقراطية ساعية الى بناء دول قوية قادرة على صيانة مصالح بلادها الأساسية .
إن الميول المتناقضة لحركة قانون الاستقطاب تعمل على إحداث تحولات في البنى الاقتصادية / السياسية للدول العربية تفضي الى نقلها ــ الدول ــ من مواقع التبعية التي شغلتها في الحقب التاريخية المنصرمة الى مواقع الإلحاق بإستراتيجية الشركات الاحتكارية وتكتلاتها الاقتصادية .
إن عملية الإلحاق التي يشترطها انعدام التكافؤ الاقتصادي / السياسي بين البلدان الملحقة وبين الدول الرأسمالية الكبرى تشكل الوجه الآخر لعملية الاندماج .

لتقدير شرعية موضوعة الاندماج بصيغة الإلحاق لابد من إكسابها ملموسية تستند الى ترابطات الدول العربية مع الدول الرأسمالية وشركاتها الاحتكارية المتجسدة بــ : ـ
1 : ـ إلحاق اقتصادي يتطور استناداً الى كثرة من المعطيات منها اتفاقات الدولة القطرية مع الشركات الاحتكارية في قطاعي الخدمات والإنتاج ، ومنها ترابطات تجارية بسبب نهوض شرائح طبقية جديدة تشكل امتدادات للمصالح الخارجية عبر الوكالة التجارية . ومنها ترابطات مالية بسبب تنامي التشابك بين القوى المالية العربية وبين البنوك والمصارف الأجنبية فضلا عن توظيف مدخرات الصناديق المالية للأقطار العربية مع المراكز المالية الدولية .
2 : ـ إلحاق عسكري /أمني يتمثل بكثرة من الاتفاقات العسكرية المتضمنة ــ التسليح والتدريب والإيفاد فضلا عن المناورات العسكرية المشتركة وما تفرضه تلك من ربط الوظائف العسكرية للجيوش العربية بالبنية الأطلسية واستراتيجيتها العسكرية في مواجهة الأزمات الدولية / الإقليمية .
إن ركائز الإلحاق العسكري تتعزز حينما تجري الإشارة الى طبيعة التحالفات العسكرية الثنائية والتداخلات الأمنية / الاستخباراتية بين الأقطار العربية وبين دول التحالف الأطلسي .
3: ـ إلحاق ثقافي / إعلامي يتجسد في استثمار الثورة التكنولوجية واستخدامها في بناء ثقافة استهلاكية متماشية مع السياسيات الإعلامية الغربية بعيدة عن المشاكل الحقيقية التي تواجه المجتمعات العربية ، وبهذا المعنى نستطيع القول أن وسائل الإعلام والفضائيات العربية الرسمية منها والخاصة تساهم في تغريب الوعي الوطني وتكريس أنظمة الاستبداد والتخلف .
4 : ـ إلحاق اجتماعي / طبقي .
أدت تشابكات الاقتصاد العالمي بمستوياته الثلاث الدولية / الإقليمية / الوطنية الى خلق طبقة برجوازية أممية تتحكم في الاقتصاد العالمي ومسارات تطوره ، وبهذا المنحى نشير الى أن الطبقة البرجوازية الأممية ورغم بناء مقدمات نشوءها وتطورها إلا إنها تفتقر شروط بناء وحدتها الدولية بسبب تمايز قدرات فصائلها الطبقية وتباين مستويات تطور دولها.
أن الفئات العربية المتشابكة ومصالح البرجوازية العالمية تتشكل من خليط اجتماعي متعدد المنابع ــ برجوازية بيروقراطية حاكمة، قوى تجارية مترابطة والمصالح الشركات الاحتكارية، شرائح مالية، فضلاً عن حشد هائل من العاملين في الفضائيات والمؤسسات الإعلامية الرسمية.

اختصارا يمكن القول أن الانتقال من التبعية الى الإلحاق هو عملية تشترطها الميول المتناقضة لقانون الاستقطاب الرأسمالي من جهة وطبيعة الشرائح الاجتماعية الحاكمة في البلدان العربية المترابطة ومصالح الاحتكارية الدولية من جهة أخرى .

المحور الرابع: ـ العولمة الرأسمالية وحق تقرير المصير.

إن استعراض المسار التاريخي للموجات القومية الثلاث يفترض طرح التساؤلات التالية : هل لا زال حق تقرير المصير المستند الى إنشاء كيانات سياسية ذات سيادة وطنية يتمتع بشرعية تاريخية ؟ . وهل لازال هذا الحق ملائما للطور الجديد من التوسع الرأسمالي ؟ وأخيرا هل يتجاوب وجود دول هشة وحقوق الإنسان السياسية / الاجتماعية ؟ .
لغرض الأحاطة بمضامين الأسئلة المثارة لابد لنا من تثبيت بعض الملاحظات التي أزعم أنها ضرورية : ـ
أولا: ـ استنادا الى الميول المتناقضة لقانون الاستقطاب الرأسمالي بات ملحاً إعادة بناء موضوعة (حق الشعوب في تقرير مصيرها ) وذلك بنبذ الانفصال والتركيز على وحدة القوميات في إطار دولة فدرالية وطنية / ديمقراطية قادرة على صيانة حقوقها الأساسية ، وبهذا المعنى فان الشكل الفدرالي المرتكز على موازنة المصالح القومية يتمتع بأهمية تاريخية ملموسة في الظروف التاريخية المعاصرة .
ثانيا ـ لازالت الرؤية اللينينية المتمثلة بربط حق تقرير المصير بسيادة الشعوب على أساليب تنميتها الوطنية تتمتع بحيوية تاريخية تتجاوب وحركة رأس المال الأمر الذي يتطلب إغناءها بمضامين جديدة أراها في : ـ
أ : ـ تأكيد الترابط الجدلي بين السيادة والتنمية الوطنية وما يعنيه ذلك من أن حق تقرير المصير يشترط صيانة حقوق الإنسان الاجتماعية / السياسية المرتكزة على تحجيم النتائج التخريبية لقانون الاستقطاب الرأسمالي .
ب : ـ تطوير الأسس الاقتصادية / السياسية الضامنة لاتحاد القوميات في دول فدرالية تستند الى الديمقراطية وتوازن مصالح مكوناتها الاجتماعية / القومية وما يحمله ذلك من بناء وطنية عامة مدافعة عن مصالحها الحيوية .
ثالثاً : ـ أثبتت التجربة التاريخية المنصرمة أن إنشاء الدول والكيانات القومية الضعيفة تؤدي الى النزاعات الاجتماعية والعرقية فضلا عن سهولة إلحاقها بالدول القوية وهذا ما أكدته النزاعات المندلعة في بعض الدول الجديدة مثل جورجيا والبوسنة . ( ***** )

تلخيصا لما جرى استعراضه أود التعرض الى بعض الاستنتاجات التي أراها في : ـ
أولا: ـ أنتج الطور الجديد من التوسع الرأسمالي أفاقاً لاندماج المراكز الرأسمالية وما يحمله ذلك من ظهور أمم جديدة تتشكل من تقارب قوميات متعددة مرتكزة على التعاون والتكافؤ.
ثانياً: ـ حملت الموجة القومية الثالثة تناقضا أملته طبيعة قانون الاستقطاب الرأسمالي تمثل ببزوغ دول قومية رأسمالية جديدة وأخرى ضعيفة جرى اقتسامها اقتصاديا / عسكريا بين دول التحالف الأطلسي.
ثالثاً : ـ لم تستطع البلدان العربية بناء دول شرعية تستند الى توازن مصالح مكوناتها الوطنية / القومية الأمر الذي أعاق انتقالها من دول قطرية الى أشكال كونفدرالية قادرة على بناء وحدتها الاقتصادية .
رابعاً : ـ بات ملحاً بناء تكتلات إقليمية / اقتصادية لغرض الحد من تحجيم عمليات التبعية والتهميش فضلا عن بناء سلام إقليمي دائم يستند الى موازنة المصالح الإقليمية / الوطنية (****** ) .
خامساً : ـ يؤدي بناء التكتلات الاقتصادية الإقليمية الى نهوض حركة اجتماعية أممية متصدية لحركة رأس المالية وميوله التخريبية المتسمة بالإلحاق والتهميش .


الهوامش
*: ـ عالجت بشئ من التفصيل هذه الموضوعة في مجلة النهج الصادرة في كانون الأول 2002 .
** : ـ بهدف منع قيام دولة يوغسلافية قوية على قاعدة رأسمالية جرى تفكيك الاتحاد اليوغسلافي الى دول صغيرة وربطها بالدول الرأسمالية الكبرى.
*** : ـ احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في تصدير الأسلحة إلى العالم والشرق الأوسط وفقا لتقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي. انظر نيزافيسيمايا غازيتا" 15/5/2009 - وكالة نوفوستي
**** : ـ أن مفهوم الدول القومية التاريخية هي تلك الدول التي نشأت بالموجة الأولى من ظهور وتنامي علاقات الإنتاج الرأسمالية التي اشترطت وجود الدولة بطراز رأسمالي .
*****: ـ المعطيات الجديدة الواردة من البوسنة تشير الى حدوث مطالبات من الكروات والصرب بتقسيم الدولة الجديدة التي نظمها اتفاق دايتون عام 1995 الى دويلات صغيرة وما يعنيه ذلك من نزاعات دموية جديدة .
******: ـ إن عمليات الإلحاق التي تسعى لها المراكز الرأسمالية ربما تقود الى تحالفات عسكرية / عربية مسندة من الدول الأطلسية تشكل أداة للنزاعات العسكرية والتوترات الاجتماعية مع الدول الإقليمية القومية الناهضة .