مهدي عامل وتنظير حركة التحرر الوطني ...


شامل عبد العزيز
2009 / 6 / 22 - 05:03     

هدية متواضعة أقدمها إلى ألأستاذ الفاضل مختار ملساوي .. مع التقدير ... لعلها تذكره بأيام نضاله ...
اقرأ حالياً من إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية كتاب ( الفلسفة العربية المعاصرة ) وهو عبارة عن ندوة أشترك فيها سبعة عشر كاتباً ..يقع الكتاب في 500 صفحة .. ط2 بيروت 2000..
سوف نختار جزءاً من الفصل الثاني عشر والذي يحمل عنوان ( مهدي عامل وتنظير حركة التحرر الوطني ) بقلم الباحث الأردني ناهض حَتر ...
مهدي عامل أسم مستعار للدكتور حسن حمدان ( 1941 – 1987 ) .. متخرج من جامعة السور بون .. مدرس في قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية .. عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني .. اغتيل في بيروت في 16 / 5 / 1987 ... نقلاً عن الرأي ( الأردن ) في 17 / 5 / 1987 ...
في استهلال ناهض حَتر ( بتصرف ) يقول :
كتب مهدي عامل خلال العقدين الفائتين .. العديد من الأبحاث ( سبعة كتب تضم معظم أبحاثه ومقالاته ) . التي تمثل إسهاماً أصيلاً ونابهاً في حقل فلسفة السياسة في الثقافة العربية المعاصرة .. الهاجس الرئيس الذي يشغل فكر مهدي عامل هو : تنظير حركة التحرر الوطني علمياً .. أو بكلمة أدق : إنتاج النظرية العلمية في حركة التحرر الوطني ..وتعالج أبحاث مهدي عامل في سعيها لإنتاج النظرية تلك .. نظرية مهمة .. تقترح حلولاً لها ..
1. قُبيل حركة الاستقلال الكبرى في الخمسينات والستينات من القرن الماضي و أثناها كان يُقال ببساطة .. إن الاستعمار سبب ( التخلف ).. وكان هذا القول كافياً لتفسير ضعف تطور القوى المنتجة ( وسائل الإنتاج .. التقنية .. الخبرة ... ) ووجود الأشكال الاجتماعية والإيديولوجية والسياسة قبل الرأسمالية ( كالعشائرية .. واللا – عقلانية .. والاستبداد ) في العالم الكولونيالي .. وكانت الآمال معقودة على ( الاستقلال ) الذي في ظله تمتلك الدول الكولونيالية حرية اللحاق بالركب ( الحضاري ) .. فيكون لها ما كان للدول الامبريالية من تقدم وتمدين .
وصار الاستقلال وبدأت في الدول المستقلة ورشة التنمية والإصلاح فإذا التنمية ليست إلا تنمية للتخلف نفسه .. وإذا الدول المستقلة تشرف على الإفلاس .. وإذا الإصلاح ينتهي إلى استشراء العشائرية والطائفية واللاعقلانية .. عداك عن الاستبداد السياسي والفساد الإداري .. لقد صار واضحاً للجميع أنه إذا كان المستعمرون قد رحلوا فإن التخلف باق كأنه القدر ..
وفي بلادنا العربية كنا نكتفي بالقول إن الاستعمار هو سبب تخلفنا وسبب تجزئة وطننا الكبير والعائق أمام وحدته .. بل هو في سيطرته على مقدرات البلدان العربية سبب هزيمة 1948 وقيام الكيان الصهيوني .. والأمر أنه صار لنا استقلالات بل وأنظمة ( تقدمية ) و (وحدوية) و (اشتراكية ) فما انتهى التخلف بل تفاقم .وما انتهت التجزئة بل صرنا إلى زمن يتجزأ فيه البلد الواحد على نفسه .. وما انتهى الوجود اللا – منطقي للكيان الصهيوني بل صار ذلك الوجود منطقياً يتجسد في قوة عظمى في منطقتنا .. يُطلب إليها السلام ومن لدنها السلامة .
فما الذي جرى وكيف جرى ؟ من هذا السؤال ينطلق مهدي عامل .
2. عند مهدي عامل ( ليست الكولونيالية سبباً للتخلف لأنها سابقة له زمانياً بل لأن لها معه ارتباطاً بنيوياً يجعلها تسببه .. أي تنتجه باستمرار بحركة صيرورتها بالذات .. كيف ؟ الإجابة عند مهدي عامل كالتالي:
لقد أدت ضرورة التوسع اللامحدود للرأسمالية إلى قيام الرأسمالية الغربية بفرض نمط الإنتاج الرأسمالي على العالم جاعلة منه بالاستعمار مجالاً لتحقيق ضرورتها تلك .

بالاستعمار إذن أصبح العالم كله رأسمالياً أو قل أصبحت الرأسمالية بعد ثورة اكتوبر1917 عالماً واحداً .. شرط وحدته وبالتالي وجوده أن يضم وألا يضم إلا بنيتين : إحداهما تحقق ضرورة التوسع اللامحدود فيكون شرطها ألا يكون توسعها محدوداً هي البنية الإمبريالية ( المسيطرة) والأخرى تتحقق فيها الضرورة تلك فيكون شرطها أن يكون توسعها محدوداً هي البنية الكولونيالية ( التابعة) .

الرأسمالية إذن وحدة بنيتين تشترطان بعضهما بعضاً بحيث أنه لا يمكن أن تكون هنالك بنية رأسمالية إلا إذا كانت إمبريالية أو كولونيالية ..
وقانون تفاوت التطور هو الذي حدد ويحدد البلدان التي تقوم فيها البنية الأولى.. أي الامبريالية ..والبلدان التي تقوم فيها البنية الثانية .. أي الكولونيالية ... ولهذا كان مستحيلاً على البلدان التي وضعها تفاوت تطور الرأسمالية في البنية الكولونيالية .. أن تغدو في البنية الإمبريالية .. فالتطور لا يمكن إلا أن يكون متفاوتاً وتطور الرأسمالية العام في تفاوته حدد للبلدان الأقل تطوراً وضعاً لا تستطيع الخروج منه إلا بخروجها من سياق تطور الرأسمالية نفسه .. هو وضع الرأسمالية الكولونيالية ..

وهذا يعني أن الرأسمالية في البلدان المتخلفة لا يمكن أن تكون إلا رأسمالية كولونيالية وبالتالي محدودة التوسع ..ومن شأن التوسع المحدود أنه يكبح تطور القوى المنتجة وألا يهدم بل ألاَ يستطيع أن يهدم أشكال الإنتاج قبل الرأسمالية بل يعيد إنتاجها باستمرار وبالتالي فمن شأنه أن يعيد إنتاج ( التخلف )..
3.عند مهدي عامل حركة التحرر الوطني هي : الحقل التاريخي للفكر العربي المعاصر وعليه فإن هذا الفكر شاء أم أبى يقكر هذه الحركة فلا ينأى عنها حتى حينما يغيبها بتجاهلها .. فالتجاهل شكل من أشكال ارتباط الفكر بحفله التاريخي .. يسأل ناهض حتر كيف ؟ الإجابة عند مهدي عامل كالتالي:
لا يتحرك الفكر في فراغ .. بل في إطار واقع اجتماعي تاريخي محدد ..
ولكل واقع ضرورة محددة تميزه وتحدد له منطق صيرورته ( إذ الواقع دائماً في صيرورة ) .
ومن ضرورة هذه الصيرورة أنها تحدد بالضرورة جميع مستويات الواقع الاجتماعي التاريخي ومنها المستوى الفكري بحدودها .. وحدودها هي حدود حركة الانتقال مما هو كائن إلى ما هو نقيض الكائن ...
فالفكر إذن في تحركه في إطار واقعه يتحرك بالضرورة في إطار صيرورة الواقع إلى نقيضه ..
ولما كانت صيرورة الواقع الاجتماعي التاريخي الراهن في البلدان العربية تتحدد بكونها حركة انتقال من الكولونيالية إلى التحرر الوطني ..
فحركة التحرر الوطني إذن .. هي الحقل التاريخي للفكر العربي المعاصر . ولكن كيف يتجاهل الفكر حقله ويظل مع ذلك في حدود حقله ؟ ذلك عند مهدي عامل :
4. لان الفكر ليس واحداً بل هو وحدة صراع تناقضي بين فكر يفكر في تغيير الكائن .. فيكون من منطقه أي من منطق ذلك الفكر .. التأكيد على صيرورة الكائن إلى نقيضه .. أي التأكيد على عقل الصيرورة الواقعية تلك والتحدد بها أي بضرورتها .. وبين فكر يفكر في تأبيد الكائن فيكون من منطقه .. بالتالي أن يتجاهل تلك الصيرورة فيكون التجاهل إذن موقفاً من الصيرورة تلك ..وهكذا.. فإذا كانت حركة التحرر الوطني هي صيرورة واقعنا المعاصر فستكون حقلاً للفكر العربي المعاصر سواء أأكدها أم تجاهلها .. فليس التجاهل هنا سوى شكل أيديولوجي من أشكال التفكير في تلك الحركة ( فتحرك الفكر كما يقول مهدي عامل قائم بالضرورة في حقل أيديولوجي يتحدد في بنيته بالبنية الاجتماعية التي هو فيها .. وبالتالي بحركة الصراعات الطبقية التي تحدد بنية علاقات الإنتاج الخاصة بهذه البنية الاجتماعية ) .. ص155 من أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية ..مهدي عامل ..
فماذا عن الفكر الفرد ؟ هل هو محكوم أيضا بالحقل التاريخي للفكر ؟أليس له حرية الانفكاك من حلبة الصراع فلا يكون في فكره مرتبطاً بطبقة اجتماعية ضد أخرى ؟
يقول مهدي عامل : كلا .. ليس للفكر حرية ذاتية في التحرك والتطور .. كما أن نشاطه في إنتاج المعرفة ليس من فعل الفرد كإرادة ذاتية مطلقة ( مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني ج1 في التناقض ص 16 ) ..
وذلك لان علاقة الفكر بالواقع ليست علاقة بين وعي فردي وواقع موضوعي ولا يمكن إطلاقاً حصرها في هذه العلاقة النفسية .. إنها في أساسها علاقة موضوعية بين بنية فكر وبنية واقع .. كما أن التفاعل فيها بين بنيتين لا فرد وبنية ..
عند مهدي عامل : الفرد لا يفكر في موضوع فكره بصورة مباشرة .. لان هذا القول يقوم على افتراض مستحيل هو افتراض وجود وعي فردي ( صاف ) متحرر من كل مؤثر خارجه كأنه وعي الله .. بل فكرة الفرد عنده محدد بالضرورة بما هو خارجه .. لذلك فهو ( أي الفرد ) لا يستطيع أن يفكر إلا بصورة ( غير مباشرة تمر بالضرورة ببنية فكرية لها وجودها الموضوعي يحملها الفكر الفرد وبها يفكر ... إن الفرد وإن كان مفكراً .. لا يفكر بفكره الفردي بل بالبنية الفكرية التي هو سناد لها ..
ولا يتعارض هذا الحكم ( عند مهدي عامل ) مع واقع وجود الفكر كأفكار فردية متناثرة . فليس ذلك الواقع سوى ( شكل تاريخي محدد لوجود البنية الفكرية ) .. إذ البنية الفكرية هي ( التربة التي تنبت عليها أفكار متعددة قد يبلغ الاختلاف بينها حد التناقض إلا أن جذورها تمتد في تربة واحدة هي التي تحدد لها طبيعة نشأتها ومجال تطورها .. ووجود التناقض بين هذه الأفكار لا ينفي وجودها في تربة فكرية واحدة . بل قد يكون دليلاً عليه إذ لا تناقض إلا بين أطراف تضمها وحدة بنية ) .
وأساس ذلك ( أن البنية الفكرية هي الإطار الذي يتحدد فيه الوعي الإيديولوجي الخاص بطبقة اجتماعية معينة أو ما نسميه بأيديولوجية هذه الطبقة الاجتماعية ) ..
فالفرد إذن لا يستطيع أن يفكر إلا من خلال أيديولوجيا طبقة اجتماعية معينة .. ليس لأنه بالضرورة أبن لهذه الطبقة المعينة أو نصير لها .. بل لأنه لا يستطيع أن يفكر إلا من خلال بنية فكرية هي بالضرورة أيديولوجية أي بنية فكر طبقة ما .. إذ ليس للبنية الفكرية عند ( مهدي عامل ) ولا يمكن أن يكون لها علاقة مباشرة بالواقع الاجتماعي التاريخي بل هي تكتسب طابعها الاجتماعي التاريخي من وضعها ألصراعي داخل البنية الإيديولوجية الخاصة بالبنية الاجتماعية ..
الفرد إذن لا يستطيع أن يفكر إلا من خلال بنية فكرية لا يمكن إلا أن تكون أيديولوجية ..
5. لذا كان غياب حركة التحرر الوطني عن الفكر العربي المعاصر عند ( مهدي عامل ) : هو الشكل الذي تحضر فيه تلك الحركة في ذلك الفكر .. أي كان تحديداً لموقف الثاني من الأولى وهو هنا .. موقف التجاهل.

ولا يعني تجاهل الفكر العربي المعاصر لحقله التاريخي عند ( مهدي عامل ) اتهاماً للمفكرين العرب .. أي لا يعني أن هؤلاء عنده يتجاهلون انتقاد الإمبريالية .. أو أنهم يتجاهلون الانشغال بواقعهم .. بل يعني عنده أن هؤلاء على العموم يفكرون واقعهم من خلال بنية أيديولوجيا الخصم بالذات وتتحدد هذه البنية حسب ( مهدي عامل ) . بمفهوم التخلف .. وهو المفهوم الذي يدور عليه الفكر العربي المعاصر ..
عند ( مهدي عامل ) مفهوم التخلف .. مفهوم أيديولوجي امبريالي يهدف أساساً إلى إخفاء السيطرة الامبريالية التي بها يكون التخلف وبها يتجدد ..أن الايديولوجيا الامبريالية تصور العالم الكولونيالي والوطن العربي منه باعتباره عالماً ثالثاً لا يتحدد بكونه مثلما هو حال العالمين .. الرأسمالي والاشتراكي .. نمط الإنتاج المسيطر فيه بل بكونه متخلفاً فهو بالتالي نامٍ ولأن مفهوم التخلف كما هو معروف لا يتضمن الإشارة إلى نمط الإنتاج بل إلى قوى الإنتاج .. كان هذا المفهوم ذا فعالية أيديولوجية في إخفاء نمط الإنتاج المسيطر في البلدان الكولونيالية باعتبار القاعدة المادية لسيطرة الامبريالية على تلك البلدان قبل استقلالها وبعده ..
وليس مفهوم التخلف أيديولوجياً بمعنى أنه فارغ كلياً من تصوير الواقع الفعلي .. فتخلف القوى المنتجة في البلدان الكولونيالية واقع قائم ولكنه مفهوم أيديولوجي لأنه يجعل من سمةٍ معينة للبلدان الكولونيالية يتسببها باستمرار واقع السيطرة الامبريالية عليها سمة عامة لهذه البلدان تتحدد به فيغيب ما هو من التخلف أساسه أي السيطرة الامبريالية ...
ويلاحظ مهدي عامل أن الفكر العربي المعاصر في تياراته المسيطرة يدور حول مفهوم التخلف وبالتالي فهو يفكر في واقعه في إطار حدده الخصم . فحسم المناقشة سلفاً .. فالمذاهب الفكرية العربية عند مهدي عامل تتصارع فيما بينها صراعاً عنيفاً ولكنه يقوم على تربة واحدة .. هي معادلة ( التخلف – التقدم ) . فلما كان الفصل بين التخلف والتقدم لا يكون إلا بمقياس هو النموذج المثالي للتقدم إذ لا معنى للقول بالتخلف إلا إذا كان تخلفاً عما هو في التقدم النموذج .. اتفقت المذاهب العربية حسب ( مهدي عامل ) على ما يلي :
إن بلادنا متخلفة في قواها الإنتاجية ..
وعليها أن تتقدم لتتماثل مع نموذج التقدم في هذا المجال ( وهو طبعاً .. الغرب الرأسمالي ) . ولكنها أي المذاهب تلك اختلفت إزاء فكر ذلك التقدم فانقسمت إلى :
مذاهب تقدمية تقول بتخلف العقل العربي فلا بد له إذن من أن يتقدم ليتماثل مع العقل الغربي ..
مذاهب سلفية – قومية ترى أن عقل الغرب فاسد وأن التفوق في الروح هو ( لنا ) لا للغرب الرأسمالي .. فلا بد لنا من العودة إلى أصالتنا إذا ما أردنا أن نتقدم ..
مذاهب توفيقية .. تحاول التوفيق بين المذهبين ..
وبدون الدخول في المناقشة التفصيلية مع هذه المذاهب أو حولها والمهم هو الإشارة إلى طابع المناقشة الفكرية العربية من حيث هي تجري في سياق حدده أصلاً فكر الخصم ( الامبريالية) ..
لذا توجب عند ( مهدي عامل ) .. نقض هذه المناقشة بإنتاج ( النظرية العلمية في حركة التحرر الوطني ).
ملاحظة : ألأستاذ مختار ملساوي من خلالك أقول للجميع ( مع تقديري) ..إذا كان للمقالة صدى في نفوس السادة الكتاب وأصحاب التعليقات من حيث المناقشة وطرح الأفكار وهذا ما نتمناه .. فإنني سوف أكتب عن المحور الثاني عند مهدي عامل .. في مقالة قادمة ..