الماركسية علم ونهج مادي دايلكتيكي وليس ايديولوجيا


سعاد خيري
2009 / 6 / 20 - 10:19     

ان جوهر الماركسية هو نهجها المادي الديالكتيكي. فماركس وانجلز قبل ان يتوصلا الى نظرياتهما الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اطلق عليها اسم الماركسية ، درسا فلسفة هيكل المثالية. وعلى ضوء نهجها الديالكتيكي توصلا الى ثغرتها الكبرى في مثاليتها وقوماها على الاساس المادي . ومن خلال نهجهما المادي الديالكتيكي درسا المجتمع البشري وتطوره كما درسا تطور علوم عصرهما وتنبأ بتطورها وبظهور علوم جديدة . ومن خلال دروسهما للمجتمع الانساني وتطوره بانتقاله من مرحلة الى اخرى توصلا الى نظريات سميت بالنظرية الماركسية شملت علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة. واكتشفا بان القوى المحركة للتاريخ عبر تلك العصور هو الصراع الطبقي بين مالكي وسائل الانتاج وبين القوى المنتجة للثروة ، ولكل طبقة سلاحها الفكري لتوعية وتعبئة وتنظيم قواها لمواجهة الطبقة المضادة، اطلق عليه اسم الايديولوجيا، وعلى الصراع بين الايديولوجيات المتختلفة للطبقات المختلفة بالصراع الايديولوجي. فقد وجد مالكي وسائل الانتاج للايغال في استغلال المنتجين لا بد من سلاح فكري الى جانب اسلحة القسر والارغام . فتطورت مختلف الايديولوجيات الدينية والمثالية لتضليل القوى المنتجة وتطويعها كما تطور وعي القوى المنتجة واساليب كفاحها ضد مستغليها بفضل تطور وسائل الانتاج . ونشأت مختلف النظريات الاجتماعية التي تجسد حلم البشرية بالتحرر من الظلم والاستغلال الطبقي وكان ارقاها النظرية الماركسية ، ولاسيما فيما يخص اساليب ووسائل تحرير الطبقة العاملة وبالتالي عموم البشرية من الاستغلال الطبقي وبناء المجتمع الاشتراكي فالشيوعي الخالي من الطبقات. ودرس ماركس وانجلز مختلف المنظمات الاجتماعية في تطورها عبر التاريخ فكانت النقابات العمالية ارقاها لارتباطها بارقى وسائل الانتاج ولكنها تفتقر لربط نضالها الاقتصادي بالنضال السياسي والى التلاحم الطبقي على النطاق العالمي تحت شعار يا عمال العالم اتحدوا، والى التظافر الاجتماعي مع الطبقات المستغلة الاخرى . فوضعا اسس التنظيم الشيوعي وقواعده وفقا لمتطلبات الواقع . وهكذا اصبحت النظريات الماركسية في الاقتصاد والاجتماع والسياسة السلاح الفكري للطبقة العاملة أي سلاحها الايديولوجي. لضمان نهوضها برسالتها الاجتماعية تحرير البشرية من علاقات الانتاج الراسمالية ومن الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وبناء المجتمع الانساني الخالي من الطبقات ومن كل اشكال الاستغلال.
ولم يغلق ماركس وانجلز تاريخ تطور البشرية بالشيوعية، بل ولم يقيدا المجتمع المقبل بقوانين لم تقوم بعد اسسها المادية والموضوعية . ولم يشيرا الى خلود الاحزاب الشيوعية ولم يعتبراها هدفا بل وسيلة لقيادة نضال البشرية نحو الاشتراكية والشيوعية . ولم يقتصر ماركس وانجلز نشاطهما على دراسة المجتمع الانساني في تطوره بل درسا مختلف العلوم المعاصرة لهما ومن اعظم مؤلفاتهما كتاب دايلكتيك الطبيعة الذي خرج باسم انجلز بعد ان خرج الراسمال باسم ماركس اذ لم يكن يعمل أي منهما بدون مساعدة الاخر في جميع انجازاتهما العلمية. ومن ابرز استنتاجاتهما العلمية هو ان كل تطور لجميع العلوم لا يتم الا عبر النهج المادي الديالكتيكي وما يتوصل اليه العلماء هو لتوصلهم لهذا النهج عن وعي او دون وعي . ولذلك فان العلوم عامة ستتطور بشكل اسرع لو تمكن العلماء من انتهاج المادية الديالكتيكية عن وعي وليس التوصل اليها من خلال التجربة وتكرر الاخطاء.
ولسوء حظي او لحسنه عشت هذه المرحلة الطويلة ثمانين عاما، في عصرشهد هذا التطور السريع في قوى الانتاج وما رافقها من تطورات اقتصادية واجتماعية وفكرية عاصفة . وخضت غمارها وسلاحي الوحيد هو تدريب فكري على النهج المادي الديالكتيكي وقد تعرفت على اول قوانينه وانا في الثامنة عشر من عمري . فغير كل نهج حياتي وانتميت للحزب الشيوعي العراقي وخضت الكفاح الوطني والطبقي تنور خطواتي رغم كل قسوتها تدريب نفسي على صقل تفكيري بالنهج المادي الديالكتيكي ولاسيما خلال عشر سنين في السجن . وكان لي عونا بارزا على مواجهة الصعوبات الحياتية والفكرية رفيق حياتي زكي خيري فتجاوزنا هزات عنيفة وطنية وعالمية كانهيار ثورة 14/تموز وجرائم البعث وانهيار الاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية العالمية واخيرا احتلال العراق ومعيني بعد والدها ابنتي وداد . ولكن العون الاكبر كان دوما هو الماركسية في تطورها وفقا للنهج المادي الديالكتيكي الذي ينور حياتي ويوسع دوما من مجالات تفكيري لتشمل العالم بما يزخر به من تطورات علمية وتكنولوجية تفتح امامي مجالات التفكير في تطوير الفكر الاجتماعي وفقا لمقتضيات الثورة المعلوماتية التي تشهدها البشرية. واطرحها للمناقشة على الحوار المتمدن مشكورة رغم كل ما توقعته من ردود فعل تختلف في عنفها وفقا لاختلاف عنف الايديولوجيات السائدة . واتمنى ان تحظى بمناقشة موضوعية وتصويب اوتطوير من قبل عقول تستمد شبابها من الماركسية في نهجها المادي الديالكتيكي .
سعاد خيري في 21/9/2009