هل ما زلنا ماركسيين؟!


ماجد خمرة
2009 / 6 / 14 - 09:56     

*ميزتنا وتمايزنا الفكري والتنظيمي كماركسيين في هذه البلاد عليها الظهور من خلال جرأتنا وإبداعنا، المنعكسة في كتاباتنا وفي ندواتنا المرجوة والمنشودة على نسق علمية- أكاديمية مدروسة تتعدى المهرجانية والحلقات الدوراتية. ?ن الأوان للمكاشفة الصريحة لإظهار واثبات جوهرنا النظري والتطبيقي*
أشارك عادة في المسيرات المحببة إلى قلبي والتي أصبحت روتينا في مدينتي بعد جهد ونضال متواصل لرفاقنا المخلصين. فتحويل الأول من أيار ويوم الطفل العالمي، الذي صمتت إزاءه أجهزة الدولة على الرغم من قرارات هيئة الأمم المتحدة منذ العام 1954 وفيما بعد في العام 1989 إلى يوم تقر به السلطة المحلية في المدينة المختلطة ليس بالشيء العادي ولا بالأمر الجاري. فرفع الأعلام الحمراء والمنجل والمطرقة ( الشاكوش في لهجتنا المحلية) في مسيرة رسمية يشارك فيها ممثلو السلطة المحلية رئاسة تستدعي وقفة معينة ليس من منظار عدم عادية الحدث، بل من استهجان بعض المارة وحتى المشاركين من اليهود والعرب وطرحهم السؤال عقب مشاهدتهم الأعلام الحمراء " هل ما زالت هنالك شيوعية! انها انتهت. حتى في بلاد الشيوعية سابقا لم يرفعوا الأعلام بعد! " أجيبهم ببساطة "ما دام العلم يُرفع فالحزب موجود، والشيوعية موجودة في الزمان والمكان." هذا كان الحدث الذي تبدأ به قصتنا لكنها لن تنتهي به.



// ليست هنالك أسئلة مقلقة!
جل ما يقلقني هو ليس مجرد طرح السؤال، فليست هنالك أسئلة مقلقة. الإجابة ونوعيتها هي الأهم. فالاستهجان والقلق ناجم عن مدى وكيفية مثابرتنا في بث ونشر "شيوعيتنا" وسط الجماهير العربية الفلسطينية واليهودية في البلاد. فبعد أكثر من 150 عاما من ظهور الفكر الاشتراكي على الساحة الدولية وإقامة المؤسسات الاشتراكية كالأحزاب والمنظمات ومن ثم الدول وانقسام العالم إلى قطبين ومعسكرين كبيرين يقودهما دولتان عظميان وترسيخ الوعي الاشتراكي بين ظهراني الشعوب وكذلك الإقرار الدولي بوجود المنظومتين ومن ثم انهيار المنظومة الاشتراكية كمؤسسة، بعد كل هذا ُيسال السؤال "أما زالت هنالك شيوعية؟".
طبعا وأكثر من طبعا أن يُردّ كل هذا إلى الانهيار الذي حصل والذي كان متوقعا لدى بعض أوساط المفكرين – الانتقاديين في الدول الاشتراكية خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي. هذا الانهيار مضافا إليه التراكم الزمني في العداء للشيوعية دخل الوعي الجماهيري بشكل ولدرجة لا يمكن من خلالها الفصل بين انهيار الأنظمة على الصعيد الإداري – التنظيمي – المؤسساتي وبين وجود الفكر الماركسي كفكر.
سأحاول عدم الدخول في جدلية أسباب الانهيار ولن اشحذ قلمي وابذّر حبره الجاف في موضوع كُتب ويُكتب عنه الكثير، ربما سنفاجأ بعد مضي العقود وفتح الاراشيف بحقائق لم نكن نعرفها – أمور قد تثبت ما قلناه وأمور قد تفنده!! سأنطلق من مقولة " حصل ما حصل، ماذا بعد!؟ " وفي " ماذا بعد " تكمن المعضلة.
إن من يظن انه بمجرد الإعلان في صحفنا الحزبية عن النشاطات باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي تارة وباسم اتحاد الشبيبة الشيوعية الإسرائيلي تارة أخرى والفصل بين الدعوة باسم الجبهة تارة ودمجها تارة أخرى سيمكننا من القول "إننا ها هنا" يكون على خطأ. وان من يظن أن الإعلان عن افتتاح دورة حزبية لمواضيع نظرية ستنقل للجماهير صرخة وجودنا وأننا ما زلنا نتنفس شهيقا وزفيرا – أيضا على خطأ. الحدث مهم لكنه لا يشكل الانعكاس الحقيقي لجوهر وجودنا. صحيح أن الوعي الجماهيري يتكون ويُصاغ وتعاد صياغته عن طريق هذه المؤثرات الصغيرة إلا أن حجم قضيتنا التي نحن بصددها يتعدى بخطوات عديدة هذا الأمر.
جزء من الجوهري في هذا السياق هو كيفية الدلالة على شيوعيتنا من خلال كياننا التنظيمي الرسمي في الكنيست على سبيل المثال لا الحصر، فالحزب الشيوعي القبرصي يظهر شيوعيته شكلا وجوهرا من خلال حزب "اكيل" اختصارا لحزب الشغيلة في قبرص، والحزب الشيوعي في جنوب افريقيا يبين شيوعيته عن طريق حزب المؤتمر. فهو عبارة عن جبهة متكاملة واضحة المعالم. إن الجزء الآخر والاهم من الجوهري في هذا المضمار فهو تعقيدات وجودنا الشيوعي في هذه البلاد وعملية تشكل وعينا الماركسي كأعضاء منظمين في الحزب من اليهود والعرب. وهنا لن اخفي عن القارئ التمايز في شكلية التفكير بين الشيوعي اليهودي والشيوعي العربي من خلال وحدة الفكر والايديولوجيا والفلسفة والسياسة واختلاف نمط الحياة اليومية إن جاز التعبير لتشكل الوحدة والخلاف كلاً متكاملا. عند اطلاعي على مذكرات الرفاق العرب واليهود ألاحظ هذا التفاضل في طرح المسائل. غالبا ما نرى اللمسات الايديولوجية الفكرية النظرية لدى اليهودي طاغية أكثر مما لدى العربي وهذا ناتج عن أسباب موضوعية تحتم هكذا سلوكيات. فماذا يعني أن تكون شيوعيا في هذه البلاد؟ اشتراكي؟ ماركسي، لينيني؟ تروتسكي؟ ماويّ؟ فوضوي؟ أممي؟ عضو منظم؟ مؤيد؟ اصلاحي؟ اشتراكي – ديمقراطي؟ انتهازي؟ محرّف؟ شيوعي؟ جبهوي؟ والقائمة طويلة – بما أن الماركسية هي قمة الديمقراطية حسب رأيي فلن أجيب عن هذه الأسئلة، فكل فرد يستطيع تحديد معالمه.



// مقرون بالتنظيم!
وجودنا الشيوعي وان حاولت أن أجرده عن وجودنا التنظيمي لن أفلح في فك هذا الارتباط، حيث انه لولا هذا التنظيم لما نشرت هذه الأفكار في فترة لم تتوفّر فيها التكنولوجيا الحديثة من الانترنت والأقمار والفضائيات، حيث يستطيع كل شخص إبداء رأيه فرديا. إذًا فالفكر الماركسي وسمة الشيوعي على الرغم من الفروقات ان شئت مقرون بهذا التنظيم، المؤسسة التي رعته وترعاه.
اعتقد جازما أن حزبا ما زال يصدر صحيفته اليوميّة غير الناطقة بلسانه (شكليا) في اللغة العربيّة وأخرى بالعبرية ويصدر الملصقات والشعارات المعدنيّة ويكرم قدامى رفاقه ما زال حيا، لكن هذه الحياة لن تدوم فقط من خلال هذه المؤثرات والموتيفات فهي ستدوم من خلال تجديد الأفكار والتمايز.
وللتمايز إشكالية. ما يثلج صدورنا أن الشعارات التي رفعناها، حيث اعتقلنا وعذبنا من أجلها أصبحت ملكية العامة. فالشعارات التي أصبحت ملكية العامة تلغي تلقائيا تمايزنا. إذًا علينا تجديد تمايزنا ليس من المنطلق الميكانيكي بل الديالكتيكي. فالميكانيكي سهل إذ يتطلب فقط المهارة في الملاسنة والسفسطة والتكتيك والدبلوماسية (التي لا نجيدها كثيرا حسب أصولها وقوانينها)، أما الديالكتيكي فهو الأصعب لأنه يتطلب الكشف عن الجوهر الحقيقي لبواطن الظواهر عن طريق الاستخدام العقلاني للمقولات الفلسفية – الماركسية وخاصة الكشف عن العلاقة السببية- النتائجية والتمييز بين الجوهر والمضمون، الظاهرة والجوهر، الصدفة والضرورة. فعدم تمكننا الجدّي بتحديد الفروقات لهذه المفاتيح العلمية، يؤدي حتما الى البقاء في فلك الميكانيكية. أقيّم عاليا كتابنا الماركسيين العرب واليهود في هذه البلاد الذين تمرسوا في التحليل الماركسي – الطبقي سابحين ضد التيار الأكاديمي الحامل للفكر الصهيوني البرجوازي.
هذا صحيح لكنه غير كاف، فتمايزنا يبدأ بالتنظيمي لكنه لا ينتهي به. فإذا اعتبرنا جوهرنا التنظيمي على أنه التمايز بعينه نكون قد قزمنا جبلنا الإيديولوجي ورصيدنا المتين والثابت من الفلسفة. أن ثباتة فلسفتنا لا تعني الجمود العقائدي فالتفكير الإبداعي والتجديد هو جوهر الديالكتيك وهذا ما أشار إليه انجلز في إحدى مقدماته "للبيان الشيوعي" إذا نحن بصدد نظرية دينامية تقبل الإبداع طالما نحافظ على أسسها ومبادئها وقوانينها.
إن ترجمة هذه النظرية في الواقع الحالي في إسرائيل لمهمة صعبة جدا على الرغم من أن كل الظواهر التي نواكبها هي من مجال عمل هذه النظرية.
فاستبداد اليمين السياسي والاقتصادي على أنواعه (اليمين الليبرالي، الديني والمدني) وسياسية الليبرالية الجديدة وتفاقم مظاهر الفاشية، كلها ظواهر تحللها الماركسية وتقدم الحلول للقضاء عليها ليس بالضرورة على شاكلة السوفيتيات، الجمهوريات الشعبية وغيره من مظاهر ديكتاتورية البروليتاريا.
تمايزنا النظري يصطدم بواقع مركّب ومعقد لا اعتقد أن له مثيلا في العالم، فالقضية الفلسطينية ومن ضمنها الفلسطينيون العرب مواطنو دولة إسرائيل كفيلة بان تأخذ ذلك الحيّز الكبير من سلوكياتنا النظرية والسياسية والتطبيقية. وهنا يختلط القومي في الطبقي، حيث اننا ندعي بأنه لا يتعارض. دعونا ان نقر ولو لمرة واحدة بان التعارض موجود ولنسمه تناقضا ولنحلله على انه ليس بالتناحري، ليس من باب تخفيف حدة الوطء، بل من منطلق رؤية الأمور بالشكل العلمي. فالتحليل النظري هذا هو من احد أسس تمايزنا الجريء حيث ?ن الأوان لإعطاء الأجوبة الصريحة المبنية على أساس هذه الإيديولوجية. فانا أتمنى على حزبي عشية تسعينيته قوى الفصل وفصل القول في هذه الإشكالية.
ميزتنا وتمايزنا الفكري والتنظيمي كماركسيين في هذه البلاد عليها الظهور من خلال جرأتنا وإبداعنا المنعكسة في كتاباتنا وفي ندواتنا المرجوة والمنشودة على نسق علمية- أكاديمية مدروسة تتعدى المهرجانية والحلقات الدوراتية. ?ن الأوان للمكاشفة الصريحة لإظهار واثبات جوهرنا النظري والتطبيقي.