الديمقراطية الشعبية هدف الشيوعيين المرحلي


حزب العمال التونسي
2004 / 4 / 27 - 11:38     

إن المهمة المعلنة للشيوعيين في كل أنحاء المعمورة هي تأسيس مجتمع بديل. وهو المجتمع الاشتراكي الذي يشكل مرحلة نحو الشيوعية الهدف الأعلى للإنسانية التقدمية، لذلك فإن مهمة الشيوعيين هي مهمة تاريخية وليست مهمة مرحلية أو ظرفية.

والمهمة التاريخية تتجسد في التعبير عن تكريس التحول التاريخي النوعي من المجتمع الطبقي (المجتمع الرأسمالي) إلى المجتمع اللاطبقي، أو بلغة كارل ماركس الانتقال من اللاتاريخ إلى التاريخ (بمعنى الدخول في التاريخ الإنساني الحقيقي). وقصد الإيفاء بهذه المهام يمارس الشيوعيون كل التكتيكات المرنة والمنسجمة ضرورة مع هذه الاستراتيجية، علما وأن النضال تختلف شروطه وأشكاله من بلد لآخر حسب درجة تطوره. فالنضال داخل المجتمعات الرأسمالية الكلاسيكية (الأوروبية والأمريكية) له خصائصه. والنضال داخل الرأسماليات الأقل تطورا له خصائص مختلفة و كذلك النضال في المستعمرات والمستعمرات الجديدة.

يعتبر نضال الشيوعيين في المستعمرات الجديدة نضالا معقدا أي مركبا في شكله ومضامينه باعتبار تراكم المهام المطروحة بحكم خصوصية تطور هذه المجتمعات التي تعرضت في سيرورتها التاريخية لتشويـه الرأسمال الاحتكاري الاستعماري الذي أثر بشكل عضوي ومباشر في إمكانيات تطورها ونمائها وتحولها. فولد نمط الإنتاج الرأسمالي في هذه الأقطار مشوها ومستهجنا ومتخلفا. وقد زاد الاستعمار المباشر في تعميق هذا الوضع وذلك بمزيد ربط هذه المجتمعات بمصالح الرأسمال الغازي، فولدت علاقات الإنتاج الجديدة مشوهة مما أثر بالضرورة في مسار تطور القوى المنتجة كما وكيفا (أي عدم تمكنها من التطور الذاتي والموضوعي كما في الرأسماليات التقليدية).

إن الوجه الآخر لتشوه علاقات الإنتاج هو ولادة طبقة بورجوازية هجينة ومرتبطة عضويا بالرأسمال الأجنبي لا دور لها سوى خدمته وخدمة مصالحه الحيوية في إطار التقسيم العالمي للعمل. إن ميلاد هذه الطبقة الذي لم يكن نتاج تطور ذاتي وخاص بهذه المجتمعات أفرز من جملة ما أفرز تعطلا لخصوصية التطور التاريخي، وبالتالي تعطلا لمهام الطبقات الاجتماعية الجديدة، فكما نعرف فإن البورجوازية قامت تاريخيا بدور ثوري وتقدمي، فنمط إنتاجها يعد خطوة جبارة في اتجاه التاريخ مقارنة بسلفه الإقطاعي. كذلك أفرزت الثورة البورجوازية (الصناعية و الثقافية) مفاهيم جديدة عن الكون و الطبيعة و المجتمع أو ما يسمى بالثورة الفلسفية الحديثة التي شملت كـل مجالات الحياة في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والفن والدين. أفرزت مجتمع الأنوار والمواطنة ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان... لكن برجوازية العالم المتخلف وباعتبار خصائص ظهورها وتطورها لم تتمكن (ولم يكن ذلك ممكنا) من إنجاز المهام التي أنجزتها برجوازية الرأسماليات التقليدية، وحتى حين صعودها إلى دفة الحكم بعيد الحرب العالمية الثانية، فإن هذه البرجوازيات ظلت بحكم طبيعتها عاجزة عن إنجاز المهام التي من المفروض أن تنجزها. وهذه المهمة هي إنجاز التحول البرجوازي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا. على انه جدير بالملاحظة هنا أن تعطل تطور القوى المنتجة ليس المقصود به نفي أيّ تغيّر للتشكيلة الاجتماعية للمجتمعات المعاصرة بل المقصود به أن نموها ظل دون ما عرفته أوروبا وأمريكا الشمالية من ظهور مجتمعات "نقية طبقيا" أي قائمة على ثنائية طبقية واضحة المعالم : رأسمال/عمل، بل إن ما يمثل خصوصية "البلدان المتخلفة" هو تداخل وتعقد المهمات الطبقية للأحزاب الشيوعية التي فضلا عن مهام الثورة الاشتراكية التي هي مهمتها الأصلية كتعبير عن المصالح الطبقية القصوى للطبقة العاملة، فإنها مطالبة موضوعيا وتاريخيا بحل التناقضات الطبقية والوطنية المعلقة التي هي في الأصل مهام برجوازية ديمقراطية، هذه المهام المعلقة هي: حل المسألة الوطنية أي حسم مسألة التحرر/الاستقلال الوطني وكذلك فض المسألة الزراعية (مسألة الإصلاح الزراعي) وتثوير قوى الإنتاج في الريف. كل هذا بالتزامن مع حسم أهم ما ميز الثورات البرجوازية وهو مسألة الحرية السياسية كميزة تاريخية للعصر الرأسمالي، لكن حزب الطبقة العاملة ليست مهمته في كل الحالات تعويض البرجوازية (علما وأن البرجوازية كفت منذ دخولها مرحلة الاحتكار عن أن تكون طبقة ثورية أو تقدمية). لكن تاريخيا لا يجوز إنجاز المهام الاشتراكية وإحداث الانقلاب التاريخي النوعي لصالح الطبقة العاملة إلا بحسم المهام المعلقة وهي المذكورة آنفا، لكن هذا لا يعني التوقف هنا أي إنجاز المهام البرجوازية الديمقراطية ومن ثمة طرح الثورة الاشتراكية.

إن الطرح السليم لقضية الثورة في المستعمرات الجديدة هو في تكفل الأحزاب الشيوعية الماركسية اللينينية بإدماج المهام البرجوازية الديمقراطية بأفق اشتراكي يعطي للمهام الأولى طابعها الطبقي الشعبي. فالمتكفل بإنجاز تلك المهام ليس البرجوازية فهذا لم يعد جائزا ولا ممكنا، إن المتكفل به هو الجماهير الشعبية بقيادة الطبقة العاملة (وليس تحالفا طبقيا بقيادة "البرجوازية الوطنية").

إن استراتيجية الشيوعيين في هذه البلدان هي الثورة الشعبية ذات المضمون الوطني والديمقراطي وذات الأفق الاشتراكي، وهي استراتيجيتنا في تونس (كمستعمرة جديدة).

أي تكتيك لبلوغ هذه الاستراتيجية ؟

لن نفصّل الحديث هنا عن برنامجنا التكتيكي في حد ذاته بل سنحاول ملامسة المسألة من زاوية كون التكتيك (أي تكتيك) هو الخطوة الأولى في الاستراتيجيا أو بلغة أخرى هو إنجاز جملة المهام المباشرة في مختلف المستويات والتي من شأن تحقيقها أن يوفر جملة المراكمات الضرورية للانتقال إلى طور آخر هو الطور الثوري، والبرنامج التكتيكي مشروط بإطاره الذاتي والموضوعي، إذ هو مشروط بموازين القوى الطبقية، والحالة الأيديولوجية والمعنوية للجماهير (درجة الاستعداد للنضال) وكذلك يراعي طبيعة الدولة وشكل السلطة في تلك اللحظةالتكتيكية.ومباشرةنقولإن المرحلة التكتيكية في بلادنا تفترض حتميا تكثيف وتيرة النضال الديمقراطي باعتبار الخصوصيات المحددة آنفا، وهذا النضال يفترض تحالفا شعبيا واسعا بما فيه بعض التعبيرات البرجوازية وهي أساسا التيارات الليبرالية القابلة بالتقاء سياسي (بالأساس) حول برنامج حد أدنى لا يتجاوز عندها إحداث تحسينات وإصلاحات في أوضاع الحريات وحقوق الإنسان، لكن بالنسبة للشيوعيين وباعتبار مهامهم التاريخية فإن هذا الحد الأدنى يبقى محدودا و ظرفيا وليس هدفا في حد ذاته.

إن هدف هذه المرحلة هو دفع التناقضات الطبقية إلى درجاتها القصوى وهذا هو مغزى العمق الطبقي والشعبي لنضالنا.

إن في مشاركة قوى الشعب الكادحة بأكثر فعالية في المعارك الطبقية والسياسية من شأنه أن يعمق التساؤلات ليس حول الدكتاتورية فقط بل حول المجتمع الرأسمالي برمته، حينها وحينها فقط تنطرح على جدول أعمال الشعب حتمية الانتفاضة الجماهيرية المظفرة (لأن الانتفاضة العفوية واردة في كل لحظة)، حينها يمكن طرح المهام الأكثر ثورية وهي المهام الوطنية والديمقراطية والشعبية عموما. على أن ذلك يفترض إقامة تحالفات طبقية وسياسية جديدة تنسجم مع الطور الجديد من النضال وهو طور الحد الأقصى.

إذن، ما نريد توضيحه في هذا النص هو كون النضال الديمقراطي في المرحلة الحالية ليس معزولا، ولا يجب أن يكون كذلك عن سياقه التاريخي. كذلك فإنّ النضال الديمقراطي يختلف تعريفه ومفهومه من طبقة إلى أخرى ومن قوة سياسية إلى أخرى. نحن نتبنى وندافع عن الديمقراطية الشعبية، ديمقراطية المشاركة الواسعة للجماهير في كل مستويات القرار والتنفيذ. نحن نتبنى ونقول بالحرية في معناها الطبقي. نحن ندافع عن حق العامل وحق الفلاح وحق المظطهدين والمضطهدات في التنظم والاجتماع والتنقب والمساواة التامة والفعلية بين الرجال والنساء، ندافع عن حق الجماهير في العصيان والثورة وإرساء النظام السياسي الذي ترتئيه، النظام الذي يكرس مصالحها المادية والمعنوية، لذلك نحن مقتنعون بأنه لا ديمقراطية في ظل النظام الدكتاتوري ولا بالتعاون معه. كما أنّنا نعتبر أن الضمانة الأساسية لتوفير الديمقراطية للشعب هي أن يكون حملة المشروع الديمقراطي ديمقراطيّين حقيقيّين لامهدّدين لهذا المشروع، لذا فإن الجبهة الديمقراطية المطالبة بإنجاز التحول الديمقراطي يجب أن تكون من الديمقراطيين لا من أعداء الديمقراطية، فلا يمكن الحديث عن حركة ديمقراطية تضمّ قسما أو أقساما من السلطة وحزبها أو من التيار الظلامي الرجعي المعادي للديمقراطية والحرية على طول الخط. إن من مظاهر أزمة الحركة في السنوات الأخيرة رغم بوادر نهوضها هو اختلاط المفاهيم والمواقف لدى قطاع من الحركة الديمقراطية يعتبر "الإخوان" جزءا من الحركة الديمقراطية، وهو ما تسفهه كل التجارب التاريخية (والحاضرة) للتيار الظلامي بما فيها في تونس، وهو ما يسفهه أيضا البديل المجتمعي لهذا التيار فضلا عن ارتباطه بعديد الدوائر الإمبريالية والرجعية العالمية والعربية.

إن اختلاف مكونات الحركة الديمقراطية في تصنيف هذا التيار لازال يؤجل تقدما ممكنا للحركة على درب وحدتها وإنجازها لمهامها.

الإمضاء: د.ت