الشيوعية اللاسلطوية


سامح سعيد عبود
2009 / 6 / 8 - 09:11     

من بين المتحدثين بالعربية ينحصر اللاسلطويون ( الشيوعيون اللاسلطويون) فى مجموعات لا سلطوية نقابية فى كل من المغرب و الجزائر ، ومجموعة لاسلطوية باسم البديل التحررى فى لبنان تنتسب للتيار المنبرى اللاسلطوى ، ومجموعة أخرى فى الأردن كما يتواجد أفراد متزايدون و إن كانوا غير منظمين ينتمون لهذا التيار أو يتعاطفون معه بدرجة ما ، فى مصر وفلسطين المحتلة والأردن وسوريا والعراق ، كما توجد مجموعة لا سلطوية باسم التجمع اللاسلطوى لشرق المتوسط ، ومجموعة لاسلطويون ضد الجدار بين المتحدثين بالعبرية فى فلسطين المحتلة و ذلك فى حدود معلوماتى .
الشيوعية التحررية ليست فكرة جديدة ،إنها مصطلح يعود استخدامه للعقود الأولى للقرن التاسع عشر و هى تشكل حركة مختلفة تماما عن الحركة الشيوعية الماركسية اللينينية بفروعها المختلفة ، التى لم تشرع فى بناء الشيوعية فى الاتحاد السوفيتى أو الصين أو شرق أوروبا ، ولكنها خلقت نمط إنتاج بيروقراطى هناك بديلا عن الشيوعية ، فى هذا النمط تكون البيروقراطية هى الطبقة التى تسيطر على الملكية و الإنتاج ، و من ثم تحوز بحكم موقعها على الفائض الاجتماعى لصالحها ، وفى مثل هذا النمط لم يتحرر العمال ولم يتحولوا لمنتجين أحرار كما تعنى بذلك الشيوعية اللاسلطوية فى أصولها ، ومن ثم أبقت التطبيقات المختلفة الخارجة من العباءة اللينينية على عبودية العمل المأجور لبيروقراطية قطاع الدولة فى حين أن الشيوعية اللاسلطوية تعنى التحرر من تلك العبودية كما تعنى التحرر من أى عبودية أخرى ، بل وهبطت الشيوعية التسلطية فعليا بوضع العمال من العبودية المأجورة فى نمط الإنتاج الرأسمالى التقليدى لوضع العبودية المعممة للدولة ، حيث فقد العمال المأجورين إمكانية التعاقد مع الرأسماليين لتحديد شروط عملهم ، بما فيها ما يحصلون عليه من أجور ، ليقعوا فى حالة إذعان تام للبيروقراطية التى تحدد هذه الشروط بمفردها بما فيها الأجر الذى يحصلون عليه الذى تحول فى مثل هذا النظام لنوع من الجراية التى يحصل عليها عمال السخرة .
الشيوعيون التحرريون يطلق عليهم اللاسلطويون أيضا ، و اللاسلطويون يعارضون كل من الرأسمالية و الدولة ، وهم يعتقدون أن الطبقة العاملة يجب أن تنتظم ذاتيا لتمحو كل من الرأسمالية والدولة ليحل محلها نظام يكفل الحرية والمساواة لكل أفراده ، ويكفل المبادرة الفردية مع العدالة الاجتماعية ، حيث تكون فيه حرية واستقلالية وذاتية كل فرد متحققة على نحو كامل ،و حيث يكون ازدهار تلك الذاتية متاح للجميع على قدم المساواة ، وحيث يكون المجتمع الإنسانى قائم فى كل العلاقات الاجتماعية التى تكونه على أساس التضامن والتعاون الطوعى فيما بين أفراده وجماعاته المختلفة .
هناك ثلاث حركات ماركسية متشابهة متواءمة مع اللاسلطوية التقليدية هى
شيوعية المجالس
و الأسماء ذات الصلة فى هذا الاتجاه هى
أنطونيو جرامشى حيث دعم حركة مجالس العمال التى كانت قوية فى إيطاليا فى 1919_1920.
أنطون بانيكوك الشخصية القيادية فى الأممية الثانية للأحزاب الاشتراكية الديمقراطية ، كان أحد الممثلين البارزين لفكرة شيوعية المجالس ، وطبقا لروبرت باركسى "الثورة الاجتماعية التى توقعها بانيكوك سوف تنخرط فى محو أنظمة الإنتاج القائمة سواء فى المجتمعات البلشفية أو الرأسمالية القائمة على السواء ،ومن ثم سيحصل العمال على سلطتهم كاملة على مجمل ظروف ونتاج عملهم و سيملكون التحكم فى مصيرهم ، ففى مجتمع شيوعية المجالس سوف تكون كل وحدة إنتاج أو خدمات مدارة من خلال لجنة منتخبة من كل العاملين بتلك الوحدة الإنتاجية أو الخدمية . و سوف يكون للناس تقرير شروط عملهم وحياتهم جماعيا من خلال مجالسهم المحلية المنتخبة .
روزا لوكسمبرج كمفكرة ومناضلة ماركسية بارزة هى معارضة بارزة للينينية و أحد المعبرين بقوة عن حركة شيوعية المجالس.
ومن هنا تطرح شيوعية المجالس نوع من المجتمع الاشتراكى اللامركزى ،مع وجود تخطيط موضوع ديمقراطيا بواسطة المجالس المحلية التى تنسق بين الجماعات المختلفة فى نطاقاتها المحلية ، هذا النظام على وجه التحديد لم يكن مطبقا فى الاتحاد السوفيتى أو الصين أو أى دولة اشتراكية أخرى ،برغم أن يوجوسلافيا قد حاولت أن تطبق نوعا ما من الإدارة الذاتية و اللامركزية الإدارية إلى حد ما.
الاستقلالية (الماركسية الاستقلالية)
هؤلاء الذين يتميزون فى التاريخ الماركسى بالتعاطف مع النشاط الذاتى للطبقة العاملة . و مصطلح "الاستقلالي" هنا مستخدم فى عدة معانى :1ـ استقلالية الطبقة العاملة فى مواجهة رأسالمال و الدولة 2ـ استقلالية الطبقة العاملة فى مواجهة منظماتها الرسمية النقابات و الأحزاب ..الخ 3ـ استقلالية الأجزاء المختلفة للطبقة العاملة عن بعضها البعض.
أن تلك العناصر التى تنتمى لهذا التقليد المتعاطف مع مفهوم استقلالية الطبقة العاملة أصبحت تنتظم على نحو متميز عن الآخرين . فى حين أنه فى السابق فأن فهم وتقدير الاستقلالية كان غالبا موجود فى أفراد ومجموعات فقط داخل بعض أجزاء من الحركات الماركسية العديدة .على سبيل المثال شيوعيو المجالس يتعاطفون مع استقلالية الطبقة العاملة فى مواجهة رأسالمال والدولة والأحزاب والنقابات فى كتاباتهم السياسية لكنهم غالبا ما يتناسون هذه الفكرة حينما يتجاهلون نظرية الأزمات الرأسمالية ،القائمة على أساس الطبيعة المأزومة للرأسمالية التى ستؤدى إن لم تنجح الرأسمالية فى تجاوزها ، أن تتحرك الطبقة العاملة تلقائيا لإنهاء الرأسمالية مؤسسة نظامها الاجتماعى ، كما أدت أزمة المجتمع الإقطاعى لكى تأخذ البورجوازية بنفسها المبادرة لدحر الإقطاع.
بشكل مشابه فهناك من الماركسيين من يفهمون جيدا قدرة الطبقة العاملة لممارسة الصراع ذاتيا ضد رأسالمال ، آخذة فى ذلك وضع الهجوم أكثر من كون تحركها مجرد رد فعل أو كمجرد تابعة لحزب أو نقابة ، لكن لا أحد منهم يتعاطف مع مفهوم استقلالية الصراعات و أشكالها داخل الطبقة عن الأحزاب و النقابات .
المواقفية الأممية
هو اتجاه لا يختلف فى طرحه السياسى كثيرا عن شيوعية المجالس أو الاستقلاليين و لكن ما يميزه هى كتابات ممثليه عالية المستوى النظرى التى تركز على تأثيرات الميديا الحديثة على الوعى و الممارسة الاجتماعية، والمدى العميق الذى وصل إليه الاغتراب فى المجتمع البورجوازى الناتج عن سيطرة الميديا الحديثة ، وكما تركز دراسات المواقفيين على الانفصال بين ما تقدمه تلك الوسائل الإعلامية والثقافية من صور مشوهه للواقع عن حقيقة الواقع نفسه ، ومدى تأثير ذلك التراكم من الصور المنفصلة عن الواقع على المتلقى المكتفي بالفرجة والتأثر ، و الذى يشكل لديه هذا التراكم من الصور عالم بديل يعزله عن الواقع الفعلى ، هو عالم الاستعراض ، ومن هنا يتم نقد مبدأ التمثيل عموما للهوية الجماعية أيما كانت، باعتبار أن كافة أشكال التمثيل المختلفة هى صور منفصلة عن واقعها ، وبالطبع فالمواقفيون ضد التمثيل السياسى أو النقابى للطبقة العاملة باعتباره تكريس للانفصال بين الصور أى الحزب أو النقابة و الواقع أى الطبقة العاملة ، تلك الخاصية المميزة للمجتمع البورجوازى باعتباره مجتمع للاستعراض ، وباعتبار تمثيل الطبقة العاملة استمرار لاغترابها .
اللاسلطوية النقابية
وتهدف لتوحيد كل العمال فى منظمات اقتصادية نضالية ، كى يناضلوا لتحرير أنفسهم من النير المزدوج للرأسمالية و الدولة ،وهدفها إعادة تنظيم الحياة الاجتماعية على أسس الشيوعية التحررية عبر الفعل الثورى للطبقة العاملة، على اعتبار أن المنظمات الاقتصادية للبروليتاريا هى الوحيدة القادرة على تحقيق ذلك الهدف .و من ثم فهم يختلفون عن اللاسلطويون المنبريون فى أنهم يعملون من خلال النقابات العمالية ، و ينتظمون على أساسها فى اتحادات ثورية تعمل من داخلها ، وتنتظم على أساسها ، لأداء مهام الدعاية للأفكار اللاسلطوية وتعليم وتدريب الطبقة العاملة ، ومن ثم فالنقابات واتحاداتها ليست فحسب المؤسسات التى ستقود الثورة الاجتماعية وفق اللاسلطوية النقابية ، بل ستكون الهيكل التنظيمى الذى سيدير مجمل وسائل الإنتاج والخدمات فى المجتمع اللاسلطوى .
اللاسلطوية التعاونية
وتهدف تلك الحركة إلى تنظيم العمال والمهنين والحرفيين فى منظمات اقتصادية مستقلة عن الدولة ورأسالمال وفق المبادىء التعاونية اللاسلطوية، على أساس أن يتحول هذا النمط إلى النمط السائد اجتماعيا تدريجيا بهزيمة النمطين الرأسمالى والبيروقراطى ، وهدفهم إعادة تنظيم الحياة الاجتماعية على أسس التعاونية اللاسلطوية، على اعتبار أن التعاونيات اللاسلطوية هى الوحيدة القادرة على تحقيق ذلك الهدف اللاسلطوى .و من ثم فهم يختلفون عن اللاسلطويون المنبريون فى أنهم يعملون من خلال التعاونيات ، و ينتظمون على أساسها فى اتحادات تعاونية تعمل من داخلها ، وتنتظم على أساسها ، لأداء مهام الدعاية للأفكار اللاسلطوية التعاونية ، ومن ثم فالتعاونيات واتحاداتها ليست فحسب المؤسسات التى ستقود الثورة الاجتماعية وفق اللاسلطوية التعاونية ، بل ستكون الهيكل التنظيمى الذى سيدير مجمل وسائل الإنتاج والخدمات فى المجتمع اللاسلطوى .
*****
أن كل هذه الحركات تدافع عن التحرر الذاتى للطبقة العاملة ، وتعارض استخدام العملية الانتخابية لكسب السلطة السياسية ، وتعتبر أن دورها ينحصر فى كونها منابر لنشر الأفكار اللاسلطوية عبر المجتمع ، و كونها هيئات تعليم الطبقة العاملة كيفية الاستغناء عن كل من الدولة و رأسالمال ، وتدريبها على أن تدير أنشطتها الذاتية المختلفة وفق القواعد اللاسلطوية و كيفية تخلصها من تأثيرات الساسة السلطويين ، لتتأهل عمليا لهذا الاستغناء عندما يحين وقت ثورتها الاجتماعية ضد كل من الدولة و رأسالمال .
و من ثم تناضل هذه التيارات من أجل تطوير مثل هذه الأنشطة الذاتية بدراسة و نقل الخبرات ونشرها فى أوساط العمال . من أجل استقلال هذه الأنشطة و الممارسات الذاتية للطبقة العاملة فعليا عن كل من الدولة و رأسالمال و الساسة السلطويين والبيروقراطيون ، وتهدف الحركة إلى أن تتوسع هذه الأنشطة الذاتية لتشمل كل ما هو ممكن من الأنشطة البشرية و فق شروط و ظروف كل مجتمع على حدة كخطوة نحو التحرر الذاتى .
لذلك فاللاسلطويون يقاومون كل أشكال احتواء أنشطة الطبقة العاملة الذاتية من قبل الساسة السلطويين و البيروقراطيين و الرأسماليين.
إلا أنه يلاحظ بروز بعض الحركات الجديدة مثل الحزب التحررى فى الولايات المتحدة و اتجاه ما يسمى ب اللاسلطوية الرأسمالية والذى يمثل الأجنحة اليمينية ، و التى تأمل فى الاستيلاء على الأفكار الأساسية للاسلطويين ،لتجعلها فى خدمة استمرار الرأسمالية و ودعم حكومات الساسة و الشركات الرأسمالية ، فهؤلاء يدعون للسوق الحر و المستقل بالكامل عن الدولة ، برغم أن هذا ببساطة يعنى تحكم المؤسسات الرأسمالية فى كل مجالات الحياة ، وهو ما يؤدى لإضعاف الحركة العمالية ،ويؤدى للتدمير البيئى لكل الكوكب طالما تركنا كل مجالات الحياة تخضع لقيم ومنطق السوق والتنافس .