الماركسية..مقارنة بين تألق الممارسة وانحسارها


عبد العالي الحراك
2009 / 6 / 3 - 09:50     

ازدهرت حياة الشعوب في الاتحاد السوفييتي والصين ومجموعة الدول الاشتراكية عندما انتصرت فيها الثورة الاشتراكية تحت قيادة الاحزاب الماركسية.. وتحررت وتطورت نسبيا شعوب العالم الثالث التي حصلت فيها ثورات التحررالوطني والانعتاق من الاستعمار,كما تعمقت النضالات العمالية والطلابية والحركات النسائية في دول العالم الصناعي في اوروبا خاصة,وانتشرت احزابها بين الجماهير.. اي كان هناك صعودا وتقدما في حياة البشرية جلبته الماركسية عبر نجاح تجارب احزابها,لكنها حوربت من قبل الامبريالية العالمية اولا والرجعية العالمية ايضا,اضافة الى اخطاء قادتها ففشلت تجاربها وتقهقرت الى الوراء وعاد التخلف بظلاله مرة اخرى ولو بأشكال مختلفة,حيث خمدت ثورات الشعوب وتخلفت البلدان وتأزم الاقتصاد
وظهر الاعداء يحكمون وكأنهم المنتصرون, حيث ارتفع صوت الكنيسة في اوروبا واستلمت السلطة احزاب اليمين والرجعية وشبه الفاشية والعنصرية في بعض بلدانها,كما صحت احزاب الاسلام السياسي في العالم المتخلف ليزيد التخلف بؤسا والظلمة اسودادا..تحللت احزاب الماركسية في الغرب والشرق فذهب الانتهازيون فيها الى احزاب اليمين في السلطة ليتبوئوا مواقعهم في الوزارات ومستشارية الاحزاب الليبرالية
وشكل الاخرون احزابا تدعي اليسارية الديمقراطية وهي احزاب ليبرالية غامضة تخلط الافكار بشكل انتهازي واضح ,لم تتقدم خطوة واحدة الى الامام منذ تشكيلها ولحد الان وهي احزاب هزيلة تحمل تناقضاتها بين صفوفها ومؤيديها,افتقدت المنطق العلمي والحجة القوية للاحتفاظ بجماهيرها واصبحت غير قادرة على اقناعها, مما ادى بها الى ان تنسلخ عنها تدريجيا مبتعدة فقل حضورها ومشاركتها في الانتخابات وضعفت قدرتها ايضا على مواجهة احزاب اليمين والليبرالية. , عن العمل السياسي
الازمة الاقتصادية والمالية العالمية الحالية والانحدار الحاد في طريق التخلف الذي يعيشه العالم الان, حيث يتم تسريح ملايين العمال والموظفين من اعمالهم ووظائفهم في امريكا واوروبا وانخفاض اجورعمل الباقين وغلق مئات المصانع والمعامل في العالم الصناعي ماهي الا نتيجة تقهقر التجارب الاشتراكية وانسحاب احزابها من ساحة الفعل الجماهيري الذى ادى الى سطوة الرأسمالية من جديد وانفرادها بمقدرات البشرية حيث سيطرة اليمين وظهورالدين والرجعية على المستوى العالمي وهو السبب الحقيقي للتخلف والوقوع في الازمة الاقتصادية العالمية التي سببها عجز النظام الرأسمالي عن الاستمرار بالتقدم,لانه مبني على السرقة والاحتيال وتضخم الاستغلال مما يدل على ان التقدم الذي حصل في العالم وانتعاش حياة الشعوب كان مقترنا بانتصار احزاب الماركسية وتأثير الاشتراكية
وليس بالليبرالية العاجزة عن حل ازماتها الا بخلق ازمة جديدة وان (تلبرر) بعض الماركسيين وانخراطهم في الاحزاب الليبرالية التي تدعي التقدم واليسار ما هي الا محاولة انتهازية للحصول على مناصب ومنافع شخصية عبر استخدامهم الثقافة المنحسرة كابواق ليبرالية تلطيفية وترقيعية لأفكار قديمة واحزاب فاشلة.
الليبرالية تعتبر تقدمية بعد مرحلة النهضة والتنوير في اوروبا ودورها الواضح في نشرالحرية وانحسار دورالدين القامع للحرية ,لكنها رجعية في تأييد الاستغلال واطلاق يد المستغلين وافقار شعوبها وقمع احتجاجاتها بطريقة او باخرى.. اما الان فهي جزء من المشكلة في اوروبا وليس لها دور في الحل,الا اللف والدوران حول محورها مستعينة بالتزويق الاعلامي الذي يروج له بعض انتهازيي اليسار الذين احتلوا مواقع تابعة لهذه الاحزاب المسيطرة على الاقتصاد والحاكمة في السياسة. ظهور بعض الاصوات الليبرالية في منطقتنا ,امر جيد ومفيد في حالة الالتزام بنشرالتوعية والتنويروالمساهمة بالارتقاء بمستوى وعي الشعوب المغلوبة على امرها وليس سلوك طريق التناقض مع الماركسية ودعاة التقدم, بل ضرورة التنسيق معهم في سبيل الارتقاء بالوعي العام والوقوف في وجه المد المتخلف والعبث الحاصل في مقدرات شعوبنا.
عودة احزاب الماركسية الى الحياة السياسية من جديد يحتاج الى اعادة قراءة ودراسة الماركسية والاستفادة منها حسب متطلبات العصر ومستلزمات التعامل السياسي مع الاحداث والتطورات ابتداءا من المستوى الوطني بعيدا عن الطبخات الجاهزة اواستعارة التجارب السابقة.. فالازمة السياسية في العراق والتي تستمر تتأزم بحلقات جديدة يمكن لليسار, (ان تجدد )ان يأخذ بها وسيلة للصعود واحتلال مواقع امامية عبر النضال الوطني اليومي حيث ازمة الفساد تستفحل وادت اخيرا الى سقوط وزير واحتمال سقوط اخرين وانتهاء احزاب طائفية وتفكك ائتلافاتها وعندها تصبح الماركسية وائتلافاتها هي البديل لأنها فكر حي يتجدد ومنهج عمل علمي يتطور,لكنها تحتاج الى اشخاص قياديين بمستواها, لا دكتاتوريين انانيين.. ان الازمة السياسية في العراق وفلسطين وفي لبنان والازمة الاقتصادية العالمية التي تعصف بالعالم, تدعو الى تنشيط دراسة الفكر الماركسي في هذه البلدان وفي غيرها.. وما المانع ان تنطلق تجربة يسارية رائدة من هذه المنطقة؟ والا استمر التخلف وازدادت المعاناة, لان احزاب السلطة في هذه البلدان عاجزة,واحزاب اليمين في العالم قادرة فقط على خلق الازمات وغير قادرة على حلها .