الجريمة البوردونية


معاذ عابد
2009 / 5 / 23 - 10:35     

كثيرا ما يحملني النقاش مع أحد الأصدقاء والرفاق" الأناركيين" الى متاهات غريبة في الحوار,فمن ماذا تبقى من الماركسية ...مرورا بماذا أنجز الماركسيين في العالم..انتهاء الى سؤال تاريخي..ماذا انجز الاناركيين ..ليس المقصود هنا الاناركيين في اروربا الذين لايمر يوم ويعقد قادة العالم اجتماعا قمميا إلا ويعكر الاناركيون صفوه ويقلبون الدنيا عاليها واطيها.
الأناركيين الجدد أو الفكر الاناركي الذي تطور وأصبح ظاهرة اجتماعية مزعجة في اوروبا لدى السلطات على الاقل
الفكر البوردوني ,على الأخص أيام بوردون والبوردونيون الأوائل, كان عامل هدم غير طبيعي بل كانت الطروحات البوردونية التي ظهرت في غير مكانها وغير وقتها عاملا مهما لعوامل الهدم بل وكانت مساندة للرأسمالية الناشئة وبصورة قوية,هذا الكلام ليس من باب الأتهام والتجني الجزافي

الأناركية متى تصلح؟؟

اذا قلنا أن الأناركية الأجتماعية وظاهرة الرفض الفوضوي تصلح لزمان ما فهي بالتأكيد تكون مفيدة في ظل العولمة الرأسمالية الحديثة وتحول السلطات الى الطابع الفاشي وهذا الأصطلاح والنظرة التحليلية للطبقات المُستثمِرة المستغلة (بكسر الغين) انما يتفق مع النظرة الماركسية اللينينية الماوية في هذا التوصيف (الفاشية) وتكمن الفائدة من وجهة النظر( الماوية) أنها تدفع الى عدم الأستقرار الاجتماعي وبالتالي تدفع الناس وتزرع في الوعي الجمعي للشعب شعورا بعدم الأمان ,تحاول الأنظمة أن تلصقه بالفوضويين واليساريين والخُضر , لكن الشعب بطبيعته وعلى الغالب لايميل الى تصديق الطرف القوي دائما ,فالفوضويين يزرعون في المجتمع بذرة اللاإستقرار ونواة التغيير والحركة وتصاعد المواجهات يجعل من الضروري دفع القوى الثورية في المجتمع الى مزيد من تنويع النضال والعنف الثوري ضد السلطات هذا الامر استشرى في تركيا في الوقت الراهن , فمن التجربة الأناركية الأروبية في المواجهات ضد السلطات ,استشف الشيوعيون الأتراك سبلا جديدة للمواجهة ,إضافة الى النضال العسكري الذي ينتهجه فصيلين هما جبهة التحرر الثوري الشعبي والحزب الشيوعي الماوي وجبهة (HKO) الماوية, ففي الأول من ايار تنطلق المسيرات في تركيا معلنة السخط الشعبي على النظام الحاكم وتقابل المسيرات والمظاهرات بقمع سلطوي عنيف ورد شعبي أعنف , وللأمانة أقول إن الشيوعيين الاتراك انما نقلوا تجربة الأناركيين الالمان في الأول من أيار واستفادوا من خبرة الماويين الألمان في تلك الأحداث التي وصلت ذروتها في العام 2005 حيث المواجهات الدامية بين الشيوعيين والنازيين الجدد , المواجهات التي انظم فيها الأناركيون الى الماركسيين ليواجهوا السلطة والنازية الجديدة ,

جريمة البوردونية.

كومونة باريس : لمن لايعرفها هذا توصيف بسيط لها
نظام جماعي مساواتي أدار باريس في الفترة ما بين 18 مارس (بصورة أكثر رسمية 26 مارس) إلى 28 مايو عام 1871. هي حركة نقابية و عمالية يسارية, قامت بثورة تعتبر أول ثورة إشتراكية في العصر الحديث ، إستولت على السلطة في فرنسا لمدة شهرين . قامت بتعديل لون العلم الفرنسي إلى اللون الأحمر ، و أجرت العديد من الإصلاحات أهمها الإصلاحات التربوية و من ثم فصل الدولة عن الدين ، و تم إلغاء العمل الليلي ، و منع الغرامات و الضرائب المفروضة على أجور العمال ، و استطاعت تشغيل المعامل التي تركها أصحابها هرباً و لجأوا إلى فرساي ، تحول العمال و العاملات إلى جنود فوق المتاريس للدفاع عن إنجازهم لكن كان قمع الثورة دمويا بشكل فظيع على يد تيير ، و ذلك في الايام الستة الأخيرة من عمر الثورة ، سقطت الثورة بعد مجازر دموية لكنها كانت النار التي أوقدت العديد من الثورات الإشتراكية بعدها.

في العام الذي سبق هذه الكومونة أطل برودون في كتابه المنحول (فلسفة البؤس) الكتاب الذي لاقى رواجا بين الفرنسيين على الأخص قبل عام من الكومونة وبقي الكتاب مؤثرا في الفرنسيين بسبب اللقاءات الكثيرة بين بوردون وكارل ماركس الأمر الذي جعل بوردون ملفتا للنظر وخصوصا أن نقاشات كثيرة دارت بين بوردون والشخص الأشهر في اوروبا وفكره التاريخي الجديد (الماركسية) وعرف بوردون وكتابه (منهاج التناقضات الاقتصادية أو فلسفة البؤس ) الدخول لباريس وللعمال الباريسيين الماركسيين في تلك الفترة وانطلقت الكومونة لكن خطئين قاتلين أديا الى النهاية الفظيعة بالأبطال(الجريئون حد الجنون) المستعدون(لمحاربة السماء) بحسب توصيفات ماركس الغلطة الأولى :

(التبادل العادل) كان برودون في الفلسفة مثاليا. صاحب نزعة تلفيقية. وقد أضفى طابعا فجا على الجدل الهيغلي، وحوّله إلى مخطط تقريبي، أو إلى واحد من تعاليم المزج الآلي بين الجوانب "الخيرة" و"السيئة" في كل ظاهرة. وقد نظر برودون إلى تاريخ المجتمع على أنه صراع الأفكار. وعلى حين أنه أعلن أن الملكية الرأسمالية الكبيرة "سرقة" أجاز الملكية الصغيرة. وقد دافع عن الفكرة المثالية الخيالية الداعية إلى تنظيم "التبادل العادل" بين منتجي السلع الأفراد في ظل الرأسمالية
وهي من محاور الفكر البوردوني الفوضوي هذه العبارة(التبادل العادل) التي استطاع ماركس في بؤس الفلسفة ان يوجّه ضربته القاضية لبرودون وأفكاره, وفي نفس الوقت كاد يقضي على رودبروتس Rodbertus الذي يُعد ضمن المفكرين اليوم والذي كان ماركس لا يزال يجهله.
فقد انساق ثوار كومونة باريس وراء الأحلام الاناركية بأقامة عدالة سامية توحدها الأحلام الوطنية والمهمة الوطنية العامة (بحسب لينين) وجعلهم لايستولون على مؤسسات مهمة (كالبنك المركزي) مما أعطى فرصة للتييريين بالعودة والقضاء على الثورة الباريسية العظيمة
اما الخطأ الثاني فهو عدم القضاء على أعداء الشعب مرة والى الابد مما أعطاهم فرصة العودة أيضا
ولكن ماللذي أدى الى هذا الخطأ الفظيع ...بالتاكيد انه برودون وأفكاره الطوباوية الغبية واحلامه المراهقة


طوباوية برودون ..من أين:
هذه الطوباوية Utopia القادمة من فكر البورجوازي الصغير – إن كان هذا التأثير حقيقيا أو خياليا ؟ لقد ظهرت الطوباوية في كتاب جان جراي John Gray سنة 1831، وجربت هذه الطوباوية وبُشر بها في انكلترا في حدود سنة 1830، وظهرت في ألمانيا على يد رودبرتوس ودعاها الحقيقة الأخيرة، وأظهرها برودون في فرنسا سنة 1846، اي قبل سنة ونيف من كومونة باريس من رموزها شميت وشترنر وبرودون وباكونين، الذين انتقدت نظرياتهم الخيالية (الطوباوية) في مؤلفات الماركسيين وعلى الأخص ماركس وانجلس
اما الفوضوية بشكل عام
فهي كاتجاه اجتماعي سياسي للبورجوازية الصغيرة معاد لكل سلطة ,كانت ضد سلطة العمال الباريسيين بصورة غير مباشرة حيث ان المتأثرين بكتابات بوردون الرومنسية كانوا من بين المشاركين في الانتفاضة الأولى في التاريخ مما جعلها تسقط بيد فرساي وجلاديه
يضع الفوضويين مصالح الملكية الخاصة الصغيرة في مقابل تقدم المجتمع القائم على الانتاج الواسع النطاق.
وبناء الدولة الأشتراكية الأمر اللذي دعا الى عدم السيطرة على المؤسسات المهمة كالبنك المركزي الفرنسي ومنع تقد الباريسيين الأبطال نحو اهم مراكز فرنسا
في مؤلفات ماركس وانجلز. وكانت الفوضوية منتشرة في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا في القرن 19. وهي لا تذهب إلى أبعد من العبارات العامة ضد الاستغلال، وتفتقر إلى تفهم أسباب الاستغلال والصراع الطبقي، ويخدم انكار الفوضويين للنضال السياسي – موضوعيا – اخضاع الطبقة العاملة للسياسة البورجوازية. وأكثر المسائل أهمية في النضال ضد الفوضوية هو موقف الثوريين من الدولة ودور الدولة بوجه عام، إذ يطالب الفوضويون بإلغاء الدولة فورا، ولا يعترفون بإمكان استخدام الدولة البورجوازية لإعداد الطبقة العاملة لثورة.
هذه الافكار كانت عاملا مهما في عدم جعل كومونة باريس تستمر بل كانت سببا في عودة جلادي فرساي
ان لتيير وجلاوزة فرساي النصيب الأكبر من دم الثوار الباريسيين في معركة بيير لاشيز والتنكيل الذي جرى خلال البحث عن أثار البارود لكن لبوردون نصيب ليس بقليل من هذه الدماء وبالاخص دماء البرودونيين الذي سقطوا في التنكيل بثوار باريس

المراجع

مقدمة بؤس الفلسفة
فريديريك انجلز
لندن، أوكتوبر 23، 1884

لينين الأعمال الكاملة (المجلدات)
مجلد 16-ص 452

جريدة (زاغرانيتشانيا غازيتا) العدد 23,2
أذار مارس 1908
لينين حول كومونة باريس
الطبعة الروسية الخامسة لمؤلفات لينين دار التقدم

معاذ عابد 21-5-2009