صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية الفلسطينية


جورج حزبون
2009 / 5 / 21 - 09:50     

لم يكن الموضوع بحاجه إلى من يسرب المعلومة حول نية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأردني سوا تغيير أو إقامة (الحزب الشيوعي الفلسطيني) عام1975 حسب ما ذكر نعيم الأشهب في مذكراته،فقد وفرت عدة عوامل ضرورية ،هذا الإجراء سواء قمة الرباط، أو حضور عرفات وإلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.... وعلى الصعيد الداخلي اتساع دائرة الالتفاف الجماهيري والمعكوس من نشاط الشيوعيون في الجبهة الوطنية، فقد جاءت التقارير تفيد ان الآلاف من أصدقاء الحزب التحق بها لمجرد أنها ( وطنية فلسطينية) وان عدم التحاقهم بالحزب لأنه أردني ، ناهيك عن إننا كنا أول من أعلن م ت ف ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، في اجتماع مجلس اتحاد النقابات بمدينة نابلس في تشرين أول عام 1973 بعد مؤتمر الجزائر وسابقا الرباط.
بعد الإفراج عن بعض الرفاق الذين لم ترتبط أسمائهم بعملية التحضير للعمل المسلح ومع تواجد بيت حزبي ومطبعة لم تصب، عقد اجتماع للكادر من كافة المناطق وبعد تقييم الأمور وتوزيع المهام، وإعادة الاتصال بمن انقطع بهم، وتم اعتبار الحضور مجلس حزبي، وتم تفويض عدد من الرفاق لقيادة المناطق وبقاء الصلة مع الرفيق (أبو عمر)( عبد الحافظ زيدان) بذريعة إن هناك قيادة سرية هو مندوب عنها وان الاتصالات أفضل فردية في هذه الظروف، (كان أبو عمر قد عرفني على نفسه باسم أبو خليل وذلك في منزل الدكتور المرحوم انطون صنصور ، حيث طلب مني الدكتور الحضور إلى بيته عند الساعة العاشرة من يوم الأحد نيسان 1975) . وبعد إن تمت الدعوة إلى اجتماع موسع لاحقا في بيت اسعد الأسعد (مخيم قلنديا) استعرض أبو عمر المناخ السياسي وحالة الحزب، وتحدث عن أزمة مالية بسبب شح التحويلات من الأردن حيث كان الاتصال مع الرفيق عضو المكتب السياسي ( يعقوب زياد ين) قال إن زوجة الأمين العام فايق وراد نقلت وهي في زيارة إلى رام ا لله إن المكتب السياسي للحزب في عمان درس إمكانية إعلان حزب شيوعي فلسطيني (لكنه تبين إن الأمر كان مجرد أفكار كانت تتفاعل وكان الأفضل طرحها لعل في ذلك ما يوقف اللغط بين الرفاق وان الأغلبية في المكتب السياسي لم تكن متحمسة للفكرة وان الفكرة ناضجة وتم إقرارها لكنها تحتاج إلى موافقة الأصدقاء الكبار(السوفييت) حتى تكون ولادة الحزب طبيعية ويحصل على اعترافات عربية ودولية، وهنا رحب الجميع بالفكرة وكانوا متذمرين من استمرار التعامل باسم حزب شيوعي أردني، وقياسا مع نشاطاتهم في الجبهة الوطنية، وعليه صدر قرار بالبدء بإعلان الحزب الشيوعي الفلسطيني ، وصدر بيان عن الاجتماع بهذا المعنى، وإن جريدة الوطن صدرت تحمل الاسم الجديد، وكنت من الذين عملوا على توفير (كلاشيه) للعنوان الجديد حيث ساعدنا في ذلك (متيا نصار).
احدث هذا الإجراء ردود فعل معارضة كبيرة في عمان، وكان منها أن أوقف الحزب الدعم المالي وأية اتصالات أخرى لحين العودة عن هذه التسمية،فدعا أبو عمر إلى اجتماع كادر موسع وعرض رسالة كان أعدها للنشر وتحمل( رسالة أيار) وفيها هجوم على(زيادين) وقيادة الحزب في الأردن ومندوبه في دمشق وحتى إميل حبيبي لم يسلم من الهجوم والتشهير، وقد أجيزت الرسالة في جو حماسي وبعد أن لقيت الوطن بالاسم الجديد الترحيب الكبير والتشجيع.
أحدثت رسالة أيار ردود فعل واسعة في الداخل والخارج، وهنا دعي الكادر إلى لقاء جديد حضره للمرة الأولى بشير ألبرغوثي)حيث قدمه أبو عمر قائلا المسئول الأول وكان عضو مكتب سياسي في الحزب الشيوعي الأردني ، وقد عاد إلى البلاد قبل عدة أشهر ضمن برنامج ( لم الشمل)، واعتقل بسب رسالة ضبطت على الجسر كان أرسلها مع شخص لينقلها لقيادة الحزب في عمان موقعة باسم (كريم) وهو الاسم الحزبي لبشير وكان أبو عمر قد قدم للاجتماع السابق تقريرا أفاد بان بشير اعترف ووقع بات الرسالة صادرة عنه، مضيفا إن هذا أمر متعارض مع أعراف الحزب ، وهو حسب ما قيل أمر متعارض مع مبادئ الحزب في العمل ، وان المحكمة وجدته غير مذنب واكتفت بمدة الأربعة أشهر التي أمضاها بالسجن وكان أن حضر المحاكمة أعضاء كنيست اسرائيلين من الحزب الشيوعي الإسرائيلي حيث ذهب معهم بعد المحاكمة مباشرة للاحتفال في مدينة حيفا وهو أمر اثأر أبو عمر لان الواجب كان ان يعود إلى البيت ويلتقي الرفاق لا إن يحتفل.....
ابتدأ بشير حديثه الطويل والمسهب حول قضية الحزب بموضوعية مختلفا مع أبو عمر وطالبا من الحضور إعلان مواقفهم حول الأمر، وبعد أن سقط اقتراح استمرار العمل بنهج رسالة أيار وان يصدر الحزب اعتذارا دبلوماسيا عن ما ورد بها من إساءات ، وانه ليس صحيحا لحزب يحتاج إلى تضامن إن يهاجم الآخرين بهذا الشكل .
وهكذا بقي أبو عمر وحيدا فأعلن انسحابه وغادر الاجتماع وحاول يوسف جعفر إبقائه إلا انه أصر على المغادرة.
واعتمد رأي بشير ألبرغوثي والمتضمن ما يلي:
1. رسالة توضيح حول رسالة أيار.
2. كتاب للحزب في عمان عن الإحراج من العودة التامة للسابق والبحث عن مخرج وحيث أن جريدة الوطن كانت تصدر باسم (جبهة النضال لإزالة أثار العدوان).
3. البدا باستكمال الإجراءات لإعلان رسمي للحزب الشيوعي الفلسطيني.
4. تكليف بشير لبرغوثي بالذهاب إلى عمان وإنهاء ذلك والعمل على استقرار الأمور ...
سافر بشير إلى عمان وعاد ليدعو إلى اجتماع موسع أخر ليقول : إن عمان وافقت على الإفراج عن المساعدات المالية وإنهم تفهموا موضوع التسمية إلا إن ذلك يحتاج إلى إجراءات منها عمليات الاعتراف من الأحزاب الشقيقة والسوفيت، وعليه فقدتم الاتفاق على حل وسط وهو أن يدعى الحزب باسم التنظيم الشيوعي الفلسطيني في الأرض المحتلة، وان تحمل جريدة الوطن هذا الاسم، وأخيرا اقر الاجتماع ذلك وانتقل لمناقشة أمور ترتيب المناطق والتنظيم وشؤون المعتقلين، وبناء عليه تشكلت قيادة التنظيم بقيادة بشير ألبرغوثي.
استمر العمل بهذه الصيغة حتى إطلالة العام1981، فقد اتسعت عضوية الحزب حيث من المهم هنا الإشارة إلى انه عام 1973 وصلت عضوية الحزب إلى 450 عضو في الضفة الغربية فقررت القيادة يومها إغلاق باب العضوية، واليوم وصلت في المنطقة الواحدة إلى مئات، وأصبحت المنظمات الجماهيرية ذات دور وتأثير هائل،فقد كانت النقابات العمالية بقيادة الشيوعيون، ومنها انبثقت على سبيل دعم العمال في القرى والمخيمات :الإغاثة الطبية من رفاق وأصدقاء أطباء متطوعين، وكذلك تشكلت اتحاد لجان المرأة العاملة، بحيث أرسلت كل نقابة إحدى عضواتها النشيطات ليتكون الاتحاد، وكذلك جرى مع العمل التطوعي الذي قاده بإبداع محرم ألبرغوثي لسنوات، وكان احد النشطاء النقابيين وصل فترة إن كان أمين سر نقابة رام ا لله، وفيما بعد تشكلت الإغاثة الزراعية في رحم العمل التطوعي.
في هذا المناخ والزخم السياسي عادت قضية التسمية،خاصة وان التنظيم الشيوعي الفلسطيني ظهر في المؤسسة الرسمية الفلسطينية وكأنه لا زال تحت الوصاية وهو الإطار الأهم في الأرض المحتلة، ويفاوض (فتح) على النقابات التي أحدثت فيها انشقاق مشترطة إما الأمين العام منهم وإلا القسمة / وللقضية تفاصيل كثيرة طويلة.....وكنت التقيت المرحوم خليل الوزير أبو جهاد في براغ لمناقشة الموضوع وإعادة الوحدة؟!
أرسل التنظيم رسالة إلى عمان/قيادة الحزب الشيوعي الأردني/ تشرح الموقف وتدعو إلى إعلان الحزب الشيوعي الفلسطيني، ولم يوافق الأمين العام فائق وراد والأغلبية في المكتب السياسي، واقترح ورّاد أن يصبح الاسم "الحزب الشيوعي الأردني الفلسطيني" وكان لا زال مع سواه مقتنع أن {242} لن يطبق إلا عبر الأردن وعندها سنعود إلى التسمية القديمة ونصبح مهزلة…..في هذه الأثناء أجرى فائق ورّاد لقاء مع جريدة السفير اللبنانية أكد فيها على {242} والعودة للأردن واعتقد انه كان هناك جانب شخصي!!! وعلى إثر ذلك تم توقيف سليمان النّجاب عضو المكتب السياسي المبعد في عمان من قبل فائق وراد متهما بنقل معلومات لتنظيم الضفة وهكذا أصبح له علاقة مع الضفة حيث يتم إرسال أسبوعي له عبر إحدى فتيات الحزب بكافة المعلومات وجريدة التنظيم العلنية وهي جريدة الطليعة،وقد تعرض إلى شيء من هذا الإجراء "عيسى مدينات" حيث أيد إقامة الحزبالشيوعي الفلسطيني في المكتب السياسي.
وحيث لم يجد الحوار نفعا تحرك التنظيم وأجرى صلت مع الأحزاب العربية والدولية،وبما فها السوفيت، وكنت جزء من هذا الجهد والتقيت في بلغاريا عضو المكتب السياسي المتنفذ (جوردون كيروف) وابلغني اعتراف حزبهم بإقامة بالحزب وسوف يرسلون تهنئة عن إعلانه، ثم زرت (براغ) وحاورت الرفيق نعيم الأشهب الذي كان موقفه يقول: انه شيوعي ملتزم بقرارات الحزب بغض النظر عن قناعاته وأخيرا أبلغته وبمبادرة مني واعتبرني الحزب لاحقا أني (تجاوزت صلاحياتي)أن الرفاق يصرون على أن يكون عضوا في مكتب الحزب السياسي وان يكون ممثلا عنه في براغ ومجلة السلم والاشتراكية….ووافق الرفيق..و عند المرور من عمان ثم العودة تم إبلاغي أن محكمة حزبية تشكلت برئاسة (د. زيادين ) لي و للرفيق تيسير العاروري لأننا متجاوزين للأصول و الانضباط الحزبي.. لكننا غادرنا إلى الضفة دون حضور أو اكتراث.

جاء اعلان حزب الشيوعي الفلسطيني يوم 10 شباط 1982 في بيروت خلال مؤتمر صحفي عقده عربي عواد لاعلان الحزب و كان أن اعتمد عربي عضوا في المكتب السياسي و قائدا لفرع الخارج حيث كان هو قائدا لذلك الفرع في بيروت باسم التنظيم الشيوعي الفلسطيني و الذي كان فائق وراد قد شجع عربي على ذلك، يومها قيل أن الامين العام للحزب الشيوعي الأردني (فائق وراد) و بعد اعلان التنظيم في الأرض المحتلة و تمكينا لدوره كقائد عام ، ولتأكيد اعلان حزب شيوعي فلسطيني في الضفة و الأرض المحتلة و بالتالي الخارج ، أقام توازن يجعل فربي في بيروت قائد لفرع التنظيم في لبنان و الخارج و هنا أدرك بشير البرغوثي الأمر فقرر انتقال سليمان النجاب إلى لبنان باعتباره اضمن له جانبا من عربي، و هذا شكل حساسية كبيرة بين الرفاق، و عند انتقال أعداد من الطلبة الدارسين بالخارج للمساهمة في الدفاع عن منظمة التحرير عند اجتياح بيروت ، في ظل جو ملتهب، دعي عربي عواد إلى العمل العسكري للحزب و التحق شباب الخارج معه ، و تعمق الخلاف مع بشير و سليمان فقرر الحزب اعتماد سليمان للصلة مع قيادة (م ت ف) ، فأعلن عربي عواد قيام الحزب الشيوعي الثوري وانه قائده العام ، و هكذا حصل أول انقسام في الحزب الوليد ، ظاهريا بين العمل العسكري و السياسي فقط و واقعيا بين التيارات السياسية القائمة على نزاعات ذاتية.

و هنا يجب الإشارة أن غياب فؤاد نصار بالوفاة جعل كافة أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني يجدون نفسهم الأحق بالوراثة خاصة بعد خروج فهمي السلفيتي ومجموعته ( بالكادر الليني) وانتخاب فائق وراد أمينا عاما وهو ليس الأكفأ بينهم، ولعل هذه احد الأسباب التي دفعت وراد للتردد حول اعلان حزب فلسطيني، حيث هناك من يطمح من الأردنيين لأخذ مكانه لأمانة الحزب الأردني و أهمهم عيسى مدانات و د. زيادين و غيرهم .

و هذا ما ظهر واضحا في مذكرات نعيم الأشهب وهو يستعرض تجربته و يقيم الأمناء العامين بما فيهم بشير الذي اعتبر بحق ذاتي و فردي, لكن هذا لا يعني أن ما أورده نعيم وفق رؤيته دقيق حيث هو منذ 1971 يعيش في (براغ) و كان موقفه حين بدأت عملية اعلان الحزب الشيوعي الفلسطيني انه ملتزم بالمركزية الحزبية ، إلا انه غير ذلك عندما أبلغته أنه عضو م . سياسي للحزب الجديد ، ومندوبه في براغ قضايا السلم و الاشتراكية، مما دفع بشير ليقول لاحقا أن نعيم التحق في الحزب بعد أن دخلت خيوله أسوار القدس..و قد أشار نعيم انه كان قد أرسل له رسول و كنت أنا ولا ضروري لتفاصيل أكثر، إلا أن عملية الشخصنة ظهرت منذ وفاة فؤاد نصار و هي تماما تكررت في الضفة بعد وفاة بشير البرغوثي .

لقد التحق الآلاف بعضوية الحزب و منظماته و هيئاته المختلفة ، وجاء قرار تغيير اسم الحزب ليس عقابا بل انسجاما مع المتغير الفكري و الطبيعي للقيادة و خاصة لبشير البرغوثي ، فبعد الانتفاضة الأولى كانوا حذرين من الاعتقال، و أقام الحزب أشكال تنظيمية تستجيب لذلك، ثم كان أن استخدام تنظيرات منسجمة مع منهج حزب غير كفاحي يقدم شهداء و مئات المعتقلين، فكان حزب الشعب، و التخلي عن الماركسية بتعبيرات فضفاضة، وكان فعلا بشير قائدا غير منازع وفردي، و لهذا حين غادر مرحوما تشكلت قيادة ثلاثية، و أخيرا انتخب أمين عام جديد بعد صراع طويل ... و قد غادر الحزب الآلاف، و منظمات جماهيرية كبيرة لعل أبرزها الإغاثة الطبية ثم الزراعية ، و انتهت لجان العمل التطوعي و تخلى الحزب عن دوره النقابي مما فرع الحركة النقابية العمالية من مضمونها ، فالتحقت بالاتحاد الحر للنقابات ، و لم تعقد لا مؤتمرات و لا انتخابات و قيادتها كما هي منذ عام 1991 .

هذه صفحات من تاريخ غير مكتوب ، و غير مقروء ، مما يسمح بالاجتهاد ، لكن تضحيات البشر ليست لنشوة البعض ، بل لنصرة الوطن ، و ستظل مشاعل نور حتى تعاد صياغة الحقيقة و إقامة حزب الطليعة الثورية، فالآن ألان زمنه في ساحتنا الفلسطينية .
والى اللقاء في صفحات اخرى للتاريخ