حول القرامطة وانتفاضتهم الثورية الاشتراكية التي قامت قبل الف ومئة سنة في جنوبي العراق

احمد علي القضماني
2009 / 5 / 16 - 05:54     

القرامطة هي حركة ثورية تقدمية عربية ظهرت في الجنوب العراقي وتصدت للقمع الطبقي السلطوي في اواخر العهد العباسي. واسم القرامطة تحدر من اسم زعيمهم المؤسس "حمدان قرمط" وهو فلاح عراقي، اما نظامهم فهو في اساسه نظام جمعية سرية ذات مبدأ اشتراكي يدعو للمساواة في الملكية والدخل وتوزيع الانتاج العام، ولم يكن الانضمام الى جماعتهم جائزا الا بشروط معينة، وكانت قاعدتهم في البداية قرب الكوفة بالعراق، وبعد تسع سنوات على بدء حركتهم صار القرامطة اسياد دولة خاصة بهم وهي مدينة "هجر" موقعها على الضفة الغربية من الخليج العربي، وفي سنة 901 م امتد نفوذهم وشمل عددا من المدن منها البصرة والكوفة، واتسعت دائرة انصارهم وصولا الى عدد من مدن بلاد الشام منها حماة، حمص، السلمية، ومعرة النعمان وبعلبك. وهزموا في اشتباكات عديدة متكررة على ايدي الجيش العباسي ومن قادتهم ابو سعيد الجنابي وابو طاهر الجنابي، والحسين بن الاعصم، وكان مجلس رئاسة حركتهم مكونا من ستة اعضاء ينتخبون من الهيئة التي تتصدر الحركة. ولم تكتف حركة القرامطة برفع الشعارات الداعية للعدالة الاجتماعية بل عبرت فعليا عن توقها الانساني لذلك وصولا لمجتمع المساواة الخالي من استغلال الانسان لاخيه الانسان. وجاء في احد المصادر التي استقيت منها المعلومات هذه بان المؤرخ "المقدسي" زار البحرين في زمن حكم القرامطة وتجول في انحاء تلك المنطقة ووجدها عامرة بأهلها وبالاستقرار والطمأنينة والعدل ولم يلحظ وجود فقراء بينهم. وفي مصدر آخر ذكر "ان هذه الجماعة كانوا يتعاونون فيما بينهم كأسرة واحدة واذا اضطر احدهم للاستدانة من الصندوق العام تقدم له القروض الى حين اصلاح حاله، حتى ان الوافدين من الغرباء الفقراء تلقوا المعونة التي تساعدهم حتى يجدوا العمل الذي يمكنهم من تحصيل معاشهم، وكل من يحسن صنعة يتسلم مبلغا من المال لشراء ادوات لصناعته ثم يعيد المبلغ الذي اعطي له حين يتيسر له ذلك. واذا خرب بيت او تعرض لاضرار ولم يكن لصاحبه المال لاعادة بنائه، يرسل الحكام بعض الحرفيين لاصلاحه دون مقابل، وكان الناس يطحنون حنطتهم دون ان يدفعوا اجرة لمالكي الطواحين. وكان مجلس رئاسة الدولة المكون من ستة اعضاء يتخذون قراراتهم بحسب الاكثرية، وامتازوا بتواضعم ولطفهم.
ان ظهور القرامطة وقيام دولتهم كان على الاسس التي تتماثل مع المبادئ التي دعا اليها سابقا الصحابي الجليل "ابو ذر الغفاري" وجرى اضطهاده بسببها ونفيه الى العيش في الصحراء مع بداية حكم معاوية بن ابي سفيان اول الخلفاء الامويين. وفي اواخر العهد العباسي عبرت حركة القرامطة بصدقها عن ردة فعل الجماهير الفقيرة والمضطهدة في ارجاء الامبراطورية العربية العباسية، فقد كانت الفروقات الطبقية تزداد حدة وعمقا واتساعا مع تدفق الثراء الذي حمل في طياته بذور التفسخ الاجتماعي الحاد، فقد برزت طبقة من المتمولين الكبار الذين يملكون شبكة من التجارة المتنوعة وكان اصحابها من كبار التجار وموظفي الدولة، فبدأوا بتنظيم انفسهم في تجمع مشترك، كذلك في المناطق الريفية استغل كبار ملاكي الاراضي طبقة الفلاحين. اتخذ الاستغلال اشكالا عديدة منها امتلاك الوزراء وكبار موظفي الدولة مساحات كبيرة من الاراضي في الارياف مقابل عائد بسيط الى بيت المال التابع للدولة. وادى ذلك الى ازدياد الفقراء والمحتاجين في المدن والارياف. وبدلا من قيام الدولة باصلاح هذا الوضع تضاعفت اسعار لوازم الحياة على مختلف اصنافها، فازداد الشعور بالحاجة لاعلان العصيان الجماهيري بوجه الامراء والحكام والخليفة نفسه. ومما زاد الطين بلة ضعف الخلفاء في تلك المرحلة حيث اصبحوا العوبة في ايدي قادة الجيش وجهاز امن الدولة وتزايد المناخ السلبي بتسلط الولاة ومساعديهم وزعماء العشائر وما شابه من اصحاب النفوذ، فأسهم هذا الواقع الصعب الذي عانت منه الجماهير المسحوقة في خلق مناخ لبلورة تنظيم شعبي ثوري يحمل لواء المقاومة للطغيان السلطوي والفساد المستشري والظلم الطبقي بزعامة عدد من المناضلين الشجعان وعلى رأسهم "حمدان قرمط" من اجل قيام نظام حكم جديد لا وجود فيه لفقراء او اغنياء بل الجميع ينعمون بالمساواة والعدالة الاجتماعية الحقيقية. وعلى هذا الاساس من الجائز اعتبار القرامطة رغم انطلاقتهم العفوية وغير العلمانية بأنهم شيوعيو ذلك الزمان. نعم هم شيوعيون ومن المشرّف للعرب ظهورهم في بلد عربي في ذلك الزمان أي قبل الف ومئة عام من ظهور العقيدة السياسية الشيوعية على يد كل من الفيلسوف كارل ماركس وانجلز، ثم قيام "ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917".
* المصادر: كتاب تاريخ الموحدين الدروز السياسي (د. سامي مكارم). كتاب اهل اليمن في صدر الاسلام (نزار عبد اللطيف الحديثي)وكتاب تاريخ لبنان للشدياق وكتاب زوبعة الدهور (مارون عبود)



(مجدل شمس – الجولان العربي السوري المحتل)