هل البديل الشيوعي امر ممكن ؟


نادية محمود
2009 / 5 / 14 - 09:06     

طرح عدد من القراء في سياق ردودهم على نص حديثي المنشور في الحوار المتمدن تحت عنوان( الاوضاع السياسية و البديل الشيوعي في العراق) عددا من الملاحظات، والاسئلة و الانتقادات ساحاول في هذه المقالة القصيرة التطرق الى بعض منها.

من النقاط التي اثارها القراء: "ان اقامة مجتمع شيوعي ضرب من الخيال واحلام عصافير" " ان الشيوعية فشلت و انهارت"، " الشيوعية عفا عليها الزمن، الا انها الان انهارت". حتى "الحزب الشيوعي العراقي لم يتحدث عن البديل لا اليوم و لا غدا، رغم كل عراقته، فكيف بامكانكم ان تتحدثون عن البديل" "احلامكم طوباوية" "ماهو دوركم اليوم كتنظيم يساري في كل مايجري" "ما هو الحل اذا لم ينخرط العراقيين في العملية الانتخابية؟" " انتم متطرفون".

ان ما يلفت الانتباه حقا هو انه لم تكن الشيوعية او الاشتراكية ضربا من خيال و لم تكن " تطرفا" في بدايات القرن المنصرم و على امتداده وحتى نهاياته، حين كانت نصف الكرة الارضية تتغني بالاشتراكية. استلمت الطبقة العاملة في روسيا السلطة السياسية و اسس الاتحاد السوفيتي، و شكلت كتلة المنظومة الاشتراكية و الصين، كوبا، انغولا، اثيوبيا، و أسست الاحزاب الشيوعية في القسم الاكبر من دول العالم يحدوها التطلع الى اقامة المجتمعات الاشتراكية في بلدانها، و تلك التي لم ترفع شعار الاشتراكية رفعت شعارات التحرر الوطني بفعل الهام ثورة الكادحين في اكتوبر 1917، و لم يقل عنها احد يوما ما انها كانت ضربا من الخيال و انها تطرف فكيف اصبحت كذلك؟ و لماذا؟

نعم، انهار الاتحاد السوفيتي الا ان البشرية مدينة لثورة اكتوبر ولانجازاتها اللاحقة في كل ما يتعلق بحقوق الضمان الاجتماعي في اوربا والمساواة و تقوية الحركات الداعية للتحرر في نصف الكرة الارضية الجنوبي.

من هو المستفيد من اشاعة هذا التصور بان الشيوعية خيالا او حلما لا يمكن تحقيقه؟

انه امر مفهوم ان تسعى الطبقات الحاكمة وابواقها واذاعاتها وجرائدها وفضائياتها وكل منابرها الاعلامية ان تروج لهذا التصور، ومن المؤكد ان ناس كثر يتم خداعهم بذاك، ولكن الامر الذي الذي يصعب فهمه هو ان يروج "شيوعي سابق" لهذه الدعاية المغرضة. من الممكن ان يبلع الانسان العادي هذا الطعم، ولكن ان يروج احد يدعي بانه شيوعي بان الشيوعية حلما، و ان الشيوعية فشلت و انهارت، فهذا دليل ان لاصله له بالشيوعية، دليل على انه قد اعاد النظر في اصطفافه وتخندقه الطبقي، اما الشيوعية فلا زالت باقية في مكانها، كسلاح بيد الطبقة العاملة من اجل التغيير. الطبقة العاملة لا زالت مستغلة، و الطبقة الرأسمالية لازالت تمتص قوة عملها و تسرقها برابعة النهار،و لا زال الصراع حاميا و وطيسا، فلماذا انهاء هذا الاستغلال اصبح ضربا من الخيال و طوباوية؟

ان تاريخ البشرية هو تاريخ النضال من اجل ارساء عالم افضل، هذا النضال الذي كان و لازال يجابه من قبل الطبقات الحاكمة وايديولوجيتها و يوصف بانه سعي لتحقيق احلام طوباوية.

انهم كانوا و لا زالوا يروجون وخاصة اثر انهيار اشتراكية لاربط لها بالاشتراكية سوى الاسم، بان الشيوعية بان الشيوعية عفا عليها الزمن. لم يقولوا ان الاسلام السياسي الذي عمره 1400 سنة، قد عفا عليه الزمن، لكن يقولون ان التطلع للمساواة بين البشر قد عفا عليه الزمن.

ان سبب كل هذه الدعايات المغرضة واضح و معلوم هو السعي من اجل اخراج الشيوعية كبديل طبقي سياسي و اقتصادي بالامكان احلاله محل النظام السياسي و الاقتصادي الرأسمالي السائد من اذهان ومن تطلعاتهم. يريدون القضاء على احلام و اماني الناس بان انهاء عالم الاستغلال و الحروب و المجاعات و الازمات امر ممكن و يريدون تخليد النظام الرأسمالي في اذهان الجماهير، هذا النظام الذي لا يتردد عن مد يده و الاستعانة باكثر القوى بربرية و رجعية من اجل ادامة حكمه.

لقد مد صدام يده الى العشائر و استنهض اكثر القوى رجعية ومعاداة للمدنية في المجتمع، و ها هو اليوم المالكي يقتفي خطاه. مدوا ايديهم الى الدين و الطائفة، من اجل المحافظة على سلبهم و نهبهم لخيرات المجتمع. مدوا ايديهم الى اكثر القيم تخلفا في المجتمع و التي تجاوزتها مدنية المجتمع العراقي منذ النصف الثاني من القرن المنصرم. يريدون ان لا نتحدث عن تغيير هذا الاوضاع، يريدون ان لا نتحدث عن بديل شيوعي. لماذا؟

يسال احد القراء " كيف ترفعون شعار البديل الشيوعي". امر غريب. لماذا يحق للاحزاب الاسلامية ان تروج لشعارها" الاسلام هو الحل" و تمضي بالدم و السلاح و القتل لتقيم دولها الاسلامية و دول خلافاتها الاسلامية، دون ان ينبري لهم احدا بالقول، لا حق لديكم بالحديث عن بديل اسلامي؟ لماذا يحق للاحزاب القومية او الليبرالية او الديمقراطية ان تطرحها بدائلها للمجتمع؟ الا انه حين يتحدث شيوعي عن بديل المساواة بين البشر، و الرفاه للجميع، و المساواة بين الجنسين واحترام كرامة الانسان، ينبري لهم بالقول، ليس الاسلاميون، بل " الشيوعيون القدماء" بان لا حق لنا بالحديث عن البديل الشيوعي.

لم يعترض على طرحنا للبديل الشيوعي، احد من القاعدة، او من حزب الدعوة، او جيش المهدي، الذي اعترض عليه هم " الشيوعيين السابقون" اولئك الذين كانوا في الاتحاد السوفيتي وشهدوا انهياره.
لقد أنهار في الاتحاد السوفيتي نظام رأسمالية الدولة امام رأسمالية السوق الحر، فلماذا تتحمل الشيوعية التي تعني بابسبط معانيها الغاء العلاقات الرأسمالية، وزر الصراع بين شكلي الرأسمالية؟

ان الاحزاب الاسلامية و القومية وضعت مجتمعاتنا في دوامات فقر و جوع و حروب متواصلة لماذا لا يواجهوا هم قبل ان نواجه نحن بان بدائلهم قد فشلت و ان هنالك ضرورة لاستبدالها بشي اخر.

كيف ترفعوا شعار " البديل الشيوعي" و الحزب الشيوعي العراقي لم يرفعه؟ و ما العلاقة بين الامرين؟ هل ينبغي علينا ان لا نرفع البديل الشيوعي، لان الحزب الشيوعي العراقي لم يطرحه؟ لماذا؟ و هل البديل الشيوعي كان مطروحا من قبل الحزب الشيوعي في المقام الاول، ليمنع علينا ان نطرحه؟

لم و لن يطرح الحزب الشيوعي العراقي البديل الشيوعي، فاقصى درجة يمكن ان يمضي اليها لا تتعدى الاصلاح في نظام الطبقة البرجوازية الحاكمة لا غير، فهل يجب ان ننكس اعلامنا؟

الاحزاب الاسلامية تقول انها تريد بدائل اسلامية، و الاحزاب القومية تريد دولة قومية، و الاحزاب الديمقراطية تسعى لتاسيس دول ديمقراطية، و بتحصيل حاصل، حزب شيوعي لا بد ان ينادي بدولة شيوعية. اما الحزب الشيوعي العراقي، فهو يضع اسم شيوعي لحزبه، الا انه ينادي بدولة ديمقراطية و الدولة الديمقراطية هي دولة الطبقة البرجوازية الحاكمة، الديمقراطية لا تعني حكم الطبقة العاملة و هذه حقيقة معروقة قبل 150 عاما. و كاني به مثل ذاك الذي يقول" تريد غزال اخذ ارنب، تريد ارنب اخذ ارنب". بكل الاحوال الحزب الشيوعي العراقي يريد نظاما ديمقراطيا، اذا كان اسمه حزب شيوعي او حزب ديمقراطي، يريد نظام ديمقراطي.

يقولون ان تطلعاتكم " طوباوية" و السؤال هو لماذا اصبح قتل البشر و جز رقابهم و رميها في الشوارع امام انظار الاطفال و الكبار وبالجملة من سيارات البيكب و تصويرها و وضعها على الوبسايت، امرا واقعيا ولكن الحديث عن الامن و السلام و احترام البشر امرا غير واقعي؟

ان الامر برمته يظهر ان هنالك بشر وجماعات و فرق و مصالح جعلت ما هو غير قابل للتخيل، امرا متخيلا (واقعاً)، بل و كابوسا على الناس فرضوه بقوة السلاح.

و هنالك بشر اخرون يريدون اقامة "اللامعقول" المضاد و الذي يقوم على احترام البشر، الامان، فرص العمل، النظافة، الماء، الكهرباء، الرفاه، فهل هذا امر ممكن؟

ان نصف الكرة الارضية الشمالي تعيش جزءا واسعا من الاوضاع التي نطالب بها ، فما هي "المغالاة" في هكذا مطالب؟ ان الحقوق التي نالها الناس في اوربا كانت بمسعى ونضال دموي من قبلهم من اجل ان ينالوا تلك الحقوق، ان حق التصويت للنساء في بريطانيا على سبيل اخذ بنزيف الدم و بعد ان سقطت من اجله نساء شهيدات.

نوجز اجابتنا: ان تحقيق حياة افضل و عالم افضل و اقامة البديل الشيوعي وتحقيق المساواة بين البشر، امر معقول و منطقي و ضروري و ممكن ولا بد منه و لا طريق لنا غيره. انه طريق النضال بمختلف الاشكال لتغيير هذا الواقع غير المقبول، واقع السلب و النهب، و الفساد، و البطالة، و الحرمان حتى من الماء النطيف، الحرمان من الكهرباء، الحرمان من الحريات الفردية، قمع البشر، قتل البشر، الفوضى العارمة.

كيف نغيره؟ هل المهمة سهلة ام صعبة؟ هل المهمة قابلة للنجاح ام لا؟ ما هو دورنا؟ هذه تشكل قصة حياة و فلسفة و جود الحزب الشيوعي العمالي العراقي.

نحن في الحزب الشيوعي العمالي العراقي و ضعنا هذه الاهداف نصب اعيننا. نقوم بعمل منظم لتنظيم الجماهير، في المعامل في المصانع، في الاحياء، في الجامعات، في كل مكان يمكن ان نصل اليه. طريقنا هو تنظيم تدخل الناس.

مصادرنا التي نحتاج اليها: البشر اولا و قبل كل شيء، الناس التي ليس بوسعها احتمال المزيد، و تريد التغيير. ان ما نكتبه و ننشره نحن الشيوعيين ليس بهدف شرح ما يجري، ففي عالم التقدم التكنولوجي يمكن الحصول على ما تريد من معلومات، و تستطيع ان تتعرف على كل ما تريد، و تستطيع ان تختار ما تريد، الناس ليسوا جهلاء لنشرح لهم حقائق الامور، فالناس تمتلك حدا من الوعي بمصالحها حيث ان تلك القضايا تمس حياتها و معيشتها و راحتها اليومية. ان كتاباتنا و احاديثنا تصب في هذا المصب، مصب التغيير.

وسائلنا لهذا التغيير لاحدود لها، خاصة و ان البشرية قد قدمت لنا اشكالا نضالية، و لازالت تقدم اشكالا جديدة عبر التظاهرة و الاضراب و الاعتصام و الانتفاضة و الثورة، الدخول او عدم الدخول في الانتخابات، العمل المسلح، الادارة الذاتية، ازدواجية السلطة، الدخول في الادارات الحكومية و غير الحكومية، تنظيم المنظمات الجماهيرية، منظمات المجتمع المدني، العمل المسلح، العمل المدني، النضال القانوني وكل ما يمكن ان تطاله ايدينا و يسهل سبيلنا و يقدمنا خطوة للامام في نضالنا سنقوم به، عدا الاعمال الارهابية.

مصادرنا و مواردنا البشرية من قادة ميدانيين، قادة عسكريين، قادة عماليين، قائدات نسويات، قادة شباب، نحتاج الى قادة من كل صنف و في كل مكان و في كل ميدان و بكل درجة الى مصادر المال، الاعلام، مطابع، سلاح، قناة فضائية، اذاعة، جرائد يومية و نحتاج الى الكثير غير ذلك.

و علينا استخدام ما لدينا من مصادر و البحث و ايجاد المصادر التي لا نملكها الان لتنفيذ مهامنا. ان مهمتنا ليست بمستحيلة انها قابلة للتحقق، و لكنه في ظل التكالب على حقوق البشر، في ظل حتى هجمة الشيوعيين على " البديل الشيوعي" من المؤكد انها ليست بمهمة سهلة. ان هذا ليس لغز محير، بل هو قصة حياة نضالنا بين الممكن و الموجود و ما لدينا وما ليس لدينا من مصادر و موارد بشرية و نهجنا في ذلك و الاطار الذي يجمع كل هذا، هو اطار التنظيم من اعلى نقطة الى ابعد نقطة فيها مواطن في العراق.