لماذا فشل الشيوعيون العرب؟!


رعد سليم
2009 / 5 / 11 - 09:17     


في الآونة الأخيرة قرأت العديد من المقالات المنشورة على صفحات الجرائد العربية و على سايت الحوار المتمدن عن موضوع فشل الشيوعيين العرب و الأحزاب الشيوعية في تحقيق أهدافهم و برامجهم في العالم العربي، إلى الحد الذي أوصل بعضهم إلى القيام بشن هجمة علی الفکر الشيوعي لدی مارکس .
في هذه المقالة لا أريد التطرق إلى تفاصيل ماذكره هؤلاء الکتاب و المفکرون اليساريون، بل أريد الترکيز على النقاط المشترکة بينهم حول أسباب فشل الأحزاب الشيوعية العربية من وجهة نظرهم فی القرن الماضي و الآن للوصول لأهدافهم.
يتحدث هؤلاء السادة عن بعض القضايا التي يوصفوها بالقضايا الأساسية لفشل هذه التجربة منها: أولا إن الفکر الشيوعي لايتناسب مع أرضية المجتمع العربي و ثقافته و تقاليده الدينية، أي يرون المجتمع العربي مجتمع إسلامي و الفکر المارکسي، فكر الحادي يقف على النقيض مع ارض الواقع و يقولون بان الشيوعيين العرب لم يتمكنوا من تفسير الواقع العربي وفق المنهج الجدلي الماركسي، وبدلا من استخدام المنهج الجدلي في فهم الواقع المحلي ووضع التصورات والحلول بما يتناسب مع هذا الواقع، كانوا حفظة نصوص يسعون إلى تفصيل الواقع المحلي في البلاد العربية على أساس النصوص الماركسية دون إدراك خصوصية المجتمع العربي!!. ثانيا: إن الشيوعيين في العالم العربي هم شموليون و لا يؤمنون بالديمقراطية، و بان لديهم أفكار اقصائية عمق إيمانهم بحتمية إقصاء الآخر، وإخلاء الساحة تماما من أية أفكار معارضة غير ما يطلق عليه الشيوعيون بالعنف الثوري، وعدم إيمانها بالديمقراطية وفق المفهوم البرجوازي أو الليبرالي.، و لم يتمكنوا من تفسير الواقع العربي وفق المنهج الجدلي. ثالثا عدم انسجامها مع الفکر القومي العربي و الأحزاب الشيوعية العربية في رأيهم قد ابتعدت عن القومية العربية
قبل کل شيء أنا اتفق تماما مع ماقاله هؤلاء الكتاب حول موضوع فشل الأحزاب الشيوعية العربية في تحقيق أهدافها، لکني أختلف مع تحليلهم لأسباب هذا الفشل. يمکن للمرء أن ينظر للأمر و يحلله من زاوية توجهه و رؤيته للعالم! أو بمعنی آخر تحليل الأسباب حسب رؤيته الطبقية للصراعات. لذا، أنا کإنسان شيوعي لديه رؤية خاصة و مختلفة تماما عن هذه التحليلات ولدي جوابي من وجه نظر مارکسي، اسأل: ماهو المقصود بعبارة فشل الشيوعيون؟ هل القصد هو فشل الأحزاب الشيوعية العربية التابعة للصين أو للمعسکر الشرقي سابقا؟ أو فشل الشيوعية کفکرة وكنهج سياسي في العالم العربي؟
حول النقطة الأولى، ابدآ بطرح بعض الأسئلة: هل المجتمع العربي مجتمع طبقي و فيه نظام العمل المأجور؟ هل المجتمع العربي فيه عمال و کادحين؟ هل فيه طبقة مستغِلّة و طبقة مستغَلّة؟ هل الاستغلال والتمييز وانعدام الحقوق و الفقر و البؤس و الحرمان والتخلف و الاضطهاد أمور موجودة في المجتمع العربي كنتيجة للنظام الاقتصادي السائد؟ هل هنالك حرية أو مساواة اقتصادية سائدة في البلاد العربية؟ هل تملك الملايين من النساء ابسط الحقوق؟ و کثير و کثير من الأسئلة. إذا افترضنا بان الجواب على هذه الأسئلة هو "نعم" - وأنا ليس لدي شک من أن الجواب هو نعم- أصل إلى نتيجة مفادها بان الفکر الشيوعي يناسب المجتمع العربي کما يناسب مجتمعات أخري في العالم. وان حکمة وجود الشيوعيون و فکرة الشيوعية بشکل عام و أحزابها السياسية بشكل خاص هي الإجابة على تلك المعضلات و المشکلات و تنظيم العمال من اجل تغييرها.
نقول دائما بأن العالم الرأسمالي، عالم مقلوب، ينبغي وضعه بشكله الصحيح. و هذا يشكل واجب و مهمة رئيسية من المهام الأساسية للشيوعيين و أحزابهم. إن العالم العربي هو جزء من هذا العالم المقلوب و المفروض على الشيوعيين العرب( أو دعني أقول الناطقين بالعربية) القيام بنضالهم من اجل هذا الهدف. نعم المجتمع العربي شانه شأن أي مجتمعات اخرى في العالم للدين دور و تأثير على حياة الناس. کان الدين و لايزال أداة ووسيلة رئيسية بأيدي الحکام و الطبقات البرجوازية العربية لقمح الطبقة العاملة و الکادحين، و أية حرکة سياسية أو حزب سياسي تحمل برنامجا و عاقدة العزم على حل تلك المعضلات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية في المجتمع، تستطيع آن تجمع القوی حول رايتها و تستطيع أن تنظم حركة اعتراضية واسعة للعمال و الکادحين في المجتمع. حينذاك تصبح مسألة الدين و الواقع مسالة تحتل المرتبة الثانية او الثالثة بالنسبة إليهم. لان الإنسان بطبيعته دائما يتطلع إلى حياة مرفهة و کريمة بدون فقر واستبداد. أي أن الإنسان يفکر قبل کل شيء بحياته ومعيشته أولا و بعدها يفكر بعقائده. يوجد في داخل کل إنسان أمل بحياة أفضل وعيش کريم، أي بمعنى في داخله تطلعات الاشتراکية و واجب الشيوعيين تنظيم هذه الحرکة وهذا التطلع الموجود في قلوب الناس.
في خمسينيات القرن الماضي تحرك الحزب الشيوعي العراقي داخل الحرکات الاعتراضية للعمال و تمکن من جمع قوی کبيرة حوله، و كان الحزب الشيوعي من أکبر الأحزاب السياسية العراقية في ذلک الوقت و لو کان الحزب الشيوعي، حزبا يتطلع إلى أن تستلم الطبقة العاملة السلطة السياسية بقيادته، وكانت أمامه فرصة استلام السلطة في تموز 1958 هل کان للدين أي وجود وأي عائق له في المجتمع العراقي في ذالک الوقت، أواسط القرن المنصرم؟ هل المجتمع آنذاك اکثر تمدنا من الوقت الحاضر؟
على النقيض من هذا، إن الکثير من الناس ينتقدون الأحزاب اليسارية العربية بعدم قيامها بطرح أي کلام انتقادي علی الدين و وفق التصور المارکسي لا في الماضي و لا في الحاضر.
کثير من الأحزاب اليسارية العربية کان لديها احترام خاص للدين الإسلامي و اعتبروا الإسلام جزءا مهما من الثقافة العربية، بل سعى بعض اليساريون لإيجاد نقاط مشترکة بين الدين الإسلامي و الفکر الشيوعي حول عدد من المسائل.
کما قلت من قبل بان المارکسين لهم تصور خاص عن ألمجتمع، لکن لنفترض بان کلام هؤلاء السادة صحيحا و ان المجتمع العربي له خصوصية خاصة ذات طابع ديني، السؤال الذي يطرح نفسه:ما هو عمل الشيوعيون اللينينيين؟ هل هو الرکوع والاستسلام للواقع او العمل من اجل تغيير هذا الواقع؟
ان نقطة انطلاق الشيوعيين هي الصراع مع الواقع .يجب أن يقف في طليعة هذا الصراع الحزب الشيوعي متميزا عن جميع الأحزاب الأخرى بتمثيله ودفاعه بالدرجة الأولى عن مصالح كادحي المجتمع، عن العمال والكسبة والعاطلين والملايين التي تعيش تحت خط الفقر، حيث ان إيديولوجية الأحزاب الشيوعية، إيديولوجية طبقية ومستلهمة من المادية التاريخية للفلسفة الماركسية والبيان الشيوعي. فإذا تحرك وناضل و صارع الشيوعيون بهذه الاتجاه و بدون تردد سيکون بامكانهم تغيير الواقع حسب برامجهم و في هذه الحالة لن يشكل الدين اي عائق امام نضالهم.
المسآلة الاخری تتعلق بالمغزی المبدئي لموقف عدم الايمان بالديموقراطية و مسألة الشمولية و قمح الحرية و الأفكار الاقصائية. ان هذه مصطلحات و أساليب لا وجود لها في الفکر المارکسي وليس لها اي مکان في نظريتها، ولکنها كانت جزء من برنامج الأحزاب الشيوعية للمعسکر الشرقي و الأحزاب التابعة لها في العالم. کانت الکثير من الأحزاب اليسارية العربية و الشيوعية التابعة للمعسکر الشرقي مؤمنة بالديمقراطية الليبرالية الغربية و اعتبرتها مرحلة من مرحل التوجه نحو الاشتراکية.
لکن الشيوعيون والمارکسين لديهم تصور آخر عن الديمقراطية والديمقراطية الليبرالية الغربية .ان الديموقراطية لاتشکل مقولة أساسية في المنظومة الفکرية لدی المارکسيين . المارکسين يتحدثون عن الحرية بدلا من الديمقراطية کمقولة اکثر أساسية بالنسبة لهم. في الحقيقة ان الديموقراطية تمثل تحليلا طبقيا خاصة و فهما تاريخيا محددا لمفهوم الحرية التی هي اکثر شمولا منها. ان الديمقراطية هي المقولة التي قام جزء من المجتمع البشري، و في فترة تاريخية محدده، عن طريقها، بقبولها و حصر الحرية الأوسع و الشامل. يقول منصور حکمت حول هذه المسألة:
((إن الديمقراطية، بحد ذاتها، عمياء تجاه البنية الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية. وبعبارة أخرى، إن الظروف الاقتصادية الراهنة، دور الدولة، موقع ومكانة الأفراد في الإنتاج، وعلاقات الملكية، انقسام الشعب إلى طبقات وفئات متمايزة…الخ، الهيئات والأجهزة الإدارية والسياسية الراهنة، إن كل ذلك، من وجهة نظر الديمقراطية، هو واقع حال ويبقى كما هو. فالنضال من اجل إلغاء شرط التملك للمشاركة في الانتخابات البرلمانية مثلاً هو حركة ديمقراطية، ولكن الملكية نفسها و علاقة فئات الشعب المختلفة بالملكية ليست محل تساؤل،
وهكذا يتبين بأن عدم اخذ العلاقات الاقتصادية وانقسام الشعب إلى طبقات مختلفة في المجتمع بنظر الاعتبار لايعني بأن الديمقراطية تنحصر ضمن الإطار السياسي فقط، وان النضال الديمقراطي هو مسألة سياسية فقط. بل بالعكس، فأن ذلك يعني بأن مجمل الأسس الاقتصادية للمجتمع الراهن، أي الملكية البرجوازية والإنتاج الرأسمالي بكل أبعاده الاجتماعية قد أخذت من قبل هذه الأفكار والحركات، وأصبحت الأساس الاجتماعي للديمقراطية. إن الديمقراطية هي نظام سياسي، أو المطالبة بنظام سياسي على أساس اقتصادي اجتماعي رأسمالي. إن المطالبة بالديمقراطية تعني سواء على الصعيد النظري اوعلى الصعيد الواقعي والتاريخي المطالبة ب " رأسمالية ديمقراطية".
ان الديمقراطية الليبرالية تشوه طموح الإنسان للحرية، وهي صياغة من اجل تجزئة الإنسان بوجه الرأسمال في الميدان السياسي ولإضفاء الشرعية على ديكتاتورية الطبقة الرأسمالية المعزولة عن الجماهير.
أن الشرط الضروري للحرية هو الثورة ضد العبودية الطبقية وضد الاستغلال الطبقي. فليس بإمكان المجتمع غير المتساوي، المجتمع الذي يولِّد عدم المساواة كإحدى خصائصه الرئيسية بشكل دائم، أن يكون مكاناً لحرية وإرادة الإنسان. وان الديمقراطية الليبرالية والنظام البرلماني، ومهما كان مفهوم الحرية التي تساندها، هو نظام سياسي لتنظيم هذا المجتمع، ولعدم المساواة الذي يشكل أساسه.

إن بحث الحرية، من وجهة النظر الماركسية، يبدأ من صفحة أخرى مغايرة تماماً. إن موضوع الديمقراطية هي "الدولة الشرعية"، ولكن الحرية هي مفهوم لاعلاقة لها بأشكال السلطة وعلاقة الفرد بالدولة. بل أنها تربط بالسلطة نفسها، وبوجود أو عدم وجود الدولة. ان المفهوم الجذري في بحث الحرية هي الطبقة والاستغلال والقمع الطبقي. إنها مصدر الدولة. ان حرية الإنسان الواقعية تشترط محوا لانقسام الطبقي والقضاء على استغلال جزء من المجتمع لجزئه الآخر. ان النظام البرلماني لا يكتفي بعدم الاقتراب قيد شعرة من مفهوم القضاء على أساس القمع ومصادرة الحرية، و بالتالي غروب واضمحلال الدولة كوسيلة لفرض المصالح الطبقية والحفاظ على السيادة الطبقية، بل انه يمثل إحدى المعوقات والموانع التي يجب على المجتمع الإنساني أن يزيلها خلال مسار توصله إلى الحرية الواقعية والكاملة.
حسب الماركسية، لايمكن تجزئة مفهوم الحرية إلى ميدان السياسة والاقتصاد، أو المجتمع والفكر. إن الحرية هي الحرية التامة والكاملة، الداخلية والخارجية. تستأصل عملية المعوقات الخارجية التي تعترض الإرادة الحرة للإنسان، وستقضي إلى اغتراب الإنسان عن نفسه وعلى كل تلك المصالح المادية والمعنوية المعكوسة التي تدفع الإنسان إلى القبول الأخلاقي بعدم المساواة والعبودية وقبول ادوار القمع والاستبداد))

برأيي ان هذا المقتطف لما كتبه منصور حکمت حول الديمقراطية و الحرية، يعبر عن تحليلا متکاملا و صحيحا حول الفکر المارکسي تجاه الديموقراطية.و في مرات عديدة تدافع الديمقراطية اليبرالية عن الحرية، لکن کلمة الحرية تختلف في قاموس المارکسيين عما تعنية لدى البرجوازية او اليبرالية، کما يقول للينين "الحرية کلمة عظيمة ولکن ، تحت لواء حرية الصناعة شنت افظع حروب السلب و النهب، وتحت لواء حرية العمل جری نهب الشغلية"..

لذلک نحن ندافع عن الحرية و المساواة بکامل معناها و وبديلنا للديمقراطية هو الحرية ، و الحرية ليست فقط الحرية الکاملة في التعبير عن الرأی او حرية الانتقاد او حرية الافراد باعتقاداتهم و افکارهم او حرية تنظيمهم و تشکيل احزابهم، بل بالتحرر من کل الحکم الاقتصادي و السياسي، الثقافي ،الاجتماعي للبرجوازية و نظامها ، التحرر من نظام العمل المأجور و الاضطهاد السياسي ، الجنسي و الديني . التحرر من الفقر و عدم المساواة . أود أن اکرر بأنه لا يمکن تحقيق الحرية الفردية و المدنية الحقيقية إلا في مجتمع يکون هو نفسه حرا من هذه التمايزات بين البشر..
حول مساڵة الافکار الاقصائية لا يمکن للمرء ان يقيم المارکسية من وجه نظر و عمل الاحزاب الشيوعية التابعة للمعسکر الشرقي و المحسوبة علی المارکسية و الشيوعية، اذا تبنى المرء تفسير الماركسية وفق ممارسات تلك الاحزاب، سيكون في كلامه جوانب من الصحة، و لست هنا في معرض الدفاع عن هذه الاحزاب،. لکن اذا كانت الانتقادات موجهة إلى المارکسبة حول الحرية، فذلك امر مختلف تماما. لم يملك ماركس نفسه من ان يعلن و هو لازال على قيد الحياة حين رأى التشويه في أفكاره و أقواله من القول" إذا كان هذا ما فهموه من الماركسية فانا لست ماركسيا".
أما حول مسالة ابتعاد أحزاب الشيوعية العربية عن الفکر القومي العربي، إنا أرى العکس مما قيل أعلاه، فلو دققنا النظر في ماجري في العالم العربي من تحولات و صراعات وأحداث کانت الأحزاب الشيوعية متأثرة تماما بالفکر القومي العربي حتی أصبحت قضايا الفکر القومي و الوطنية تحتل الأولوية على مسالة الصراع الطبقي في أجندتهم و کانت تمسکهم بالفکر القومي العربي بمثابة افتخار و أولية لهم. و کانت برامج الکثير منها برامج قومية إصلاحية و ليست برامج مارکسية و طبقية. لو نظرنا إلى الأمور التي شغلت الشيوعيون في العالم في القرن الماضي لوجدنا أن أوهام التنمية و التقدم والازدهار في إطار البرنامج (البرجوازي الوطني) الذي کان يرمي إلي استكمال مهمة الاستقلال الوطني والتصنيع الاقتصادي المحلي و الإصلاح الزراعي، مسالة الاستقلال السياسي و التحرر من التبعية للاستعمار والتحالفات مع الأحزاب الوطنية و القومية و دعـم مشاريع و فکرة الوحدة العربية و العروبة کانت تلك من أولويات برامج الأحزاب اليسارية العربية و المتحالفة مع المعسکر الشرقي و الصين. وغذى عمل اليسار العربي هذه الأوهام التنموية و الخطط البرجوازية الوطنية بشکل عام وتنازل تدريجيا عن مواقفه کممثل للطبقة العاملة، و في مرات عديدة أصبحت هذه الأحزاب جناحا لبعض الأنظمة القومية الحاکمة في البلاد العربية.
و قبل أن انهي مقالتي أريد التطرق ببعض السطور إلى النموذج السوفيتي و المعسکر الشرقي من وجهة نظرا لشيوعية العمالية، حيث ان له صلة و ربط بموضوع المقالة.
((استطاعت الحركة الشيوعية العمالية بقيادة الحزب البلشفي أثناء ثورة أكتوبر 1917، دكَ سلطة دولة الطبقات الحاكمة، وإقامة الحكومة العمالية بل وحتى إفشال المحاولات العسكرية المباشرة للرجعية المقهورة من اجل إعادة سلطتها. إلا أنه على الرغم من هذا الانتصار السياسي، فأن الطبقة العاملة الروسية عجزت في النهاية عن قلب أساس العلاقات الإنتاجية في روسيا، أي إلغاء نظام العمل المأجور و جعل وسائل الإنتاج اشتراكية. وفي النصف الثاني من العشرينات، في خضم الضغط الاقتصادي الشديد الذي تلي الحرب والثورة، وفي ظل انعدام أفق واضح للتحول الاشتراكي للعلاقات الاقتصادية، هيمنت الرؤية القومية على السياسة والنهج الاقتصادي للحزب وحركة الطبقة العاملة الروسية.
أن ما جرى في مرحلة ستالين لم يكن البناء الاشتراكي، بل بناء الاقتصاد القومي الرأسمالي في روسيا على أساس نموذج رأسمالية الدولة المدارة. بدلاًمن هدف الملكية الجماعية والاشتراكية، حلت ملكية الدولة على وسائل الإنتاج. تم الإبقاء على الأجور والنقود ونظام العمل المأجور.
إن فشل الطبقة العاملة الروسية في أحداث ثورة في العلاقات الاقتصادية، أدى إلى فشل الثورة العمالية بشكل عام. فقدت الطبقة العاملة السلطة السياسية. وبدلا من الحكومة العمالية، ظهرت دولة برجوازية جديدة، مع بيروقراطية وجهاز عسكري ضخم، مستند على اقتصاد رأسمالية الدولة في روسيا. من هنا تشكلت أهم تيارات الشيوعية في القرن العشرين مع تغير مسار الثورة العمالية في روسيا ومن ثم سقوطها، إلا و هي الشيوعية البرجوازية. ان نموذج المعسکر الشرقي لم تكن لديه اي صلة واي ربط بـ"اشتراکية مارکس" ما تم تأسيسه في الاتحاد السوفيتي كان نموذجا اخرا للراسمالية، نمودج راسمالية الدولة و بنظام استبدادي خاص و ان معظم الاحزاب الشيوعية و الاشتراکية العربية كانت تابعة لهذا المعسکر، و لا تزال تابعة لهذا النهج و الخط التحريفي للشيوعية.
إذن، خلاصة كلامي، ان ما فشل ليست الشيوعية كفكرة و كمنهج و كسبيل حل سياسي امام الطبقة العاملة و احزابها الشيوعية في العالم الناطق بالعربية، بل تلك الاحزاب التي تبعت الاتحاد السوفيتي. و اليوم، اكثر من اي وقت مضى، و مع الازمة الاقتصادية العالمية من جهة و مع فشل كافة التيارات الوطنية و الديمقراطية و الدينية و القومية في ان تجيب على معاناة الجماهير في العالم العربي، فان الشيوعية العمالية تعمل يوما بيوم من اجل ان تدفع بالطبقة العاملة و الشيوعية الى الميدان و ان ترفع صورة ماركس مرة أخرى عاليا.
مصادر:
الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع، منصور حکمت
عالم أفضل برنامج الحزب الشيوعي العمالي