الصراع الطبقي ووحدة نضال البروليتاريا الجديدة


عبد السلام أديب
2009 / 5 / 10 - 09:05     

يشكل انقسام المجتمع الى طبقات اجتماعية متفاوتة الظاهرة الرئيسية التي تميز النظام الرأسمالي. وقد عرفت الطبقات الاجتماعية في ظل الرأسمالية الحديثة تحولات عميقة، فلم تتوقف هذه التحولات خلال القرنين الأخيرين من الأزمات والتوسع. وتطال هذه التحولات على الخصوص علاقات الهيمنة، وأشكال تدبير العلاقات الانتاجية بما يتضمنه ذلك من استغلال العمال اليدويين وفئات المثقفين من طرف الطبقة المسيطرة.

وتتحدد الطبقات الاجتماعية من خلال مكانتها في إطار علاقات الهيمنة في الإنتاج، سواء تعلق الأمر بإنتاج السلع المادية أو التجارية أو سلع التجهيز، أو إنتاج الخدمات، وما إن كان هذا الإنتاج قد تم في القطاع الخاص أو في القطاع العمومي.

ونقصد بالطبقات الاجتماعية أيضا العديد من مكونات الجماهير الشعبية، والتي ترتبط بالفئات المشكلة لعلاقات الإنتاج: الأسر، الشباب، الفئات غير النشيطة، المتقاعدون، العاطلون ... والمقصود بالصراع الطبقي، الصراعات التي تحدث داخل وحدات الإنتاج كالشركات أو تتعلق بالعمل عامة، وبوضعية العطالة، وبالأعمال الهشة، والصراعات التي تحدث داخل المجتمع عندما ننفاقم تناقضاته.

وقد عرفت الحدود الجغرافية للطبقات الاجتماعية في ظل الرأسمالية الحديثة تحولات عميقة.
أما بالنسبة للطبقة الرأسمالية فالمقصود بها مجموع الفئات التي توجد في مركز القيادة في الانتاج وفي المجتمع، والتي تقرر في كيفية توزيع فائض القيمة. وقد أضيفت الى البرجوازية التقليدية المتصفة بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، الشرائح التي واكبت تطور نمو الوحدات الانتاجية الكبرى والدولة: البيروقراطية والتقنوقراطية.
أما البروليتارية الحديثة فلا تقتصر فقط على العمال، حتى ولو ظل هؤلاء يحتلون مكانة مركزية في المجتمع. وتضم البروليتاريا حاليا مختلف المجموعات الاجتماعية التي لا تتوفر على سلطة حقيقية في قرارات الإنتاج، وتكون باستمرار مضطرة لبيع قوة عملها على شكل أجراء. وتتشكل هذه المجموعات في قاعدتها من طرف العامل اليدوي، والعمال بصفة عامة والمستخدمون. والى جانب هؤلاء هناك العمال المثقفون الذين يخضعون لهيمنة رب العمل: التقنيين، المدرسون ...
هناك جزء هام من البروليتاريا الحديثة تتعرض للعطالة والعمل الهش، والذين أصبحوا يشكلون عنصرا بنيويا وكثيفا في العلاقات الاجتماعية الحديثة.

وقد تطورت فيما بين الطبقات الرأسمالية والبروليتاريا، شرائح جديدة من الأجراء المتوسطين (الأطر، التقنيين ...)، والذين يحتلون مهام التدبير والتأطير. وتتوفر هذه الشرائح تتوفر على وزن كبير في علاقات الانتاج، له دور سياسي وآخر ثقافي. وتفترض قيادة الصراع الطبقي التمييز بين هؤلاء، بين الفئات التي تعتبر أن التدبير هو مجرد أداة تقنية ومهنية، وبين الفئات التي تساهم في إتمام حلقات الإنتاج.

وفي اطار هذا التنوع، فان الشرائح المتوسطة للأجراء الجدد تبدو كما لوكانت محتلطة بالطبقات الرأسمالية حيث تبدوا كما لو كانت لا تختلف عنها الا بابتعادها أكثر عن مواقع القرار، بينما تضل قاعدة هذه الشرائح مندمجة مع البروليتاريا.
وقد أدى نمو القطاع الثالث، الى تزايد كبير في عدد التقنيين، والى تراجع في عدد عمال الصناعة في الدول المتقدمة، من خلال تجزئة القواعد المنظمة، العمل الهش، العطالة، لها كنتيجة لاندثار وضعية اجتماعية رئيسية ظلت منذ مدة طويلة تقتصر على العمال الصناعيين.

الصراع الطبقي اليوم يحدث تحت أشكال جديدة. منظور طبقة عمالية فقط ، تشكل أقلية، طليعية اجتماعيا والقوة الوحيدة للتغيير قد يشكل خطأ في التحليل لذا يجب استبداله بمشروع وحدة جديدة، تكون أكثر اتساعا، وتنظيما بدون تجاهل خصوصيات باقي مكونات البروليتاريا الحديثة، المثقفة واليدوية، المأجورة والهشة، الصناعية والخدماتية. ان هذه البروليتاريا الجديدة المتعددة الأشكال والتي يمكن توحيدها على أساس وضعيتها المشتركة، متحكم فيها، مستغلة، يجب أن تعمل على التقاء المطالب المشتركة والمناهضة للرأسمالية مع مطالب شرائح واسعة من الأجراء المتوسطين من باقي الشرائح الأخرى التي تهيمن عليها الرأسمالية. هذا الالتقاء في المطالب يتم بنائه عبر النضالات الاجتماعية، والوعي الجماعي وبروز مشاريع جديدة لتحول المجتمع.

ودون الوقوع في الانتظارية للتخلص من العدو الطبقي، فإن موقع البروليتاريا في علاقات الهيمنة والإنتاج، تعتبر حاملة للصراع الطبقي باستمرار، تكون في بعض الأحيان خامدة وفي أحيان أخرى انفجارية. ويفرض هذا الصراع الطبقي على الطبقة المهيمنة اجراء تغييرات وتوافقات متواصلة، تتحدد بواسطة علاقات القوة، المتعلقة بالعمل، وباقتسام الثروات، وبالحق، وبالمؤسسات. لكنه يحمل أيضا إعادة نظر شاملة في الرأسمالية تم التعبير عنه بانتظام وفي اطار موجات ثورية عبر التاريخ. الصراع الطبقي اذن هو في نفس الوقت حامل للتغيير الجزئي، مناقض لمنطق ومصالح الرأسماليين، وانفصال ثوري يضع قواعد مجتمع جديد يحرر كافة البشر.
ان مساهمتنا في الصراع الطبقي للبروليتاريا لا يغمض أعيننا عن تعقيد ، وتعدد المجتمع، الذي يقدم مجتمعا متعدد الطبقات، مهيمن عليه من طرف الرأسمالية وبواسطة قوانينه (خصوصا ما يتعلق منها بالسوق) ولكن حيث تتعايش أشكال أخرى من الإنتاج، وأشكال أخرى من استغلال العمال): التعاونيات، الجمعيات، الإنتاج ما قبل الرأسمالية (الزراعة، الصناعة التقليدية...)، الأفراد. وتدخل مختلف المجموعات الاجتماعية في حقل الصراع الطبقي: الفلاحون، الشرائح التقليدية المتوسطة، الشرائح الجديدة من الأجراء المتوسطون، وهو ما يطرح العديد من الإشكاليات النظرية والعملية والتي لا يمكن تجاهلها عند طرح البديل عن الرأسمالية.

ويشكل العمال الزراعيين على الخصوص، الذين يتعرضون في الغالب لاستغلال النظام القائم، يشكلون دائما شريحة اجتماعية مهمة، سواء بالنسبة لنتائج عملها أو بالنسبة لمكانتها في البيئة الطبيعية.