حول مشروع المهمات البرنامجية-2 الذي نشره تجمع اليسار الماركسي في سورية


سلامة كيلة
2009 / 5 / 8 - 08:46     

الواقع الملموس:
قلت بأن مشروع المهمات يشير إلى "الطبيعة الطبقية الرأسمالية للنظام"، كما يشير إلى استغلاله الدولة والمجتمع، وهو الأمر الذي أدى إلى انسدادات وأزمات اقتصادية واجتماعية. وهو يشير في فقرة المعايير والنواظم إلى التحالفات لـ "الحيلولة دون انحراف المجتمع والوطن في طريق التطور التابع والملحق بالبلدان الإمبريالية، والذي لا يحل أياً من المهام التاريخية المنشودة بالكيفية التي تخدم الشعب والبلاد بل تخدم مصالح المراكز الإمبريالية وبعض البورجوازية المحلية حصراً ويخلق قدراً هائلاً من الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لا مخرج منها إلا بتجنبه وإعادة مسار التطور إلى الطريق الذي يعالج المشاكل والتحديات المطروحة على الوطن ككل وعلى قوى المجتمع كافة بما فيها شرائح البورجوازية المعنية بالإنتاج المادي الوطني وليس بالسمسرة والوساطة والتطفل".
هنا يلمس بأن "انحرافاً" يحدث في الواقع نحو "التطور التابع"، وهو يريد أن يوقفه بالتعاون مع "شرائح البورجوازية المعنية بالإنتاج". لكنه يشير أيضاً إلى أن "السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي رعتها رأسمالية الدولة وبورجوازيتها البيروقراطية خلال العقود الماضية" أدت "إلى تركيبة اجتماعية طبقية جديدة"، وتؤشر إلى زيادة "الاعتماد والترابط مع فئات وشرائح من البورجوازية الكبيرة السورية، المستقرة في البلاد والمهاجرة خارجها، كما يزداد التشابك والترابط مع قوى الرأسمال الكبيرة، العربية والعالمية، الأمر الذي يهدد بتحويل بلادنا إلى بلد تابع كلياً لرؤوس الأموال الخارجية".
لهذا تصبح المسألة هي ذاك التحالف مع شرائح البرجوازية المنتجة، ويكون الهدف هو "مناهضة البورجوازية البيروقراطية والكومبرادورية والنشاطات الطفيلية في الاقتصاد".
رغم أن تعبير "البرجوازية البيروقراطية" لا معنى له، لأنه كان يصف وضع فئات وهي في مرحلة التحوّل من فئات وسطى، أو حتى فقيرة، إلى كومبرادور، فإن التحديد السابق يجعل الصراع هو ليس صراع "مجتمع ضد سلطة"، أو طبقات شعبية ضد رأسمالية، بل صراع بين "شرائح برجوازية منتجة" وأخرى بيروقراطية وكومبرادورية وطفيلية. وبالتالي يستقيم التصور حول الدور الفاعل للطبقة العاملة والطبقات الشعبية من أجل "منع انحراف" نحو التطور التابع، واستمرار دور الدولة المركزي "في المرحلة التاريخية الراهنة" من أجل "تنمية القاعدة المادية للإنتاج وتطوير قوى الإنتاج ووسائله"، وفي ظل "النظام الاقتصادي الرأسمالي".
وبالتالي سيكون مشروع المهمات هو مشروع إصلاحي رأسمالي، يهدف إلى استمرار "رأسمالية الدولة" لكن في شكل جديد: ديمقراطي، ويعيد تكريس السياسات الاقتصادية الاجتماعية الماضية ("حماية مستويات معيشة الطبقة العاملة وصغار الفلاحين والموظفين وكل العاملين بأجر في قطاع الدولة وخارجه" و"محاربة الإفقار"). وهذا "كلام حلو"، لكنه لم يتأسس على وعي الأسباب التي جعلت هذا الشكل من النظم يعاني من التحول نحو "التطور التابع". وبالتالي فهو كلام يقوم على وهم "تجميد التطور" عند لحظة معينة، هي تلك التي كانت تسكن الوعي بتحقيق التطور الرأسمالي في صيغة "رأسمالية الدولة"، أو هو وهم استعادة هذه اللحظة. مما يجعله يشمئز من تنكر رأسمالية الدولة والبرجوازية البيروقراطية "لقطاعات واسعة من الطبقات الشعبية التي كانت تأخذ بعض مصالحها وحقوقها بعين الاعتبار".
لكن هذا المنطق يعاني من تفسير شكلي لأسباب "الانحراف" الذي حدث، ينطلق من "غياب الديمقراطية" أو من "احتكار السلطة". وهنا لا يرى الشكل الاستبدادي للسلطة إلا كـ "خطأ شخصي" ربما، ولم يرَ كصيغة ضرورية لتأمين مصالح الفئات التي وصلت إلى السلطة، والتي كانت معنية بأن تترسمل هي وليس المجتمع. ولهذا كان الشكل الاستبدادي ضروري ضرورة مطلقة. بمعنى أن هذا الفرز الذي نشهده هو الصيرورة الطبيعية لهذه النظم، وهي صيرورة ليس من الممكن وقفها. وكل الأحلام بإعادتها إلى الوراء، أو بإعادة صياغتها في شكل جديد سوف تكون أحلاماً طائشة ووهمية. حيث أن هذا هو الشكل الثاني لمحاولة التطور الرأسمالي في العصر الإمبريالي، وهو –كما نشاهد- يسير نحو "التطور التابع". والمسألة هنا ليست مسألة شخصية بل هي مسألة طبقية بامتياز. وبالتالي فإن هذا الشكل الاستبدادي هو ملاصق لهذا النمط من النظم، ومن ثم ليس من الممكن الفصل بين مصالح الطبقة المسيطرة وشكل السلطة ذاته. وربما كان أعلى سقف يمكن تحقيقه في مجال شكل السلطة هو الشكل الذي تعمم في مصر والمغرب والأردن، أي "ديمقراطية" يجب أن توضع حتماً بين ظفرين. لكن أيضاً مع انتصار "التطور التابع" وليس على الضد منه، حيث يكون ضرورياً إعادة صياغة العلاقة بين البرجوازية الجديدة وتلك القديمة في إطار نظام "تنافسي" بينها بالتحديد. وهذا يظهر وهمية طرح الديمقراطية وفق هذه الصيغة، لأنها لا تتوافق مع الطابع الرأسمالي للاقتصاد، ولا تتوافق أكثر مع سيطرة الفئات الوسطى على الدولة. وبالتالي فالمشروع الديمقراطي هو مشروع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء تحديداً.
إننا هنا إزاء رؤية يقدمها مشروع المهمات تحاول وقف انهيار بناء متداعي، أي إصلاحه بدل أن تحسم الأمور في شكل سيطرة رأسمالية كومبرادورية. لكن هل من الممكن وقف التداعي؟ وأصلاً ألم تحسم الأمور؟
هنا نلمس بأن طبيعة التحولات التي حدثت ليست ممسوكة تماماً، فرغم الإشارة إلى الاعتماد والترابط مع البرجوازية الكبيرة السورية، ومع الرأسمالية العربية والعالمية، إلا أن مشروع المهمات يخلق أوهاماً حول طبيعة النظام الذي حدد أنه رأسمالي. هل بقي من شك في أن الأمر قد حسم منذ زمن؟ وأن المسألة باتت تتعلق بكيفية ترتيب العلاقة بين الرأسمالية الجديدة وتلك القديمة من جهة، وبينهما وبين الرأسمال الإمبريالي من جهة أخرى؟ أي بـ "حصص" كل منها على وجه التحديد؟
الوضع قد حسم، حيث تشكلت "رأسمالية جديدة" فرضت سيطرة "اقتصاد السوق"، وأنهت دور الدولة الاقتصادي، وهي تنهي دورها الاجتماعي، وفتحت السوق أمام المنافسة التي باتت تؤثر على القطاعات الصناعية القائمة (والتي نشأت في الغالب بحماية الدولة)، وفي الأسعار. وهذه الرأسمالية تميل إلى النشاط في الخدمات والتجارة والوساطة مبتعدة عن الصناعة والزراعة، وهي تتركها الآن لمصيرها المميت. ولكن أيضاً، وفي ظل الشكل الاستبدادي للسلطة، يفرض احتكار الرأسمالية الجديدة تلك، ويعزز من وضعها في إطار مساومات لازالت قائمة مع الرأسمالية القديمة ومع الرأسمال الإمبريالي. وفي ذلك يكمن استمرار الطابع الاستبدادي للسلطة. وبالتالي فإن تغييره إلى شكل "ديمقراطي" مرتبط بهذه المساومات بالتحديد.
وهنا، لا تعود المسألة هي مسألة "مناهضة ومحاربة البورجوازية البيروقراطية والكومبرادورية" بل تصبح مسالة تحديد من هي الشريحة المهيمنة في السلطة؟ هل هي الشرائح المنتجة أم "البيروقراطية والكومبرادورية"؟ الهروب من هذا التحديد كان طبيعياً ما دام الهدف هو التحالف، أو التعاون. حيث انتهى الميل الذي كان يسعى إلى بناء قوى إنتاج لمصلحة ميل كومبرادوري، والرأسمالية الجديدة هي هذه. حيث استفادت من دور الدولة الاقتصادي (الاستثماري) من أجل النهب وانتهى الأمر الآن. ولم يبق من الفئات التي حكمت سوى بعض البرجوازيين الصغار الذين يسعون للحفاظ على دور الدولة من أجل الحفاظ على مصالحهم هم بالذات، يحلمون بأن يبقى وضع الدولة كما كان، لهذا فهم يعيشون في الماضي.
لهذا، أي شرائح تلك التي يجب التحالف معها؟ إذا كان الحفاظ على النظام الرأسمالي هو نتيجة السعي لهذا التحالف فإننا نجر كل الطبقات الشعبية من أجل مصلحة مجموعة خلّبية، فقاعة. لكن يبدو أن المسألة هي أن الرفاق هم الحريصون على النظام الرأسمالي، حيث ليس من الممكن الوصول إلى الاشتراكية إلا حتماً بالمرور من هذا الطريق، الذي هو جبري أكثر من جبرية الإسلام. وكما أشرت فإن المسألة هي مسألة مصالح فئات وسطى، حلمها أن تعيش في مجتمع رأسمالي، بغض النظر عن ممكنات الواقع. هذا حلم مشروع لكنه لا يؤسس لمشروع ماركسي أو اشتراكي، أو لمشروع ماركسيين، وهو لا يؤسس لمشروع تتبناه الطبقات الشعبية وليس الطبقة العاملة فقط. لهذا يبقى مشروعاً هامشياً. حيث لا تقود الطبقة العاملة تحقيق مشروع لغيرها، لمَ لا تقوده لذاتها؟ وإن كان لا يهدف إلى تحقيق الاشتراكية الآن، بل يهدف إلى تحقيق المهمات الديمقراطية، التي بات تحقيقها يفرض تجاوز الرأسمالية. لأن المسألة لا تتعلق بـ "الشكل الاستبدادي" فقط، بل تتعلق ببناء الصناعة وتطوير الزراعة وكل البنية التحتية، وتحديث التعليم والعمل والضمان الاجتماعي، والاستقلال والعلمنة والدمقرطة. وهذه كلها خارج اهتمام أي شريحة من شرائح البرجوازية، سوى شريحة دنيا منها يمكن أن تميل لنشاط إنتاجي، ووجودها لا يفرض أن نجعل كل المشروع هو مشروع رأسمالي، لأنه بالضبط يفشل نتيجة الطابع العام للسيطرة الإمبريالية على العالم كما أشرت سابقاً. لهذا يجب تحقيق مشروع الأغلبية الساحقة وليس مشروع قله افتراضية.
المهمة المفتاحية أو الهدف الأعلى:
ولأن البرجوازية حاضرة بقوة في مشروع المهمات، ولأن المسألة لا تتعلق بتغيير النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم، يجري حصر "البرنامج المرحلي" في تحقيق "النظام الديمقراطي التعددي"، وهو لا يرى إمكانية لنضال حقيقي في هذا الوضع الاستبدادي، حيث "أن النضال في الظروف الراهنة من الاستبداد يظل محدود الجدوى رغم ضرورته القصوى". وهو الأمر الذي جعله يضع مسألة "إنهاء احتكار السلطة" والنظام التعددي كمفتاح. طبعاً لا أريد أن أعلق على هذه المسألة هنا، حيث سوف أشير إليها لاحقاً، لكن ما قصدت الإشارة إليه هو أن مشروع المهمات يتمحور حول هذا الهدف، ليصبح هو الأولوية والأساس، وبالتالي أساس التحالفات والتشابكات والتعاون.
بمعنى أن المشروع ينطلق من القبول بالرأسمالية القائمة في الواقع، حيث يطمئنها بأنه لا يطالب باستبدالها. رغم أنه يحمّلها مسئولية "انسدادات وأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية مستفحلة"، ويشير إلى الاعتماد والترابط الذي بات يجمعها مع البرجوازية الكبيرة، وكذلك مع البرجوازية العربية والعالمية. وهو كما أشرنا يريد وقف "الانحراف" نحو "التطور التابع والملحق بالبلدان الإمبريالية". ولأن المسألة لم تعد مسألة تناقض مع الرأسمالية المهيمنة وبالتالي مع السلطة، يصبح طريق الإصلاح هو سلمي وتدرجي، لكي يجري الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية. وبالتالي يكون من الطبيعي أن يختتم مشروع المهمات بالجملة التالية: "ورغم أن نهج التجمع وسياساته تضعانه في موقع المعارضة للنظام، إلا أنه يدعو في الوقت نفسه للحوار الشامل مع كل الأطراف داخل الوطن، وهو سيلحظ ويقيّم في حينه أي خطوة أو فعل سياسي أو مبادرة قد تأتي من أي طرف، مهما كان موقعه، على ضوء القضايا الأساسية المذكورة آنفاً، ومنطوق المهمات البرنامجية المرحلية والوثيقة التأسيسية للتجمع".
إذن، فإن الطريق السلمي والتدرجي ينسجم مع الطرح الإصلاحي، وهو على فكرة مهيمن على كل الذين كانوا يطرحون فكراً "ثوروياً" في السابق، وبالتالي لم يعد للصراع الطبقي موقعاً في النص كما في الوعي. حيث باتت المسألة تتعلق بالتشارك والتعاون والتحالف (إذا أمكن) مع طبقات وفئات اجتماعية أخرى" حددها المشروع بالشريحة البرجوازية المعنية بالإنتاج، لكنه عاد وعممها على الفئات المهيمنة في السلطة، لأنه –كما يبدو- لا يرى أنها قد أصبحت في صف الكومبرادور الذي يرفضه. وليصبح "نضاله" هو ضد برجوازية غامضة، اسماها "البورجوازية البيروقراطية والكومبرادورية"، ما هي؟ وما علاقتها بالسلطة؟
سبب كل ذلك تكمن في أنه يرى بأنه يمكنه أن يتحالف مع شريحة ضد أخرى، وحين قفز عن تحديد طبيعة السلطة أكثر من أنها رأسمالية، أي من هي الشريحة المهيمنة فيها، لم يشأ تحديد مع من منها سيتحالف وضد من؟ فعاد يتحدث عن "كل الأطراف داخل الوطن".
وإذا كان يقرّ بعجز البرجوازية ولا يرى أنها قادرة على استكمال المهام الوطنية- الديمقراطية من ذاتها، نجد هنا أنه يرى أن هذا الاستكمال يقوم على بناء نظام ديمقراطي يسمح لكل الأطراف المشاركة في هذا الاستكمال. أي أن يشارك هو في إكمال تنصيب البرجوازية، عبر مقترحاته التي يقدمها في مشروع المهمات، والتي تبدو لا كبرنامج نضالي بل كمقترحات لما بعد قيام النظام الديمقراطي التعددي، وهي مقترحات لقوى في السلطة. حيث رغم أنه لا يجب "تجميد كل نضال حتى تحقيق الانتقال" إلا أن تحقيق "انجازات كبرى" في القضايا الوطنية والاقتصادية والتنمية والبطالة والفقر ومحاربة التعصب والطائفية "مرهون بالظفر بالحريات السياسية والنقابية والإعلامية". لهذا كانت هذه المسألة مسألة مفتاحية، وتحقيقها مرتبط بالانتقال السلمي التدرجي.
لكن الخطر هنا هو أن مشروع المهمات يعتبر أن النضال في ظروف الاستبداد "محدود الجدوى"، وبالتالي إذن كيف سيتحقق الانتقال إلى النظام الديمقراطي التعددي؟ الجواب البسيط يقول بأن هذا الانتقال سيتحقق عبر التفاهم والتحاور والإقناع من أجل أن يكون سلمياً وتدرجياً. وهذا يتسق مع كل ما قلناه سابقاً، حيث ليس هناك صراع بل ضغوط وتفاعل. وكأن الديمقراطية ليست بحاجة إلى صراع، أو يمكن أن تتحقق بدون صراع. وأن تحقيقها أسهل من تحسين الوضع المعيشي للطبقات الشعبية. فإذا كان النضال محدود الجدوى كيف إذن يمكن لسلطة أن تتنازل عن سطوتها من أجل القبول بمعادلة جديدة ليست هي المتحكم الوحيد فيها؟ وخشية السلطة هنا ليس من الطبقات الشعبية بل من البرجوازية الكبيرة كما أشرنا قبلاً.
إن هذا الفهم المبسط لا يمت لمفهوم صراع الطبقات بصلة، كما أنه يتجاهل كل تجارب التاريخ. وهو يتجاهل تجارب التاريخ لأن النظم الاستبدادية هي التي كانت تسقط عبر الصراع، حتى النظم الاشتراكية سقطت وهي استبدادية. لكن حين تصل الطبقات الشعبية إلى لحظة "تفلت من عقالها"، وهي اللحظة التي يفرضها الوضع المعيشي أو فرضها الاستلاب السياسي كما في البلدان الاشتراكية. وهي غالباً في الأمم المخلفة تعتمد على تطور الصراع الطبقي إلى لحظة يتحوّل فيها إلى انتفاضة عامة أو إضراب عام. حيث أن متانة الاستبداد تأتي فقط من "إرضائه" للطبقات الشعبية، وبالتالي تحسين وضعها المعيشي، لكن حينما يعجز عن ذلك يفقد أساسه المتين، ويصبح مفروضاً عليه أن يتنازل لشرائح البرجوازية الأخرى أو يسقط.
وهنا يكون التركيز على النضال المطلبي أساسي ومهم و"مفتاح". فهذا الطريق هو الذي ينفتح لأن الطبقات الشعبية تدخل ميدان الصراع، حيث يُفرض عليها التململ والتمرد. لهذا يكون الخيار الذي يطرحه مشروع المهمات خياراً مضللاً، ووهمياً، لأنه يثبط من نشاط القوى الماركسية بدل أن يدعوها لتنظيم فعل تلك الطبقات من أجل التغيير. إن النشاط الديمقراطي حاف هنا هو هروب من خوض الصراع الطبقي، وحرف لنشاط القوى الماركسية نحو "نضال" لا جدوى منه، رغم أهمية الديمقراطية وضرورتها. لكنها ستغدو وفق ما أشرت جزءاً من برنامج نضالي من أجل التغيير، وليست مدخلاً مفتاحياً. إنها نتيجة التغيير وليست بدايته، وهي تتويج لسلطة طبقات شعبية وليست تغييراً في شكل السلطة الرأسمالية.
إن الانطلاق من "محدودية جدوى النضال في وضع غير ديمقراطي يعني عدم خوض النضال، والاكتفاء بنشاطات محدودة من جهة، وتجاهل الصراعات المجتمعية من جهة أخرى. لهذا، ورغم أن المشروع يشير إلى اشتداد إفقار الطبقات الشعبية و"سحق مستويات معيشتها"، لا يرى الصيرورة الممكنة نتيجة هذا الوضع، التي تتمثل في بدء حراك اجتماعي يؤشر إلى إمكانات تصاعد النضال الطبقي. وبالتالي يفترض رؤية السياسات الماركسية الضرورية لذلك. وبدل أن يؤسس على حالة الإفقار رؤية لتطوير الصراع انطلق المشروع من التركيز على تغيير شكل السلطة، عبر صيغة "غير صراعية"، وتعتمد على الشكل "السلمي التدرجي"، ليرتبط تحسين وضع هذه الطبقات فيما بعد تحقيق هذه المهمة المفتاحية. وبالتالي فهو هنا يعبّر عن تصور شرعي إصلاحي وليس عن تصور ينطلق من الصراع الطبقي. هل هو تصور ماركسي؟ لا أظن ذلك.