حول مشروع المهمات البرنامجية- 1 الذي نشره تجمع اليسار الماركسي في سورية


سلامة كيلة
2009 / 5 / 7 - 08:59     

تشكل تجمع اليسار الماركسي في سورية منذ ما يقارب السنتين، حيث أصدر وثيقته بتاريخ 20 نيسان 2007، والآن يصدر "مشروع المهمات البرنامجية المرحلية"، ما الذي يستدعي إصدار وثيقة جديدة؟ أم هل أن الوثيقة الجديدة تخص المرحلي فقط دون الإستراتيجي، ولهذا كانت ضرورية الآن؟
أهمية هذه الأسئلة ناتجة عن أن الوثيقة الأولى طرحت مهمات مرحلية كذلك، وأن الزمن الذي مرّ لم يحقق منها شيئاً بعد. ولقد كانت تمثّل التقاطعات بين قوى، ولهذا كانت وثيقة تحالف رغم أن القوى المشكلة له تنطلق من أنها قوى ماركسية. وبالتالي ما الذي يستدعي الشروع في إقرار وثيقة جديدة؟
ينقسم المشروع إلى: "معايير ونواظم إستراتيجية" و”المهمات البرنامجية المرحلية". وربما كان تعبير إستراتيجية في النص يوحي بأن المسألة تتعلق بالرؤية الماركسية التي تحكم المهمات المرحلية، لكن سيبدو أن النواظم والمعايير تتحوّل إلى "جملة من المبادئ والمهام التي تحكم هذا النضال". وبالتالي يجري تجاهل الماركسية والرؤية الماركسية بمجملها. وهذا تغيّر كبير عن الوثيقة الأولى التي أسست على موقف من الماركسية ينطلق من الالتزام بها كمنهجية في النظر والممارسة. هل هذه هفوة؟ ربما، أو أن الأمر لا يستلزم تناول الموقف من الماركسية التي يتسمى التجمع بها؟ أيضاً ربما. لكن في كل الأحوال سنشير إلى هذا التغير "الطفيف" الذي طال الوثيقة الأولى.
لكن الأهم هنا هو أن المشروع الجديد يبدأ من عام، هو الاشتراكية، ليصل إلى محدَّد/ مرحلي هو أن "إقامة النظام الديمقراطي التعددي ..... يشكل المهمة المفتاحية للإنجاز الشامل والفعلي للمهمات البرنامجية المرحلية". وبالتالي ليتوضّح بأن الهدف هو ليس النضال ضد الرأسمالية بل من أجل "إنهاء احتكار السلطة". هذه النقلة معبّرة، وتشير إلى تحوّل كبير، حيث أن الوثيقة الأولى لم تعتبر بأن الديمقراطية هي المهمة المفتاحية بل أشارت إلى أنها مدخل.
والمسألة هنا ليست شكلية، بل تعبّر عن رؤية جديدة. ربما لم تكن الرؤية في الوثيقة الأولى واضحة تماماً، وهو ما أثار التباسات خلال النقاشات التالية شرحت بعضها في ورقة استقالتي من التجمع، إلا أنها لم تتضمن النص على الحفاظ على الرأسمالية، والسعي فقط إلى تحويل شكل السلطة باتجاه ديمقراطي. ولم يربط تحقيق مجمل المهمات الطبقية والوطنية والسياسية بتحقيق الديمقراطية أولاً.
منطق التحوّل:
يبدأ النص بالإشارة إلى "السياق التاريخي" الذي نناضل فيه لـ "إقامة النظام الذي ينهي استغلال الإنسان للإنسان، وينهي اغترابه عن شروط وجوده وعن عمله، واستلابه لحاجات الحياة الأساسية والمسيطرين عليها عبر تملكهم وسيطرتهم على قوى ووسائل الإنتاج"، ويحدد بأنه يعني "إقامة النظام الاشتراكي". ليصل إلى "الواقع الملموس" الذي يفرض "استكمال مهام المرحلة الوطنية- الديمقراطية". وحيث "أن البورجوازية المحلية، التي تكونت بعد ظهور الإمبرياليات الغربية عاجزة بقواها الخاصة عن انجاز المهام التي أنجزنها البورجوازية الأوروبية في بلادها خلال عصر صعودها ونهضتها"، "لأسباب باتت معروفة"، فـ "إنه لا بد بالتالي لانجاز تلك المهام من دور فاعل ورئيسي للطبقة العاملة والطبقات الشعبية وأحزابها"، لكن "بالتشارك والتعاون والتحالف (إذا أمكن) مع طبقات وفئات اجتماعية أخرى وأحزابها، ضمن تحالف وطني عريض يسعى للتغيير الوطني الديمقراطي لدفع مسار التطور التاريخي في البلاد نحو انجاز هذه المهام".
ومن ثم يحدد معنى التغيير الوطني الديمقراطي "الذي يعتبر الهدف الأعلى للمهام البرنامجية المرحلية، وجسر الانتقال إلى وضع سياسي تاريخي جديد، رغم استمرار النظام الاقتصادي الرأسمالي خلاله وبعده، فمثل هذا التغيير لا يهدف إلى قلب النظام الرأسمالي، أو استبدال الطبقة السائدة (وهي الطبقة الرأسمالية) بغيرها، بل يهدف إلى تحقيق التحول السياسي الديمقراطي". وبالتالي يصبح "إنهاء احتكار السلطة، وإقامة النظام الديمقراطي التعددي" هو "المهمة المفتاحية".
إذن، المهمة المرحلية الآن هي "الظفر" بالنظام الديمقراطي التعددي، دون المساس بالرأسمالية كطبقة مسيطرة. وإذا كان يشير بوضوح إلى "أن الطبيعة الطبقية الرأسمالية للنظام، وشكل حكمه الاستبدادي" (وهذه الفقرة مأخوذة من الوثيقة الأولى) فإنه يصل إلى أن المهمة المرحلية هي تغيير الشكل الاستبدادي للنظام فقط. هذا هو "مشروع المهمات البرنامجية المرحلية"، أو هذا هو الهدف من طرحه. حيث باتت تتحدد المهمة في هذا: تغيير شكل النظام الذي هو شكل استبدادي. ولهذا غرُبت الاشتراكية التي أشار إليها في البدء، وأصبح استكمال المرحلة الوطنية الديمقراطية الذي أشار إليه يفرض تحقيق النظام الديمقراطي التعددي فقط. والذي سيعني، كما سيتوضّح للتو، مساعدة البرجوازية على هذا الاستكمال. مما يوحي، ضمناً، بأن هذه المرحلة هي مرحلة البرجوازية. وربما كان هذا "الوعي" هو الموجه للوصول إلى تلك النتيجة، التي تقوم على تغيير الشكل الاستبدادي للسلطة.
وإذا كانت الوثيقة الأولى ليست خالية من هذه الميول، إلا أنها كانت تتضمن "روحية" أخرى مناقضة. ولقد كانت كذلك نتيجة أنها تبلورت في إطار مساومات بين اتجاهات مختلفة. لكنها كانت تحمل ممكنات مستقبلية. أما الآن فقد أصبح التوجه واضحاً: السعي لقيام نظام ديمقراطي رأسمالي.
تناقضات المنطق:
في هذه النهاية يؤسس لتناقض عميق يحتويه النص ذاته. حيث يسعى إلى استكمال المهمات الوطنية الديمقراطية على أرضية الرأسمالية، لكنه أشار إلى عجز "البورجوازية"، كيف ينسجم هذا مع ذاك؟ عبر "اللعب بالكلمات"، حيث يضيف، وهو يشير إلى عجز البرجوازية عن تحقيق ما حققته البرجوازية الأوروبية، تعبير "بقواها الخاصة"، وهو الأمر الذي يفتح على أن هذا الاستكمال يحتاج أن تساعدها الطبقات الأخرى، لا أن تسعى إلى تغييرها هي بالذات. لهذا يكمل بأن انجاز تلك المهمات يفرض "دوراً فاعلاً" على الطبقة العاملة والطبقات الشعبية وأحزابها، لكن بالتشارك والتعاون والتحالف إذا أمكن مع طبقات وفئات اجتماعية أخرى. منْ هي؟ طبعاً البرجوازية لأنها الطبقة الوحيدة الباقية بعد تعداد العمال والطبقات الشعبية. وهو يطرح المسألة بوضوح، حيث يشير إلى "قوى المجتمع كافة بما فيها شرائح البورجوازية المعنية بالإنتاج المادي الوطني وليس بالسمسرة والوساطة والتطفل". والدور الفاعل لا يعود هنا للطبقة العاملة بل لكل هذه الطبقات معاً. وبالتالي يعوض عجز البرجوازية دور فاعل لكل الطبقات، لكن لتحقيق مصالح البرجوازية بالذات.
لقد حلت "الكلمات" التناقض، وباتت المهمة هي استكمال التطور البرجوازي بدور فاعل ورئيسي للطبقة العاملة والطبقات الشعبية. وهذه فكرة قديمة كانت في أساس سياسة الحركة الشيوعية، ومن "ابتكار" الرفيق خالد بكداش، حيث يقول سنة 1944 أن الأهداف التي يناضل من أجلها ليست اشتراكية بل أنها تتعلق بالتحرر الوطني والتطور الديمقراطي، وتحقيق "النظام الجمهوري الديمقراطي، دون أي مساس بجوهر النظام وأسس الملكية الرأسمالية". وبالتالي فإن التصور الذي يقوم عليه مشروع المهمات هو ذاته الذي حكم الحركة الشيوعية منذ سنة 1937 إلى استلام البعث السلطة، واستمر مع الرفيق رياض الترك بعد إذ.
هذه مشكلة عويصة في "وعي" قطاعات من الشيوعيين الذين لا يرون سوى الرأسمالية والتطور الرأسمالي. ورغم أن تجربة الحركة الشيوعية أبانت عن فشل ذريع، حيث توضّح بالتجربة بأن البرجوازية ليست في وارد تحقيق التطور، وهي تتشكل كما نراها في الواقع، إلا أن هذا "الحلم" لازال يعشش في العقول، وكأن النزعة البرجوازية الصغيرة لم تنثلم أمام وعي ماركسي، أو حتى فشل التجربة ذاتها. لهذا يبقى عشق الرأسمالية هو المهيمن، وهو الذي يوجه سياسات هؤلاء، ومنهم تجمع اليسار الماركسي كما يبدو في نص المشروع، رغم كل التجارب الفاشلة في هذا السياق، ورغم فشل كل الأحزاب التي اتبعت هذه السياسة. عشق لا يعبّر سوى عن: وعي هزيل بالماركسية، وبمنهجيتها خصوصاً، وبالتالي تمسك "نصي" ببعض أفكار ماركس التي طرحها قبل أكثر من قرن ونصف، أولاً، وثانياً طموح لا يرحم بتحقيق الرأسمالية هو من فعل مصالح برجوازية صغيرة لا تفكر سوى بأن تصبح رأسمالية. وهذا وذاك يجعلان رؤية الواقع مستحيلة، لأنهما مخضعان لجموح قاهر نحو الرأسمالية.
إذن، لازلنا في العقد الثالث من القرن العشرين، دون أن نتقدم شبراً. رغم أن تجربة القرن العشرين أوضحت بأن التطور الصناعي الذي هو أس الرأسمالية لم يتحقق إلا من خلال التجارب الاشتراكية، أي بالضد من مصالح الرأسمالية ذاتها وعلى أنقاضها. وبالتالي أن كل البلدان التي ظلت في إطار رأسمالي ظلت متخلفة، سوى استثناءات لعبت رأسمالية المراكز دوراً فيها (كوريا، تايوان)، أو بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي وعبر دور الدولة (الهتد). وتجاربنا التي كان من الممكن أن تكون أقرب إلى تجربة الهند فشلت لأن الفئات الوسطى الريفية مالت إلى النهب السريع لكي تغتني هي غير عابئة بتطور البلد. ورأسمالياتنا التقليدية كانت تميل إلى النشاط التجاري في الغالب، أو الصناعي المحدود، أو تعمل في السمسرة والوساطة.
هل نستفيد من هذه التجارب، وندرس سبب فشلها؟ هل يدفعنا هذا الوضع إلى دراسة الإمبريالية من جديد لكي نعرف الآليات التي تفرضها على العالم، والتي تمنع تطوره الصناعي والحداثي؟ إن الجمود النظري لا يسمح بذلك، وهو الغلاف لمصالح فئات وسطى، حيث تتمسك هذه الفئات بنص لماركس من زمن مختلف لكي تصرّ "ماركسياً" على ضرورة التطور الرأسمالي، وضرورة أن تبقى في إطار الرأسمالية. وهذه الفئات من بقايا الحركة الشيوعية التي لازالت تتكئ على الماركسية لتبرير دعم الرأسمالية، بينما سارع كثيرون من هذه الحركة إلى الليبرالية الصريحة، والى دعم الرأسمالية القائمة بالفعل.
ومشروع التجمع يكرر المسألة ذاتها، ولا غرابة في ذلك لأن مكوناته الراهنة هي ممن لازال ينافح دفاعاً عن الرأسمالية، ويعتقد بأن جل نضاله هو من أجل انتصار الرأسمالية. والخلاف مع الآخرين الذين أصبحوا ليبراليين سيكون فقط في أن هؤلاء توصلوا إلى أن هذه هي الرأسمالية دون أحلام بطابع منتج لها عبر التوظيف في وسائل الإنتاج، بينما لازال أصحابنا يحلمون بإمكانية أن تكون هناك رأسمالية يمكن أن تنشط في وسائل الإنتاج. لكن الأساس هو في "الحلم" ذاته، الذي هو وهم مكرر، ما دام يتكرر طيلة سبعين سنة.
البرجوازية العاجزة:
كما أشرت فإن الداعين إلى الرأسمالية هم الذين يتمسكون بنص لماركس، بينما توضّح منذ أن أصبحت الرأسمالية إمبريالية بداية القرن العشرين أن البرجوازيات المحلية أصبحت في وضع يفرض عليها قبول المعادلة الجديدة، القائمة على الهيمنة المطلقة للشركات الاحتكارية على العالم. وهي، لأنها لا تريد المنافسة في الأسواق العالمية، تسعى لحصر وسائل الإنتاج بها، وهو الأمر الذي فرض أن تمنع تحقيق التطور الصناعي في كل الأمم التي لم تكن قد أصبحت صناعية (إلا تلك التي تمردت عليها). وهذا فرض على البرجوازيات المحلية ضعيفة الرأسمال والخبرة، ومحدودة السوق أن توظف في الهامش، الذي هو التجارة والخدمات والمال، خصوصاً وأنها كانت أكثر ربحية من التوظيف في صناعة تعاني مسبقاً من منافسة قاهرة.
العجز عن تحقيق المهام التي أنجزتها البرجوازية الأوروبية نابع من هنا، وهو الأمر الذي أوضح بأن الطريق التقليدي للتطور الرأسمالي قد سُدّ. وأن أي تطور آخر، بالتالي، سيكون في تناقض مع الرأسمال الإمبريالي والدول الإمبريالية. وهذا ما شهدناه في تجارب حركات التحرر والأحزاب القومية، التي كانت تحلم بتحقيق التطور الرأسمالي(حتى وهي ترفع شعارات الاشتراكية). لكنها أيضاً فشلت أمام أعيننا، وحيث سارعت الفئات الوسطى إلى النهب من أجل الترسمل الفردي، وأعادت ربط البلد بالنمط الرأسمالي من موقع التابع/ الكومبرادوري، حيث أن مصالحها أقوى من جملة الأفكار التي رددتها.
وهو الأمر الذي يوضح –إذا ما أردنا أن نستفيد من التجارب – أن كل من يفكر ببناء الصناعة وتطوير وسائل الإنتاج يجب أن يعي أنه في تناقض عميق مع الرأسمالية. وأن التطور على أرضية رأسمالية في ظل هذا الوضع مستحيل إلى أبعد مدى. هذا هو الأساس الذي قامت عليه كل التجربة الاشتراكية، والذي جعل البلدان التي نجحت فيها بلداناً صناعية في كل الأحوال، وبالتالي حديثة وتسير نحو تكريس الديمقراطية والحداثة. مما يعني أن التفكير في التطور و"استكمال مهام المرحلة الوطنية- الديمقراطية" يفرض التأكيد على الدور، ليس الفاعل فقط، بل القيادي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء.
لكن الرفاق يطرحون تحقيق التطور الرأسمالي في ظل تعاون وتشارك وحتى تحالف طبقي مع شرائح من البرجوازية التي تعنى بالإنتاج المادي. ولأن هذه الفئات هامشية (إذا لم أقل غير موجودة) فإن الذي سيحقق الرأسمالية هو الطبقة العاملة والطبقات الشعبية. لكن هل يمكن لطبقة أن تحقق نقيضها؟ أي أن تؤسس النظام الذي يضطهدها طبقياً؟ ولماذا كل ذلك، حيث مادامت هي التي ستحقق التطور يمكنها أن تحققه في صيغة أعمق، وتخدم طبقات أوسع، وبالأساس تخدم مصالحها هي؟
هذا المنطق المبني على "الماركسية" يوصل إلى أن تحقق الطبقة العاملة الرأسمالية، أي أن توجد أداة قهرها. بمعنى أن هذه "الماركسية" تهدف باسم الماركسية إلى إقناع الطبقة العاملة بالقبول بأن تركبها الرأسمالية وهي راضية مرضية. لقد ظلت الحركة الشيوعية تقنع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء بضرورة ألا تفكر في أن تستلم هي السلطة، لأنها من حق البرجوازية، لكن عليها أن تدعم هذه البرجوازية وتقبل بـ"النضال المطلبي" والدعوة إلى "نظام ديمقراطي". ظلت تخدرها بهذه الرؤية سنين طويلة. ولأن البرجوازية عاجزة تقدمت الفئات الوسطى لتغتصب السلطة في إهاب يساري و"اشتراكي". والآن من سيغتصب السلطة ونحن ننتظر انتصار البرجوازية، أو ننتظر لأن تقبل الطبقة العاملة منا أن نقودها لتسويد البرجوازية طبقة مسيطرة، أو تقبل باستمرار سيطرتها؟
هذه النظرة لا تنطلق من الصراع الطبقي، لهذا لا ترى أن الصراع هو بين الطبقة العاملة ومجمل الطبقات الشعبية وبين البرجوازية المسيطرة بالفعل. وبالتالي فإن أي مشروع لتحقيق المهمات الديمقراطية التي تتضمن بناء الصناعة والحداثة وحقوق الطبقات الشعبية، أو حتى يتضمن بناء الصناعة وتطوير الاقتصاد، سيكون مشروع ضد البرجوازية لكي يعبّر عن العمال والفلاحين الفقراء لكي يوضع في سياق الصراع الطبقي، حيث دون ذلك لن يكون له حامل طبقي، وسيبقى وهمياً. لهذا لن يكون مشروعاً من أجل الرأسمالية بل ضدها. أم هل سنحقق الرأسمالية رغماً عن الرأسمالية ذاتها؟
من السهل أن يصاغ أي مشروع، وأن يتضمن كل الأحلام الممكنة، لكن ليس من السهل أن يقف على قدميه عبر حامل طبقي. ولهذا لن يكون لأي مشروع قيمة إذا لم ينطلق من وضع الطبقات والصراع الطبقي، وبالتالي أن يعبّر عن طبقات بعينها ويهدف لأن تصبح هي الطبقة المسيطرة. وهنا يجب الانطلاق من تحديد وضع العمال والفلاحين الفقراء، ومن مصالحهم، وأن يربط مشروع بناء الصناعة والحداثة بها، وبالتالي أن يتحقق وفق رؤيتها ومصالحها. وهذا يقتضي الانتقال من موقع الفئات الوسطى إلى موقع العمال والفلاحين الفقراء، وإلى النظر من هذا الموقع الجديد. ومن ثم ألا تفهم الماركسية كنظرية لتحقيق التطور الرأسمالي، بل أن تفهم كنظرية لصراع العمال والفلاحين الفقراء ضد الرأسمالية، وكنظرية للحداثة. لهذا أشرت إلى أن هذه "الماركسية" التي عممتها "الماركسية السوفيتية" كانت تلتف على الصراع الطبقي من أجل جرّ العمال والفلاحين الفقراء إلى دعم الرأسمالية. كما كانت شعارات الاشتراكية تهدف إلى تمويه مصالح الفئات الوسطى الريفية. لكن الفارق كمن في أن هذه الأخيرة تقدمت لكي تفرض "اشتراكيتها"، بينما راهنت تلك على طبقة أخرى ارتضت أن تلعب دور التابع لها. هل تستفيد تلك "الماركسية" لكي تكرر تجربة الفئات الوسطى الريفية عبر المراهنة على أن تحقق هي الرأسمالية؟ ربما، لكن ليس من الممكن تحقيق "المهمات الوطنية الديمقراطية" في إطار رأسمالي.