استبداد الخلفاء وديكتاتورية البروليتاريا ...!.


مصطفى حقي
2009 / 4 / 19 - 09:20     

الاستبداد رديف للديكتاتورية يتجسد في حكم شمولي يمارسه فرد أو جماعة على شعب سالباً حرياتهم في اختيار حكامهم ودستورهم وقوانينهم وحرياتهم الشخصية والذي يرضخ لحكمهم سندا ً لتعاليم دينية أو عقائدية مدنية أوتبعاً للواقع البيئي( قانون الغاب) وهذا الأخير هو النظام البدائي الأول للحكم وسيطرة القوي على الضعيف بدستور شفهي وعملي فالضعيف لا حقوق له وللقوي كل الحقوق و من حقه قتل الأخرين وسلبهم أموالهم ونسائهم واستعبادهم واسترقاقهم وتتجلى الإرادة الإلهية بصورة واضحة في المجتمع الغابي ، فالحيوانات الكاسرة خُلِقَت لتعيش على أكل اللحوم ولا يتم ذلك إلا عن طريق الافتراس ، إذا حياة الحيوانات المفترسة تقوم على الافتراس وَوُهِبتت قوة خارقة في عضلات وأنياب ومخالب للتغلب على الضحية وتمزيقها وافتراسها وهذه العملية لا تخرج عن العدالة والإرادة الإلهية حيث خلق القوي ليفترس الضعيف ولو كان غير ذلك لاكتفى بالحيوانات التي تتغذى على النباتات ولما كان للافتراس من محل ... ! ؟ الاستبداد الإسلامي هو أقرب إلى قانون الغاب ..الدعوة الإسلامية وخلال 13 عاماً في مكة لم يتجاوز عدد المسلمين المائة .. لأن الدعوة كانت تقوم على السلم والرحمة (( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )) ولوكنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك .. ويهدي من يشاء ..ولا إكراه في الدين .. (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يُصعّد في السماء) (الأنعام 125) أي أن الدعوة السلمية كانت ضد طبيعة المكوّن العام من بيئة وجغرافية واقتصاد وشعب قبلي وقوة افتراس كامنة في دواخل الأقوياء ، وكان الانتقال إلى المدينة هو ثورة على التعاليم المكية السلمية والانقلاب عليها واتخاذ طريق القوة لتطبيق الرسالة وتمويلها على أرض الواقع البيئي والمجتمعي .. لأنه حتى الزكاة لم تكن تُطبق في مكة’ ولكن في المدينة فُرِضَت رغماً وكانت سبباً في حروب الردة وإزهاق أرواح الآلاف وشُرّع الغزو بأريحية شعبية وإيمان صادق نابع الأعماق وهم يتبعون ‏تعاليم الرسول : ‏من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على ‏ ‏شعبة ‏ ‏من نفاق ،وقال : " الحمد لله الذي جعل رزقي تحت سن رمحي .. وامرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قالها فقد عصم منى ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله" فالغزو في تلك الحقبة لم تكن نشازاً أو استثناءً بل كانت من صميم الواقع البيئي الاجتماعي فالدعوة كانت بحاجة إلى التمويل ولا سبيل أمامها من الحصول على المال إلا بالغزو وذوي القربى أولى ... فكانت الغزوة الأولى على الأهل وعلى قافلة قريشية ( غزوة النخلة ) فأصاب منها الغنائم الكثيرة والتي فتحت أمام الرسول باب الغزو على مصراعيه وغزا حتى جواره من سكان المدينة اليهود الأثرياء فطرد قبيلتين واستولى على أموالها أما ثالثة الأثافي فكانت من سوء حظ بني قريظة الذين استسلموا له آملين رحمته بالجوار وسماحة الإسلام ولكنه ذبحهم واستولى على أموالهم وسبى نسائهم ..
إذا الاستبداد يستوعب سلوك الغزو البدائي ويكرسه في أدبياته الغاصبة لحقوق الإنسان والنيل من إنسانيته الذي قام عليه الإسلام ابتداءً و غرسه ثقافة في مستقبل الدولة الغازية والتي لابد من قيادتها الحزم والطاعة للقيادة وكان الله نصيراً للحكام والخلفاء والقادة بالآية (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( النساء 59) والحديث ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني ) .. وروى مسلم والنسائي عن الرسول: ( عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وفيما تحب أو تكره ) وروى الشيخان عن الرسول: ( من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية ).. عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة} رواه البخاري عن أم الحصين رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول: {ولو استعمل عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا} رواه مسلم (من فوائد الآية ) وجوب طاعة ولاة المسلمين من حكام وأمراء .. وهذه الأوامر الناهية والمؤيدة من الله ورسوله أعطى مفتاح الاستبداد والديكتاتورية لأولياء الأمور (الخلفاء) استبداد خلافي أموي وعباسي وفاطمي وأيوبي وعثماني ولم يزل يخيم على البلاد العربية لصالح طبقة الخلفاء ومن يدعمهم من رجال الدين والعسكر وحالياً سلطة الإعلام والصحافة والفضائيات .. ومن الديكتاتورية الإسلامية ننطلق إلى ديكتاتورية البروليتاريا ( وأنا أعد هذا المقال قرأت مقال الكاتب ابراهيم علاء الدين يبحث موضوع الديكتاتوريتين الإسلامية والماركسية ( البروليتاريا) والمنشور في الحوار ) ..
فالديكتاتورية واحدة لاتتغير ولن تتبدل ان كان في الإسلام أم الماركسية أو أي حامل آخر .. انه ظلم واضطهاد للإنسان أينما كان .. ويؤكد ذلك الكاتب السيد ابراهيم (ولو دققنا النظر في ما يجري في العالم منذ بداية القرن الماضي لوجدنا ان اكثر الافكار الاقصائية شيوعا على مستوى العالم هما الفكر الذي تتبناه حركات الاسلام السياسي، وذاك الذي تتبناه الاحزاب الشيوعية. ومع انهما يقفان على النقيض من بعضهما البعض، الا انهما ينطلقان من ذات القاعدة في تبجيل وتعظيم الصراع العنيف، وعمق ايمانهما بحتمية باقصاء الاخر، واخلاء الساحة تماما من اية افكار معارضة، سواء عبر ما يطلق عليه الشيوعيين بالعنف الثوري، او ما يطلق عليه الاسلاميون بالجهاد...)
يؤكد ماركس (إن النضال الطبقى يفضى بالضرورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا) يقول: (بين المجتمع الرأسمالى والمجتمع الشيوعى، مرحلة تحول المجتمع الرأسمالى تحولاً ثورياً إلى المجتمع، وتناسبها مرحلة انتقال سياسى لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا) (يقول الماركسيون : إنها ديكتاتورية تمارسها الأغلبية لمصلحة الأغلبية، وضد الطبقات والفئات المعادية لمصالحها ..)- من مقال طارق حجي مسألة ديكتاتورية البروليتاريا..إذا الديكتاتوريات تعمل لصالح طبقة معينة بالذات ومن المستفيدين من تطبيقها .. ففي الإسلام المستفيد الأول هم طبقة الحكام ( قرشيين) و(حسينيين ) والمنتمين إلى أي من الإسمين المذكورين يسمون ويصنفون من طبقة الأشراف ولهم امتيازات استثنائية والخلافة لقريش .. وكذلك رجال الدين الذين يدعمون السلطة بفتاواهم وأفْيَنة (من أفيون) الشعب وتخديره ليكون تابعاً بخضوع مذل لتلك الطبقة .. وكذلك في ديكتاتورية البروليتاريا (العمال) الذين يجب أن يستولوا على السلطة إرغاماً واغتصاباً لينفرد الحكام أيضاً ومن يتبعهم من قيادات نقابية بنعمة الديكتاتورية والفتات من حصة البروليتاريا عند الماركسية والشعب عند الإسلام .. ويضيف الحجي عبر مقاله : وعندما يتم أداء البروليتاريا لهذا الدور التاريخى ـ تصبح البروليتاريا هى الطبقة (الوحيدة) فى الوجود، فتنتهى ديكتاتورية البروليتاريا، لأنه لن توجد ـ عندئذ ـ طبقات تمارس البروليتاريا ـ مع انحلال جهاز الدولة ونظم القوانين بأكملها ـ من تلقاء نفسها، ويصبح البشر (الباقون!) فى طور الشيوعية العليا. هذه باختصار فكرة (ديكتاتورية البروليتاريا) وأهم مبررات وجودها ومهامها، فضلا عن مصيرها ..
هذا ما جاء في متن النظرية الماركسية وفي التطبيق العملي ولم يلمس ويرى العالم سوى ديكتاتورية رهيبة وبالأخص في العهد الستاليني ودفع الألاف من البشر حياتهم على مذبح الثورة الشيوعية ولكن دون أن تتحقق تلك ( المشاعية الفردوسية ) بل بروز طبقة من الحكام والنقابيين في بيروقراطية بغيضة وتمييزهم كطبقة حاكمة ثرية فوق العمال الكادحين الثوريين ... وأفضلهم لم يصل إلى نصف حقوق عمال الدول الرأسمالية في أوروبا والولايات المتحدة من ضمان اجتماعي وصحي وميزات يحسد عليها وأهمها الحرية .. وهذا ما يخلص إليه السيد طارق حجي أيضاً : والخلاصة أن البروليتاريا التى كان « ماركس » يعنيها فى القرن الماضى طبقة لا يعرفها عصرنا فى الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة، لأن الصناعة المتقدمة فى تلك البلدان تسير فى طريق صناعة بلا عمال وإنما موظفين منظمين يقومون بعمل تنظيمى ـ ذهنى فى أغلبه ـ أبعد ما يكون عن العمل اليدوى الذى اتسمت به بروليتارية ماركس.
ولاشك أن زيارة واحدة لأى مصنع فى البلدان الرأسمالية الكبرى المعاصرة، تثبت حقيقة زعمنا بأن تلك البلدان تعرف موظفين فقط ـ لا يروليتاريا ـ يعملون فى ظروف عمل لا علاقة لها بتلك التى كان عمال القرن التاسع عشر يعملون فيها، وفى إطار من الضمانات والتأمينات والحقوق، لا يحظى بها عامل واحد فى البلدان الصناعية الاشتراكية... وأخلص من ان الماركسية كفكر هو راقٍ في معانيه ومقاصده وقابل للتطور مثله مثل أي فكر غني بماديته العقلانية وبعده عن الحسابات الروحانية العاطفية وفق تخيلات جاهلة تقود إلى عالم من الخرافات تؤدي بالنتيجة إلى تخلف الدول والمجتمعات الغارقة في ألحلم الواحد المتكرر .. وأجزم من ان الماركسية بفكرها المادي وجدلها العلمي يمكن أن تتجاوز تلك الديكتاتورية للوصول إلى الهدف ذو الأبعاد الإنسانية والمساواة والإشتراكية عن طريق نشر الوعي الثقافي المادي العلماني وبطرق السلام والإقناع وليس بطريق العنف والإذلال والإلزام بالمعتقد وليس فهمه والإيمان به كثقافة وليس كتعميم رسمي واجب النفاذ ...وأورد ما جاء في مقال السيد ابراهيم علاء الدين حول تقاعس الفكر الماركسي عن حركته الديناميكية للغوص عبر الثقافة العربية والإسلامية والتأثير عليها بقوله : ولم يتمكن الشيوعيين العرب خلال قرن من الزمان ان يضيفوا ولو حرفا واحدا يمكن الفكر الماركسي من محاكاة الواقع في بلاد العرب، او يتمكنوا من تفسير الواقع العربي وفق المنهج الجدلي الماركسي ، وبدلا من استخدام المنهج الجدلي في فهم الواقع المحلي ووضع التصورات والحلول بما يتناسب مع هذا الواقع، كانوا حفظة نصوص حاولوا تفصيل الواقع المحلي في البلاد العربية على أساس النصوص الماركسية دون إدراك خصوصية المجتمع العربي. وباعتقادي ان من حق أي كان ان يؤمن بأي فكر كان، ومن حق أي كان ان ينقد او ينقض أي فكر كان، وذلك لان الأفكار تنعكس على الواقع، فتؤثر بحياة الناس، فمن حق الناس الذين تتأثر حياتهم بالأفكار ان يتخذوا موقفا منها سواء معها او ضدها.