المرأة الفنزويلية والمرحلة الثالثة من الثورة الاشتراكية


فنزويلا الاشتراكية
2009 / 4 / 18 - 10:04     

كثر هم الأفراد والجماعات السياسية والاجتماعية وسواها ممن يقولون بتحرير "الشعب" وعدم التمييز بين الرجل والمرأة في مسائل النضال الاجتماعي بحجة أن تقديم نضال المرأة للوصول لحقوقها يعني استمرار التمييز على أساس جنسي، وبالتالي يكون مقدمةً للخروج من حفرة للوقوع في أخرى. ويهدفون انطلاقاً من منهجهم سابق الذكر في تحليل الواقع الاجتماعي إلى أن النضال الثوري-وتحديداً الاشتراكي-عليه أن يكون لتحرير الشعب بكل فئاته وبغض النظر عن الجنس.

"قلتها سابقاً وسأقولها مجدداً. دون التحرير الحقيقي للنساء، فإن تحرير الشعب سيكون مستحيلاً، وأنا مقتنع بأن الاشتراكي الحقيقي عليه أن يكون مناصراً حقيقياً لقضايا المرأة..لن يكون هنالك ثورة اشتراكية بدون الإعصار النسوي." هذا ما قاله الرئيس تشافيز في مسرح تيريزا كارينو في العاصمة الفنزويلية كاركاس احتفالاً باليوم العالمي للمرأة وبدورها في الثورة البوليفارية.

فنحن لا يمكننا أن نتصور ثورة طبقية تتقدم فيها طبقة ما لتسييد نفسها في المجتمع وهي نصف معطلة. في الثورة البرجوازية تندفع الطبقة البرجوازية لتخوض نضالاً وتصبح هي الطبقة السائدة مستعينة بكافة الوسائل لتحقيق تلك المهمة ومستندةً إلى أساس مادي احتوى في داخله تطوراً في علاقات الإنتاج بات يستدعي وجودها. فهي بحاجة لأساس مادي ولقدرة تمكنها من إدارة أدوات تدمر الدولة القديمة وتقيم النظام الجديد، فلو تأخر أحد الشرطين الأساسيين عن الآخر فلا تقوم الثورة أو أنها تقيد وقد تسحق إذ لا يكفي أن تكون الظروف الموضوعية قد باتت جاهزة لإحداث الانقلاب الجذري بل لابد من توافر الظروف الذاتية لاستكمال القدرة على تحقيق ذلك الانقلاب، والذي إن تطلب "تحرير" المرأة البرجوازية فإنه يقيد غالبية النساء في المجتمع بحرية استثمارهن.

ولن نخوض هنا في الظروف الموضوعية والذاتية المشروطة لقيام الثورة البرجوازية أو أي ثورة أخرى، بل نريد أن نفهم جزءاً من تلك الشروط بما يخص الثورة الاشتراكية. ففي فنزويلا، في الثورة البوليفارية، تمكنت الطبقات المضطهَدة من تحقيق مكاسب عديدة ومع كل تقدم حققته الثورة على صعيد ما كان هنالك تقدم اجتماعي ما. وعلى سبيل المثال، فلقد تمكنت فنزويلا من التحرر من الأمية وإقامة نظام تعليمي واسع والآن يتم التركيز على تأمين التعليم العالي لأكبر قدر من المواطنين وبالذات الفقراء منهم ليبلغوا المعرفة التي تمكنهم من تولي مهام كانت سابقاً من الصعب جداً التفكير حتى بالاقتراب منها مما سمح للثورة بالتقدم أكثر فأكثر فكان التطوير الاجتماعي أساسياً لتحقيق أي خطوات في الثورة الاشتراكية التي تعتمد أساساً مادياً نضجت شروط له في السابق وتستمر بالنضوج مع التقدم إضافة إلى شروط ذاتية موجودة في قلب الطبقات والفئات المستغَلة وجِدت فأطلقت الثورة منذ أحداث الكاركاسو وكانت ناضجة بما يكفي لإيصال الثورة إلى الرئاسة ومن ثم الدفاع عنها وهي تتطور بتراكم خبراتها وقدراتها التي لابد وأن تكون أكثر تقدماً ومواكبةً للأحداث مع المرحلة الثالثة من الثورة البوليفارية، مرحلة الانتقال الناجح نحو الاشتراكية، فهي تتطلب الطاقات القصوى من الفئات المستغلة التي تسعى للخلاص من القمع الاقتصادي وهذه الفئات لا يكفي أن تقدم طاقات ذكورها فحسب، لأن هذه الطاقات غير كافية، بل لابد من تفجير قدرات الإنسان المقموع سواءً كان ذكراً أم أنثى لتصبح قوة مادية كافية لصد هجمات الثورة المضادة ولبناء المجتمع الجديد، يقول كارل ماركس: "البرجوازية لم تصنع فقط الأسلحة التي سوف تقتلها، بل أخرجت أيضاً الأفراد الذين سيستعملون هذه الأسلحة"، فالنتاج الجديد، القوة الثورية الجديدة هي "الأفراد الجدد" هم السلاح الأساسي في الثورة القادمة وليس كما كانت الثورات السابقة، وبهذا تتميز عن الثورة البرجوازية التي تعتمد وسائلاً على رأسها توجيه الفئات المستغلة بغية تحقيق أهدافها إلا أنها لا تكون الأداة الوحيدة ولا يطلب منها أن تعي ذاتها بل على العكس تماماً من ذلك تسعى البرجوازية لتغييب الوعي الطبقي وتحويل المضطهدين إلى حشود لا تدرك حقيقة مطالبها أو موقعها الطبقي-فهم ليسوا السلاح الأساسي ولا يجب أن يكونوا في حينها-وهو نقيض ما تحتاجه الثورة الاشتراكية التي تمتلك أداة واحدة وهي وعي المضطهدين الذي يحرر قدراتهم الخلاقة.

فإن كانت المرأة مقيدة بالقوانين أو بما هو أشد خطورة كالأعراف والتقاليد فكيف ستخرج للواقع الموضوعي قدراتها الضرورية والملزمة للثورة، والأسوء من ذلك أنه إن كانت المرأة متراجعة عن الرجل بموقعها الاجتماعي فإن خللاً عظيماً سيسود قلب الثورة بانقسامها إلى جزأين متصارعين داخلياً مما يعني بالضرورة لا فقط عجز الثورة عن تقديم أفضل ما لديها لتستمر وكي لا تموت بنضالها لبناء الاشتراكية بل يعني أيضاً أن الثورة لن تنجح بسعيها أو بالبدء بذلك السعي لبناء المجتمع غير الطبقي إذ أن الصراع الطبقي في المجتمع ينعكس اضطهاداً للمرأة، لذا اقتبس الرئيس تشافيز من نص لفريدريك أنجلس في القرن التاسع عشر يقول فيه: " إن أول قمع طبقي قد تزامن مع أول قمع ذكوري للجنس النسوي."

والنضال نصرةً لقضايا المرأة ليس بجديد على الثورة البوليفارية، ولكنه كان يحاكي تلك النضالات الموجودة في المجتمع البرجوازي والتي تقوم على أساس سن القوانين والتي يختلف مقدار تطبيقها باختلاف تقدم المجتمع. ولكنه ومع دخول الثورة في مرحلة جديدة دخل النضال النسوي كذلك في مرحلة جديدة، فانتقلت وزارة المرأة التي أقيمت في العام الماضي تطوراً عن المعهد الوطني للمرأة إلى وزارة كاملة لها ميزانيتها الخاصة وأصبح اسمها "وزارة المرأة والمساواة الجنسية" إذ بحسب الرئيس تشافيز فإن المرأة والمساواة الجنسية هما "مسألتان متميزتان ومكملتان لبعضهما البعض".

ومن جانبها أشادت وزيرة السلطة الشعبية للمرأة والمساواة الجنسية ماريا ليون بالانجازات التي تم تحقيقها لصالح حقوق المرأة منذ تولي الرئيس تشافيز لمنصبه الرئاسي في العام 1999 ومنها حق المرأة بحياة بلا عنف، وتأسيس بنك للنساء ودعم مشاريع تقودها نساء بالإضافة لقانون انتخابي يزيد التمثيل النسوي لما يقارب 40% في الدولة والجمعيات(المجالس) التشريعية.

كما أن واقعاً عملياً على الأرض سيخلق قريباً من طرف الوزارة الجديدة، فلجنة جديدة مختصة بقضايا المرأة والمساواة الجنسية سيتم تشكيها-بحسب الوزيرة ليون-من ناشطين في مجال حقوق المرأة للدفاع عن قضاياها بالسعي لتطبيق القوانين الموجودة أصلاً وتمرير عدد من القوانين الجديدة بالإضافة إلى توسيع البرامج التعليمية من أجل تقديم تعليم جنسي للشباب وتعميق الوعي بقضايا المساواة الجنسية لدى عامة الجماهير. وستتألف اللجنة من الوزيرات في الحكومة البوليفارية وممثلين منتخبين ومحامين وأطباء وممرضات وعمال من المهمات الاجتماعية.

ولم يتوقف الرئيس تشافيز عند هذا الحد، فهو على دراية بأن سن القوانين ومتابعتها لا يكفي لتحقيق المطلوب، ولا يكفي لتقديم أفضل مالدى "الفنزويليات الثوريات الاشتراكيات" فهو يعلم بأن الدولة تعيبها البيروقراطية دوماً والوقوف بأيدٍ مكتوفة سيعني العجز عن الوصول للمراد في هذا المجال الأساسي بالنسبة للثورة الاشتراكية في البلاد، لذا قال الرئيس تشافيز مخاطباً النساء الفنزويليات: " علينا أن نوجد الكومونات. وإن كان هنالك من يعرف شيئاً عن الخلق فإنهن النسوة..لهذا أقترح أن تستلم النساء القيادة، لا تنتظرن البيروقراطية أو تشافيز. أوجدن الكومونات الاشتراكية."

وبما أن قضية المساواة الجنسية هي مسألة يجب تمييزها ولا يمكن فصلها عن باقي قضايا النضال الثوري في المجتمع وبما أنها تعيقها وتوقف تقدمها ذات الأيدي التي تعيق المجتمع في المجالات كافة، فكان لا بد من ربط تقدمها المستقبلي بالتغيير الثوري الجذري لكافة هيئات المجتمع، فعلاقات الإنتاج القائمة حالياً في فنزويلا داخل القطاع الإنتاجي الحكومي وإن كانت قد حققت تقدماً على الصعيدين الإنتاجي والإنساني ودفعت التطوير الاجتماعي نحو الأمام فإنها ومع ذلك ستكون عاجزة عن الاستمرار بعملية التغيير الثوري إن ظلت على حالها، فإن تقدمنا خطوتان اليوم وبقينا في مكاننا مستقبلاً فهذا يعني بالضرورة أن أعداء الثورة لن يلحقوا بركبنا فحسب بل سيتجاوزوننا، ومن أجل المحافظة على التقدم القائم حالياً لصالح الثورة أمام البرجوازية لا يكفي أن تحمى الثورة فحسب بل لا بد من المحافظة على ديمومتها واستمراريتها بخلق الجديد والتقدم نحو الأمام، وبناء الكومونات في هذه المرحلة يعتبر التحدي الأهم على الأصعدة كافة وهنا يهمنا منها قضية المساواة الجنسية فهذا التغيير الثوري بقدر ما سيساعد على المضي قدماً نحو المجتمع الاشتراكي فإنه سيقدم أساساً مادياً لتبدل عدد من المفاهيم السابقة والإرث الاجتماعي العتيق الذي بدأ بالتحطم مع التقدم نحو الشكل الجديد لملكية وسائل الإنتاج وسيستمر كذلك خلال النضال الاشتراكي وسيكون مؤشراً نكتشف من خلاله مدى التقدم الذي أحرز في سبيل التخلص من الطبقات والنظام القديم.

اليوم في فنزويلا، تقود عملية بناء الدولة الاشتراكية الجديدة، دولة الكومونات، وزارة ترأسها امرأة ثورية، تقلدها لمنصبها جاء ليعبر عن أن الثورة أحرزت تقدماً بما يكفي لا لأن تكون نساء في مناصب قيادية حساسة في الدولة فحسب بل أيضاً لتشرن للعالم بأن مهام البناء الجديدة ستشرف عليها نسوة اشتراكيات ثوريات، ولن يكن كما كن في الكثير من اشتراكيات القرن الماضي كمجرد أوجه لتزيين بعض المقاعد التي تحددها البيروقراطيات لإيهام الشعوب بل ستتولين عملية التغيير التاريخي والتقدم الثوري الحقيقي نحو المجتمع الاشتراكي المتحرر من أباطرة القهر والاستعباد الذكوري، ولهذا كان مطلب الرئيس تشافيز بضرورة تقديم كل الدعم لوزيرة السلطة الشعبية للكومونات إيريكا فارياس لتمضي بنجاح بمهمتها لبناء الكومونات. فهذه المهمة بما تحمله من أهمية في سبيل تحرير المرأة فإنها بالإضافة لذلك تقرر مصير الثورة، فهي ستحدد مدى التقدم بإلغاء القمع الذكوري الذي يتم تحقيقه والذي يكشف تراجع القمع الطبقي في المجتمع، هذا القمع الذي لن يستمر بتراجعه طويلاً ما لم تستكمل المرحلة الثالثة التي ستشهد بناء الاشتراكية من القواعد والتي تشكل الكومونات أساسها.

فالمرأة وتحريرها وموقعها في التغيير الراديكالي بالدور الذي تلعبه يمثل جوهراً أساسياً في ثورة اشتراكية القرن الواحد والعشرين التي تدخل التحدي الأهم الذي سيكشف الكثير والذي يتطلب الكثير الكثير من الثوريين عموماً ومن النساء البوليفاريات خصوصاً، فيقول قائد الثورة الاشتراكية: "النساء الفنزويليات سيكن مثالاً للوعي الاجتماعي في كل يوم، وفي كل يوم ستكبر حركة النساء البوليفاريات."