روزا لكسمبورج... إطلالة على فكرها

محمد علوش
2019 / 1 / 16 - 22:30     

تشكل المفكرة الاشتراكية اليسارية روزا لكسمبورج المولودة في بولندا والألمانية الجنسية والتي حققت الكثير من الانجازات والطروحات على مستوى الفكر الماركسيّ وكانت رأس حربة في الدفاع عنه في وجه التحريفيين، حيث خاضت معارك فكرية ونقاشية شرسة وصاخبة مع من كانوا يعتبروا عتاولة وعمالقة في الفكر الاشتراكيّ في ذلك الزمن قبل نحو قرن ونيف، وتشكل روزا حالة خاصة وفريدة لها ما يميزها على مستوى الفكر والدفاع عن ما تؤمن به، فظلت وفية لماركسيتها إلى أن قتلت نتيجة إصرارها على خوض هذا الميدان رغم إدراكها متاعب ومشاق الخوض فيه في زمن التجارة بالقيم وابتذالها من قبل البعض ممن ارتدوا وضاقت آفاقهم، ماتت روزا ولكن فكرها لم يمت فها نحن وبعد زهاء أكثر من قرن على رحيلها المفجع ما زلنا نتذكرها ونعود إلى كتاباتها والى فكرها ومذكراتها التي حفظتها الذاكرة لتكون دليلا لليساريين والتقدميين والمثقفين الثوريين الذين يخوضون معركة الجدارة الفكرية والأيديولوجية رغم ادعاءات البعض بموت الأيديولوجيا.



تكتسب الماركسية وموضوعاتها وقضاياها أهمية خاصة في وعي روزا وفي محور تفكيرها وقد أغنت هذا الفكر بالكثير من الدراسات الجادة والهادفة والمميزة وخلقت تحولا بارزا في مسار هذا الفكر في ذروة صدامها مع بعض المفكرين الاشتراكيين ومع البلاشفة وفي صراعها مع برنشتاين ونزعته التحريفية ومع لينين وتروتسكي على الكثير من النقاط في الفكر وممارسة الفكر وقيادة الحزب و الدولة الاشتراكية وفق منهج جدلي يقوم على نظرية ماركس وانجلز على أساس البيان الشيوعي وغيره، وقد أكد بعض المؤرخين حدية الصراع بينها وبين فلاديمير لينين حول عدة قضايا فكرية حول الحزب وطبيعة التنظيم الثوري ومن جملتها أيضا موقفها من حالة الانقسام بين البلاشفة والمناشفة وموقفها من الأممية الثانية والمجموعات الاشتراكية الديمقراطية التي تشارك فيها حيث مثلت روزا الحزب الاشتراكي الديمقراطي في بولندا ولثوانيا في الأممية وموقفها من العسكرتاريا والعنف المستخدم للحسم من قبل البعض حيث تمسكت بمواقفها ومبدئيتها في أحلك الظروف والمحطات التي شهدت لها بصوابية رؤيتها ولكن بعد فوات الأوان، وبعد سنوات وسنوات طويلة من رحيلها أثر تعرضها للاغتيال السياسي والقتل من قبل الحكومة الألمانية التي لم يرق لها مضيّ روزا في حديتها وحديّة مواقفها الفكرية والسياسية الثورية المستندة إلى تعاليم ماركس غير المشوهة أو المحّرفة وفق توصيفاتها لهذا الفكر.



تستحق روزا لقب المفكرة فقد كانت بامتياز جديرة بهذا اللّقب بما قدمته للثقافة الإنسانية والأممية من فكر قابل للحّياة ومتجّدد من مرحلة إلى مرحلة، رائدة متجّذرة في ميدان الاشتراكية رغم أنها (عاشت في عصر يفصله عن زماننا الحاضر مسافات بعيدة، ليس تاريخيا فقط، بل من حيث المفاهيم أيضا ) ورغم كل ما تعرضت له من محاربة وتشويه وتعتيم بسبب رفضها للغة الدارجة المستهلكة ولمفهوم ( القيادة أعلم.. والنخبة أدرى ) متمسكة بماركسيتها في أحلك الظروف والمحطات إلى أن قتلت غيلة عام 1919 أثناء نقلها إلى السجن بعد إلقاء القبض عليها خلال إحدى المسيرات الجماهيرية المؤيدة للثورة وقد عثر على جثمانها في برلين بعد اسبوعين من قتلها.



عند زيارتي الاستكشافية إلى برلين وغيرها من الولايات والمدن الألمانية، أول ما تذكرت روزا لكسمبورج فسارعت إلى السؤال عن مكان مرقدها فذهبنا إلى تلك المقبرة الواسعة والشامخة التي تضم رفات وجثامين ابرز واهم الاشتراكيين واليساريين وقد أرشدنا دليلنا من رفاقنا في حزب اليسار الألماني إلى ضريح روزا، وضعت على قبرها وردتين ومضيت في فضاءات البوح والغناء مستذكرا هذه المرأة المبدعة بما لها من إسهامات مهمة وغنية في حقل الفلسفة والإبداع الإنساني الجميل وكمنظرة ماركسية جدية ومفعمة بالتحدي والإصرار على الحقيقة كما هي دون قيود ودون رتوش.



ومضيت في برلين وشوارعها والثلج يملأ الأمكنة، ولكن مع شعور عارم بالدفء، كان لنا لقاء في المؤسسة العملاقة التي تحمل اسمها فاستقبلنا استقبالا رائعا من قبل القيمين على مؤسسة التثقيف السياسي ( مؤسسة روزا لكسمبورج ) ومن قبل عدد من قيادة الحزب الذين زادوا ألقا بحديثهم لنا عن روزا ومسيرتها القصيرة نسبيا ولكن الغنية والمتجددة دائما، لتظل خالدة بما كتبت وبما عملت وبما حققت من إنجازات لا بد من أن تقيّم وان ترعى وان تحتضن وان تنتقل إلى الأجيال جيلا بعد جيل.