الدرس الاول في التربية الشيوعية


حسب الله يحيى
2009 / 3 / 31 - 09:44     

دائماً..هناك بذرة بكر تتنفس الارض من خلالها،مثلما..هناك كلمة تصبح،كما الوشم دائم الحضور في العقل والقلب والاحساس..
تبقى هذه الكلمة..كما النجمة الاولى في سماء متسعة،مخترقة الظلام،متجاوزة مساحة العتمة والسكون والغربة والابعاد..
هذه البذرة/الكلمة..كانت أشبة بالومضة التي يستحيل على المرء نسيانها في وقت كان يستحيل على المرء سماعها،أو قبول الآخر بها،ومن ثم البوح من خلالها.
الكلمة عادية..عادية جداً في التداول اليومي الاستهلاكي،إلا أنها جاءت كبيرة المعاني،شديدة التأثير.
والمشهد كما جرى..إن أخي البكر الشهيد: وعد الله يحيى النجار قالها بطريقة الخشوع والرغبة الملحة الصادقة في القبول بها..وما كانت بي حاجة الى سماعها..فقد ذابت الاسباب،وما كنت في حالة حقد ولا نقمة ولا غضب ولا حاجة الى سماعها..ذلك أنني لست ممن يتوسل ندم الآخرين والقبول بأخطائهم حال سماعي إعتذاراتهم..لكنني حين سمعتها من أخي..كانت قد تشكلت عندي غابات من المحبة،وسماوات من الألحان العذبة.
كان ثمة سوء فهم،تلقيت بسببه سخط أخي وتوجيهه وتوبيخه وضربة موجعة على الخد..ما كنت أتوقعها ممكن أكن له إحتراماً وحباً أبلغ من البلاغة..لكنها صدرت من أخي الذي أباهي نفسي به.
وخجلت حتى من صمتي..واخترت زاوية أوضح فيها لأخي عجالته في غضبه وإستيائه مني..
كتبت له حقيقة ماجرى،وجعلت الصورة أمامه جلية صادقة،بحيث لايمكن له إنكار صدقي في روايتها..وتركت (ورقة الايضاح) في مكان بارز قرب سريره..
وعد الله..قرأ الورقة..وأحسست أنه قرأها أكثر من مرة،وجاءني مقبلاً ومعتذراً محتضناً.. قائلاً (المعذرة) أخطأت،سامحني..
ولم أجد من سبيل مداراة خجله مني،وخجلي منه سوى إحتضانه،كما لو أنه كل أنفاسي،كما له كل قطرة حبة في دمي.
هذه الومضة التي توجه بها إليّ أخي وعد الله النجار الذي كان يتجاوزني عمراً وتجربة ووعياً ومسؤولية وموقفاً وأنا الصبي المرهف تارة،والكاتم لغضبه تارة أخرى..فيما هو الرجل / المعلم والحكيم في العائلة..كان يعني الشيء الكثير.
هذا إذن طبع كل شيوعي آثر أن يكون أمام الحقيقة وهي في كامل وضوحها،وهذا هو المبدأ المضيء الذي يحمله هذا الرجل ويفتدي حياته من أجله..وهذا هو العقل الحي الذي لايعاند نفسه،ويكابر روحه عن سوء فهم.
وعد الله..الشيوعي الذي أشاع كل قيم الفضيلة في العائلة.يعتذر لأخيه الذي يصغره بمسافة طويلة من السنوات.
أوضح قائلاً:
لم لا..حين نخطيء لابد أن نعتذر،وحين نعرف حقيقة الامور..يحسن بنا إصلاح العثرات حتى لانقع فيها مرة أخرى.
كانت شيخوخة أبي تتأمل،وأمي بالكاد تسمع وقد لاتفهم تلك الكلمات ولكنها تحس بوجودها على نحو ما..وكانت جميع أخواتي يجتمعن على إحترام نور العقل الذي يحمله أخي،وكيف عالجت سوء الفهم معه بحيث أوضحت له الامر.
منذ ذاك الحدث العائلي،وأنا ممتن لذلك الدرس الذي تعلمته من أخي الشهيد الذي تحول عندي الى نخلة باسقة وشمساً أزلية وجبلاً من الرسوخ..حتى وجدت نفسي أنحني إجلالاً لنخلة تساقط رطباً،وشمساً تملأ الكون ضياء،وجبلاً تترسخ في قمته المباديء والقيم والمواقف الراسخة التي ترفض ان تذوب وتتلاشى.
تلك الحالة..جعلتني ادرك مع أبي وكل أفراد عائلتي أن هذا الشيوعي الأصيل الذي هو أخي..ليس إنساناً عادياً يمر على الاشياء والعالم مروراً عابراً..وإنما يرى الاشياء والعالم من خلال رؤى أكثر عمقاً ودلالة ووعياً.
وبتنا ندرك جيداً ان هذا النموذج الأحسن من الحسن الذي يحمله أخي في أعماقه كبير ومهم وجدير بأن يتحول الى جذر راسخ في نفوسنا وعقولنا..بحيث نتبين من خلاله قيم كل الشيوعيين الذين نعرفهم عبر صداقات أخي وعبر من لانعرفهم ألا من خلال سلوك صميمي يجسد صورته أخي.
كان الذي جرى بسيطاً..كما قد يتصوره البعض،فيما كان يصنع إرادته في أعماقنا حتى أصبحت كل قيم العقل والفضيلة والنزاهة والاخلاق الحميدة..صورة مكبرة لابد أن نحترمها من خلال هذا الشيوعي الأثير الذي هو أخي..أخي وبحرارة أحسد عليها وأنا فخور بها.
وعبر اليوبيل الماسي للشيوعيين العراقيين..تنفع الذكرى..والذكرى تبوح وتشع وتملأ الكون الذي يؤمن بأنسانيته كل شيوعي نبيل.