تفاقم ازمة النظام الراسمالي


فهمي الكتوت
2009 / 3 / 29 - 09:23     

الأردن _ في تقريره حول الأزمة المالية والاقتصادية طرح صندوق النقد الدولي صورة قاتمة لحالة الاقتصاد العالمي, عشية انعقاد مؤتمر قمة العشرين، مؤكدا ان الاقتصاد العالمي وعلى رأسه اقتصاديات الدول السبع الأغنى يسير نحو الانكماش لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ، فالأزمة المالية والاقتصادية آخذة بالاتساع والعمق وجميع مظاهرها تشير ان ما يشهده العالم اليوم تجاوز توقعات منظري الاقتصاد الرأسمالي, فالمتغيرات الواسعة التي شهدها النظام الرأسمالي في ظل ثورة المعلومات والعولمة الرأسمالية، ونجاح رأس المال بالتكيف مع بعض المستجدات، لم تفلح في إنقاذ الاقتصاد الرأسمالي من الأزمات العميقة، كما ان مختلف التدابير والإجراءات التي أقدمت عليها البلدان الرأسمالية لن تفلح في إخراج النظام الرأسمالي من أزمته، ومن المتوقع ان تنفجر اضطرابات اجتماعية سيكون لها اكبر الأثر على مستقبل النظام الاقتصادي العالمي، وقد شهدت عواصم أوروبية وأسيوية مسيرات ومظاهرات احتجاجا على السياسات التي تتبعها حكوماتهم في مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية مرددين شعارات "لن ندفع ثمن أزمتكم". انفجار الأزمة بهذا العمق والاتساع بدد الأوهام وخلق حالة من الرعب والانبهار, وفقدان الأمل بالخروج من الأزمة بلا خسائر فادحة, بفضل الأزمة الكامنة والملازمة للنظام الرأسمالي والتي سوف ترافقه بشكل دوري رغم المحاولات اليائسة لإيجاد علاج.
معدلات نمو الاقتصاد العالمي تشهد تقهقرا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية, فالناتج الصناعي العالمي سوف يتراجع في منتصف العام الحالي إلى 15 بالمئة قياسا للعام الماضي, ومجموعة دول اليورو بمعدل 34 بالمائة اما التجارة العالمية فهي تسجل هذا العام اكبر تراجع خلال 80 عاما, كما هوت الطاقة الإنتاجية للمصانع الأمريكية خلال الشهر الماضي إلى 67.4% كأدنى مستوى لها منذ الحرب العالمية الثانية, وكشف مجلس الاحتياط الاتحاد الأمريكي (البنك المركزي) ان الناتج الصناعي للولايات المتحدة تراجع للشهر الرابع على التوالي في شباط الماضي, حيث انخفض بنسبة 11% عن الشهر نفسه من العام الماضي ما يشير الى عدم الاستجابة الى خطط الإنقاذ الحكومية, مئات المصانع تغلق ابوابها, والعديد من المؤسسات المالية اختفت عن الوجود, وملايين العمال ينضمون الى جيش العاطلين عن العمل, سيفقد العالم 51 مليون وظيفة بحلول نهاية العام الحالي, الخراب والدمار لحق بالفقراء, عائلات أمريكية تقيم في المخيمات والشاحنات ودور الرعاية بعد ان فقدت مساكنها لعدم مقدرتها على الوفاء المالي للبنوك.
بعد شراء الدولة مؤسسات القطاع الخاص المتعثرة تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية الى خرق اتفاقيات التجارة الحرة بإصدار قوانين حمائية, لمواجهة الأزمة, فلم يعد هناك قداسة لمبادئ الليبرالية الجديدة والعولمة الرأسمالية, التي فرضتها على الدول الفقيرة بالقوة مستخدمة نفوذها في المؤسسات الدولية, وكان أخر إجراء بهذا الاتجاه إلغاء اتفاقية تسمح بموجبها للشاحنات المكسيكية استخدام الطرق الأمريكية, الأمر الذي دفع المكسيك الى فرض رسوم على بعض وارداتها من الولايات المتحدة الأمريكية.
ويجري المراهنة على مؤتمر العشرين الذي سينعقد في بداية نيسان المقبل لمواجهة الأزمة, مع الاعتقاد ان المؤتمر لم يخرج بإجراءات خارقة تسهم بمعالجة القضايا الجوهرية, فرغم بيان وزراء مالية الدول أعضاء مجموعة العشرين الذي تعهد بمواصلة الجهود لإخراج الاقتصاد من فترة الكساد. الا ان التقديرات الأولية تشير ان الاتفاق على قضايا عامة لا يخفي الخلافات القائمة بين أميركا والدول الأوروبية والأسيوية ، فالولايات المتحدة الأميركية تطالب بضخ المزيد من الأموال لمواجهة الأزمة، بينما تطالب الدول الصناعية بإصلاحات في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية ، وجاء قرار اللجنة الاقتصادية المشكلة من الأمم المتحدة المطالبة بوضع نظام جديد للاحتياطيات الدولية بدلا من الدولار الأميركي المترنح ليفجر خلافا جوهريا . اما الخاسر الأكبر من الأزمة فقراء العالم, تقول نجوزي اوكونجو المدير المنتدب للبنك الدولي: " حين بدأت الأزمة كان الناس في البلدان النامية لا سيما في إفريقيا هم المارة الأبرياء.. ومع ذلك فليس أمامهم اي خيار الا ان يتحملوا عواقبها الشديدة " وتطالب الأمم المتحدة بتريليون دولار لدعم الدول النامية، والسؤال هل يستجيب مؤتمر العشرين لهذا الطلب..؟ وهل يخرج المؤتمر بقرارات تزيل شبح الأزمة..؟ على أهمية الإصلاحات المطروحة بما فيها استبدال الدولار كاحتياط عالمي، لم يخرج النظام الحالي من أزمته إلا بإيجاد أنماط اقتصادية جديدة تنهي أزمة فيض الإنتاج وانخفاض الطلب الناجم عن التوزيع غير العادل للثروة بين أفراد المجتمع الواحد من جهة، وبين الدول الفقيرة والغنية من جهة ثانية.

البلدان العربية ليست استثناء عدد منها مرشح بوقوع الاضطرابات, وان كانت خسارة دول مجلس التعاون الخليجي الأفدح, الا ان الأشد فقرا هي المهددة بالاضطرابات, فالبلدان العربية تعاني من الأزمة بشكل متفاوت بين دولة وأخرى وفق حجم استثماراتها ومدى ارتباطاتها بالأسواق العالمية, ويمكن رصد ابرز مظاهر الأزمة في البلدان العربية, عجز في الحسابات الجارية لدول مجلس التعاون الخليجي بحوالي 30 مليار دولار خلال العام الحالي 2009 بعد ان كان الفائض اربعمئة مليار دولار في العام الماضي, دولة الأمارات جمدت مشاريع بناء بـ 335 مليار دولار جراء الأزمة, تتعرض دبي لضغوط اقتصادية كبيرة, حيث شهدت الشركات الكبرى مجموعة من إجراءات الدمج وإعادة الهيكلة والاستغناء عن خدمات معظم عمالها من بينهم اردنيون, ومن المتوقع انكماش اقتصاد دبي الى دون الصفر
لم تنج دولة عربية من الازمة, جميع اسواق المال في البلدان العربية تعرضت للانهيار, جميع البورصات العربية فقدت ما لا يقل عن نصف موجوداتها منذ بداية العام الماضي, بورصة دبي فقدت 65 بالمئة خلال عام 2008 وسوف الأسهم السعودي 59.2 بالمئة وسوق القاهرة والاسكندرية 50.9 بالمئة وسوق ابو ظبي 44.6 بالمئة وسوق الكويت 40.3 بالمئة.
اما الاقتصاد الاردني ليس افضل حالا لكنه يعاني من مشاكل وصعوبات من نوع آخر, فمحدودية امكانياته قللت من تورطه بخسائر كبيرة جراء الازمة, فالاردن ليس دولة بترولية ليتأثر سلبا بانخفاض سعر النفط - العكس هو الصحيح - كما انه ليست لديه استثمارات ضخمة في الاسواق العالمية ومع ذلك فهو شديد التأثر بالازمة لعدم مقدرته على التكيف مع انخفاض الواردات وزيادة الاعباء, فالمعطيات الاولية تشير ان الاقتصاد الاردني بدأ يتأثر بشكل ملحوظ بالازمة, فقد تراجع قطاع الشركات المتعثرة, وجاء قرار الحكومة بشراء اراض من شركات عقارية, والطلب من الضمان الاجتماعي للاقدام على خطوات مشابهة ضمن هذا السياق, كما انخفضت ايرادات ضريبة المبيعات بنسبة 10% وايرادات رسوم الاراضي بنسبة 35% خلال الشهر الاول من العام الحالي, وشهدت حركة مناولة البضائع العامة في ميناء العقبة تراجعا بنسبة 18% خلال الشهرين الماضيين مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.
وتراجعت الحكومة عن خطتها التي وصفتها بتحفيز الاقتصاد بزيادة النفقات الرأسمالية حوالي 156 مليون دينار لعدم توفر الموارد المالية, ومن العناصر الايجابية للازمة تقليص عجز الميزان التجاري خلال شهر كانون الثاني الماضي بنسبة 33% بسبب انخفاض فاتورة النفط, وتراجع المستوردات, إضافة الى انخفاض سعر صرف العملات الأجنبية أمام الدولار, مع أهمية هذا العنصر الايجابي الا انه ترك اثارا سلبية تمثلت بتراجع إيرادات الخزينة من ضريبة المبيعات, الأمر الذي يكشف عن احد مظاهر التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني.
نحن امام معادلة صعبة, تخفيض نسبة التضخم يؤدي الى انخفاض إيرادات الخزينة, والسبب في ذلك المبالغة بسياسة الجباية الضريبية وربط معظم إيرادات الدولة بضريبة المبيعات. وعلى الصعيد الاجتماعي بدأ شبح البطالة يشكل تهديدا حقيقيا, فعشرات المؤسسات بدأت بفصل عمالها, ومصير الاف العمال الأردنيين في بعض الدول الخليجية أصبح مهددا بالفصل, وبعيدا عن التهويل هذه العبارة التي تستخدم بغير مكانها أحيانا لإظهار البعض ثقة غير مبررة بالوضع الاقتصادي ضمن قراءات ترى في الأزمة عنصرا ايجابيا،نحن أمام سياسات اقتصادية كارثية اذا ما استمر النهج الاقتصادي السائد, خاصة في ظروف الأزمة سنجد البلاد في وضع لا تحسد عليه اقتصاديا, ولاستكمال المشهد لا بد من إلقاء الضوء على أخر تقرير لوزارة المالية حول المديونية الصادر منذ أيام والمتضمن زيادة الدين العام بنسبة 2.8% (231) مليون دينار على الرغم من إنفاق ما تبقى من أموال التخاصية وقيمة أراضي ميناء العقبة لتنفيذ عملية شراء ديون دول نادي باريس والبالغ قيمتها 2369.2 مليون دولار (1682 مليون دينار، الأمر الذي يقتضي إعادة النظر بالسياسات المالية والاقتصادية القائمة على البذخ والترف ومنها مزايا الوزراء والنواب, والإنفاق الممول بالقروض - وفي ظروف الأزمة - وتعديل أبواب الإنفاق في الموازنة بما يخدم تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل في القطاعات الإنتاجية, لمواجهة الظروف الاستثنائية. وقد طرح التيار الوطني الديمقراطي برنامجا متكاملا لمواجهة الأزمة الاقتصادية ضمن دراسة شاملة للاقتصاد الأردني والسياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة.