لماذا العودة إلى لينين..؟*


عمار ديوب
2009 / 3 / 8 - 11:02     

قد يكون مثيراً للاستغراب أن نقول أنّه لا بد من العودة إلى لينين رداً على الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية، حيث أنّ لينين وُصمَ في العقدين السابقين بأنّه أبو الاستبداد العالمي. وقد انهالت بعض تيارات الفكر الليبرالي عليه بتأكيدها أن استبداد الأحزاب الإسلامية وقبلها القومية هو استنساخ من الاستبداد الشيوعي؛ الذي يعود بدوره إلى لينين. والبعض استرسل في الخيال دون خجلٍ فأعاد الاستبداد إلى ماركس ولا سيما عبر مقولته: ديكتاتورية البروليتارية، التي لم يشر إليها الرجل سوى بضع مرات في سياق الوصول إلى إنسانية الإنسان لا تبريراً للاستبداد.
قد تكون الكراهية للينين نابعة أيضاً من كون الرجل تجرأ وأسقط النظام الرأسمالي في روسيا، وفتح التاريخ البشري كي يلفظ الرأسمالية والاستغلال والفقر والظلم والاستعمار. وهذا السبب ربما يكون هو الذي أنتج موقف الليبراليين الأقحاح، أي الممثلين الفعليين للرأسمالية. وإذا كان اليساريون المتلبرلون قد حملوا انحراف التجربة نحو الشمولية وتخليها عن مصالح البروليتاريا إلى لينين، فقد أصبحوا في وقت لاحق ضد أي ملمح اشتراكي في العالم؛ ليلتحقوا بالممثلين الفعليين للرأسمالية في معركة جهادية مقدسة ضد لينين وضد كل من يلهج باسمه.
على كل حال، العودة إلى لينين ضرورة من أجل أن ينهض اليسار من مستنقعه ويتحمل مسؤولياته التاريخية في التغيير الثوري لعالم الرأسمالية الذي عاش أكثر من اللازم! فالأزمة الاقتصادية العالمية لم تعد أزمة مالية، ولا أزمة في الرأسمالية، بل هي أزمة الرأسمالية، ويشكل لينين كطريقة تفكير وممارسة عملية بالإضافة لسيرورة الحزب البلشفي، ربما التحدي الأكبر لهذه الرأسمالية ولأحزاب اليسار، حيث بالإمكان معه تصوّر عالم إنساني وعولمة مختلفة، وتحقيق المساواة والعدالة الفعلية لكافة أفراد البشرية، لا كما تمّ في النظام الرأسمالي بشكل صوري على أهميته.
سيسأل البعض، ما كل هذا اليقين والثقة بالتجربة اللينينيّة، فالتجربة الاشتراكية لا تشكل استقطاباً فعلياً لأحد، ولا تقترب الأحزاب الاشتراكية ولا المعترضين المتأثرين بالأزمة الحالية من هذا الخيار!
أقول أن اليقين المشار إليه متأتٍٍٍٍِِ من كون التاريخ لا بد أن يُقرأ، لا أن يكفّر أو يتهم، وقراءتنا له تفيد أنّ كل الحركات الشيوعية آنذاك، أي مع تحوّل الرأسمالية إلى إمبريالية، لم تكن قادرة على مواجهة الامبريالية، بل تكيّفت معها، وداست على كل الظلم الذي أحاق بالبشرية، سوى تجربة هذا الرجل الأصلع لينين، والتيارات الشيوعية المتأثرة به. وبالتالي هناك ضرورة لاستعادة فكرته المركزية، أن عالم آخر ممكن هي الأساس، في كل ما أدعو إليه. ولكن هذه الفكرة غير ممكنة التحقق ما دامت الرأسمالية مستمرّة، وما دامت القوى اليساريّة لا تتجاوز في أطروحاتها كون الأزمة الحالية أزمة في الرأسمالية لا أزمة الرأسمالية. وباعتبارها أزمة في الرأسمالية كما يشيرون، فإن الممكن الوحيد هو النضال من أجل إعادة تدخّل الدولة في الاقتصاد، وتوزيع عادل للثروة. وهو نفس ما تفعله الامبريالية العالمية كي تنقذ نفسها، ولكن دون توزيع الثروة أو تحميل المسؤولين عن الأزمة أعبائها، بل عبر سرقة أموال الضرائب المدفوعة من الطبقات الفقيرة والمدخرات التي أودعوها في البنوك من أعمالهم المضنية.
العودة للينين لا تعني إعادة تكرار ذات الفعل، وتفترض بالضرورة تجاوز أزمة الاشتراكية المحققة والمخفقة، نحو اشتراكية ديموقراطية بالفعل، وهي ليست على منوال الاشتراكية الديموقراطية في أوربا؛ التي لم تطرح مطلقاً تغيير الأساس المادي للنظام الرأسمالي أي نظام الملكية، رغم دفاعها الأكيد عن حقوق الطبقة العاملة في النظام الرأسمالي(على كل المستويات). وبالتالي الاشتراكية الممكنة لا بد أن تتمثّل في ذاتها كلّ منجزات الديموقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة وما تمّ في أوربا باستثناء المتعلق بحق الملكة الخاصة، وكذلك عدم إيجاد تفاضل للثورة على حساب الأفراد، ولا للسلطة على حساب المعارضة، ولا للديكتاتوريّة على حساب الديموقراطية.
استعادة لينين كرجل ثورة وكمفكر نظري، أي دراسته وبحثه والتفكّر في تاريخ الثورة الروسية وكذلك في بقيّة الثورات الاشتراكيّة، هي ضرورة لأن الرأسمالية إن لم يتم التخلص منها ستُدخل البشرية في أتون أزمات أكثر مما يُرى الآن، وستفعّل كل إمكانيّة نحو حرف الصراع الطبقي نحو صراعات طائفية أو قبليّة أو مذهبية، وستديم معركتها ضد الإرهاب بدون نهاية محتملة(التي هي بديل عن معركتها السابقة ضد الشيوعية).
أخيراً، نقول: هل يستطيع اليسار أو الناقمين الآن، أن يتحملوا قراءة لينين للتاريخ، وهل يستطيعون الاستمرار دون هذه القراءة؟ هذا ما يجب التفكير فيه جديّاً، دون استغراب أو سخريّة أو استهجان، فربما عندها سنترك لأذهاننا تلمّس طريق مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية دون لينين أو ماركس -أو كل مفكري الماركسية الثوريين- ولكن بعد قراءتهما الضرورية مجدّداً، وبعد وضع بعض الورود الحمراء بهدوءٍِ شديد على قبريهما.