دائما كي لا ننسى....وحدة الخط الأممي في موضوع الاهتمام


محمود أمين
2009 / 2 / 6 - 05:33     

"لا يمكن أن نتصور حزبا يستطيع تطبيق خط إيديولوجي وسياسي محدد مرتبط بقيام الثورة في بلده، وفي نفس الوقت يطبق خطا مغايرا فما يخص الحركة الشيوعية الأممية"

"إننا نعارض المتعنتين في صفوف الثورة، إذ أن تفكيرهم يعجز عن مجاراة تغيرات الظروف الموضوعية فأظهروا أنفسهم تاريخيا في صورة الانتهازية اليمينية، إن هؤلاء الناس لا يدركون أن صراع التناقضات قد دفع العملية الموضوعية إلى الأمام، فبقيت معرفتهم في مرحلتها القديمة، هذه هي الخاصية الملازمة لتفكير جميع المتعنتين وبما أن تفكيرهم ينفصل عن الممارسة العملية الاجتماعية فلا يمكنهم أن يتقدموا ليقودوا عجلة المجتمع وكل ما يمكنهم عمله هو أن يختلفوا وراء العجلة متذمرين من سرعتها الفائقة ومحاولين جرها إلى الوراء أو تحويلها في الاتجاه المعاكس" ماوتسي تونغ – في الممارسة العملية – (التشديد لنا)

منذ عهد ماركس و انجلس شهدت الحركة الثورية الأممية صراعات ضارية. ليس إلا عبر هذه الصراعات تقوت وصلب عودها، فمنذ أن أسسا عصبة الشيوعيين، خاضا معلمينا العظيمين صراعات حامية الوطيس ضد كل التيارات داخل وخارج الحركة العمالية، طبعا كل هذا كان وراءه هو تثبيت الجديد – الاشتراكية العلمية – وتطوير رؤيتهما على ضوء ممارستها العملية ونضالهما إلى جانب الطبقة العاملة وكان هدفهما المنشود هو توحيد كل المضطهدين وعلى رأسهم البروليتاريا في جميع أقطار العالم، وهذا ما جاء في نداءهم الخالد "يا عمال العالم اتحدوا" وقد انخرطا مكملا عمليهما العظيمين لينين وستالين في نفس الاتجاه أي تطوير النظرية الماركسية وبناء البوصلة التاريخية للمضطهدين – الحزب الثوري – وقد خاضا بدورهما صراعات طاحنة من أجل تثبيت النظرية الثورية، ضد كل الاتجاهات التي تتكلم باسم الطبقة العاملة، فقد طور الرفيق لينين النظرية الماركسية في معمعان الصراع ضد البرنشتاينين ودعاة حرية "النقد" وممثليهما في روسيا، ولا بد لكل مطلع على الوضع الأممي آنذاك سيلاحظ أن صراع البلاشفة الروس لم يكن من أجل محاربة الانتهازية في روسيا، وحسب. بقدر ما كان صراعهم ذا بعد أمعي يهدف إلى كشف وتعرية التحريفية العالمية التي استغلت وفاة انجلس لتشن حملة هوجاء ضد الماركسية، فالحركة الاشتراكية – الديمقراطية هي حركة أممية في جوهرها وذلك لا يعني أنه ينبغي علينا أن نناضل ضد الشوفينية في بلادنا، بل ذلك يعني أيضا أن الحركة المبتدئة في بلاد فتية لا يمكن أن تكون ناجحة إلا إذا استوعبت تجربة البلدان الأخرى (1) ولن ننسى الصراع العظيم الذي قاده الرفيق لينين ضد فرسان الأممية الثانية اشتراكيين – شوفينيين وكاوتسكيين، حين هب الكل إلى مساندة الحرب اللصوصية الأولى وقد لخص كاوتسكي كل أطروحاته الانتهازية في مقولة "يجب تعليق الصراع الطبقي حتى انتهاء الحرب والدفاع عن الوطن !!" إضافة إلى تقديم الدعم الكبير لبرجوازية بلدانهم الناهبة.
فبين هذا الخليط الغريب من انتهازيين ووسطيين، لم يهدأ بال الرفاق لينين والبلاشفة إضافة إلى بعض الثوريين الحقيقيين في إيطاليا والنرويج وفرنسا... وفي مقدمتهم كارل لبنكخيت وروزا، إذ شنوا صراعا لا هوادة فيه ضد الأطروحات التوفيقية والاستسلامية وشكلوا الجناح اليساري الزيمغرالندي في قلب الأممية الثانية وفضحوا التحريفية التي كانت قد نخرت جميع الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، وفي السنوات التي تلت ثورة 1917 كان انخراط الأحزاب الشيوعية والمناضلين الثوريين إلى الأممية الشيوعية يخضع إلى صيرورة واحدة وموحدة، ويتعلق الأمر بما إذا كانوا يدعمون أم لا ديكتاتورية البروليتاريا التي نمت في روسيا القيصرية في ارتباط مباشر على خلق أحزاب شيوعية ثورية هدفها هو الإطاحة عبر العنف الثوري بالنظام الرأسمالي والسير على خطى البلاشفة لبناء دولة العمال والفلاحين، وبعد وفاة الرفيق ستالين سنة 1953 وبعدما تسلق التحريفيون هرم الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي شنوا هجوما خسيسا على معلمنا الكبير قاهر الفاشية في تقريرهم – "السري" – السيء الذكر إبان المؤتمر العشرين للحزب. وكل متتبع لوثائق الحزب آنذاك سيدرك حقيقة مفادها أن الهجوم على شخص ستالين كان يحمل في طياته خبايا خطيرة ... فالهجوم على ستالين كان وراءه الهجوم على ديكتاتورية البروليتاريا في روسيا والهجوم على ديكتاتورية البروليتاريا كان هجوما على اللينينية والهجوم على اللينينية هو الهجوم على البيان الشيوعي والهجوم على البيان هو هجوم على ماركس وانجلس.
وقد أطرب أذننا صياح التروتسكيين وبعض التائهين إيديولوجيا على تقليد هذا الهجوم على نمط العبيد... أو هو الأقرب، على نمط القرود ! بين داعم لهذا التقرير –التقرير السري لخروتشوف – وبين محايد، هذا الأخير الذي ادعى أنه رغم كل شيء يجب "التوحد" ودعم الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي وديكتاتورية البروليتاريا فيـ "ـه" وهذا ما عبر عنه حزب العمل الفيتنامي.
أمام هذا الوضع خاض الرفيق ماو والشيوعيين الصينيين نضالا حازما ضد التحريفية المعاصرة التي بعد انهيار البرجوازية في روسيا قد بنت عشها الأول داخل الحزب كما عبر الرئيس ماو داحضا كل أطروحاتها الانهزامية من "تعايش سلمي"(2) و"منافسة سلمية" و"الانتقال السلمي نحو الاشتراكية"(3) وليس إلا عبر هذا الصراع نما الجديد وتطورت النظرية الماركسية – اللينينية إلى مرحلة أعمق وأعلى ألا وهي الماوية.
فعلى ضوء الصراع الذي قاده الرئيس ماو ضد الخروتشوفية وأتباعها في الصين وممثلهم الأول ليو تشاوتشي – خرتشوف الصيني – وجيانغ كسيانزهن... – هؤلاء الذين سيتم دحرهم إبان الثورة الثقافية البروليتارية العظمى – وعلى ضوء التقييم العلمي للتجربة الروسية والنقد البناء لميتافيزيقية ستالين (4) أبدع معلمنا العظيم ماو أطروحته حول استمرار الثورة في ظل ديكتاتورية البروليتاريا – ثورة داخل ثورة – واستنهض ملايين من العمال (ات) والفلاحين (ات) والمثقفين (ات) للدفاع عن ديكتاتوريتهم ومحاصرة الراغبين في إعادة الرأسمالية إلى الصين أصحاب النظرية الرجعية "الاثنان يندمجان في واحد"(5) هذا الصراع الذي كان يكتسي طابعا أمميا بين الجناح الثوري (الحزب الشيوعي الصيني، حزب العمل الألباني) وبين الوسط (حزب العمل الفيتنامي) وبين الانتهازيين والتحريفيين (الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي ومن يدور في فلكه).
لنعد ونطرح سؤالا جد مهم من الناحية الفكرية والسياسية والتاريخية أيضا. لاسيما بعد مجموعة من النقاشات التي خصت هذه الموضوع بالذات والمساهمات الناضجة التي عبرت عنها بعض الوثائق والتي من بينها "دفاعا عن التاريخ". يا ترى ماذا كان موقف رفاق سعيدة وعبد اللطيف زروال إبان هذا الصراع الذي كانت له تداعيات كبيرة على المستوى الدولي؟
إن كل متتبع لإرث الحملم - وإن صح التعبير - للنزر القليل الموجود بين أيدينا والذي نال حقه إن إما من إتلاف المخابرات وإما لسياسة الإخفاء !؟ التي ينهجها انتهازيو"نا" اتجاه هذا الإرث الذي وجب التنقيب عنه من أجل وضع تقييم جدلي للتجربة ورصد نقاط الضعف والقوة فيها... "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري" هي أول وثيقة صادرة عن الحملم وهي لمنظمة "إلى الأمام" والتي حملت موقفا واضحا من الصراع الدائرة رحاه بين ماو والتحريفية المعاصرة حيث تبنت التجربة، الماركسية – اللينينية فكر ماوتسي تونغ (هكذا كانت تسمى الماوية آنذاك) واستلهمت بشكل ناضج كل أطروحات الرفيق ماو وانحازت بشكل جلي إلى الخط الثوري العالمي ولا يستحي "منظرو"نا اليوم في تبني التجربة وفي نفس الوقت يشنون هجوما صبيانيا على الماوية يدعوا إلى التقزز والاشمئزاز، والشفقة في بعض الأحيان.
إن هذا الجرد لتاريخ الصراعات التي كانت تعج بها الاممية الشيوعية والذي عبره تقوت الماركسية وشقت طريقها إلى اللينينية ومن تم نجو الماوية كمرحلة ثالثة متقدمة إيديولوجيا ليطرح علينا المهام التي ليست بالهينة من أجل الانخراط في الصراع الدائر حاليا حول الماوية والذي عبر عنه أحد الرفاق بمركز الصراع الإيديولوجي، وأيضا من أجل طرح المزيد من الموضوعات على طاولة النقاش دائما مع استحضار البعد الأممي وما يعرفه العالم اليوم من نزعة نحو الثورة وانتشار الحروب الشعبية في الهند، البيرو، تركيا، الفلبين، النيبال... وما يتطلبه الوضع الراهن في المغرب من مهام لن ترمى إلا على عاتق الثوريين من أجل تقديم الإجابات عليها، فمن غير السليم ألا نتابع آخر تطورات الحركة الثورية الاممية أو نتجاهلها، فالموقف الذي يتخذه كل ثوري حقيقي اتجاه القضايا بالاممية واتجاه الحركة الثورية الأممية ليس بدون أهمية فمن غير الممكن أن نملك خطا سليما حول مسألة الثورة في بلد ما بيننا نعادي أو نتبنى الحياد اتجاه الحركة الثورية الأممية(6) فبناء الخط الإيديولوجي للثورة المغربية هو في ارتباط جدلي بإشكالات الثورة العالمية، مع مراعاة الظروف الخاصة لبلدنا، فقد أثبت لنا التاريخ يا من مرة أن انبثاق خط فكري وسياسي صحيح يختلف كثيرا حسب خاصية كل بلد وحسن ظروف الصراع الطبقي وما راكمت التجربة الثورية فيه، ولنا الكثير من الأمثلة على ذلك، ففي البيرو مثلا خاض أبيميال كوزمان (الرئيس كونزالو) العديد من الصراعات بين الخطين ولعب الدور المركزي في توحيد القوى الشيوعية في بلده، بالمقابل نجد الرفيق كمال براجندا يلخص انبثاق الخط الإيديولوجي والسياسي للحزب الشيوعي الماوي للنيبال، في أن القوى التي لعبت دورا مركزيا في خلق الحزب لم تكون بالضرورة العناصر الأكثر دربة، ونجد في الهند مثلا تقدما كبيرا في الحرب الشعبية مؤخرا حيث سيطر الماويين على بعض المناطق في شرق البلاد، هذا التقدم وهذه الوحدة للقوى الشيوعية جاء بعد صراعات ضارية ومواجهات مسلحة بين أهم تنظيمين شيوعيين في البلاد وهذا راجع إلى التدخل / النداء الذي أطلقته الحركة الثورية الأممية إبان المؤتمر الجهوي ل RIM في جنوب شرق آسيا سنة 1999.
كل ما تم ذكره لا يعني البتة نسخ تجربة ما وإسقاطها على الوضع في المغرب إنما وجب تمحيص كل هذه التجارب الغنية وتقييمها، هذه التجارب التي خلقت عبر الصراع وبالتضحيات وبالخطوات إلى الأمام، وإلى الوراء أيضا، فهذا يقتضي التمكن من إدراك جيد لتجربة البروليتاريا العالمية كلها، لأن الحركة الاشتراكية – الديمقراطية هي حركة أممية في جوهرها وذلك لا يعني فقط أنه يتعين علينا أن نناضل ضد الشوفينية في بلادنا، بل ذلك يعني أيضا أن الحركة المبتدئة في بلاد فتية لا يمكن أن تكون ناجحة إلا إذا استوعبت تجربة البلدان الأخرى، ولبلوغ ذلك لا يكفي مجرد الاطلاع على هذه التجربة ومجرد نسخ القرارات الأخيرة، إنما يتطلب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة وأن يتحقق منها بنفسه، وكل من يستطيع أن يتصور مبلغ اتساع وتشعب حركة العمال المعاصرة، يفهم مبلغ ما يتطلبه من القيام بهذه المهمة من احتياطي من القوى النظرية والتجربة السياسية (والثورية أيضا)" (لينين ما العمل؟)

مزيدا من النضال من أجل وحدة الحركة الشيوعية المغربية
مزيدا من التعاطي الجدي مع إشكالات الثورة المغربية
عاشت الحركة الثورية الاممية
عاشت الماركسية - اللينينية – الماوية نظرية سديدة ومنيعة
(يناير – كانون الثاني) 2009
محمود أمين
الإحـــــالات
1- لينين ما العمل؟
2- وهنا يجب الإشارة إلى نقطة مهمة هي أن مسألة التعايش السلمي قد تطرق لها الرفيق لينين لاعتبارين اثنين: أولهما هو النداء الذي أطلقه الاتحاد السوفياتي بصدد التعايش في العالم وكان الهدف من ورائه هو حماية الدولة السوفياتية الفتية وضمان الاستقرار من أجل تفويتها وتصليبها، والثاني هو أنه لا يمكن لبلد اشتراكي أن يغزو ويحتل بلد آخر مهما كان هذا الأخير ضعيفا، أما خروتشوف فقد طرح مسألة "التعايش السلمي" في فترة كان فيها الاتحاد السوفياتي أقوى بلد اقتصاديا وعسكريا وقد قام بتقديم تنازلات مبدئية لصالح الامبريالية. (أنظر بهذا الخصوص لينين، حول التعايش السلمي).
3- راجع في هذا الصدد "خبايا الصراع الصيني – السوفياتي".
4- أنظر "حول مسألة ستالين" لكاظم عباس.
5- أنظر كراس (نظرية "الإثنان يندمجان في واحد" فلسفة رجعية لإحياء الرأسمالية).
6- أنظر وثيقة RIM "الصراع الإيديولوجي ومسألة وحدة الشيوعية"