تروتسكي ولينين هل من خلاف ؟


الاممية الرابعة
2004 / 3 / 21 - 07:54     

يعد تروتسكي احد اعظم قائدي ثورة في عصرنا هذا, و قد تعرض لهجومات شرسة من طرف الثورة المضادة , لأبشع هجمات التشويه, و يعتبر ستالين المسؤول الاول عن كل هذا كتعبير فظ عن الجانب المحبط في ثورة اكتوبر . و يعتبر اسحاق دويتشر اعظم كاتب رد الاعتبار لشخصية تروتسكي بتاليفه لكتاب ’’النبي المسلح ’’ عام 1954 خصصه لسيرة تروتسكي و ممارساته و يتناول حياته ما بين 1879 و1921 . ثم كتاب آخر’’ النبي الاعزل ’’(بين 21-1929)ثم’’النبي المنبود’’ (29-1940) .
لقد كان تروتسكي مهندس الثورة الروسية , فهو المؤسس لسوفيات بطرسبورغ عام 1905 ومنظم انتفاضة اكتوبر 1917 و مؤسس الجيش الاحمر , و قد اغتيل بفأس قاتل مأجور لانه لا يريد الانصياع للتشويهات الستالينية و ارتبط بالثورة الى حد انها أصبحت تجري في دمه حسب تعبير زوجته سوكولوفسكايا ’’لم يقبض لي ان التقي يوما طيلة عملي النضالي شخصا مثله يكن كل ذلك الاخلاص للثورة و التفاني في سبيلها ’’ , و قد لعب دورا بارزا خلال الحرب الاهلية 18-1921 و اختار دويتشر اسم النبي لجميع الكتب التي ألفها عن تروتسكي لا رغبة منه في اعطائه صبغة طقوسية و لكن بمعنى المناضل الشهم الذي عرف حركة التاريخ و استلهم الواقع العمالي الروسي و العالمي .

الـــثـــورة الـــدائــــــــــــمــــــة .
ثم نقل تروتسكي من مقر سوفييت بتروغراد الى الزنزانة عام 1905 و كان اول سوفييت في التاريخ يتولى قيادتها . و قال :"التعاون الثوري مع الجيش والفلاحين و الشرائح الدنيا و الشعبية من البورجوازية ,الغاء الحكم المطلق, تدمير الجهاز العسكري الخاص بالحكم المطلق , صرف قسم من الجيش واعادة النظر بالباقي , الغاء الشرطة والجهاز البيروقراطي , يوم العمل من 8 ساعات , توزيع السلاح على الشعب و على العمال بوجه خاص , تحويل السوفييتات الى جهاز حكومة ثورية مدينية , تشكيل سوفييتات فلاحية مكلفة بانجاز الثورة الزراعية محليا , انتخاب جمعية تأسيسية " و غدا فيما بعد برنامج الثورة الروسية عام 1917 , يقول دويتشر .
كما دحض تروتسكي التنظيرات الماركسية التي ترى ان الثورة الروسية في تلك الحقبة ثورة برجوازية و ان الثورة الاشتراكية لا يمكن ان تقوم الا في مجتمع رأسمالي حديث و مع نمو الثروة التي تؤدي اليه .
و في كتابه "نتائج و توقعات " يقول تروتسكي :"يمكن للبرولتاريا في بلد متأخر اقتصاديا ان تستولي على السلطة بصورة اسرع مما في البلدان التي تكون فيها الرأسمالية متقدمة ". و اكد ان الماركسية الكلاسيكية و الحجج المستخلصة من ادبياتها حول تعاقب الثورتين البرجوازية و البروليتارية شىء مستبعد . و اثبت ان الماركسية هي قبل كل شيء طريقة لتحليل العلاقات الإجتماعية لا طريقة لتحليل النصوص . و هذا ما وقع بالفعل عندما نجحت الثورة الروسية و كانت عنصر حافز للثورات الأخرى .
و حين اندلعت الحرب العالمية الأولى لم يكلف تروتسكي نفسه عناء البحث ليستنتج ان الثورة ستولد في تلك الحرب و كتب في نص "الحرب و الأممية " الذي كتبه في زوريخ في بداية المجزرة :<<على الإشتراكيين ان يحددوا هدفا لأنفسهم , سلاما ديمقراطيا من دون الحاق و لا تعويضات , سلاما يعترف بحق تقرير المصير للأمم الخاضعة , وهذا السلام لا يمكن ان تنتزعه الإ انتفاضة الشعوب المتحاربة ضد قادتها >> و أضاف سنة 1915 <<ان المستقبل لا يحدد لنا إلا خيارا واحدا , إما الحرب الدائمة أو الثورة البروليتارية >>هذه القدرة الرؤياوية هي التي جعلت تروتسكي بطل احدات 1905 و 1917 و ذهب أكثر من لينين و مارتوف في تحديد اهداف الثورة , بل وصل به حسه المرهف والثوري إلى إعطاء رؤى أكثر جذرية تتعلق بالثورة العالمية التي توقع ان تشهد تسارعا عظيما لا سيما في أوروبا الصناعية . و قد بدا هذا التحليل مثارا للسخرية من طرف أعداء الثورة الذين يرغبون فقط في تشويه التصورات الدقيقة لتر وتسكي لكونهم لم يتوقفوا عند الأسباب الفعلية التي حالت دون تحقيق تنبؤ تر وتسكي و التي تكمن في صعود الجهاز البيروقراطي في الاتحاد السوفيتي و المتمثل في الستالينية التي تقول بــ’’ الثورة في بلد واحد ’’ و تسخيرها الأممية الثالثة لهذا الهدف . و هكذا تم طعن الثورة العالمية من الخلف . هذا ناهيك عما مثلته هذه التجربة من إحباط لحركة الطبقة العاملة في العالم و لا سيما في البلدان المتقدمة .
إن اهتزاز العروش بعد الحرب العالمية الأولى هو ما اثبت صحة أقوال تر وتسكي الذي تناول الدفع الذي كانت ستعطيه الثورة الروسية للثورة العالمية . و لكن عندما تراجعت الشيوعية في أوروبا و تقوقعت روسيا البلشفية اصبح تر وتسكي نبي العبث و ’’ نبي المستحيل بشكل مكشوف ’’ و قد اتهم ستالين تر وتسكي بتحامله على الفلاحين . لكن تصوره الأكثر وضوحا ظهر في كتابه ’’نتائج و توقعات ’’ الصادر عام 1906 عرض فيه مفهومه للثورة الدائمة و من ضمنه موقع الفلاحين في الثورة , و لم يستبعد ائتلافا حكوميا يضم الاشتراكيين و ممثلي الفلاحين إلا انه جزم ان الدور الرئيسي سيكون للطبقة العاملة و هم الذين سيحددون مفهوم هذا الائتلاف .
وقد كان تر وتسكي هو أول من وضع خطة سياسة فلاحية ترى ضرورة وضع حد لمصادرة الأراضي وتشجيع الفلاحين على بيع المحصول بقدر من الربح ، وبدا له إن سياسة شيوعية الحرب لها نتائج كارتية . وقد عارض لينين ذلك الطرح ومعه اللجنة المركزية عموما ، لكن لينين عاد فطرحها عام 1921 والتي كانت تسمى بسياسة "النيب ".
تر وتسكي مؤسس الجيش الأحمر :
في عام 1918 لاتزال جمهورية السوفيات بدون جيش ولم يمض عامان حتى بلغ عدده خمسة ملايين . وكان تر وتسكي يشغل منصب مفوض للحرب ورئيس مجلس حرب الجمهورية . وخاض حربا ضد الحرس الأبيض المكون من فلول الإقطاع والبورجوازية المهزومة وجيوش التدخل الأجنبي الأربعة عشر وتمكن في النهاية من تحقيق الانتصار وسط الحصار الشرس لاول جمهورية للسوفييتات .
لينين وتروتسكي :
حاول ستالين بكل ما بوسعه نشب الخلاف بين لينين وتروتسكي و خاصة عند انضمام هذا الأخير إلى الحزب البلشفي عام 1917 . و قال لينين بصددها :"بعد انضمام ترو تسكي إلى الحزب ليس هناك بلشفي آخر افضل منه " رغم أن العلاقة بينهما لم تكن ابدا علاقة وفاق تام إلا أنها كانت تتميز بكثير من الثقة المتبادلة تتجلى في النقاشات التي كانت بينهما حول تشكيل الحكومة التي أطلق عليها تر وتسكي مفوضي الشعب ، واقترح لينين عليه ترأسها كرجل قادها ، لكن تر وتسكي رفض ذلك احتراما للينين .
و أوضح دوي تشر في تقويمه للخلافين الذين باعدا بين لينين وتروتسكي قبل 1917 إن لينين كان محقا في مسألة الحزب ، بينما كان تر وتسكي محقا في مسألة الثورة الدائمة ، والتقيا عام 1917 بالذات عند نقطة الصواب لدى كل منهما فاقتنع تر وتسكي بالرؤية اللينينية للتنظيم ، كما خاض لينين من جانبه نضالا عنيفا طيلة شهر أبريل لاقناع الحزب بالتخلي عن الاطروحات البلشفية القديمة حول طبيعة الثورة وآفاقها مما أثار خصاما بين لينين وأعضاء الحزب ومن بينهم كامينيف الذين اخذوا عليه التبني الكامل لنظرية الثورة الدائمة واتهموه بالتخلي عن البلشفية لصالح " التروتسكية ". يقول دوي تشر : "في الحقيقة إن طريقي لينين و تر وتسكي اللتين تباعدتا طويلا التقتا آنذاك . كان كل منهما توصل إلى استنتاجات بلغها الآخر قبله بكثير وطالما اعترض عليها بحدة وصرامة . لكن لاهذا ولا ذاك وعى بوضوح انه تبنى وجهة نظر الآخر ، فبعد إن انطلقا من نقاط مختلفة ومسارات متباينة انتهيا إلى التلاقي " .
أكد دوي تشر في الفصل العاشر من كتابه " النبي المسلح " إن لينين وتروتسكي ناضلا ضد البلاشفة المعتدلين قبل الانتفاضة وبعدها . وقد تعونا لمدة ست سنوات ، لكن ذلك لم يخل من خلافات جديدة إلا أن لينين لم يكن يرغب في إبدائها متحاشيا لوم تر وتسكي . إلا أن دوي تشر وقع في أخطاء معممة وانساق حول ما راج عن التروتسكية وتروتسكي في كونه لم يستطع تنظيم الناس في الحزب . وهذا ليس عجزا منه ، ولكن لمواقفه الخاصة حول هذا التنظيم . فبعد عام 1923 عجز تر وتسكي عن تكوين منظمة جماهيرية لا لقدرته وانما بداية عملية الجزر الثوري وهزائم الحركة العمالية التي تتحمل الستالينية مسئوليتها .واخطأ دوي تشر حين اعتقد بان لينين وتروتسكي لم يكونا مصيبين حين راهنا على الثورة العالمية عام 1917 وتنه لو كانت لديهما رؤية واضحة حول الإمكانات الفعلية لتلك الثورة ربما كانا تريثا في تأسيس الأممية الثالثة . واعتبر دوي تشر الستالينية هي " البلشفية المنعزلة " التي أجابت موضوعيا عن الظروف الخاصة بروسيا التي استولت فيها الشغيلة على السلطة . وحكم دوي تشر هذا ينبئ على كون سياسة الحزب تضمنت منذ بداية العشرينات عناصر هي التي تفاقمت فيما بعد في ظل الديكتاتورية الستالينية . يقول دويتشر : " لقد رسمنا خيط الاستمرارية التاريخية اللاواعية الذي قاد من محاولات لينين المترددة والخجولة ، القائمة على مفهوم الثورة عن طريق الفتح إلى الثورات التي اضطلع بها ستالين الفاتح ، إن خيطا مشابها دقيقا يشد سياسة تر وتسكي الداخلية خلال تلك السنوات إلى ممارسة خصمه اللاحقة . ويبدو تر وتسكي ولينين كل من حقل مختلف كملهمي ستالين وملقنيه من دون علمهما . فلقد انساقا كلاهما بفعل ظروف خارج سيطرتهما وبفعل أوهامهما إلى اتخاذ بعض المواقف التي لم تكن لتسمح لهما الظروف ووساوسهما الخاصة بهما بالدفاع عنها زمنا طويلا ، مواقف كانت متقدمة على زمنهما ، ولا تنسجم مع الذهنية البلشفية الشائعة ومع الأفكار الكبرى التي ألهمت حياتهما ."
لقد وجه تر وتسكي مذكرة في غشت 1919 الى اللجنة المركزية يدعوا فيها الى التحول نحو الشرق ويؤكد فيها ان طريق الثورة الى باريس ولندن يمكن ان يمر بكابول وكالكوتا وبومباي ، وكان ستالين هو المنفذ لهذه الخطة وليس تروتسكي .
لقد التجأ تروتسكي ولينين الى بعض الممارسات اثناء "شيوعية الحرب " وهي اضطرارية اعتمد عليها دويتشر ليعتبر ستالين كنوع من الاستمرارية لتلك الممارسات . كما انه ليس صحيحا قاد نوعا من الثورة عن طريق الفتح بل كلنا يعلم مدى الضغط الذي مارسه على الحزب الشيوعي الصيني للالتحاق كذيل للكيومينتانغ عام 1925 . ونزل بكل ثقله ضد استلام الشيوعيين بقيادة ماوتسي تونغ للسلطة في بكين حتى عام النصر في 1949 .
اما ماقام به في اوربا الشرقية اثناء الحرب العالمية الثانية او ما بعدها فلم يكن يرمي من ورائه احداث الثورة في تلك البلدان بقدر ما كان يسعى الى اقامة حاجز دفاعي دون الاتحاد السوفياتي وقد اورد بيير فرانك مقالا عن بعض اخطاء لينين وتروتسكي والتي اتت نتيجة التغيرات التي حدثت داخل الحزب البلشفي بعد الثورة رغم ارادة لينين وتروتسكي الذين كانا شديدي القلق اتجاهها ، وتمكن في ظهور كتلت من الامتيازات والتمايزات داخل الطبقة المنتصرة ولاسيما داخل الحزب. يقول: " كان الحزب البلشفي يتحرك ، يتحول ، لقد تضخم وغدا له تركيب اجتماعي جديد ضمن مجتمع جديد في اوان الحمل ، فتحت الاسم ذاته كان حزب آخر يتكون " مجلة الاممية الرابعة – ماي 1954
لقد توقف الحزب البلشفي عن تشكيل طليعة الطبقة العاملة على ارض السياسي النظرية ايام لينين نفسه الذي خال نضالا لا يلين ضد الاتجاهات البيروقراطية التي انتهت الى خنق الحزب البلشفي كطليعة للبروليتاريا وحولته إلى أداة سياسية للبيروقراطية السوفياتية .