قمر سيمون بوليفار: نجم أحمر في سماء الرأسمالية


فنزويلا الاشتراكية
2008 / 12 / 22 - 08:27     

انطلق قمر سيمون بوليفار في الساعة الثانية عشرة وخمس وعشرون دقيقة من بعد ظهر يوم الأربعاء الواقع في 29 تشرين الأول (أكتوبر) ليكون النجم الاشتراكي الأول في سماء ملأتها أقمار رأسمالية ما صعدت إلى السماء إلا لبحث طرق نهب وقمع جديدة.
مع انطلاقة القمر مبتعداً عن قاعدة تشيتانغ الصينية لم يكن الرئيسان هوغو تشافيز وإيفو موراليس الوحيدين الذين راقبا ذلك الصعود، وما كان الرئيس تشافيز وحده المهلهل لانطلاقة قمر حمل اسم المحرر بوليفار وعيناه لم ترقصا منفردتين فرحاً بنجم الاشتراكية الأول بل كانت ملايين الأعين اللاتينية تترقب المعرفة التي حرمت منها لعقود وقرون طويلة تسبب فيها الاستعمار بإبقائها خاضعة للجهل والتخلف عن نهوضها. لم تكن ذراعي القائد تشافيز وحيدتين في الهواء تعلنان أننا وأخيراً امتلكنا قمرنا، قمراً لنشر العلم والمعرفة التي لن تكون بعد اليوم في تلك القارة حكراً على الأثرياء أو ما يسمى بالطبقات الوسطى العليا، بل إننا اليوم نعلن باسم الرئيس تشافيز أنه "قمر اشتراكي"، قمر الفقراء في السماء.

قمر سيمون بوليفار والذي سيعرف أيضاً باسم Venesat-1 هو نتيجة اتفاقية تقنية بين كل من فنزويلا والصين وقعت في الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في العام 2005 وبتكلفة تجاوزت 406 مليون دولار أمريكي بما يشمل الصاروخ والقمر الصناعي والمحطتين الأرضيتين.
القمر يضع فنزويلا بين الدول الأربع الناطقة بالإسبانية التي تمتلك أقماراً صناعيةً، وسيضعها على خريطة المعرفة التقنية إذ كان من بين شروط الاتفاقية أن يشارك في كل الخطوات خبراء فنزويليون في معظم المراحل لتلقي الخبرة ورصد كافة مراحل التجهيز ليتمكنوا مع تطوير تلك الخبرات مستقبلاً من نقلها إلى القارة اللاتينية. وإن هذا ليس العمل الأول الذي يتوجه في فنزويلا نحو حصد نتائج تقنيات البلدان الأخرى ونقل تلك الخبرات إلى فنزويلا للاستفادة منها وطنياً، فإن الخط الذي تتبعه الثورة الاشتراكية في فنزويلا، هو ليس شراء حصاد التقنية فحسب بفضل المال النفطي المتوافر بل شراء المعرفة المتعلقة بها أيضاً ليكون الفنزويليون قادرين على الاستفادة منها لتطوير تقنياتهم الخاصة التي لا تنبت في العراء أو تسقط من السماء، بل لا بد من الحصول على قاعدة الانطلاق وأيضاً على احتكاك يوفر تجارب عظيمة للشعوب الأخرى، وهو أمر بكل حال نجده بأشد الوضوح في كافة مسارات الثورة الفنزويلية التي لا تؤمن بالانعزال ورفض النتاج التقني والإنساني عموماً تحت شعارات فارغة تصور الاشتراكية على أنها انكفاء على الذات وتقوقع وخشية ما هو "غريب".

سيمون بوليفار، "لن يكون لفنزويلا فحسب" كما قال الرئيس تشافيز بل هو ملك لشعوب أمريكا اللاتينية، ملك لكافة المناطق النائية التي حرمت من الاتصال بالعالم الخارجي لقرون. القمر سيحمل خدمات طبية وتعليمية واتصالات وسواها ولن تكون غاياته ربحية بل هدفه الأول هو إيصال المعرفة للجميع، فالمعرفة بحسب الرئيس تشافيز لا يكون بدونها الوعي، والثورة لا يمكن أن تستمر بدون شعب واعٍ يفجر ثورته الاشتراكية، فقد قال الرئيس تشافيز محدداً هوية القمر سيمون بوليفار بأنه "قمر اشتراكي، لبناء الاشتراكية في فنزويلا وللتعاون مع الشعوب الأخرى، لتحفيز أنظمتنا على التعاون والتكامل". كما أنه لن يعمل لخدمة أهداف عسكرية، لن يكون للتجسس على الإنسان أو للرقابة وتحديد الحريات، لن يكون نجماً أحمراً لقمع البشر بل نجماً أحمراً لتحريرهم، سيكون "قمر الحرية" كما وصفه الرئيس.

تقدم الثورة الاشتراكية نحو امتلاك قمرها الصناعي الأول، لم يمر دون محاولة الولايات المتحدة الأمريكية عرقلة عمله فطلبت من الصين قبل إطلاقه بساعات تأجيل عملية الإقلاع للتأكد من أهدافه، كما فعلت سابقاً منذ بضعة أشهر عندما ادعت بأن معملاً لبناء الدراجات الهوائية هو مفاعل نووي يبنيه خبراء إيرانيون. ومحاولات عرقلة تقدم الثورة التكنولوجي والمعرفي لم تنجح من جانب الإمبريالية الشمالية، التي تحرك مباشرةً عملاؤها في المعارضة الفنزويلية وكافة أقطابها لتفاجئنا تلك المعارضة بأنها لا تحمل هوية وطنية على الإطلاق ولتدفعنا مجبرين على وصف غالبية أطرافها بالعمالة عندما رفضت إطلاق القمر الصناعي وسخرت منه أو تجاهلته بشكل حقير كما فعلت صحيفة إل ناسيونال المعارضة التي حشرت خبر إطلاق قمر سيمون بوليفار في زاوية ضيقة في الصفحة الأولى وكان الخبر الأهم هو عن دوري المحترفين الأمريكي في لعبة البايسبول!
تعلل المعارضة الفنزويلية رفضها لهذا الإطلاق بأنه إضاعة لأموال الفنزويليين في نفقات لا داعٍ لها، وهو التعليل ذاته الذي تعارض به مشاريع الثورة الاجتماعية التي تحارب الفقر بوصفها مشاريع تضيع أموال الفنزويليين. فما عاد للوطنية أي مكان في عقول هؤلاء ولم يتبقى فيها إلا العمالة وعبادة رأس المال فيرفضون المشاريع الاجتماعية لأنها تخدم الفقراء ولا تخدم كل الفنزويليين، كما يرفضون الآن قمر بوليفار لأنه بحسب رأيهم مضيعة للمال بالسعي لتوفير العلم للجميع، فمن الصعب علينا من الآن فصاعداً أن نسميهم حتى "فنزويليين".

انطلق قمر سيمون بوليفار إلى فضاء الأرض ليحلق فوق القارة اللاتينية لخمسة عشر عاماً قادمة وينشر التحرر والتقدم لا ليفرض القمع والاستبداد، وليعلن لأعداء الثورة البوليفارية في الداخل بأن الثورة جادة بخيارها التقدمي الثوري وليعلم الإمبرياليين بأن الثورة لن يحددها لا المحيط الأطلسي ولا الهادي من بلوغ العالم كما لم تمنعها السماء من اقتحامها لتقول بأن الاشتراكية حية وثورتها لا تعرف حدوداً.