مدرسة فرانكفورت: شعلة اليسار الجديد


أحمد جميل حمودي
2008 / 12 / 15 - 09:26     

ترجمة أحمد جميل حمودي
نظرة عامة: (المترجم)
يرى البعض أن معظم التيارات النقدية "الراديكالية" سعت لتحديد كل من الإطار العام للماركسية التقليدية أو المحدثة، حيث لم تعد تلاءم الأفكار الماركسية التقليدية معالجة قضايا ومشكلات العصر الحديث، ولاسيما بعد مضي قرن من الزمان على أفكار مؤسس هذه النظرية كارل ماركس .فبعد هيمنة البنائية الوظيفية على حركة علم الاجتماع Sociology عموما - والتي انطلقت من رؤى وتصورات النظرية الوضعية والتي تميل إلى اعتبار علم الاجتماع أداة للمحافظة على النظام القائم، كما يقول أوجست كونت: " انك تدرس كي تضبط"، فهذه المدرسة تستخدم مفهوم البناء Structure والوظيفة Function في فهم المجتمع وتحليله من خلال مقارنته وتشبيهه بالكائن العضوي- جاء الفكر المناهض لهذه الوضعية مبكراً على يد كارل ماركس الذي أكد على مفهوم الطبقة الاجتماعية كمفهوم أساسيّ ومقولة تحليلية، ورأى أن حركة المجتمع يحكمها قانون الصّراع والتناقضاتContradictions ورأى في التغيير الاجتماعي social change حتمية تاريخية " لقد درس الناس العالم على أنحاء عدّة غير أن المهم هو تغييره". إذن نحن أمام صراع وتجاذب بين أيدلوجيتين ideology مازالت تدور رحى هذا الصّراع بينهما في أنحاء عدّة من دول العالم، أولاها الرأسمالية الصناعية capitalism وفي مقابلها الاشتراكية socialism .

لكن الماركسية التقليدية Marxist - كما أشرنا آنفا- لم تعد موائمة لأوضاع القرن العشرين ومن أجل ذلك ظهرت الاتجاهات الراديكالية- ممثلة في روّاد مدرسة فرانكفورت Frankfurt school في ألمانيا- نتيجة للظروف السياسية والأيديولوجية والفكرية والثقافية وظروف العصر المجتمعية عامة التي كانت موجودة خلال النصف الأول من القرن العشرين. فخلال فترة مابين الحربين العالمية الأولى والثانية، ظهرت مجموعة من الشبان الباحثين في ألمانيا متأثرة بأفكار ماركس، وكانت ولا تزال تعمل هذه الجماعة في معهد البحث الاجتماعي Institute of Research بمدينة فرانكفورت والتي سعت بصفة عامة لإعادة تقييم الفكر الماركسي، وحاولت أن تخرج من هذا الفكر بتصور جديد يتماشى مع التيارات الفكرية الأخرى التي ظهرت في العالم الغربي الرأسمالي.

ومن أهم روّاد هذه المدرسة ماركوز Marcuse وأد ورنوAdorno وهركهايمرHorkheimer وفروم Fromm بالإضافة إلى هابرماس Habermas الذي يعتبر الوريث الرئيسي المعاصر لتركة مدرسة فرانكفورت كما يعبر عن ذلك ايان كريب. يرى ماركوز أن الطبقة العاملة لم تعد قادرة على قيادة عملية التغيير- ما دام النظام قد اشترى ولاءها أو استوعبها في إطاره- فإن جماعات أخرى يمكن أن تكون الشرارة التي توقظ الآخرين كالمثقفين والطّلاب والأقليات وأقطار العالم الثالث. وهذا ما يفسّر شعبية ماركوز في الستينات فقد كانت حرب فيتنام وحركة الحقوق المدنية وثورة الطلاب كلها تثبت نظريته.

لكنه لم تنطلق الانتقادات العامة لمدرسة فرانكفورت إلى الماركسية فقط بقدر ما ركزت هذه المدرسة على دراسة ونقد الرأسمالية بصورة مكثفة، وهذا ما ظهر خاصة خلال فترة وجود روّاد هذه المدرسة وإقامتهم في المنفى بالولايات المتحدة منذ عام 1933. فلقد سعوا لدراسة الواقع الرأسمالي بصورة عملية وواقعية والتعرف عن قرب على مشكلات الرأسمالية التي حددها ماركس منذ أكثر من نصف قرن قبل وفاته عام1883، وكذلك محاولتهم التمييز والتعرف على جميع مكونات مشكلات المجتمع الرأسمالي و توجيه الكثير من الانتقادات الجديدة إلى هذا المجتمع. ولا سيما عند دراسة الظروف التكنولوجية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية والتنموية إلى حدّ أن تصوّروا المجتمع الرأسمالي بأنه الطفل الغنيّ الذي لا يمكن أن يكبر. لكن أهم ما ركّزت عليه هذه المدرسة تحليلها لنسق العلاقات الاجتماعية ونوعية المؤسسات التربوية وعمليات التغير الثقافي وأنماط الحياة الاقتصادية والإنتاج الثقافي والاستهلاكي وأيضا دور النظام التربوي وعلاقته بالنظم الاجتماعية الأخرى.

لقد ركزت تصورات آراء هذه المدرسة على تحليل العملية الديمقراطية التي توجد في الولايات المتحدة بأنها ديمقراطية محدودة جدا هذا بالرغم من وضع هذا المجتمع واعتقاد أفراده وطبقاته الاجتماعية بأنهم يعيشون بالفعل في مجتمع ديمقراطي. ولقد ظهر هذا الاعتقاد نتيجة لدور المؤسسات التربوية والنظام التعليمي الذي كرّس أساسا لإنتاج نوع من الشخصية الفردية Type of personality التي تشعر بالسيطرة Domination أو التبعية أكثر من شعورها بأنها تتمتع بخاصية الاستقلالية أو المساواة.

ويحدد المنظّر الاجتماعي "علي ليلة" العلاقة والفروق الأساسية بين الماركسية التقليدية ومدرسة فرانكفورت في النقاط التالية:

الأولى : تتمثل في استناد مدرسة فرانكفورت إلى النظرية الماركسية، خاصّة في مقولاتها الفلسفية بحيث أغفلت المدرسة المقولات الاقتصادية للماركسية… .

الثانية : تنتقد الصفوة الفكرية للمدرسة النظام الرأسمالي وقد تكشف عن تناقضاته، غير إن ذلك لا يتم بهدف التعجيل بانهياره والقضاء عليه، كما تسعى الماركسية، ولكن بهدف إصلاحه لخلق المجتمع العظيم…. .

الثالثة: أنه من ناحية الأسبقية التاريخية، نجد أن مدرسة فرانكفورت هي أولى جماعات النقد الاجتماعي، حيث كان هدفها تطوير الفكر النقدي للماركسية في طابعه الإنساني، غير أنها تخلت عن هذه الإستراتيجية وتبنت إستراتيجية خاصة للنقد تستند إلى مقولات غير تلك التي تستند إليها الماركسية…. .

قدّمت مدرسة فرانكفورت مجموعة من المفاهيم تجمعت حولها ومن أهمها:

الهيمنة: المعنى الدّارج للهيمنة تعني لو أن أحداً هيمن عليّ فإنه قادر بشكل ما على جعلي أعمل ما يرغب هو أن أعمله، لكن ما يهمّ منظّري مدرسة فرانكفورت هو الكشف عن الطريقة التي يهيمن بها النسق (النظام الرأسمالي).

العقل الأداتي: يحمل مضمونين فهو أسلوب لرؤية العالم، وأسلوب لرؤية المعرفة النظرية. فرؤية العالم بوصفه أداة، تعني اعتبار عناصره أدوات نستطيع من خلالها تحقيق غاياتنا( مثال: الشجرة وسيلة لصنع الورق وليست جمالاً). وايضاً المعرفة يمكن أن ينظر إليها باعتبارها أداة ووسيلة لتحقيق غاية، كالفلسفة عندما تستخدم أداة لخدمة العلْم، فالعلم ينتج المعرفة والفلسفة تقوم بالمساعدة في حلّ المشكلات التي تعترض طريق العلم.

الثقافة: الثقافة ذات البعد الواحد - حسب مدرسة فرانكفورت- هي السّبل التي تتبعها المجتمعات والأفراد لوضع تصور عن العالم. ويتحدث ماكوز عن الطريقة التي تنتج بها صناعة الثقافة، بأنها اشباعاً لحاجات زائفة، فالحاجة الحقيقية هي التي تنبع من القوى المبدعة والعقلانية التي تجعل منا كائنات بشرية أو تعبر عنها.

ويمكن تلخيص المرتكزات الأساسية لمدرسة فرانكفورت والمتمثلة في القناعات التالية:

إنّ أفكار البشر هي نتاج للمجتمع الذي يعيشون فيه، وذلك لأن فكر البشر يتحدد اجتماعياً، وهنا نلاحظ خروجاً على المقولة الطبقية.

إنّ على المثقفين أن يتبنوا الحياد الموضوعي، إذ لا ينبغي أن يفصل المثقف الحقيقة عن متضمناتها القيمية، وعلى المثقفين أيضاً أن يقفوا موقفا نقدياً من المجتمع موضع الدراسة، وفي ذلك خروج على الفلسفة الوضعية واقتراب من الماركسية والمثالية النقدية.

إنّ على المثفين أن يقفوا، بالمثل، موقفا نقدياً فكرياً من فكرهم.

إاذا كانت الماركسية هي نظرية المجتمع الصناعي في مرحلة النشأة الاولى، فإن المجتمع الصناعي طرأت عليه تحولات عديدة فرضت ضرورة إعادة فحص كفاءة النظرية الماركسية في ضوء المتغيرات الجديدة.

إذا أردنا الوصول إلى فهم حقيقي، فإن ذلك ينبغي أن يتحقّق من خلال إدراك العلاقة المتبادلة بين البناء الاقتصادي للمجتمع، والنموّ النفسي للفرد والظواهر الثقافية السّائدة.

إذن تعتبر أفكار أعضاء مدرسة فرانكفورت "توليفة" تجمع بين بعض الأفكار الماركسية التقليدية وبين الأفكار المتكيفة مع تغيرات المجتمع الصناعي الجديد.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل هناك نظرية نقدية عربية؟

في الحقيقة لا أستطيع الجزم في الإجابة على هذا السؤال. سوى القول بإسهامات بعض الباحثين العرب في إبراز مساهمات أعضاء هذه المدرسة وتقريبها للقارئ العربي. إنّنا قد درجنا منذ زمن على أن نستقبل معظم أفكارنا الحديثة إمّا من العالم الرأسمالي وإمّا من بقايا العالم الاشتراكي، فهناك يتم إنتاج الفكر الذي يضيف جديداً إلى بنية العلم والمعرفة المتراكمين بكثافة، وما على شعوبنا إلّا أن تمارس وظيفتها المعتادة في الوقوف عند حدّ استهلاك الفكر المنتج الآتي من هناك. وهذا يذكرني بمقولة ابن خلدون " المغلوب مولع بتقليد الغالب". لكنه يمكن القول على وجه العموم بأن حركة النقد بمفهومه العام قد نشطت بعد الخمسينات في ظل انتشار الثقافة التنويرية في الوطن العربي، وبات يتردد مصطلحات النقد ونقد النقد.. وقرأنا مشاريع نقدية لمجموعة من المثقفين العرب مثل الطيب تيزيني، ومحمد أركون، ومحمد عابد الجابري… وغيرهم، لكننا نحتاج إلى نظرية نقدية عربية، تصاغ في ظل شروط ثقافية تؤطر للمناخ العربي مع الاستفادة من الفكر الإنساني عموماً. إنّني اعترف أنّ هناك سهولة في طرح ما يجب علينا فعله لكن الصعوبة تكمن في بلورته مشروعاً وفي ظل إنتاجية مبدعة.

وإذ أقدم هذه الترجمة، أذكر أن من أوائل موضوعات البحث التي قدمتها في الجامعة هي مدرسة فرانكفورت. بيد أن ما كنت أقدمه- وحسب طبيعة البحث الأكاديمي- كان يتناول مدرسة فرانكفورت من زوايا معينة كمدرسة نقدية، أو كمساهماتهم في مجال علم اجتماع التربية… هذه الترجمة تحاول تقديم سيرة ذاتية معرفية متكاملة عن مدرسة فرانكفورت مستوعبة المراحل التي مرّت بها المدرسة، والتي تفاعلت مع التغيرات التي حدثت خلال القرن العشرين.

سيرة ذاتية:
مدرسة فرانكفورت،هي المدرسة النظرية النقدية الماركسية المحدثة، والبحث الاجتماعي، والفلسفة.ظهر التجمع في معهد البحث الاجتماعي (Institut für Sozialforschung) جامعة فرانكفورت في ألمانيا، عندما أصبح ماكس هوركهايمر Max Horkheimer مديراً للمعهد في 1930. مصطلح "مدرسة فرانكفورت" مصطلح غير رسمي يستخدم للتعبير عن المفكّرين الذين انتسبوا لمعهد البحث الاجتماعي أَو الذين تأثروا به. هو لَيس عنواناً لأي مؤسّسة، والمفكّرون الرئيسيون لمدرسة فرانكفورت لَمْ يستخدموا التعبير لوصْف أنفسهم.

تجمّعتْ مدرسة فرانكفورت من ماركسيين معارضين dissident Marxists، وجهوا الانتقاد الحادّ للرأسمالية capitalism،في الوقت نفسه اعتقدوا بأنّ البعض منْ أتباع ماركس جاؤوا كببغاوات يُضيّقون خيارات أفكار ماركس. تأثرت مدرسة فرانكفورت، خصوصاً، بفشل ثورات الطبقة العاملة في أوربا الغربية بعد الحرب العالمية الأولى ، وبنموّ النازية في أمّة متقدّمة اقتصادياً وتقنياً (ألمانيا)، وافقوا على مهمّة اختيار أجزاءً من فكر ماركس، التي قد تخدم توضيح الأوضاع الاجتماعية التي لم يسبق لماركس نفسه أن رآها.

أما ماكس فيبرMax Weber فقد مارس تأثيرا رئيسياً على مدرسة فرانكفورت، كما تأثروا بأعمال سيجموند فرويد Sigmund Freud (كما في مؤلف هربرت ماركس "التحليل الماركسي الفرويدي" في العام 1954).

تأكيدهم على المكوّن "النقدي" للنظرية اشتق بشكل ملحوظ من محاولتهم التغلب على تحديدات الفلسفة الوضعية positivism، والمادية غير الناضجة materialism، والفينومينولوجيا phenomenology،عن طريق العودة إلى فلسفة كانت Kant النقدية وورثته في الفلسفة المثالية الألمانيةGerman idealism. التأثير الرئيسي كان أيضاً مما نشر في الثلاثينات من مخطوطات ماركس الفلسفية الاقتصادية والأيدلوجية .وماركوز Marcuse من أوائل من بينوا الأهمية النظرية لهذه النصوص.

النظرية النقدية:

النظرية النقدية، في علم الاجتماع والفلسفة، هي اختزال للنظرية النقدية للمجتمع. هي مورست من قبل أعضاء مدرسة فرانكفورت، وشبكتهم الثقافية والاجتماعية، وأولئك المتأثرين بواسطتهم بشكل ثقافي لتوصيف عملهم الخاص. إنّ عمل المدرسة موجه نحو التغيير الاجتماعي الراديكالي، والمغايرة ل "النظرية التقليدية"، وبمعنى آخر: للنظرية عند الوضعيين positivistic، ايضا النظرية النقدية استخدمت في الادب والنقد الأدبي والدراسات الثقافية.

المنظرون الاجتماعيون النقديون كانوا ماركسيين،هم جزئياً تأثروا بصوت أقل جدلية سياسية من "الماركسية". على الرغم من هذا كان هناك أسباب جوهريةَ أخرى لهذا الاختيار.

أولاً: كانوا يرتبطون بشكل واضح بالفلسفة النقدية لإمانويل كانت Immanuel Kant. في السياق الثقافي تحددت عن طريق الفلسفة الوضعية والاشتراكية العلمية الدوغماتية "scientific socialism، من ناحية أخرى النظرية النقدية قصدت الإصلاح، من خلال مداخلها النقدية الفلسفية الموجهة نحو الأفكار الثورية revolutionary، وذلك عندما بدأت في الهبوط.

ثانيا: ضمن سياق كل من الماركسية اللينينية Marxist-Leninist والديمقراطية الاجتماعية الارثوذكية Social-Democratic orthodoxy، أكّد أعضاء مدرسة فرانكفورت أن الماركسية نمط جديد من العلم الوضعي positive science، كانوا يرتبطون بالابستمولوجية الضمنية لأعمال كارل ماركس، التي قدّمتْ نفسها كنقد، كما في ماركس "رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي ". أيضاً أَكّدوا بأنّ ماركس كان يحاول خلق نمط جديد من التحليل النقدي موجّه نحو وحدة النظرية والممارسة الثورية، بالأحرى نمط جديد من العلم الوضعي. النقد في هذا الحسّ الماركسي Marxian يعنى أخْذ أيديولوجية المجتمع (ومثال على ذلك: - "حرية الفرد " "freedom of the individual أَو" المساواة" equality تحت النظام الرأسمالي). ويناقشه بمقارنته بالحقيقة الاجتماعية للمجتمع (ومثال على ذلك:تبعية الفرد للتركيب الطبقي أَو التباين الاجتماعي الحقيقي تحت النظام الرأسمالي). هي أيضاً، خصوصاً في المراحل التالية لمدرسة فرانكفورت، عنيت بمناقشة الحقيقة الاجتماعية الحالية، من ناحية إمكانية الحرية والسعادة الإنسانية التي وجدت ضمن تلك الحقيقة نفسها (ومثال على ذلك: استخدام التقنيات لاستغلال الطبيعة، التي يمكن أن تستخدم لحماية الطبيعة conservation of nature).

( يقدّم النص المترجم أربعة أجيال أو أربع مراحل مرّت بمدرسة فرانكفورت والتي تدلّ على ديناميكية هذه المدرسة، حيث أن القانون الثابت الذي لايتغير عند هؤلاء هو "قانون التغيير"- المترجم).

المرحلة الأولى:
التأثيرات الثقافية والتأكيدات النظرية للجيل الأولِ لأعضاء مدرسة فرانكفورت يمكن أن تلخّص كالتالي:

المواقف التاريخية The historical situation: الانتقال من الرأسمالية ذات النطاق الضيق إلى الرأسمالية الإحتكارية والإمبريالية monopoly capitalism and imperialism؛ نموّ الحركة العمالية الاشتراكية socialist labor، التحوّلات الإصلاحية؛ ظهور دولة الرفاه/ الحروب warfare/welfare state؛ الثورة الروسية ونهوض الشيوعية؛ زمن التكنولوجيات الحديثة؛ ظهور الإعلام الجماهيري والثقافة الجماعية، الفنّ "الحديث"؛ نهوض النازية Naziism.

النظرية الويبيرية Weberian: التحليل التاريخي المقارن للعقلانية rationalism الغربية في الرأسمالية، الدولة الحديثة، العقلية العلمية العلمانية secular، الثقافة، والدين؛ تحليل أشكالِ الهيمنة domination عموماً والهيمنة البيروقراطية العقلانية القانونية الحديثة بشكل خاص؛ تفصيل الطريقة التفسيرية المميّزة للعلومِ الاجتماعية.

النظرية الفرويدية Freudian theory: نقد التركيب القمعيِ/ الكبتي ل"مبدأ الحقيقة" في الحضارة المتقدّمة والاضطراب العصبي neurosis الطبيعي للحياة العادية؛ إكتشاف العقل الباطن unconscious، التفكير عملية أساسية، تأثير عقدة أوديب Oedipus complex وقلق الحياة النفسية؛ تحليل القواعد النفسية للاستبدادية authoritarianism والسلوك الاجتماعي اللاعقلاني.

نقد الفلسفة الوضعية Critique of Positivism: نقد الفلسفة الوضعية كفلسفة، كمنهجية علمية، كأيديولوجية سياسية، من خلال العودة إلى هيجل Hegel؛ إعتماد العناصر النقدية في الفينومينولوجيا phenomenology ، التاريخانية historicism ، الوجودية existentialism، نقد التاريخ، الاتجاهات المثالية؛ نقد الفلسفة الوضعية والبراجماتية المنطقيّة positivism and pragmatism.

الحداثة الجمالية Aesthetic modernism: نقد الشكل والخبرة المجسَّدة عن طريق اختراق اللغة و أشكالها التقليدية ؛ إسقاط projection الأنماط البديلة للوجود والتجربة؛ تحرير العقل الباطن؛ الوعي الاستثنائي، الاتجاهات الحديثة؛ نقد صناعة الثقافةَ والثقافة "الوثوقية" affirmative؛ واليوتوبيا الجمالية aesthetic utopia.

النظرية الماركسية Marxian: نقد الأيديولوجية البرجوازية bourgeois؛ المادية التاريخية historical materialism؛ التأريخ كصراع طبقي class struggle واستغلال العمال في مختلف جوانب الإنتاج؛ التحليل المنظومي للرأسمالية كانتزاع العمل الفائض surplus labor من خلال العملِ الحر في السوق الحرّة؛ وحدة النظرية والممارسة؛ التحليل من أجل الثورة، الديمقراطية الاشتراكية socialist democracy، المجتمعات اللاطبقية.

نظرية الثقافة Culture theory: نقد الثقافة الجماعية كأداة قمعية،نقد الثقافة الغربية كثقافة هيمنة ؛ الخلاف الجدلي dialectic للأبعاد القمعية للثقافة الخاصّة؛إعادة تقييم transvaluation تعليم شيلير Schiller الجمالي.

تجمعتْ هذه التأثيرات لخلق النظرية النقدية للثقافة (في مرحلة الجيل الأول):مناهضة قوى اللاحرية ولا العقلانية في المجتمع الرأسمالي الصناعي المتقدم (الممثلة في الفاشية fascism)، النظرية النقدية الشاملة، الايديولوجيا النقدية، الانعكاس الذاتي التاريخي، توجيه النظرية بشكل آني لتوضيح ومكافحة الهيمنة والتهميش والمساعدة على تبني الإنسانية العقلانية، الديمقراطية، والمجتمع الاشتراكي. طوّر منظري النقدية نظرية متكاملة منْ بنى الهيمنة النفسية والثقافية والسياسية والاقتصادية للحضارة الصناعية المتقدّمة.

المنظرون الرئيسيون لهذه المرحلة: ماكس هوركهايمر Max Horkheimer ، ثيودور أدورنو Theodor W. Adorno، والتر بينجامين Walter Benjamin ، هربرت ماكوز Herbert Marcuse، ليو لوينتال Leo Lowental فريدريك بولّوك Friedrich Pollock، إريك فرومّ Erich Fromm.

الأعمال الرئيسية تَتضمّن:

هوركهايمر و أدورنو: جدل التنوير The Dialectic of Enlightenment،

هوركهايمر : النظرية النقدية Critical Theory.

أدورنو: الشخصية الاستبدادية The Authoritarian Personality، والنظرية الجمالية Aesthetic Theory ،ومقدمة في علم اجتماع الموسيقى Introduction to the Sociology of Music.

بنجامين: أطروحات فلسفة التاريخ Theses on the Philosophy of History.

ماركوز: العقل والثورة Reason and Revolution ، والماركسية السوفييتية Soviet Marxism ، ودراسات في الفلسفة النقدية Studies in Critical Philosophy،

لوينتال: الثقافة الشعبية Popular Culture ، المجتمع Society.

فرومّ: الهروب من الحرية Escape from Freedom.

الطبيعة الماركسية بنفسها شكّلتْ المرتكز الثاني للمعهد، وفي هذا السياق، مفهوم النظرية النقدية عبّر عن عدّة أهداف:

أولاً: التَغاير عن الأفكار التقليدية للنظرية، التي كانت بشكل كبير إما وضعية أَو علمية.

ثانيا: سمح المصطلح لهم الهروب من السمة المشحونة سياسياً "الماركسية."

ثالثا: ارتباطهم بشكل واضح ب"الفلسفة النقدية" لإمانويل كانت Kant.

في الستّينات، طور يورجن هابرماس Jurgen Habermas (الوريث المعاصر لمدرسة فرانكفورت) مناقشة ابستمولوجية epistemological إلى مستوى جديد، في كتابه "المعرفة والمصالح البشرية" "Knowledge and Human Interests" 1968 ، بتعريف المعرفة النقدية كمستندة على المبادئ التي ميّزتها عن العلوم الطبيعة أَوالعلوم الإنسانية، من خلال توجهاته للانعكاس الذاتي والتحرر self-reflection and emancipation.

بالرغم من تمييز هوركهايمر بين النظرية التقليدية والنظرية النقدية فهناك احساس أن مدرسة فرانكفورت ترجمت مقولة ماركس المأثورة: الفلاسفة فسروا العالم لكن الأهم هو تغييره. المعهد حاول إعادة صياغة الديالكتيك كطريقة متماسكة، بشكل مستمر، وعيا للجذور الاجتماعية الخاصة للتفكير والمجموعات الخاصة للقوى التي أَثّرت على إمكانية التحرير. وفقاً لذلك، رفضتْ النظرية النقدية الميتافيزيقا الماديةَ materialist metaphysics للماركسية الأرثوذكسية. عند هوركهايمر وزملائه، تعني المادية توجه النظرية نحو الممارسة ونحو إنجاز الحاجات الإنسانية،هي لَيست بيانا غيبيا حول طبيعة الحقيقة.

المرحلة الثانية:
تركز المرحلة الثانية لنظرية مدرسة فرانكفورت النقدية، أساساً، على عملين الذي يصنّف مؤلفوها ككلاسيكيي فكر القرن العشرين: هوركهايمر وأدورنو في ديالكتيك او جدل التنوير(1944) وأدورنو ومينيما موراليا Minima Moralia في (1951).

كتب المؤلفون كلا العملين أثناء منفى المعهد في أمريكا في الفترة النازية. بينما يحتفى بمعظم تحليلات الماركسيين، هذه الأعمال النظرية النقدية غيرت تأكيدات الماركسيين. نقد الرأسمالية تحوّل إلى نقد للحضارة الغربية ككل. في الحقيقة، يستعمل جدل التنوير كبارادايم(النموذج الارشادي) لتحليلِ الوعي البرجوازي.

العديد من أعمال هوركهايمر وأدورنو سيطرت على الفكر الاجتماعي في السنوات الأخيرة: الهيمنة على الطبيعة تظهر كقضية مركزية للحضارة الغربية، الأيكولوجيا أصبح مصطلحا شائعا اليوم.

(في سياق هذه الأعمال يقدم أدورنو رؤيته للجدل بمحاذاة الحقيقة – المترجم): عندما يظهر بأن الحقيقة بنفسها أَصبحتْ أيديولوجيا، المساهمة الأعظم أن النظرية النقدية يمكن أَنْ تُصنع لتستكشف التناقضات الجدليةَ للتجربة الشخصية الفردية من ناحية، ولإبقاء حقيقة النظرية من ناحية أخرى. حتى الجدل يمكن أَنْ يصبح وسيلة للهيمنة: "حقيقته أَو غير حقيقته، لذا، لَيس متأصلَا في الطريقة نفسها، لكن في قصده في العملية التاريخية- الكلام لأدورنو." وهذا القصد يجب أَنْ يكون نحو الحرية والسعادة التكاملية: "الفلسفة الوحيدة التي يمكن أَنْ تزاول بمسؤولية في وجه اليأس، محاولة تأمل كلّ الأشياء كما هي تقدّم نفسها من وجهة نظر التحرير". يختم أدورنو: "لكن بجانب هذا المطلب ، سؤال الحقيقة أَو الوهم تحرير نفسه أمر بالغ الصعوبة.."

أدورنو موسيقار، كتب فلسفة الموسيقى الحديثة، التي فيها هو، جوهرياً، يجادل ضدّ الجمال نفسه — لأنه أَصبح جزء من أيديولوجيا المجتمع الرأسمالي المتقدّم و أنه يساهم في الهيمنة . يبقي الفنُّ والموسيقى طليعة الحقيقةَ عن طريق أسْر حقيقة المعاناة الإنسانية. وجهة النظر هذه للفنّ الحديث، بأنّها حقيقة منتجة من خلال إنكار الشكلِ الجمالي التقليدي والمعايير التقليدية للجمالِ لأنه أصبح أيديولوجيا، هي خاصية أدورنو ومدرسة فرانكفورت عموماً.

المرحلة الثالثة:
من هذه الأفكار بقي فقط خطوة قصيرة للمرحلة الثالثة لمدرسة فرانكفورت،والتي تَزامنت مع فترة ما بعد الحرب ، خصوصاً منْ أوائل الخمسينات إلى أواسط الستينات. مع نمو المجتمع الصناعي المتقدّم تحت أوضاع الحرب الباردة، اعترف النقديون بأنّ بناء الرأسمالية والتاريخ تغيّر بشكل حاسم، وبأنّ أنماط الظلم تظهر بشكل مختلف، وبأنّ الطبقة العاملة الصناعية لَن تبقى طويلا محتمة رفض الرأسمالية. هذا قاد للمحاولة لتجذير الجدل في طريقة متحررة من السّلبية، كما في عمل ماركوز " الإنسان ذو البعد الواحد" و"الجدل السلبي" لأدورنو. أثناء هذه الفترة.

معهد البحث الاجتماعي استقر ثانية في فرانكفورت- ألمانيا (بالرغم من أن العديد من أعضائه بقي في الولايات المتحدة)، أهمية المعهد في هذه المرحلة لَيس مجرّد استمرار بحوثه لكن بقيادته القوى نحو التعليم الاجتماعي ودمقرطة ألمانيا الغربية. هذا قاد إلى تنظيم مؤكد للمعهد كامَل تراكم البحث التجريبي مع التحليلِ النظريِ.

هذه التغيّرات ساعدت على تمهيد الطريق أمام المرحلة الرابعة، المرحلة الحالية لمدرسة فرانكفورت، المشكّلة عن طريق نظرية التواصل عند هابرماس Habermas ( نظرية التواصل، واحدة من أهم إضافات يورغن هابرماس، وتتعلّق بمباحث الفلسفية العملية: آليات الحوار والمناقشة والمحادثة والمساجلة والمناظرة، أي كل ما من شأنه فهم سلّم العلاقات المتدرجة التي تربط الأنا بالآخر- المترجم ).

المرحلة الرابعة:
يأخذ عمل هابرماس مدرسة فرانكفورت بمنطقية، الموضوع الإنساني، الإشتراكية الديمقراطية، والطريقة الجدلية. ويتغلب على مجموعة التناقضات التي دائما تضعف النظرية النقدية: التناقضات بين الطرق المادية والمثالية(غير المدركة)، بين النظرية الماركسية الاجتماعية والفرضيات الفردانية للعقلانية النقدية، بين عقلنة التقني والاجتماعي، بين الظواهر الثقافية والنفسية من ناحية والبناء الاقتصادي للمجتمع من ناحية أخرى.

مدرسة فرانكفورت تجنبت اتخاذ موقف من العلاقة الدقيقة بين الطرائق المادية والمثالية، التي أدّت إلى الغموض في كتاباتها وتشويشها على قرّائها. ابستمولوجية هابرماس ركبّت هاتين الطريقتين عن طريق عرض التحليل المثالي والفينومينولوجي،التي يمكن أن تتضمن النظرية المادية للتطور الاجتماعي، بينما النظرية المادية تصبح مفهوماً فقط كجزء من نظرية شبه مثالية للمعرفة التحررية التي هي الانعكاس الذاتي للتطور الثقافي. بشكل آني تصبح الطبيعة الامبيريقية والمثالية للمعرفة التحرّرية الحجر الأساس للنظرية النقدية.

في البناء الاجتماعي لاستعمال اللغة، يحرّك هابرماس مكان العقلانية من الموضوع المستقل ذاتياً إلى المواضيع التفاعلية interaction. العقلانية ملكية لَيستْ للأفراد بحدّ ذاتها، لكن بالأحرى لبنى التواصل communication غير المشوّهة. في هذه الفكرة هابرماس يتغلب على المحنة الغامضة للموضوع في النظرية النقدية. إذن يُضعف المجتمع التقني الرأسمالي الحكم الذاتي وعقلانية الموضوع، لَيس من خلال هيمنة الفرد بواسطة الأدوات apparatus لكن من خلال العقلانية التقنية technological rationality حيث ينتزع العقلانية الموصفة للتواصل.

وفي تخطيطه للأخلاق الصريحة كمرحلة أعلى في المنطق الداخلي لتطور الأنظمة الأخلاقية، يلمّح هابرماس لمصدر ممارسة سياسية جديدة التي تدمج أولويات العقلانية التطوّرية evolutionary rationality.(للرّجوع إلى أفكار هابرماس ممكن قراءة الكتاب المهم لايان كريب: النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، عالم المعرفة،عدد244، العام 1999- المترجم ).
أثرت نظرية مدرسة فرانكفورت النقدية على بعض أجزاء الفكر اليساريِ (خصوصاً اليسار الجديد). هربرت ماركوز Herbert Marcuse كان من حين لآخر يوصف كعالم نظري أَو سلف ثقافي لليسار الجديد New Left. نقدهم التقنية، الكلي، الغائية و(من حين لآخر) الحضارة المؤثرة على البدائيانية primitivism. نقاشاتهم الثقافيِة مؤثرة بشدّة ،أيضاً،على الثقافة الشعبية ودراسات الثقافة الشعبية العلمية.

نقّاد مدرسة فرانكفورت:
ظهرت عدّة تيارات نقدت مدرسة فرانكفورت. يصرّح بعض النقّاد بأنّ المنظور الثقافي لمدرسة فرانكفورت نقد نخبوي، رومانسي للثقافة الجماعية مع مظهر ماركسي جديد مصطنع. النقد الآخر، موجه من اليسار، بأنّ النظرية النقدية شكلّت المثالية البرجوازية التي لَيس لها علاقة متأصّلة بالممارسة السياسية ومعزولة كلياً عن أيّة حركة ثورية مستمرة.

النقّاد البارزون لمدرسة فرانكفورت: هينرايك غروسمان Henryk Grossman،امبيرتو ايكو Umberto Eco، مايك جولدن Mike Godwin. و جورج لوكاس Georg Lukács.

المراجع:
Andrew Arato & Eike Gebhardt (eds.) "The Essential Frankfurt School Reader" (ISBN 0-8264-0194-5)

Seyla Benhabib "Critique، Norm، and Utopia: A Study of the Foundations of Critical Theory" (ISBN 0-231-06165-X)

Tom Bottomore. "The Frankfurt School and its Critics" (ISBN 0-415-28539-9)

Stephen Eric Bronner and Douglas MacKay Kellner (eds.) "Critical Theory and Society: A Reader" (ISBN 0-415-90041-7)

Richard A. Brosio. "The Frankfurt School: An Analysis of the Contradictictions and Crises of Liberal Capitalist Societies"

George Friedman. The Political Philosophy of the Frankfurt School، Ithaca & New York، Cornell University Press، 1981 ISBN 0-8014-1279-X.

David Held. "Introduction to Critical Theory: Horkheimer to Habermas" (ISBN 0-520-04175-5)

David Ingram and Julia Simon-Ingram. "Critical Theory: The Essential Readings" (ISBN 1-55778-353-5)

Martin Jay. The Dialectical Imagination: A History of the Frankfurt School and the Institute for Social Research 1923-1950، Berkeley، University of California Press، 1996 ISBN 0-520-20423-9.

Marxists Internet Archive. The Frankfort School and "Critical Theory." http://www.marxists.org

Neil McLaughlin - Origin Myths in the Social Sciences: Fromm، the Frankfurt School and the Emergence of Critical Theory [1]

Jeremy J. Shapiro. "The Critical Theory of Frankfurt"، in: Times Literary Supplement، No. 3، Oct. 4، 1974، 787. (Material from this publication has been used or adapted for the present article with permission).

Rudolf J. Siebert. "The Critical Theory of Religion: The Frankfurt School" (ISBN 0-8108-4140-1)

Rolf Wiggershaus. The Frankfurt School: Its History، Theories and Political Significance، Cambridge، Mass.، The MIT Press، 1995 ISBN 0-262-73113-4

ملاحظة:صادر عن فريق الترجمة في شبكة العلمانيين العرب http://www.3almani.org